كمثل الشّيطان إذ قال للإنسان اكفُر

كمثل الشّيطان إذ قال للإنسان اكفُر

ونبقى مع قصَّة جديدة من قصص القرآن الكريم، والَّتي نأخذ منها الدّروس والعِبَر، ومنها الاحتراز من شرور الشَّيطان، وتغريره لنا، وتزيينه السّيِّئات، حتى لا نقع فيها خائبين، يقول سبحانه وتعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ}[الحشر: 16ـ17].

في البداية، تحدّثنا الآية عن المنافقين الَّذين يضلّلون النّاس ويمنّونهم بالأماني الكاذبة، وعن الَّذين تملّك بهم الشّيطان وأغواهم، فكان عاقبته وعاقبتهم في النّار وفي العذاب يوم القيامة: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}[النحل: 111]، وربما المقصود بالإنسان الجنس البشريّ الّذي يخضع لغواية الشّيطان وخداعه. وفي روايات منقولة أنّه رجل عابد يدعى برصيصا، قد تعبّد لله سبعين سنة ـ كما يروي ابن عبّاس ـ وكان يؤتى له بالمجانين ليداويهم ويدعو لهم، فجاؤوا إليه يوماً بامرأة ليداويها، فزيّن له الشّيطان، ففجر بها وحملت منه، ولمّا تبيّن حملها قتلها ودفنها، ودلّ الشّيطان أهلها على مكان دفنها، ولما أرادوا صلبه ووضعوه على الخشبة، ظهر له الشّيطان، وطلب منه الإيماء بالسّجود له، فأومأ له بالسّجود، فكفر بالله ثمّ مات.

ويعلّق سماحة العلامة المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله(رض) على هذه الآيات، بقوله: "والظّاهر أنَّ المثل بخصوص الشَّيطان، ورد في طبيعته الشّاملة لكلّ أفراده، وبخصوص الإنسان في كلّ أشخاصه، وليست المسألة مختصّةً بشيطانٍ معيّنٍ أو إنسانٍ معيّنٍ، ولكنَّ بعض الروايات تشير إلى شخصٍ خاصّ.. ولكنَّ القصَّة (التي ذكرها ابن عباس)، لا تتناسب مع سياق الآية، لأنَّ الظّاهر منها هو وقوع البراءة في موقف الحساب يوم القيامة، كما أنَّ المسألة ليست مسألة الإنقاذ من القتل، بل مسألة الإنقاذ من النّار...

{فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا}، أي الشَّيطان والإنسان، {أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا}، لأنَّ الإنسان يتحمَّل مسؤوليَّة نفسه، بما يملكه من العقل الّذي يبيّن له الحقيقة، كما يتحمَّل الشيطان المسؤوليَّة بفعل ما يمارسه من تضليل وإغواء وتهويل، {وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ}، الّذين يظلمون أنفسهم بالكفر والضَّلال، أو يظلمون النّاس الآخرين بإضلالهم وخداعهم، مستغلّين سذاجتهم الفكريّة". [تفسير من وحي القرآن، ج 22، ص 126ـ 127].

ويقول الفخر الرازي: "ثم ضرب لليهود والمنافقين مثلاً فقال: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}، أي: مثل المنافقين الّذين غرّوا بني النّضير بقولهم: {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ}، ثم خذلوهم وما وفوا بعهدهم، {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ}، ثم تبرّأ منه في العاقبة، والمراد إمّا عموم دعوة الشَّيطان إلى الكفر، وإمّا إغواء الشّيطان قريشاً يوم بدر بقوله: {لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ}، إلى قوله: {إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ}(الأنفال: 48)".[الفخر الرازي، التفسير الكبير].

ونخلص إلى ضرورة التنبُّه إلى إغواء الشّياطين بكلّ وجوهها وأشكالها، من شياطين المال والشَّهوة والسّلطة، وشياطين الكلمة الَّذين يستغلّون براءة النّاس وضعف ثقافتهم ووعيهم، فيمرّرون ما يريدون من قذاراتٍ ومفاسد، ويجعلون من هؤلاء السذّج جنوداً لهم، ويوقعونهم في الأباطيل.

وعلينا كمؤمنين بالله وكتابه، أن نواجه شياطين أنفسنا من الدّاخل قبل الخارج، عبر تزكية أنفسنا وتربيتها على الصّالح من القول والفعل، وأن نسمو بها من خلال ارتباطنا الحيّ والمتجذّر بربِّ العالمين.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

ونبقى مع قصَّة جديدة من قصص القرآن الكريم، والَّتي نأخذ منها الدّروس والعِبَر، ومنها الاحتراز من شرور الشَّيطان، وتغريره لنا، وتزيينه السّيِّئات، حتى لا نقع فيها خائبين، يقول سبحانه وتعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ}[الحشر: 16ـ17].

في البداية، تحدّثنا الآية عن المنافقين الَّذين يضلّلون النّاس ويمنّونهم بالأماني الكاذبة، وعن الَّذين تملّك بهم الشّيطان وأغواهم، فكان عاقبته وعاقبتهم في النّار وفي العذاب يوم القيامة: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}[النحل: 111]، وربما المقصود بالإنسان الجنس البشريّ الّذي يخضع لغواية الشّيطان وخداعه. وفي روايات منقولة أنّه رجل عابد يدعى برصيصا، قد تعبّد لله سبعين سنة ـ كما يروي ابن عبّاس ـ وكان يؤتى له بالمجانين ليداويهم ويدعو لهم، فجاؤوا إليه يوماً بامرأة ليداويها، فزيّن له الشّيطان، ففجر بها وحملت منه، ولمّا تبيّن حملها قتلها ودفنها، ودلّ الشّيطان أهلها على مكان دفنها، ولما أرادوا صلبه ووضعوه على الخشبة، ظهر له الشّيطان، وطلب منه الإيماء بالسّجود له، فأومأ له بالسّجود، فكفر بالله ثمّ مات.

ويعلّق سماحة العلامة المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله(رض) على هذه الآيات، بقوله: "والظّاهر أنَّ المثل بخصوص الشَّيطان، ورد في طبيعته الشّاملة لكلّ أفراده، وبخصوص الإنسان في كلّ أشخاصه، وليست المسألة مختصّةً بشيطانٍ معيّنٍ أو إنسانٍ معيّنٍ، ولكنَّ بعض الروايات تشير إلى شخصٍ خاصّ.. ولكنَّ القصَّة (التي ذكرها ابن عباس)، لا تتناسب مع سياق الآية، لأنَّ الظّاهر منها هو وقوع البراءة في موقف الحساب يوم القيامة، كما أنَّ المسألة ليست مسألة الإنقاذ من القتل، بل مسألة الإنقاذ من النّار...

{فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا}، أي الشَّيطان والإنسان، {أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا}، لأنَّ الإنسان يتحمَّل مسؤوليَّة نفسه، بما يملكه من العقل الّذي يبيّن له الحقيقة، كما يتحمَّل الشيطان المسؤوليَّة بفعل ما يمارسه من تضليل وإغواء وتهويل، {وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ}، الّذين يظلمون أنفسهم بالكفر والضَّلال، أو يظلمون النّاس الآخرين بإضلالهم وخداعهم، مستغلّين سذاجتهم الفكريّة". [تفسير من وحي القرآن، ج 22، ص 126ـ 127].

ويقول الفخر الرازي: "ثم ضرب لليهود والمنافقين مثلاً فقال: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}، أي: مثل المنافقين الّذين غرّوا بني النّضير بقولهم: {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ}، ثم خذلوهم وما وفوا بعهدهم، {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ}، ثم تبرّأ منه في العاقبة، والمراد إمّا عموم دعوة الشَّيطان إلى الكفر، وإمّا إغواء الشّيطان قريشاً يوم بدر بقوله: {لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ}، إلى قوله: {إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ}(الأنفال: 48)".[الفخر الرازي، التفسير الكبير].

ونخلص إلى ضرورة التنبُّه إلى إغواء الشّياطين بكلّ وجوهها وأشكالها، من شياطين المال والشَّهوة والسّلطة، وشياطين الكلمة الَّذين يستغلّون براءة النّاس وضعف ثقافتهم ووعيهم، فيمرّرون ما يريدون من قذاراتٍ ومفاسد، ويجعلون من هؤلاء السذّج جنوداً لهم، ويوقعونهم في الأباطيل.

وعلينا كمؤمنين بالله وكتابه، أن نواجه شياطين أنفسنا من الدّاخل قبل الخارج، عبر تزكية أنفسنا وتربيتها على الصّالح من القول والفعل، وأن نسمو بها من خلال ارتباطنا الحيّ والمتجذّر بربِّ العالمين.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية