قُتِلَ أصحاب الأخدود

قُتِلَ أصحاب الأخدود

نبقى في أجواء سورة "البروج" المباركة، وما جاء فيها من حديثٍ عن المؤمنين الّذين عاشوا في مرحلةٍ زمنيّةٍ متقدّمةٍ على الإسلام، ويُقال إنَّهم جماعة من النَّصارى المؤمنين بالنّبيّ عيسى(ع) في دينه التوحيديّ، وحاولت السّلطات في زمانهم دفعهم إلى الارتداد عن دينهم، ولكنَّهم تمسّكوا به، وحافظوا على إيمانهم بعقيدتهم، وكان مصيرهم أن رماهم الطّغاة في "الأخدود"، وهو شقّ في الأرض أضرمت فيه النّار، وماتوا حرقاً، وقدّموا باستشهادهم النّموذج الإيمانيّ الرّساليّ الحيّ الّذي يثبت على دينه، ويصبر أمام كلّ الضّغوطات التّعسفيّة، ويواجه الظّالمين والطّغاة بجهاده وتضحياته.

يقول تعالى في سورة البروج المباركة: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[البروج: 1 ـ 9].

وفي تفسير هذه الآيات، يقول العلامة المرجع السيِّد محمّد حسين فضل الله(رض): "{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ}، هل هو حديث عن حادثة القتل الّتي حدثت لأولئك المؤمنين ليكونوا المراد من أصحاب الأخدود، أو هو دعاء بالهلاك ليكون المراد منهم الطّغاة الذين قاموا بالتّعذيب والإحراق؟ والظّاهر هو الوجه الثاني، لأنّ السّياق مسوقٌ لإعلان الغضب على الفاعلين، كما أنَّ الضّمير في الآيات الأخرى يوحي بذلك.

والأخدود هو الشّقُّ في الأرض الّذي شقّوه بما يشبه الحفيرة، وملأوه ناراً، وألقوا فيه أولئك المؤمنين، ولما كانت النَّار هي العنصر البارز في هذه العمليَّة الوحشيَّة، بحيث لا دور للأخدود إلا من حيث كونه ظرفاً للنّار، فسِّر بها، {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ}، فكأنّه تحوّل إلى نار.. {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ}، في جلوسهم على أطرافها، ليتلذَّذوا بمنظر هؤلاء المؤمنين المعذَّبين.. {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ}، يعاينون عذابهم واحتراقهم ويسمعون صرخاتهم.. {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، فلم يصدر عنهم أيّ ذنبٍ من الذنوب التي يرتكبها الخاطئون ليعاقبوا عليها، ولم يحدث منهم أيّ إخلالٍ بالنّظام العام ليستحقّوا النّقمة الّتي تتنفَّس بهذا العذاب، بل كلّ ما هناك، أنهم آمنوا بالله العزيز القادر الحميد المستحقّ للحمد في كلّ حال...". [تفسير من وحي القرآن، ج 24، ص 167 ـ 169].

ونتعلّم من قصّة أصحاب الأخدود الصّبر والتّضحية والتمسّك بالإيمان، في زمنٍ يبيع كثيرون دينهم وإيمانهم بأبخس الأثمان؛ يبيعون دينهم للشّياطين، شياطين المال والجاه والزّعامات والظّلمة وأهل الباطل.

نتعلَّم من قصَّة أصحاب الأخدود قضيّة الصّراع المستمرّ والأبديّ بين الإيمان والكفر، فالكفرة والظّالمون لا يتحمّلون الإيمان وأهله، ويحاربونهم بشتّى أنواع الأسلحة المعنويّة والماديّة ليردّوهم عن إيمانهم، لأنهم يشعرون بأنَّ الإيمان يهدِّد امتيازاتهم واعتباراتهم الدنيويّة، من منصبٍ أو جاه أو ثروة أو سلطة.

في المقابل، فإنّ الدّاعين إلى الله والمؤمنين بخطِّه، لا يخضعون لابتزاز الظّلمة ولأساليبهم الوحشيّة والدّنيئة، بل يصبرون ويعملون بكلّ إرادة وعزيمة، وبكلِّ وعي وحكمة ومسؤوليَّة، وبكلّ حريّة، إحقاقاً للحقّ، وتأكيداً لمبدأ العدالة.

إنَّ التّجربة الإيمانيَّة النّاجحة، هي تلك التي تؤكِّد حضورها وقوّتها ومناعتها، من خلال الثّبات والاستمرار على نهج الله ورسوله، والجهاد في سبيله، والتَّضحية لإعلاء لوائه. فلنستفد من التَّجارب التي تحدّث عنها القرآن الكريم لإصلاح مجتمعاتنا، وتأكيد حضور شخصيّتنا الإيمانيّة في كلّ جوانب الحياة.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

نبقى في أجواء سورة "البروج" المباركة، وما جاء فيها من حديثٍ عن المؤمنين الّذين عاشوا في مرحلةٍ زمنيّةٍ متقدّمةٍ على الإسلام، ويُقال إنَّهم جماعة من النَّصارى المؤمنين بالنّبيّ عيسى(ع) في دينه التوحيديّ، وحاولت السّلطات في زمانهم دفعهم إلى الارتداد عن دينهم، ولكنَّهم تمسّكوا به، وحافظوا على إيمانهم بعقيدتهم، وكان مصيرهم أن رماهم الطّغاة في "الأخدود"، وهو شقّ في الأرض أضرمت فيه النّار، وماتوا حرقاً، وقدّموا باستشهادهم النّموذج الإيمانيّ الرّساليّ الحيّ الّذي يثبت على دينه، ويصبر أمام كلّ الضّغوطات التّعسفيّة، ويواجه الظّالمين والطّغاة بجهاده وتضحياته.

يقول تعالى في سورة البروج المباركة: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[البروج: 1 ـ 9].

وفي تفسير هذه الآيات، يقول العلامة المرجع السيِّد محمّد حسين فضل الله(رض): "{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ}، هل هو حديث عن حادثة القتل الّتي حدثت لأولئك المؤمنين ليكونوا المراد من أصحاب الأخدود، أو هو دعاء بالهلاك ليكون المراد منهم الطّغاة الذين قاموا بالتّعذيب والإحراق؟ والظّاهر هو الوجه الثاني، لأنّ السّياق مسوقٌ لإعلان الغضب على الفاعلين، كما أنَّ الضّمير في الآيات الأخرى يوحي بذلك.

والأخدود هو الشّقُّ في الأرض الّذي شقّوه بما يشبه الحفيرة، وملأوه ناراً، وألقوا فيه أولئك المؤمنين، ولما كانت النَّار هي العنصر البارز في هذه العمليَّة الوحشيَّة، بحيث لا دور للأخدود إلا من حيث كونه ظرفاً للنّار، فسِّر بها، {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ}، فكأنّه تحوّل إلى نار.. {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ}، في جلوسهم على أطرافها، ليتلذَّذوا بمنظر هؤلاء المؤمنين المعذَّبين.. {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ}، يعاينون عذابهم واحتراقهم ويسمعون صرخاتهم.. {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، فلم يصدر عنهم أيّ ذنبٍ من الذنوب التي يرتكبها الخاطئون ليعاقبوا عليها، ولم يحدث منهم أيّ إخلالٍ بالنّظام العام ليستحقّوا النّقمة الّتي تتنفَّس بهذا العذاب، بل كلّ ما هناك، أنهم آمنوا بالله العزيز القادر الحميد المستحقّ للحمد في كلّ حال...". [تفسير من وحي القرآن، ج 24، ص 167 ـ 169].

ونتعلّم من قصّة أصحاب الأخدود الصّبر والتّضحية والتمسّك بالإيمان، في زمنٍ يبيع كثيرون دينهم وإيمانهم بأبخس الأثمان؛ يبيعون دينهم للشّياطين، شياطين المال والجاه والزّعامات والظّلمة وأهل الباطل.

نتعلَّم من قصَّة أصحاب الأخدود قضيّة الصّراع المستمرّ والأبديّ بين الإيمان والكفر، فالكفرة والظّالمون لا يتحمّلون الإيمان وأهله، ويحاربونهم بشتّى أنواع الأسلحة المعنويّة والماديّة ليردّوهم عن إيمانهم، لأنهم يشعرون بأنَّ الإيمان يهدِّد امتيازاتهم واعتباراتهم الدنيويّة، من منصبٍ أو جاه أو ثروة أو سلطة.

في المقابل، فإنّ الدّاعين إلى الله والمؤمنين بخطِّه، لا يخضعون لابتزاز الظّلمة ولأساليبهم الوحشيّة والدّنيئة، بل يصبرون ويعملون بكلّ إرادة وعزيمة، وبكلِّ وعي وحكمة ومسؤوليَّة، وبكلّ حريّة، إحقاقاً للحقّ، وتأكيداً لمبدأ العدالة.

إنَّ التّجربة الإيمانيَّة النّاجحة، هي تلك التي تؤكِّد حضورها وقوّتها ومناعتها، من خلال الثّبات والاستمرار على نهج الله ورسوله، والجهاد في سبيله، والتَّضحية لإعلاء لوائه. فلنستفد من التَّجارب التي تحدّث عنها القرآن الكريم لإصلاح مجتمعاتنا، وتأكيد حضور شخصيّتنا الإيمانيّة في كلّ جوانب الحياة.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية