أفاض المفسِّرون والمحدِّثون في القول والكلام عن الدابّة الّتي تخرج من الأرض لتكلّم النّاس، على حدّ ما ذكر الله تعالى في كتابه الكريم: {
وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}[النّمل: 83].
ومنهم من قال بأنَّه إنسان، ومنهم من قال بأنَّ الدّابّة حيوان، واختلفوا في صفاتها وكيفيّة خروجها، ومكان خروجها، وما يمكن أن تحاجج به النّاس من كلمات المحاججة.
قال "قتادة": معنى وقع القول عليهم، أي وجب الغضب عليهم بأنهم لا يؤمنون، وذكر "القشيري" أنَّ الناس إذا صاروا إلى حدٍّ لا تقبل توبتهم، ولا يولد لهم ولد مؤمن، فحينئذٍ تقوم القيامة.
هذا ما ذكره القرطبي في تفسيره للآية الّذي استقرب فكرة أن تكون الدابّة إنساناً وليس حيواناً، إذ حكى الماوردي، كما يذكر القرطبي، عن محمد بن كعب عن عليّ بن أبي طالب، أنّه سُئِل عن الدابّة، فقال: "أما والله ما لها ذنب وإنّ لها للحية". قال الماوردي: وفي هذا القول منه إشارة إلى أنها من الإنس وإن لم يصرّح به. قلت (القرطبي): ولهذا ـ والله أعلم ـ قال بعض المتأخّرين من المفسّرين، إنّ الأقرب أن تكون هذه الدابّة إنساناً متكلّماً يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم لينقطعوا، فيهلك من هلك عن بيّنة، ويحيا من حيي عن بيّنة.
وقال الزمخشري، كما يورد القرطبي في تفسيره، أنها تخرج من بين الركن حذاء دار بني مخزوم عن يمين الخارج من المسجد، فقوم يهربون، وقوم يقفون نظارة.. وروي عن قتادة أنها تخرج في تهامة، وروي أنها تخرج من مسجد الكوفة من حيث فار تنّور نوح(ع)، وغير ذلك من الأقوال...
ويرى علماء أنّ الصّحيح هو أنّ النبيّ(ص) لم يذكر التّفصيلات المتعلّقة بهذه الدابّة، فإنها من علامات قيام السّاعة، وعندما تخرج يعرفها النّاس في زمانها.
وفي شرحه للآية، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ}، وثبت الوعد الإلهيّ، وجاء موعد القيامة، واندفع النّاس إلى الحشر ليواجهوا نتائج أعمالهم، وربما كان المراد منه العذاب الّذي وعد الله المشركين به.. {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ}، وتعلن لهم النّتائج العمليّة لما عاشه الناس مع الأنبياء، في ما أنزل الله عليهم من رسالات، وأقام لهم من بيّنات، وأظهره من دلائل وآيات، وتقول لهم {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}، لأنهم لم ينفتحوا على الحقّ النّازل من الله، والمنطلق من خلال الفطرة، والمتحرّك في دائرة العقل، بل فضَّلوا العناد والتمرّد والبعد عن الله، وتعطيل كلِّ عقولهم وحواسِّهم عن اكتشاف الحقّ.
وقد أفاض المفسّرون كثيراً في الحديث عن الدابّة، في طبيعتها الإنسانيّة والحيوانيّة، وفي صفاتها الغريبة، وفي كيفيَّة خروجها ومضمون كلامها، مما لا تثبت به حجَّة قاطعة، وقد لاحظنا أنَّ القرآن الكريم وضعها موضع الإبهام، ولم يفصِّل أيَّ شيء من هذه الأمور، فلنترك الخوض في ذلك كلّه، لأنه مما لا فائدة فيه على مستوى النّهج القرآني في مضمونه وإيحاءاته".[تفسير من وحي القرآن، ج:17، ص:244 - 227].
ما يهمّنا من هذه القصّة، أن نكون على درجة عالية من الإيمان بمعجزات الله تعالى الخارقة للعادة، والّتي تهدف إلى تبيان الحقّ وإفحام الكافرين والمعاندين، وإلقاء الحجّة عليهم، لأنهم استغرقوا في الكفر والعناد والنّفاق إلى أبعد الحدود، وأفسدوا في الأرض وبغوا، وتعدّوا على الكرامات والحرمات.
كذلك ما يهمّنا، أن ننتبه إلى تحصين إيماننا والعمل على تعزيزه، بالقول الطيِّب، والعمل الصَّالح النّافع، فلا ننحرف ولا ننجرف إلى عوالم الكفر والفساد والباطل، لما يترتّب على ذلك من ضياع مصيرنا في الدّنيا والآخرة. وكثيرة هي القصص والأمثلة القرآنيَّة الّتي تخاطب مشاعرنا وعقولنا كي نأخذ الدّرس والعبرة، ويبقى إيماننا حيّاً في الوجدان يتحرّك وفق ما يمليه طريق الخير والصَّلاح. فلنحذر، كي لا نكون من النّاس الّذين لا يوقنون ولا يتفاعلون مع آيات ربهم، ويغفلون عنها، فالمسؤوليَّة كبيرة وعظيمة أمام الله تعالى.
[إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها]

أفاض المفسِّرون والمحدِّثون في القول والكلام عن الدابّة الّتي تخرج من الأرض لتكلّم النّاس، على حدّ ما ذكر الله تعالى في كتابه الكريم: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}[النّمل: 83].
ومنهم من قال بأنَّه إنسان، ومنهم من قال بأنَّ الدّابّة حيوان، واختلفوا في صفاتها وكيفيّة خروجها، ومكان خروجها، وما يمكن أن تحاجج به النّاس من كلمات المحاججة.
قال "قتادة": معنى وقع القول عليهم، أي وجب الغضب عليهم بأنهم لا يؤمنون، وذكر "القشيري" أنَّ الناس إذا صاروا إلى حدٍّ لا تقبل توبتهم، ولا يولد لهم ولد مؤمن، فحينئذٍ تقوم القيامة.
هذا ما ذكره القرطبي في تفسيره للآية الّذي استقرب فكرة أن تكون الدابّة إنساناً وليس حيواناً، إذ حكى الماوردي، كما يذكر القرطبي، عن محمد بن كعب عن عليّ بن أبي طالب، أنّه سُئِل عن الدابّة، فقال: "أما والله ما لها ذنب وإنّ لها للحية". قال الماوردي: وفي هذا القول منه إشارة إلى أنها من الإنس وإن لم يصرّح به. قلت (القرطبي): ولهذا ـ والله أعلم ـ قال بعض المتأخّرين من المفسّرين، إنّ الأقرب أن تكون هذه الدابّة إنساناً متكلّماً يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم لينقطعوا، فيهلك من هلك عن بيّنة، ويحيا من حيي عن بيّنة.
وقال الزمخشري، كما يورد القرطبي في تفسيره، أنها تخرج من بين الركن حذاء دار بني مخزوم عن يمين الخارج من المسجد، فقوم يهربون، وقوم يقفون نظارة.. وروي عن قتادة أنها تخرج في تهامة، وروي أنها تخرج من مسجد الكوفة من حيث فار تنّور نوح(ع)، وغير ذلك من الأقوال...
ويرى علماء أنّ الصّحيح هو أنّ النبيّ(ص) لم يذكر التّفصيلات المتعلّقة بهذه الدابّة، فإنها من علامات قيام السّاعة، وعندما تخرج يعرفها النّاس في زمانها.
وفي شرحه للآية، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ}، وثبت الوعد الإلهيّ، وجاء موعد القيامة، واندفع النّاس إلى الحشر ليواجهوا نتائج أعمالهم، وربما كان المراد منه العذاب الّذي وعد الله المشركين به.. {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ}، وتعلن لهم النّتائج العمليّة لما عاشه الناس مع الأنبياء، في ما أنزل الله عليهم من رسالات، وأقام لهم من بيّنات، وأظهره من دلائل وآيات، وتقول لهم {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}، لأنهم لم ينفتحوا على الحقّ النّازل من الله، والمنطلق من خلال الفطرة، والمتحرّك في دائرة العقل، بل فضَّلوا العناد والتمرّد والبعد عن الله، وتعطيل كلِّ عقولهم وحواسِّهم عن اكتشاف الحقّ.
وقد أفاض المفسّرون كثيراً في الحديث عن الدابّة، في طبيعتها الإنسانيّة والحيوانيّة، وفي صفاتها الغريبة، وفي كيفيَّة خروجها ومضمون كلامها، مما لا تثبت به حجَّة قاطعة، وقد لاحظنا أنَّ القرآن الكريم وضعها موضع الإبهام، ولم يفصِّل أيَّ شيء من هذه الأمور، فلنترك الخوض في ذلك كلّه، لأنه مما لا فائدة فيه على مستوى النّهج القرآني في مضمونه وإيحاءاته".[تفسير من وحي القرآن، ج:17، ص:244 - 227].
ما يهمّنا من هذه القصّة، أن نكون على درجة عالية من الإيمان بمعجزات الله تعالى الخارقة للعادة، والّتي تهدف إلى تبيان الحقّ وإفحام الكافرين والمعاندين، وإلقاء الحجّة عليهم، لأنهم استغرقوا في الكفر والعناد والنّفاق إلى أبعد الحدود، وأفسدوا في الأرض وبغوا، وتعدّوا على الكرامات والحرمات.
كذلك ما يهمّنا، أن ننتبه إلى تحصين إيماننا والعمل على تعزيزه، بالقول الطيِّب، والعمل الصَّالح النّافع، فلا ننحرف ولا ننجرف إلى عوالم الكفر والفساد والباطل، لما يترتّب على ذلك من ضياع مصيرنا في الدّنيا والآخرة. وكثيرة هي القصص والأمثلة القرآنيَّة الّتي تخاطب مشاعرنا وعقولنا كي نأخذ الدّرس والعبرة، ويبقى إيماننا حيّاً في الوجدان يتحرّك وفق ما يمليه طريق الخير والصَّلاح. فلنحذر، كي لا نكون من النّاس الّذين لا يوقنون ولا يتفاعلون مع آيات ربهم، ويغفلون عنها، فالمسؤوليَّة كبيرة وعظيمة أمام الله تعالى.
[إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها]