وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى

وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى

وهذه قصَّة جديدة من القصص القرآنيّة الهادفة إلى زرع الوعي في الوجدان العام تجاه قضايا الدَّعوة والإيمان ومواجهة الضَّلال، بالعمل والقول والصّبر على التّضحيات، كي تنمو شجرة الإيمان في نفوس الأمّة وتزهو وتثمر العطاءات المتجدّدة.

ومرّة جديدة، ومن خلال الأسلوب القرآنيّ السّلس والمفتوح على القراءات، نطلّ على قصّة رجلٍ مؤمنٍ داعية إلى الله بكلِّ تواضع وإخلاص، لم تأخذه في الله لومة لائم، وكعادة الأنبياء والمرسلين والصّالحين، كانوا يدعون قومهم إلى اتّباع سبل الخير والهداية، والتزام طريق الله لما فيه صلاحهم في الدّنيا والآخرة، ولكنّ المعاندين للحقّ والكافرين بالله، عاشوا في الضَّلالة، واستغرقوا في عمى البصر والبصيرة، وفقدوا توازنهم، وانحرفوا عن الصِّراط السّويّ.

وفي تفسير ما يلي من آيات مباركة من سورة يس الشَّريفة، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "{وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى}، ويسرع في المشي، ليعلن موقفه الّذي كان يخفيه عن قومه، أو كان لا يجد ضرورةً لإعلانه، انتظاراً لما قد يحدث من إيمان قومه بهؤلاء الرّسل، ولكنَّه الآن يجد المسألة قد بلغت حدّاً كبيراً من الخطورة، فلم يرتفع من بينهم أيُّ صوتٍ مؤمنٍ، ما يدلّ على سيطرة الكفر على الموقف كلّه، بحيث لو كان هناك مؤمنٌ في الخفاء، فإنّه قد يخاف أمام هذه السّيطرة أن يعلن موقفه، ولذا رأى من واجبه أن يقول كلمة الإيمان مقابل كلمات الكفر، ليؤكِّد للإيمان موقفه، وليفسح المجال للمتردِّدين أن يحسموا أمرهم إلى جانب الرّسل، وليخرق الإجماع الكافر، ولو بصوتٍ واحدٍ.

{قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}، الَّذين يدعونكم إلى توحيد الله وعبادته والسَّير على خطّ هداه، {اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً}، فقد قدَّموا إليكم النّصح والهداية، وعملوا بكلِّ جهدهم في سبيل الله، لترجعوا إليه، من دون أن يطلبوا منكم أيَّ أجرٍ في مقابل ذلك، فهم ليسوا من المرتزقة الَّذين يتوصَّلون إلى تحصيل المال من خلال الشعارات الجذّابة التي يرفعونها، أو تحصيل الجاه من خلال المواقع التي يضعون أنفسهم فيها، بل هم من الرّساليين الَّذين عاشوا الهداية فكراً وروحاً وعملاً، {وَهُم مُّهْتَدُونَ}، فأرادوا أن يبلّغوها للنّاس، ليهتدوا بها، كما اهتدوا هم بها، لأنهم يحبّون للنّاس ما يحبّون لأنفسهم. ولذلك، لا بدَّ لكم من دراسة العمق الرساليّ في شخصيّاتهم، والروح المخلصة في موقفهم، والبعد عن كلّ منفعةٍ في طروحاتهم، لتعرفوا أنَّ دعوتهم دعوة حقٍّ وخيرٍ وصلاح، وليست دعوة باطلٍ وشرٍّ وفسادٍ، لأنَّ دعاة الحقِّ هم الَّذين يغريهم الحقّ بالتَّضحية في سبيله، من خلال ارتباطه بالله، أمَّا دعاة الباطل، فإنهم لا يجدون أساساً للتّضحية لأجله، بل همّهم ما يكسبونه من مالٍ أو شهوةٍ أو جاهٍ".

وأضاف سماحته: "وهكذا أعلن لقومه القاعدة الّتي ترتكز عليها دعوته لهم لاتّباع الرّسل، ثم أراد أن ينقلهم إلى جوٍّ جديدٍ، ليحدِّثهم عن تجربته الإيمانيّة الذاتيّة، وعن خلفيّتها الفكريّة من جهة الإيمان بالله وإنكاره للشّركاء المزعومين، والهدف أن يقطع عليهم طريق الدّخول في جدلٍ معه حول الخصوصيّات التي تحيط بمسألة اتِّباع الرّسل، فتتّخذ المسألة بعداً جدليّاً شخصياً، يبعد القضيّة عن المعنى الإيمانيّ في مضمونه الفكريّ، وكأنّه يريد أن يُعلن لقومه ما أعلنه الرسل من خصوصيّة الإيمان، أو ما أراد الرّسل أن يمتدّوا في بيانه، فمنعهم القوم من ذلك.

{وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي}، فهو الَّذي خلقني من العدم، فكان وحده المستحقّ للعبادة، من موقع ألوهيَّته المطلقة في كلّ صفاته، فليس لغيره من القدرة إلا مما هو منحةٌ له وعطيّةٌ منه، فهم المخلوقون له من الموقع الّذي أنا مخلوق له، فما الَّذي يميّزهم عنّي حتى أعبدهم من دونه؟ وإذا كان موقعي من الله هو موقع المملوك من المالك، والمألوه من الإله، فكيف لا أعبده، لأقوم بشكر نعمته عليَّ، ولأواجه مسؤوليّتي أمامه عندما أرجع إليه؟ وإذا كان من اللازم عليَّ أن أعبده لأني مخلوقٌ له، فلا بدَّ من أن أُواجه موقفي في خطِّ العبوديّة، ولا بدَّ لكم يا قوم من أن تعبدوه ـ على هذا الأساس ـ وتواجهوا الحقيقة النهائيَّة عندما تقفون بين يديه، {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[يس: 20 ـ 22]، فيحاسبكم على أعمالكم في دائرة الإيمان والطّاعة، أو في دائرة الكفر والمعصية". [تفسير من وحي القرآن، ج 19، ص 140، 141].

وفي تفسير الطبري حديث عن الآيات الشّريفة أيضاً، فحول قوله: {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى}، يقول: "وجاء من أقصى مدينة هؤلاء القوم الَّذين أرسلت إليهم هذه الرّسل، رجل يسعى إليهم، وذلك أنَّ أهل المدينة هذه عزموا واجتمعت آراؤهم على قتل هؤلاء الرّسل الثّلاثة فيما ذكر، فبلغ ذلك هذا الرّجل، وكان منزله أقصى المدينة، وكان مؤمناً، وكان اسمه فيما ذكر "حبيب بن مري"، وبالنّحو الَّذي قلنا في ذلك جاءت الأخبار، وذكرت الأخبار الواردة في ذلك :

حدّثنا محمد بن بشّار، قال: ثنا مؤمل بن إسماعيل قال: ثنا سفيان، عن عاصم الأحول، عن أبي مجلز قال: كان صاحب يس "حبيب بن مري".

حدّثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة، قال: كان من حديث صاحب يس فيما حدّثنا محمد بن إسحاق فيما بلغه، عن ابن عبّاس، وعن كعب الأحبار، وعن وهب بن منبّه اليماني، أنّه كان رجلاً من أهل أنطاكية، وكان اسمه "حبيباً"، وكان يعمل الجرير، وكان رجلاً سقيماً، قد أسرع فيه الجذام، وكان منزله عند بابٍ من أبواب المدينة قاصياً، وكان مؤمناً ذا صدقة، يجمع كسبه إذا أمسى فيما يذكرون، فيقسمه نصفين، فيطعم نصفاً عياله، ويتصدَّق بنصف، فلم يهمّه سقمه ولا عمله ولا ضعفه عن عمل ربّه، قال: فلمّا أجمع قومه على قتل الرسل، بلغ ذلك "حبيباً"، وهو على باب المدينة الأقصى، فجاء يسعى إليهم يذكّرهم بالله، ويدعوهم إلى اتباع المرسلين، فقال: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}.

حدّثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن عبد الرّحمن بن معمر بن عمرو بن حزم، أنّه حدث عن كعب الأحبار، قال: ذكر له حبيب بن زيد بن عاصم أخو بني مازن بن النجّار الّذي كان مسيلمة الكذاب قطعه باليمامة حين جعل يسأله عن رسول الله(ص)، فجعل يقول: أتشهد أن محمَّداً رسول الله؟ فيقول: نعم، ثم يقول: أتشهد أني رسول الله؟ فيقول له: لا أسمع، فيقول مسيلمة: أتسمع هذا ولا تسمع هذا؟ فيقول: نعم، فجعل يقطعه عضواً عضواً، كلّما سأله لم يزده على ذلك، حتى مات في يديه، قال كعب حين قيل له اسمه "حبيب": وكان والله صاحب يس اسمه "حبيب".

حدّثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن مجاهد، عن عبد الله بن عباس، أنه كان يقول: كان اسم صاحب يس "حبيباً"، وكان الجذام قد أسرع فيه .

حدّثنا بشر قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى}، قال: ذكر لنا أنَّ اسمه "حبيب"، وكان في غار يعبد ربّه، فلمّا سمع بهم أقبل إليهم. وقوله: {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}، يقول ـ تعالى ذكره ـ: قال الرّجل الّذي جاء من أقصى المدينة لقومه: يا قوم اتّبعوا المرسلين الذين أرسلهم الله إليكم، واقبلوا منهم ما آتوكم به.

وذكر أنه لما أتى الرسل سألهم: هل يطلبون على ما جاؤوا به أجراً؟ فقالت الرسل: لا، فقال لقومه حينئذٍ: "اتّبعوا من لا يسألكم على نصيحتهم لكم أجراً". (تفسير الطّبري).

واليوم، وفي كلِّ آن، نحتاج إلى تجديد روح الإيمان والدَّعوة في سبيل الله في نفوسنا، والعمل على تأسيس الوعي الفرديّ والجماعيّ، لجهة العمل في سبيل الله بكلِّ مسؤوليّة وإخلاص، وفي كلّ الميادين والسّاحات الّتي تحتاجنا، بالعلم والعمل المستندين إلى العزيمة الإيمانيّة والروح الرّساليّة الّتي تستلهم تجارب الأنبياء في كلّ حركتها ومسيرتها.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

وهذه قصَّة جديدة من القصص القرآنيّة الهادفة إلى زرع الوعي في الوجدان العام تجاه قضايا الدَّعوة والإيمان ومواجهة الضَّلال، بالعمل والقول والصّبر على التّضحيات، كي تنمو شجرة الإيمان في نفوس الأمّة وتزهو وتثمر العطاءات المتجدّدة.

ومرّة جديدة، ومن خلال الأسلوب القرآنيّ السّلس والمفتوح على القراءات، نطلّ على قصّة رجلٍ مؤمنٍ داعية إلى الله بكلِّ تواضع وإخلاص، لم تأخذه في الله لومة لائم، وكعادة الأنبياء والمرسلين والصّالحين، كانوا يدعون قومهم إلى اتّباع سبل الخير والهداية، والتزام طريق الله لما فيه صلاحهم في الدّنيا والآخرة، ولكنّ المعاندين للحقّ والكافرين بالله، عاشوا في الضَّلالة، واستغرقوا في عمى البصر والبصيرة، وفقدوا توازنهم، وانحرفوا عن الصِّراط السّويّ.

وفي تفسير ما يلي من آيات مباركة من سورة يس الشَّريفة، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "{وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى}، ويسرع في المشي، ليعلن موقفه الّذي كان يخفيه عن قومه، أو كان لا يجد ضرورةً لإعلانه، انتظاراً لما قد يحدث من إيمان قومه بهؤلاء الرّسل، ولكنَّه الآن يجد المسألة قد بلغت حدّاً كبيراً من الخطورة، فلم يرتفع من بينهم أيُّ صوتٍ مؤمنٍ، ما يدلّ على سيطرة الكفر على الموقف كلّه، بحيث لو كان هناك مؤمنٌ في الخفاء، فإنّه قد يخاف أمام هذه السّيطرة أن يعلن موقفه، ولذا رأى من واجبه أن يقول كلمة الإيمان مقابل كلمات الكفر، ليؤكِّد للإيمان موقفه، وليفسح المجال للمتردِّدين أن يحسموا أمرهم إلى جانب الرّسل، وليخرق الإجماع الكافر، ولو بصوتٍ واحدٍ.

{قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}، الَّذين يدعونكم إلى توحيد الله وعبادته والسَّير على خطّ هداه، {اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً}، فقد قدَّموا إليكم النّصح والهداية، وعملوا بكلِّ جهدهم في سبيل الله، لترجعوا إليه، من دون أن يطلبوا منكم أيَّ أجرٍ في مقابل ذلك، فهم ليسوا من المرتزقة الَّذين يتوصَّلون إلى تحصيل المال من خلال الشعارات الجذّابة التي يرفعونها، أو تحصيل الجاه من خلال المواقع التي يضعون أنفسهم فيها، بل هم من الرّساليين الَّذين عاشوا الهداية فكراً وروحاً وعملاً، {وَهُم مُّهْتَدُونَ}، فأرادوا أن يبلّغوها للنّاس، ليهتدوا بها، كما اهتدوا هم بها، لأنهم يحبّون للنّاس ما يحبّون لأنفسهم. ولذلك، لا بدَّ لكم من دراسة العمق الرساليّ في شخصيّاتهم، والروح المخلصة في موقفهم، والبعد عن كلّ منفعةٍ في طروحاتهم، لتعرفوا أنَّ دعوتهم دعوة حقٍّ وخيرٍ وصلاح، وليست دعوة باطلٍ وشرٍّ وفسادٍ، لأنَّ دعاة الحقِّ هم الَّذين يغريهم الحقّ بالتَّضحية في سبيله، من خلال ارتباطه بالله، أمَّا دعاة الباطل، فإنهم لا يجدون أساساً للتّضحية لأجله، بل همّهم ما يكسبونه من مالٍ أو شهوةٍ أو جاهٍ".

وأضاف سماحته: "وهكذا أعلن لقومه القاعدة الّتي ترتكز عليها دعوته لهم لاتّباع الرّسل، ثم أراد أن ينقلهم إلى جوٍّ جديدٍ، ليحدِّثهم عن تجربته الإيمانيّة الذاتيّة، وعن خلفيّتها الفكريّة من جهة الإيمان بالله وإنكاره للشّركاء المزعومين، والهدف أن يقطع عليهم طريق الدّخول في جدلٍ معه حول الخصوصيّات التي تحيط بمسألة اتِّباع الرّسل، فتتّخذ المسألة بعداً جدليّاً شخصياً، يبعد القضيّة عن المعنى الإيمانيّ في مضمونه الفكريّ، وكأنّه يريد أن يُعلن لقومه ما أعلنه الرسل من خصوصيّة الإيمان، أو ما أراد الرّسل أن يمتدّوا في بيانه، فمنعهم القوم من ذلك.

{وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي}، فهو الَّذي خلقني من العدم، فكان وحده المستحقّ للعبادة، من موقع ألوهيَّته المطلقة في كلّ صفاته، فليس لغيره من القدرة إلا مما هو منحةٌ له وعطيّةٌ منه، فهم المخلوقون له من الموقع الّذي أنا مخلوق له، فما الَّذي يميّزهم عنّي حتى أعبدهم من دونه؟ وإذا كان موقعي من الله هو موقع المملوك من المالك، والمألوه من الإله، فكيف لا أعبده، لأقوم بشكر نعمته عليَّ، ولأواجه مسؤوليّتي أمامه عندما أرجع إليه؟ وإذا كان من اللازم عليَّ أن أعبده لأني مخلوقٌ له، فلا بدَّ من أن أُواجه موقفي في خطِّ العبوديّة، ولا بدَّ لكم يا قوم من أن تعبدوه ـ على هذا الأساس ـ وتواجهوا الحقيقة النهائيَّة عندما تقفون بين يديه، {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[يس: 20 ـ 22]، فيحاسبكم على أعمالكم في دائرة الإيمان والطّاعة، أو في دائرة الكفر والمعصية". [تفسير من وحي القرآن، ج 19، ص 140، 141].

وفي تفسير الطبري حديث عن الآيات الشّريفة أيضاً، فحول قوله: {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى}، يقول: "وجاء من أقصى مدينة هؤلاء القوم الَّذين أرسلت إليهم هذه الرّسل، رجل يسعى إليهم، وذلك أنَّ أهل المدينة هذه عزموا واجتمعت آراؤهم على قتل هؤلاء الرّسل الثّلاثة فيما ذكر، فبلغ ذلك هذا الرّجل، وكان منزله أقصى المدينة، وكان مؤمناً، وكان اسمه فيما ذكر "حبيب بن مري"، وبالنّحو الَّذي قلنا في ذلك جاءت الأخبار، وذكرت الأخبار الواردة في ذلك :

حدّثنا محمد بن بشّار، قال: ثنا مؤمل بن إسماعيل قال: ثنا سفيان، عن عاصم الأحول، عن أبي مجلز قال: كان صاحب يس "حبيب بن مري".

حدّثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة، قال: كان من حديث صاحب يس فيما حدّثنا محمد بن إسحاق فيما بلغه، عن ابن عبّاس، وعن كعب الأحبار، وعن وهب بن منبّه اليماني، أنّه كان رجلاً من أهل أنطاكية، وكان اسمه "حبيباً"، وكان يعمل الجرير، وكان رجلاً سقيماً، قد أسرع فيه الجذام، وكان منزله عند بابٍ من أبواب المدينة قاصياً، وكان مؤمناً ذا صدقة، يجمع كسبه إذا أمسى فيما يذكرون، فيقسمه نصفين، فيطعم نصفاً عياله، ويتصدَّق بنصف، فلم يهمّه سقمه ولا عمله ولا ضعفه عن عمل ربّه، قال: فلمّا أجمع قومه على قتل الرسل، بلغ ذلك "حبيباً"، وهو على باب المدينة الأقصى، فجاء يسعى إليهم يذكّرهم بالله، ويدعوهم إلى اتباع المرسلين، فقال: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}.

حدّثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن عبد الرّحمن بن معمر بن عمرو بن حزم، أنّه حدث عن كعب الأحبار، قال: ذكر له حبيب بن زيد بن عاصم أخو بني مازن بن النجّار الّذي كان مسيلمة الكذاب قطعه باليمامة حين جعل يسأله عن رسول الله(ص)، فجعل يقول: أتشهد أن محمَّداً رسول الله؟ فيقول: نعم، ثم يقول: أتشهد أني رسول الله؟ فيقول له: لا أسمع، فيقول مسيلمة: أتسمع هذا ولا تسمع هذا؟ فيقول: نعم، فجعل يقطعه عضواً عضواً، كلّما سأله لم يزده على ذلك، حتى مات في يديه، قال كعب حين قيل له اسمه "حبيب": وكان والله صاحب يس اسمه "حبيب".

حدّثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن مجاهد، عن عبد الله بن عباس، أنه كان يقول: كان اسم صاحب يس "حبيباً"، وكان الجذام قد أسرع فيه .

حدّثنا بشر قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى}، قال: ذكر لنا أنَّ اسمه "حبيب"، وكان في غار يعبد ربّه، فلمّا سمع بهم أقبل إليهم. وقوله: {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}، يقول ـ تعالى ذكره ـ: قال الرّجل الّذي جاء من أقصى المدينة لقومه: يا قوم اتّبعوا المرسلين الذين أرسلهم الله إليكم، واقبلوا منهم ما آتوكم به.

وذكر أنه لما أتى الرسل سألهم: هل يطلبون على ما جاؤوا به أجراً؟ فقالت الرسل: لا، فقال لقومه حينئذٍ: "اتّبعوا من لا يسألكم على نصيحتهم لكم أجراً". (تفسير الطّبري).

واليوم، وفي كلِّ آن، نحتاج إلى تجديد روح الإيمان والدَّعوة في سبيل الله في نفوسنا، والعمل على تأسيس الوعي الفرديّ والجماعيّ، لجهة العمل في سبيل الله بكلِّ مسؤوليّة وإخلاص، وفي كلّ الميادين والسّاحات الّتي تحتاجنا، بالعلم والعمل المستندين إلى العزيمة الإيمانيّة والروح الرّساليّة الّتي تستلهم تجارب الأنبياء في كلّ حركتها ومسيرتها.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية