في القصص القرآنيّ، ومن خلال الأمثال الَّتي يريدنا الله تعالى الاعتبار منها واستخلاص الدّروس، نجد الغنى في التّشبيه والتّمثيل للأفكار الّتي يثيرها الله تعالى في آياته الكريمة، كي تكون حافزاً ومدعاةً لنا للتذكّر والتفكّر والنّهوض والتّغيير وإصلاح الحال والنّفوس.
يقول تعالى في محكم كتابه العزيز: {ضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}[الزمر: 29].
يحاول القرآن الكريم تقريب فكرة التَّوحيد والشّرك في الإنسان وكيف يعايش الحالتين، فيضرب مثلاً للرّجل الّذي فيه شركاء متشاكسون، أي مختلفين في طلباتهم ومشاريعهم ورغباتهم، فيصبح هذا الرّجل تبعاً لهؤلاء، تائهاً مشتَّتاً في ذهنه ومعتقده وحركته، تماماً كحال المشرك بالله، الّذي يحتار من يرضي، ويتّبع آلهة الهوى وزعماء المال والسّلطة والجاه.
في المقابل، فإنَّ حال الرّجل السّلَم هو حال الإنسان الموحِّد لله الّذي يعيش أمان الفكر والشّعور والموقف وطمأنينة النّفس والحركة، لأنّه ينتمي إلى ربٍّ واحدٍ وخالقٍ واحد، وبالتّالي، فهو يعرف هدفه ومشروعه في الحياة الدّنيا وفي الآخرة.
وفي تفسير هذه الآية الكريمة، يقول العلامة المرجع السيِّد محمّد حسين فضل الله: "{ضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ}، متشاجرون، تبعاً لاختلاف مصالحهم وطباعهم السيِّئة، فكلّ واحدٍ منهم يريد الاحتفاظ به لنفسه، وتوجيهه إلى أفكاره ومشاريعه، ما يجعله موزّع الشّخصيَّة والانتماء والحركة مع هذا أو ذاك، وهكذا يتمثَّل المشركون الخاضعون لأكثر من إلهٍ في الانتماء والعبادة والحركة.. {وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ}، أي خالصاً لرجلٍ لا يشاركه فيه أحد، فهو يتحرَّك معه ضمن خطّةٍ واحدةٍ ونهجٍ واحدٍ في أوامره ونواهيه وتوجيهاته.
وهكذا هو الإنسان المؤمن في إيمانه بالله الواحد، وفي التزامه بأوامره ونواهيه، وفي انطلاقته في معنى العبادة في توحيد الله، الّذي يؤدّي إلى شعوره بالحريّة أمام النّاس كلّهم والكون كلِّه... {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً}، فهما ليسا في المستوى نفسه، ولا سيَّما عند الدّخول في مقارنةٍ حول الواقع النّفسيّ والعمليّ الّذي يعيشه إنسان الإيمان وإنسان الشِّرك.
{الْحَمْدُ للهِ} على وضوح الحقيقة، وعلى سلامة التصوّر للعقيدة في وحدانيَّة الله وفي عظمته وحكمته ورحمته.. {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}، لأنهم مشدودون إلى ما حولهم من قضايا الحسّ، فلا يتطلّعون إلى الغيب المنفتح على الله، ليعرفوا كيف يجب عليهم توحيده في العبادة، ورفض عبادة غيره الّذي لا يملك لنفسه ضرّاً ولا نفعاً إلا به". [تفسير من وحي القرآن، ج 19، ص 330، 331].
أمّا المفسِّر الطّبري، فيقول: "مثّل الله مثلاً للكافر بالله، الَّذي يعبد آلهةً شتّى، ويطيع جماعةً من الشّياطين، والمؤمن الّذي لا يعبد إلا الله الواحد، يقول ـ تعالى ذكره ـ ضرب الله مثلاً لهذا الكافر، رجلاً فيه شركاء، هو بين جماعة مالكين متشاكسين، يعني مختلفين متنازعين، سيّئة أخلاقهم، من قولهم: رجل شكس، إذا كان سيّئ الخلق، وكلّ واحدٍ منهم يستخدمه بقدر نصيبه وملكه فيه، ورجلاً مسلماً لرجل، يقول: ورجلاً خلوصاً لرجل، يعني المؤمن الموحِّد الذي أخلص عبادته لله، لا يعبد غيره، ولا يدين لشيءٍ سواه بالربوبيّة.. وبالنّحو الّذي قلنا في ذلك. قال أهل التّأويل: وقوله: {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً}، يقول ـ تعالى ذكره ـ هل يستوي مثل هذا الّذي يخدم جماعة شركاء سيِّئة أخلاقهم، والّذي يخدم واحداً لا ينازعه فيه منازع، إذا أطاعه عرف له موضع طاعته وأكرمه، وإذا أخطأ صفح له عن خطئه؟ يقول: فأيّ هذين أحسن حالاً، وأروح جسماً، وأقلّ تعباً ونصباً؟ وقوله: {الْحَمْدُ للهِ}، الشّكر الكامل والحمد التّامّ لله وحده دون كلّ معبودٍ سواه، وقوله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}، يقول ـ جلّ ثناؤه ـ وما يستوي هذا المشرك فيه، والّذي هو منفرد ملكه لواحد، بل أكثر هؤلاء المشركين بالله، لا يعلمون أنّهما لا يستويان، فهم بجهلهم بذلك، يعبدون آلهةً شتّى من دون الله".[تفسير الطّبري، ج23، ص255].
فلنتمسَّك بتوحيدنا لله تعالى، ولنعش هذا التّوحيد بكلّ تجلّياته وأبعاده في حياتنا العمليّة، حتى نعيش السَّلام والأمان والطّمأنينة والتَّوازن وسلامة المصير.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

في القصص القرآنيّ، ومن خلال الأمثال الَّتي يريدنا الله تعالى الاعتبار منها واستخلاص الدّروس، نجد الغنى في التّشبيه والتّمثيل للأفكار الّتي يثيرها الله تعالى في آياته الكريمة، كي تكون حافزاً ومدعاةً لنا للتذكّر والتفكّر والنّهوض والتّغيير وإصلاح الحال والنّفوس.
يقول تعالى في محكم كتابه العزيز: {ضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}[الزمر: 29].
يحاول القرآن الكريم تقريب فكرة التَّوحيد والشّرك في الإنسان وكيف يعايش الحالتين، فيضرب مثلاً للرّجل الّذي فيه شركاء متشاكسون، أي مختلفين في طلباتهم ومشاريعهم ورغباتهم، فيصبح هذا الرّجل تبعاً لهؤلاء، تائهاً مشتَّتاً في ذهنه ومعتقده وحركته، تماماً كحال المشرك بالله، الّذي يحتار من يرضي، ويتّبع آلهة الهوى وزعماء المال والسّلطة والجاه.
في المقابل، فإنَّ حال الرّجل السّلَم هو حال الإنسان الموحِّد لله الّذي يعيش أمان الفكر والشّعور والموقف وطمأنينة النّفس والحركة، لأنّه ينتمي إلى ربٍّ واحدٍ وخالقٍ واحد، وبالتّالي، فهو يعرف هدفه ومشروعه في الحياة الدّنيا وفي الآخرة.
وفي تفسير هذه الآية الكريمة، يقول العلامة المرجع السيِّد محمّد حسين فضل الله: "{ضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ}، متشاجرون، تبعاً لاختلاف مصالحهم وطباعهم السيِّئة، فكلّ واحدٍ منهم يريد الاحتفاظ به لنفسه، وتوجيهه إلى أفكاره ومشاريعه، ما يجعله موزّع الشّخصيَّة والانتماء والحركة مع هذا أو ذاك، وهكذا يتمثَّل المشركون الخاضعون لأكثر من إلهٍ في الانتماء والعبادة والحركة.. {وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ}، أي خالصاً لرجلٍ لا يشاركه فيه أحد، فهو يتحرَّك معه ضمن خطّةٍ واحدةٍ ونهجٍ واحدٍ في أوامره ونواهيه وتوجيهاته.
وهكذا هو الإنسان المؤمن في إيمانه بالله الواحد، وفي التزامه بأوامره ونواهيه، وفي انطلاقته في معنى العبادة في توحيد الله، الّذي يؤدّي إلى شعوره بالحريّة أمام النّاس كلّهم والكون كلِّه... {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً}، فهما ليسا في المستوى نفسه، ولا سيَّما عند الدّخول في مقارنةٍ حول الواقع النّفسيّ والعمليّ الّذي يعيشه إنسان الإيمان وإنسان الشِّرك.
{الْحَمْدُ للهِ} على وضوح الحقيقة، وعلى سلامة التصوّر للعقيدة في وحدانيَّة الله وفي عظمته وحكمته ورحمته.. {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}، لأنهم مشدودون إلى ما حولهم من قضايا الحسّ، فلا يتطلّعون إلى الغيب المنفتح على الله، ليعرفوا كيف يجب عليهم توحيده في العبادة، ورفض عبادة غيره الّذي لا يملك لنفسه ضرّاً ولا نفعاً إلا به". [تفسير من وحي القرآن، ج 19، ص 330، 331].
أمّا المفسِّر الطّبري، فيقول: "مثّل الله مثلاً للكافر بالله، الَّذي يعبد آلهةً شتّى، ويطيع جماعةً من الشّياطين، والمؤمن الّذي لا يعبد إلا الله الواحد، يقول ـ تعالى ذكره ـ ضرب الله مثلاً لهذا الكافر، رجلاً فيه شركاء، هو بين جماعة مالكين متشاكسين، يعني مختلفين متنازعين، سيّئة أخلاقهم، من قولهم: رجل شكس، إذا كان سيّئ الخلق، وكلّ واحدٍ منهم يستخدمه بقدر نصيبه وملكه فيه، ورجلاً مسلماً لرجل، يقول: ورجلاً خلوصاً لرجل، يعني المؤمن الموحِّد الذي أخلص عبادته لله، لا يعبد غيره، ولا يدين لشيءٍ سواه بالربوبيّة.. وبالنّحو الّذي قلنا في ذلك. قال أهل التّأويل: وقوله: {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً}، يقول ـ تعالى ذكره ـ هل يستوي مثل هذا الّذي يخدم جماعة شركاء سيِّئة أخلاقهم، والّذي يخدم واحداً لا ينازعه فيه منازع، إذا أطاعه عرف له موضع طاعته وأكرمه، وإذا أخطأ صفح له عن خطئه؟ يقول: فأيّ هذين أحسن حالاً، وأروح جسماً، وأقلّ تعباً ونصباً؟ وقوله: {الْحَمْدُ للهِ}، الشّكر الكامل والحمد التّامّ لله وحده دون كلّ معبودٍ سواه، وقوله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}، يقول ـ جلّ ثناؤه ـ وما يستوي هذا المشرك فيه، والّذي هو منفرد ملكه لواحد، بل أكثر هؤلاء المشركين بالله، لا يعلمون أنّهما لا يستويان، فهم بجهلهم بذلك، يعبدون آلهةً شتّى من دون الله".[تفسير الطّبري، ج23، ص255].
فلنتمسَّك بتوحيدنا لله تعالى، ولنعش هذا التّوحيد بكلّ تجلّياته وأبعاده في حياتنا العمليّة، حتى نعيش السَّلام والأمان والطّمأنينة والتَّوازن وسلامة المصير.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.