قال رجل في مجلس الحسين (ع): "إنّ المعروف إذا أسدي إلى غير أهله ضاع"، يعني لا بدَّ لنا أن نصنع المعروف مع أهله لينتج ويثمر، أمَّا إذا صنعنا المعروف مع غير أهله فإنّه يضيع.
هنا، قال الحسين (ع) إنّ الأمر ليس كذلك، لأنّ قضية المعروف ليست قضية تجارة، ولكنّها قضية أخلاقك وقضيّتك أنت، في أن يكون المعروف عندك تماماً كالشَّمس التي تشرق على البرّ والفاجر، وكالينبوع الذي يفيض على الأرض الجديبة والأرض الخصبة. ليكن المعروف خلقك، وليكن القيمة التي تعيش في حركتك، بقطع النظر عن ردّ فعل الناس.
كان الحسين (ع) يريد أن يقول: لا تكن إنساناً يعيش ردود الفعل سلباً أو إيجاباً من خلال مواقف الآخرين معك، ولكن كن الإنسان الذي يعيش الفعل، افعل شيئاً لأنَّك تؤمن به، وافعل الشَّيء لأنّه خير، بقطع النظر عن ردّ الفعل من الآخر.
قال الحسين (ع): "ليس كذلك، ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر، يصيب البرّ والفاجر"1 .
كنْ أيُّها الإنسان مطراً، وليكن المعروف بالنّسبة إليك مطراً يهمي لينزل على البرّ وعلى الفاجر. فأيّ سموّ هو هذا السموّ؟! ونحن نقول في الدعاء: "فإن لم أكن أهلاً أن أبلغ رحمتك، فرحمتك أهلٌ أن تبلغني وتسعني، لأنّها وسعت كلّ شيء"، فقد لا أكون أهلاً لرحمة الله، ولكنَّ رحمة الله التي اتّسعت لكلّ شيء، سوف تغمرني، حتى لو لم أستحقّ ذلك بالقليل أو الكثير.
وكتب رجل إلى الحسين (ع): "عظني بحرفين"، فكتب إليه: "من حاول أمراً بمعصية الله، كان أفوت لما يرجو"2. فأيّ أمر تحاول أن تبلغه، أو أيّ مشروع تريد أن تصنعه، وأيّ انتماء تريد أن تنتمي إليه، وأيّ علاقة تريد أن تنشئها، فلا تحاول أن تحصل على ما ترجوه بمعصية الله، لأنَّ معصية الله سوف تخرِّب لك ذلك كلَّه، إن عاجلاً أو آجلاً، لأنَّ معصية الله ليس فيها عمق الحقيقة، وليس فيها أيّ شيء يمثّل الثبات.
*من محاضرة لسماحته بعنوان "في ذكرى أربعينيّته: لنأخذ الإمام الحسين (ع) كلّه"، بتاريخ: 28/ 6/1997م.
[1]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 75، ص 117.
[2]الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص373.