هناك أعذار تبيح للصّائم الإفطار في شهر رمضان، مع أحكام بيّنها الشّرع، إذ رخَّص الله تعالى لعباده الإفطار في أوضاع معيّنة، رفعاً للحرج والمشقّة عنهم، كما في حالات التقدّم في العمر والعجز، أو عند الإصابة بأمراض معيّنة.
وقد ذكر الفقهاء الطّوائف من النّاس المرخّص لهم بالإفطار. ومن الفقهاء، سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، الّذي حدّد هؤلاء بقوله:
1 ـ من يعاني من ضعف في قواه، وفتور في نشاطه، فإذا صام أحرجه الصّوم، وأربكه، وزاده ضعفاً، بنحو يصبح معه عاجزاً عن القيام والمشي وممارسة نشاطه اليومي الاعتيادي.
2 ـ من بلغ سنّ السّبعين، وهي مرحلة الشيخوخة للرجال والنساء، المترافقة مع ضعف يجعل الصّوم متعذراً منه، وغير مقدور عليه بتاتاً، أو تجعله شاقّاً وحرجاً عليه.
3 ـ أصحاب المهن الشاقّة الذين يضعفهم الصّوم، أو يوقعهم في العطش الشديد الذي يشق تحمّله، مع عدم قدرتهم على تحصيل عمل آخر مريح، وعدم وجود مال مدّخر أو ديْن يستغنون به مؤقتاً.
4 ـ ذو العطاش، وهو من لا يقدر على الصبر على العطش، فيتعذّر منه الصّوم أو يشقّ عليه...
5 ـ الحامل التي اقترب أوان ولادتها، أو التي لم يقترب، وكانت ضعيفة، بحيث يضرّها الصوم أو يضرّ ولدها... أيضاً، المرضعة القليلة الحليب، الّتي إذا صامت مع الإرضاع أضرّ بها الصّوم، أو قلّ حليبها، فأضرّ بولدها، فيلزمها الإفطار حينئذٍ. أما إذا أمكنها تعويض ذلك بالحليب الصناعي أو الحيواني، أو بإرضاع امرأة أخرى متبرّعة بذلك أو مسـتأجرة، مع التمكّن من دفع أجرتها، فلا يجوز لها الإفطار[آراء سماحة السيد من فقه الشّريعة، ج 1، ص 469، 470].
ولكن ليس معنى الرخصة لهؤلاء بالإفطار، أنه لا يجوز لهم الصّيام إذا قدروا عليه، بل يجوز لهم الصّوم ما لم يتضرّروا بذلك. وعن المسألة، يقول سماحته(رض): "كما يجوز الإفطار لهؤلاء المرخّص لهم، كذلك يجوز لهم الصّيام في حال رغبتهم وإصرارهم على تحمّل المشقّة والحرج، ما لم يتضرروا بذلك، فإن أضرّ بهم الصّوم ضرراً يعتدّ به، ويجب دفعه، لم يجز لهم الصّيام، ولحقهم حكم المريض.[آراء سماحة السيد من فقه الشّريعة، ج 1، ص 470].
إذ لا يصحّ الصّوم من المكلّف إذا أضرّ به بنحو كان سليماً فأمرضه، أو كان مريضاً فأوجب اشتداد المرض، أو زيادة الوجع، أو طول فترة الشّفاء منه، ولا فرق في ضرر الصّوم بين ما يظهر فوراً وما يظهر بعد مدّة في المستقبل، كأمراض القرحة والكلى وفقر الدّم. [فقه الشّريعة، ج 1، ص 468].
ولا يستثنى من ذلك المرأة الحامل أو المرضعة الّتي يضرّ الصّوم بولدها، لأنه يجب عليها دفع الضّرر عن ولدها في هذه الحالة، بالدّرجة نفسها التي يجب أن تدفعه عن نفسها.[آراء سماحة السيد من فقه الشّريعة، ج 1، ص 470].
وعند علماء أهل السنّة والجماعة، من الأعذار المبيحة للصّائم في الإفطار:
المرض: فمن كان مريضاً مرضاً لا يستطيع معه الصّيام، رخّص الله تعالى له في الإفطار، وعليه القضاء.
السّفر: فمن كان مسافراً سفراً يبيح له قصر الصّلاة، جاز له الفطر، ودليل ذلك قوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة: 184]، كما رخّص الله تعالى للشّيخ الكبير والمرأة الكبيرة اللّذين لا يستطيعان الصّوم لهرمهما وكبر سنّهما، أن يفطرا، ويطعمان عن كلّ يوم مسكيناً، ومثلهما من كان مريضاً مرضاً مزمناً لا يُرجى برؤه، كمرضى الفشل الكلوي ـ غالباً ـ لاحتياج المريض إلى الماء والعلاج باستمرار، ومثل مرضى السكّري، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}، فهما داخلتان في عموم الآية الكريمة، ومن ذلك أيضاً، أنّ من غلبه الجوع والعطش، ولم يقدر على تحمُّل مشقّة ذلك، فله أن يفطر، لقوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ}[النساء: 29]، ولقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}[البقرة: 286].
حاولنا في هذا المقال الإشارة إلى الفئات من المكلّفين الّذين رُخِّص لهم بالإفطار، لما لذلك من أهميّة تتعلّق بصحّة عبادتهم.
إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه