قصّة سليمان(ع) والخيل

قصّة سليمان(ع) والخيل

قصّة سليمان(ع) واستعراض الخيل، كمظهرٍ من مظاهر القوّة الّتي منحه الله تعالى إيّاها، كانت مثار نقاشٍ بين العلماء وأهل التّفسير، وأشبعت بحثاً ودراسةً.. يقول الله تعالى في محكم كتابه الحكيم: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ}[ص: 31 ـ 33].

ونستعرض بعض الآراء الَّتي تناولت القصّة ودلالاتها... وفي تفسيرها، يقول المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "{إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ}، وهي الخيول السَّريعة في عدوها، وكأنَّ المشهد يوحي باستعراضٍ عسكريٍّ تقوم به الخيل، حيث كانت من وسائل القوّة الّتي تستخدم في جهاد الأعداء، فأراد أن يستعرضها أمام عينيه ليعرف مدى نشاطها وما يمكن أن تحقِّق له من قوّة، {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي}، قيل: أحببت حبّ الخير عن ذكر ربي، أو جعلت حبّ الخير مجزياً أو مغنياً عن ذكر ربي، وتطلق كلمة الخير على الخيل، وبذلك يكون المعنى أنّه قدّم حبّ الخيل على ذكر الله، حتى شغل عن صلاته، {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}، أي حتى غابت الشَّمس، وفاتته صلاة العصر بسبب ذلك، وهذا هو المشهور بين المفسِّرين، من أنَّ استعراض الخيل أمامه امتدّ، بحيث شغله عن الإقبال على صلاته.

وقد أثار بعض المفسّرين احتمال أن يكون انشغاله بحبّ الخير عن ذكر ربّه منطلقاً من أمر الله، ليكون استعراضه وحبّه لها عملاً عباديّاً ليتهيّأ بها للجهاد في سبيل الله، وبذلك يكون الشَّاغل له عن العبادة عملاً يختزنها ـ أي العبادة لله تعالى ـ في داخله.

ولكن ما تقدَّم ليس بحجَّة قويَّة، ولا سيَّما إذا كانت الصَّلاة مؤقّتةً بوقت معيّن في ذلك العصر، بحيث يذهب وقتها بغروب الشّمس وتواريها بالحجاب، كما يظهر من بعض الرّوايات.. لذا، فإنَّ الانشغال عنها المؤدّي إلى تركها، بعملٍ آخر مرضٍ لله، موسّعٍ في وقته، غير مبرَّر شرعاً.

ولهذا، فقد يكون من الأقرب إبقاء الآية على ظاهرها الَّذي يوحي أنَّ سليمان كان في مقام توبيخ نفسه أو الاعتذار إلى الله، كما حدث، وهو ما لا يتناسب بالتّأكيد مع التّوجيه المذكور الّذي قد لا يكون له معنى، إلا أن يقال: إنَّ ذلك بلحاظ أهميَّة الصّلاة، وبذلك يكون قد قدَّم المهمّ على الأهمّ، في الوقت الّذي يتَّسع للعمليْن معاً، مع كون تقديم الصَّلاة أفضل، بلحاظ الوقت..

{رُدُّوهَا عَلَيَّ}، أي الخيل في عمليّة استعادةٍ للاستعراض، ولكن بروحيّة أخرى، {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} قيل: أنّه شرع يمسح بيده بسوقها وأعناقها، ويجعلها مسبّلةً في سبيل الله، جزاء ما اشتغل بها عن الصَّلاة.

أمّا تعليقنا على ذلك، فإنّ الظاهر من الآية قد يؤكِّد فكرة ضرب أعناقها وسوقها، لأن مسألة تسبيلها في سبيل الله، لا يتوقّف على "ردّها عليه"، وكما أنّه لا يفسّر مسح أعناقها وسوقها، فإنَّ من المتعارف مسح الخيل على نواصيها، كما أنّ هذه الروايات تلتقي مع ظهور الآية في ردّ الفعل الذي قام به سليمان إزاء انشغاله بها عن الصَّلاة، مما جعله يفكّر بالخلاص منها بقتلها من غير ضرورة، لأن ذلك على سبيل الانتقام منها، أو إتلافها كمالٍ محترم لا يجوز إتلافه، بل قد يكون ذلك بمثابة ضغطٍ على نفسه بغية إيلامها، لأنها أحبّت الخيل، وبهذه الطريقة، مع ملاحظة أنَّ ذلك حلالٌ في شريعته، لأنَّ الخيل كانت تذبح كالأنعام للطعام، والله العالم". [تفسير من وحي القرآن، ج 19، ص 259 ـ 262].

وفي تفسير الطّبريّ في عرضه للقصّة، قوله: "{إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ}، يعني عُرِض عليه الخيل، وصفونها: قيامها وبسطها قوائمها، ولعلَّها الخيل التي أخرجها الشّيطان لسليمان(ع)، من مرجٍ من مروج البحر، وذُكر أنّها كانت عشرين فرساً ذوات أجنحة: {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}... يقول: إني أحببت حبَّ الخير حتّى سهوت عن ذكر ربي وأداء فريضته.. وقيل: إنَّ ذلك كان صلاة العصر..

وقوله: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} يقول: حتى توارت الشَّمس بالحجاب، يعني تغيّبت في مغيبها.. {رُدُّوهَا عَلَيَّ}، ردّوا عليّ الخيل الَّتي عرضت عليّ، فشغلتني عن الصَّلاة، فكرّوها عليّ.

وقوله: {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ}، واختلف أهل التّأويل في معنى مسح سليمان بسوق هذه الخيل الجياد وأعناقها، فقال بعضهم: معنى ذلك أنّه عقرها وضرب أعناقها.. وقال آخرون: بل جعل يمسح أعرافها وعراقيبها بيده حبّاً لها. [تفسير الطبري].

ومهما يكن من أمر سليمان مع الخيل، فالله تعالى أراد لنا أن نتأمَّل في مآلات القصَّة والاعتبار منها، وأن نجعل أوقاتنا مليئةً بذكر الله تعالى، وأن تكون طاعته هي شغلنا الشّاغل، وأن نحسن الأدب والعبادة والخشوع لله تعالى، ونستفيد من كلّ ما بين أيدينا من نِعَمٍ في سبيل مرضاته، وأن نكون الأحرار الأعزّاء في الدّنيا والآخرة.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

قصّة سليمان(ع) واستعراض الخيل، كمظهرٍ من مظاهر القوّة الّتي منحه الله تعالى إيّاها، كانت مثار نقاشٍ بين العلماء وأهل التّفسير، وأشبعت بحثاً ودراسةً.. يقول الله تعالى في محكم كتابه الحكيم: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ}[ص: 31 ـ 33].

ونستعرض بعض الآراء الَّتي تناولت القصّة ودلالاتها... وفي تفسيرها، يقول المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "{إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ}، وهي الخيول السَّريعة في عدوها، وكأنَّ المشهد يوحي باستعراضٍ عسكريٍّ تقوم به الخيل، حيث كانت من وسائل القوّة الّتي تستخدم في جهاد الأعداء، فأراد أن يستعرضها أمام عينيه ليعرف مدى نشاطها وما يمكن أن تحقِّق له من قوّة، {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي}، قيل: أحببت حبّ الخير عن ذكر ربي، أو جعلت حبّ الخير مجزياً أو مغنياً عن ذكر ربي، وتطلق كلمة الخير على الخيل، وبذلك يكون المعنى أنّه قدّم حبّ الخيل على ذكر الله، حتى شغل عن صلاته، {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}، أي حتى غابت الشَّمس، وفاتته صلاة العصر بسبب ذلك، وهذا هو المشهور بين المفسِّرين، من أنَّ استعراض الخيل أمامه امتدّ، بحيث شغله عن الإقبال على صلاته.

وقد أثار بعض المفسّرين احتمال أن يكون انشغاله بحبّ الخير عن ذكر ربّه منطلقاً من أمر الله، ليكون استعراضه وحبّه لها عملاً عباديّاً ليتهيّأ بها للجهاد في سبيل الله، وبذلك يكون الشَّاغل له عن العبادة عملاً يختزنها ـ أي العبادة لله تعالى ـ في داخله.

ولكن ما تقدَّم ليس بحجَّة قويَّة، ولا سيَّما إذا كانت الصَّلاة مؤقّتةً بوقت معيّن في ذلك العصر، بحيث يذهب وقتها بغروب الشّمس وتواريها بالحجاب، كما يظهر من بعض الرّوايات.. لذا، فإنَّ الانشغال عنها المؤدّي إلى تركها، بعملٍ آخر مرضٍ لله، موسّعٍ في وقته، غير مبرَّر شرعاً.

ولهذا، فقد يكون من الأقرب إبقاء الآية على ظاهرها الَّذي يوحي أنَّ سليمان كان في مقام توبيخ نفسه أو الاعتذار إلى الله، كما حدث، وهو ما لا يتناسب بالتّأكيد مع التّوجيه المذكور الّذي قد لا يكون له معنى، إلا أن يقال: إنَّ ذلك بلحاظ أهميَّة الصّلاة، وبذلك يكون قد قدَّم المهمّ على الأهمّ، في الوقت الّذي يتَّسع للعمليْن معاً، مع كون تقديم الصَّلاة أفضل، بلحاظ الوقت..

{رُدُّوهَا عَلَيَّ}، أي الخيل في عمليّة استعادةٍ للاستعراض، ولكن بروحيّة أخرى، {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} قيل: أنّه شرع يمسح بيده بسوقها وأعناقها، ويجعلها مسبّلةً في سبيل الله، جزاء ما اشتغل بها عن الصَّلاة.

أمّا تعليقنا على ذلك، فإنّ الظاهر من الآية قد يؤكِّد فكرة ضرب أعناقها وسوقها، لأن مسألة تسبيلها في سبيل الله، لا يتوقّف على "ردّها عليه"، وكما أنّه لا يفسّر مسح أعناقها وسوقها، فإنَّ من المتعارف مسح الخيل على نواصيها، كما أنّ هذه الروايات تلتقي مع ظهور الآية في ردّ الفعل الذي قام به سليمان إزاء انشغاله بها عن الصَّلاة، مما جعله يفكّر بالخلاص منها بقتلها من غير ضرورة، لأن ذلك على سبيل الانتقام منها، أو إتلافها كمالٍ محترم لا يجوز إتلافه، بل قد يكون ذلك بمثابة ضغطٍ على نفسه بغية إيلامها، لأنها أحبّت الخيل، وبهذه الطريقة، مع ملاحظة أنَّ ذلك حلالٌ في شريعته، لأنَّ الخيل كانت تذبح كالأنعام للطعام، والله العالم". [تفسير من وحي القرآن، ج 19، ص 259 ـ 262].

وفي تفسير الطّبريّ في عرضه للقصّة، قوله: "{إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ}، يعني عُرِض عليه الخيل، وصفونها: قيامها وبسطها قوائمها، ولعلَّها الخيل التي أخرجها الشّيطان لسليمان(ع)، من مرجٍ من مروج البحر، وذُكر أنّها كانت عشرين فرساً ذوات أجنحة: {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}... يقول: إني أحببت حبَّ الخير حتّى سهوت عن ذكر ربي وأداء فريضته.. وقيل: إنَّ ذلك كان صلاة العصر..

وقوله: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} يقول: حتى توارت الشَّمس بالحجاب، يعني تغيّبت في مغيبها.. {رُدُّوهَا عَلَيَّ}، ردّوا عليّ الخيل الَّتي عرضت عليّ، فشغلتني عن الصَّلاة، فكرّوها عليّ.

وقوله: {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ}، واختلف أهل التّأويل في معنى مسح سليمان بسوق هذه الخيل الجياد وأعناقها، فقال بعضهم: معنى ذلك أنّه عقرها وضرب أعناقها.. وقال آخرون: بل جعل يمسح أعرافها وعراقيبها بيده حبّاً لها. [تفسير الطبري].

ومهما يكن من أمر سليمان مع الخيل، فالله تعالى أراد لنا أن نتأمَّل في مآلات القصَّة والاعتبار منها، وأن نجعل أوقاتنا مليئةً بذكر الله تعالى، وأن تكون طاعته هي شغلنا الشّاغل، وأن نحسن الأدب والعبادة والخشوع لله تعالى، ونستفيد من كلّ ما بين أيدينا من نِعَمٍ في سبيل مرضاته، وأن نكون الأحرار الأعزّاء في الدّنيا والآخرة.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية