الاعتكاف لغةً يعني الإقامة على الشّيء في المكان، وفي الشّريعة، هو المكث في المسجد بقصد التعبُّد لله وحده، وهو مشروعٌ قرآناً وسنّةً وإجماعاً، وله تفاصيل معيّنة قد يتساءل عنها البعض لمعرفة أحكامه شرعاً.
بدايةً، يتحدّث سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) عن شرائط الاعتكاف فيقول:
أوّلاً: العقل.ثانياً: الإيمان. ثالثاً: نيّة القربة إلى الله، وأنّه لا بدّ من وقوع النيّة مقارنةً بالبدء بالاعتكاف، ولا بأس بتبييت النيّة من اللّيل لمن أراد الشّروع في الاعتكاف فجراً، بنحو يمرّ عليه الفجر وهو نائم.
الشّرط الرابع: الصّيام في الأيّام الثّلاثة، فمن لا يصحّ منه الصّوم لا يصحّ منه الاعتكاف، وكما يجب أن يكون المعتكف ممن يصحّ منه الصّوم، كذلك يجب أن تكون أيّام الاعتكاف مما يصحّ فيها الصوم، فلا يصحّ الاعتكاف في عيد الفطر أو عيد الأضحى مثلاً، إذ لا يسوّغ الصّيام فيهما، وكلّ ما يفسد الصّوم فهو يفسد الاعتكاف ويبطله، لأنّ الصّوم شرط في صحّته، والمشروط يبطل ببطلان شرطه.
الخامس:العدد، وأقلّه ثلاثة نهارات تتوسّطها ليلتان، ويسوّغ أن يكون أكثر من ذلك، بأن ينوي الاعتكاف من بداية ليلة الجمعة إلى نهار الأحد أو إلى صباح الإثنين، فيكون اعتكافه مكوّناً من ثلاثة نهارات وأربع ليال، أو إلى غروب الإثنين أو أكثر من ذلك.
وأمّا السّادس: فأن يكون الاعتكاف في مسجد يجتمع فيه النّاس ويعتبر مسجداً جامعاً ورئيساً في البلد، فليس من المعلوم أن يصحّ الاعتكاف في مسجد صغير جانبي، والمسجد يشمل كلّ طوابقه من السّطح والسّراديب، ولو خصّ المعتكف بنيّته زاوية خاصّة من المسجد، فنوى الاعتكاف في تلك الزّاوية بالذات، فلا أثر لهذا القصد، ويسوّغ لهذا القاصد أن يمكث في كلّ أجزاء ذلك المسجد ويتنقّل فيه..
ويتابع سماحته(رض): وأمّا الشّرط السابع: بأن لا يخرج المعتكف من مسجده إلا لضرورة شرعيّة أو عرفيّة، فمن الضّرورة الشرعيّة أن يخرج لغسل الجنابة، إذ لا يجوز له أن يمكث في المسجد ويغتسل حتّى ولو كان ذلك ممكناً، ومنها الخروج لحضور صلاة الجمعة إذا أقيمت.. فإذا لم تكن هناك حاجة ضروريّة للخروج شرعاً أو عرفاً، وخرج متعمّداً، بطل اعتكافه، وكذا لو خرج لغير ضرورة جهلاً أو نسياناً على الأحوط..
ويُستثنى من ذلك الأمور التّالية: أ ـ إذا خرج لعيادة مريض أو معالجته، فإنّه لا يبطل بذلك اعتكافه. ب ـ إذا خرج لتشييع جنازة وما إليه من تجهيز. ج ـ أن يجتنب نهاراً أو ليلاً ما يلي:
أوّلاً: مباشرة النّساء بالجماع، أو بما دون ذلك من الاستمتاع بالتّقبيل أو اللّمس أيضاً. ثانياً: الاستمناء. ثالثاً: شمّ الطّيب. رابعاً: التجارة بشتّى أنواعها. خامساً: المماراة، ونريد بها هنا المجادلة والمنازعة في قضيّة معيّنة حبّاً بالظّهور والفوز على الأقران، سواء كانت وجهة نظر المعتكف صحيحة بذاتها أو لا.
ويختم سماحته(رض) بأنّ الاعتكاف مستحبّ بطبيعته، وقد يجب بنذر أو عهد أو يمين... [فقه الشّريعة، ج1، ص:501].
ويشير السيّد الخوئي في تناوله لمبحث الاعتكاف، إلى أن يكون في أحد المساجد الأربعة: المسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد الكوفة، ومسجد البصرة، أو في المسجد الجامع في البلد، والأحوط استحباباً ـ مع الإمكان ـ الاقتصار على هذه الأمكنة الأربعة.
ويتابع بأنّ الاعتكاف في نفسه مندوب (ما أمر الشّارع به لا على وجه الإلزام، فيُثاب فاعله ولا يأثم تاركه)، ويجب بالعارض من نذر وشبهه... [منهاج الصّالحين، الجزء الأوّل، العبادات].
أمّا علماء العامّة (أهل السنّة)، فيعتبرون أيضاً أنّ الاعتكاف مشروع بالكتاب والسنّة والإجماع، وأنّ الأصل في الاعتكاف أنّه سنّة وليس بواجب، إلا إذا كان نذراً فيجب. ومن شروط الاعتكاف، أن يكون في مسجد، واتّفقوا على صحته في المساجد الثّلاثة، وهي المسجد الحرام ومسجد النبي في المدينة والمسجد الأقصى، وفي كلّ مسجد جامع، أمّا الحنفيّة، فذهبوا إلى اشتراط المسجد الجامع أو المسجد الّذي تُقام فيه الصّلوات الخمس، وهذا بالنّسبة إلى الرجل، وأمّا بالنّسبة إلى المرأة، فالأفضل اعتكافها في مسجد بيتها.
وأمّا المالكيّة، فذهبوا إلى أنّه يصحّ في أيّ مسجد، إلا إذا كان المعتكف ممن يحضر صلاة الجمعة، وسيأتي عليه جمعة وهو معتكف، فإنّه يجب عليه في هذه الحالة أن يعتكف في مسجد تقام فيه صلاة الجمعة، وذهب الشافعيّة إلى أنّه يصحّ اعتكاف الرّجل والمرأة في كلّ مسجد، ولا يصحّ اعتكافهما في مسجد بيتهما...
إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه