عاشوراء والحزن في الخطاب الإسلامي

عاشوراء والحزن في الخطاب الإسلامي

إننا نعتقد أن الحزن، كما السرور، حالة إنسانية عميقة في الشخصية الإنسانية، وهو ككلّ حالة إنسانية، لا تمثل مجرد حسّ انفعالي في الذات، يستهلكه الإنسان فيما يستهلك من انفعالات طارئة تتصل بالجانب السلبي في حياته عند الحزن، أو الجانب الإيجابي عند السرور، بل هي حالة تحمل وظيفة إنسانية في الانفتاح على كل القضايا المتصلة بمواقع الإثارة، أو في نطاق مصلحة القضية في هذا الجانب، لأنّ الذات قد تحتاج إلى الاستفادة من عناصر الحزن الذي يحيط بها في تأكيد مواقعها في المجالات التي ترتبط بالحزن في منطلقاته العاطفية.

وهذا ما نلاحظه في أنّ الإنسان لم يختزن الحزن كحالة نفسية داخلية ليبقى في المناطق الشعورية العميقة من شخصيّته، بل حاول على مرّ التاريخ أن يعبّر عن حزنه بالدموع تارةً، وبالصراخ أخرى، وبالكلمات الموحية ثالثة، وببعض الأعمال العنيفة التي يقوم بها، مثل نتف الشعر ولطم الصدر وتخميش الوجه، حسب عادات الشعوب...

إن حاجة الإنسان إلى التعبير عن الحزن تنطلق من حاجته في الاستفادة، بطريقة شعورية أو لاشعورية، من تأثير هذا الحزن في الموقع الذي يتحرّك فيه ليستدرّ عطف الناس عليه، وليجتذب مساعدة الناس له، وليؤكّد عمق ارتباطه بالشخص الذي أثار الحزن في ذاته.

إن القضية تتّخذ بُعدها المؤثّر في حركة الحزن في الذات، عندما تتمحور حول المواقع الشخصية أو العائلية، كما نلاحظ هذه المسألة في تأثيراتها في مواقع القداسة، عندما تكون مسألة الحزن متصلة بشخصية مقدَّسة، كنبيّ أو إمام أو عالِم، أو شخصية سياسية أو اجتماعية، فتظهر تعبيرات متنوّعة يحرّكها القائمون على إدارة الحزن الحركي في حياة الناس، من خلال الجانب العاطفي الذي يربط هؤلاء الناس بهذه الشخصية أو تلك، من أجل الاستفادة من كلّ وسائل التعبير في تركيز موقع معيّن أو في تعميقه، أو في إنتاج وضع جديد، أو مواجهة وضع آخر كان مشاركاً في انطلاقة المأساة.

لذلك، نتصوّر أن العاملين في الحقل العامّ، ولا سيّما الحقل الإسلامي، قد يحتاجون إلى تحريك الحزن في المواقع التي ترتبط بالذهنيّة الجماهيريّة العامّة، سواء من خلال الشخصيات المقدَّسة أو المآسي المفجعة أو الأحداث الصارخة في الواقع التاريخي أو الحاضر، وذلك بدراسة منطلقات الحزن أو الساحة التي تحركت فيها المأساة التي أثارته، أو الآفاق التي يمكن أن تطل على حركية هذا الحزن فيما هي الأهداف والقضايا الكبرى.. فإذا رأينا أن مفردات هذا الحزن ووسائله التعبيرية يمكن أن تحقق نتائج كبرى على صعيد عملية الإثارة في خدمة هذا الهدف أو ذاك، فإننا نتصوّر أن ذلك يمثل إيجابية كبيرة في اختصار الكثير من الوسائل التي قد نحتاجها في ربط الجماهير بهذه القضيّة الكبرى أو تلك، لتمثل العاطفة أقصر المسافات للوصول إلى هذه النتائج. ومن الطبيعي أن نملك الدقّة في تحريك مفردات المأساة، لأنها في الوقت الذي قد تمثل إيجابية على صعيد بعض القضايا، فإنها قد تُستغلّ بطريقة سلبيّة لتعقيد قضايا أخرى، كما في القضايا التي تحركت في التاريخ الإسلامي وفي الصراعات التي عاشها الواقع الإسلامي.

إنّ بعض الأمور قد تتصل بالحسّ المذهبي من جهة، كما تتصل بالحسّ الثوريّ من جهة أخرى. لذلك، لا بدّ من الحذر والدقّة في الإمساك بهذه المفردات بعزلها عن الجانب المذهبي، وربطها بالخطوط العامّة للإسلام، ليكون الضحيّة أو الشّهيد الذي تحاول أن تستثير المأساة من خلاله، عنواناً للقضية الكبرى، وليكون الفريق الآخر عنواناً للمشكلة الكبرى التي تمثّل السلبيّة في الواقع الإسلاميّ، بدلاً من أن يكون هذا الشخص عنواناً للمسألة المذهبيّة هنا، وذاك الشخص عنواناً للمسألة المذهبيّة هناك.

مثلاً، عندما تُثار قضية الإمام الحسين(ع) في المعركة التي دارت بينه وبين جيش يزيد، فإنّ علينا أن نؤكّد مسبقاً للواقع الإسلامي كلّه، أن يزيد لا يمثل قيمة إسلامية، لا على مستوى العقيدة، ولا على مستوى المذهب، ولا على مستوى حركة الحكم في خط الاستقامة في الإسلام، وأنّ بني أمية لا يمثلون بمجملهم عائلة مقدّسة في الإسلام، ليكون التركيز على سلبياتهم، أو على بعضها، عملاً سلبياً في مواجهة المشاعر الإسلامية العامة أو القيم الإسلامية الكبيرة. كما أن علينا في الجانب الآخر، أن ننفُذ إلى شخصية الإمام الحسين(ع) من خلال خصائص القيادة فيه، وطبيعة العناوين الروحية التي تحيط به وتتمثّل فيه، ومن خلال القضايا التي طرحها، والتي تتجاوز ذاته لتُطلّ على الواقع الإسلاميّ بشكل عام، لنعتبر أنَّ مسألة الحسين ليست مجرّد مسألة شخص نحبّه، أو شخص تربطه صلة القربى برسول الله(ص) بالنّسب، ولكنها قضية شخص حمل العناوين الكبرى للقضايا الإسلامية التي يمكن أن تمتدّ إلى كل الواقع الإسلامي على مستوى الحاضر والمستقبل كما عاشت في الماضي.

إننا عندما ندرس القضية ونضعها في دائرتها السياسية والاجتماعية، وفي خطوطها الدينية الكبرى، فإن القضية تتحول إلى قضية إسلامية، ليستشعر المسلمون كل إيحاءاتها ومشاعرها وأحاسيسها وقضاياها بشكل إيجابي، بدل أن تكون قضيّة شيعيّة يستهلك الشيعة فيها عواطفهم ودموعهم بالطريقة التي تزيد من أزمتهم النفسيّة ضدّ الفريق الآخر من المسلمين، الذي قد يبادر بعمليّة ردّ فعل ليؤكّد رفضه لهذه القضية، وقد يتحرك به التعصب إلى أن يبحث عن إيجابيات لسيرة (يزيد) ولموقفه ولشخصيّته، كما فعل بعض الذين كتبوا في التاريخ أنّ الحسين قُتِلَ بسيف جدّه، وأنه مجرد إنسان شقّ عصا الطاعة للمسلمين وواجه الخليفة، وما إلى ذلك من الكلمات، أو بعض الناس الذين يحاولون أن يبحثوا ليزيد عن مميّزات شخصيّة، مما قد لا تجد فيها إلا ردود الفعل على الواقع الّذي يتحرّك في هذا الجانب، لتكون مسألة حسّاسة، تعيش في دائرة التجاذب الشيعي/ السني.

إننا نؤكد الاستفادة من المسألة العاطفية في قضية الحزن، لأنها تستطيع أن تغني تجربتنا الحيّة، وتختصر الكثير من الوسائل، وتربط الحاضر بالماضي في عملية تكامل وامتداد، كما أنها قد تُطلّ على مسألة إنسانية كبرى، وهي أن الإنسان الذي يثور على المأساة التاريخيّة وعلى الذين صنعوها، يمكن أن تحرّكه ليثور على الذين يصنعون مأساة الإنسان في الحاضر من خلال المواقف المماثلة أو الأوضاع المشابهة لتلك القضيّة.. وبذلك تنفذ المسألة إلى الجانب الإنساني، لتكون حركيّة هذا الحزن في اتجاه منع مأساة جديدة مشابهة لتلك التي فرضت هذا الحزن، وهذا ما يمكن أن نعيشه ونحرّكه في عاشوراء، عندما نطلق عناوينها الإنسانيّة الكبيرة، مثل الحقّ والباطل والعزّة والذلّة والحكم المنحرف والحكم المستقيم وغير ذلك.

*من كتاب "خطاب الإسلاميين والمستقبل".

إننا نعتقد أن الحزن، كما السرور، حالة إنسانية عميقة في الشخصية الإنسانية، وهو ككلّ حالة إنسانية، لا تمثل مجرد حسّ انفعالي في الذات، يستهلكه الإنسان فيما يستهلك من انفعالات طارئة تتصل بالجانب السلبي في حياته عند الحزن، أو الجانب الإيجابي عند السرور، بل هي حالة تحمل وظيفة إنسانية في الانفتاح على كل القضايا المتصلة بمواقع الإثارة، أو في نطاق مصلحة القضية في هذا الجانب، لأنّ الذات قد تحتاج إلى الاستفادة من عناصر الحزن الذي يحيط بها في تأكيد مواقعها في المجالات التي ترتبط بالحزن في منطلقاته العاطفية.

وهذا ما نلاحظه في أنّ الإنسان لم يختزن الحزن كحالة نفسية داخلية ليبقى في المناطق الشعورية العميقة من شخصيّته، بل حاول على مرّ التاريخ أن يعبّر عن حزنه بالدموع تارةً، وبالصراخ أخرى، وبالكلمات الموحية ثالثة، وببعض الأعمال العنيفة التي يقوم بها، مثل نتف الشعر ولطم الصدر وتخميش الوجه، حسب عادات الشعوب...

إن حاجة الإنسان إلى التعبير عن الحزن تنطلق من حاجته في الاستفادة، بطريقة شعورية أو لاشعورية، من تأثير هذا الحزن في الموقع الذي يتحرّك فيه ليستدرّ عطف الناس عليه، وليجتذب مساعدة الناس له، وليؤكّد عمق ارتباطه بالشخص الذي أثار الحزن في ذاته.

إن القضية تتّخذ بُعدها المؤثّر في حركة الحزن في الذات، عندما تتمحور حول المواقع الشخصية أو العائلية، كما نلاحظ هذه المسألة في تأثيراتها في مواقع القداسة، عندما تكون مسألة الحزن متصلة بشخصية مقدَّسة، كنبيّ أو إمام أو عالِم، أو شخصية سياسية أو اجتماعية، فتظهر تعبيرات متنوّعة يحرّكها القائمون على إدارة الحزن الحركي في حياة الناس، من خلال الجانب العاطفي الذي يربط هؤلاء الناس بهذه الشخصية أو تلك، من أجل الاستفادة من كلّ وسائل التعبير في تركيز موقع معيّن أو في تعميقه، أو في إنتاج وضع جديد، أو مواجهة وضع آخر كان مشاركاً في انطلاقة المأساة.

لذلك، نتصوّر أن العاملين في الحقل العامّ، ولا سيّما الحقل الإسلامي، قد يحتاجون إلى تحريك الحزن في المواقع التي ترتبط بالذهنيّة الجماهيريّة العامّة، سواء من خلال الشخصيات المقدَّسة أو المآسي المفجعة أو الأحداث الصارخة في الواقع التاريخي أو الحاضر، وذلك بدراسة منطلقات الحزن أو الساحة التي تحركت فيها المأساة التي أثارته، أو الآفاق التي يمكن أن تطل على حركية هذا الحزن فيما هي الأهداف والقضايا الكبرى.. فإذا رأينا أن مفردات هذا الحزن ووسائله التعبيرية يمكن أن تحقق نتائج كبرى على صعيد عملية الإثارة في خدمة هذا الهدف أو ذاك، فإننا نتصوّر أن ذلك يمثل إيجابية كبيرة في اختصار الكثير من الوسائل التي قد نحتاجها في ربط الجماهير بهذه القضيّة الكبرى أو تلك، لتمثل العاطفة أقصر المسافات للوصول إلى هذه النتائج. ومن الطبيعي أن نملك الدقّة في تحريك مفردات المأساة، لأنها في الوقت الذي قد تمثل إيجابية على صعيد بعض القضايا، فإنها قد تُستغلّ بطريقة سلبيّة لتعقيد قضايا أخرى، كما في القضايا التي تحركت في التاريخ الإسلامي وفي الصراعات التي عاشها الواقع الإسلامي.

إنّ بعض الأمور قد تتصل بالحسّ المذهبي من جهة، كما تتصل بالحسّ الثوريّ من جهة أخرى. لذلك، لا بدّ من الحذر والدقّة في الإمساك بهذه المفردات بعزلها عن الجانب المذهبي، وربطها بالخطوط العامّة للإسلام، ليكون الضحيّة أو الشّهيد الذي تحاول أن تستثير المأساة من خلاله، عنواناً للقضية الكبرى، وليكون الفريق الآخر عنواناً للمشكلة الكبرى التي تمثّل السلبيّة في الواقع الإسلاميّ، بدلاً من أن يكون هذا الشخص عنواناً للمسألة المذهبيّة هنا، وذاك الشخص عنواناً للمسألة المذهبيّة هناك.

مثلاً، عندما تُثار قضية الإمام الحسين(ع) في المعركة التي دارت بينه وبين جيش يزيد، فإنّ علينا أن نؤكّد مسبقاً للواقع الإسلامي كلّه، أن يزيد لا يمثل قيمة إسلامية، لا على مستوى العقيدة، ولا على مستوى المذهب، ولا على مستوى حركة الحكم في خط الاستقامة في الإسلام، وأنّ بني أمية لا يمثلون بمجملهم عائلة مقدّسة في الإسلام، ليكون التركيز على سلبياتهم، أو على بعضها، عملاً سلبياً في مواجهة المشاعر الإسلامية العامة أو القيم الإسلامية الكبيرة. كما أن علينا في الجانب الآخر، أن ننفُذ إلى شخصية الإمام الحسين(ع) من خلال خصائص القيادة فيه، وطبيعة العناوين الروحية التي تحيط به وتتمثّل فيه، ومن خلال القضايا التي طرحها، والتي تتجاوز ذاته لتُطلّ على الواقع الإسلاميّ بشكل عام، لنعتبر أنَّ مسألة الحسين ليست مجرّد مسألة شخص نحبّه، أو شخص تربطه صلة القربى برسول الله(ص) بالنّسب، ولكنها قضية شخص حمل العناوين الكبرى للقضايا الإسلامية التي يمكن أن تمتدّ إلى كل الواقع الإسلامي على مستوى الحاضر والمستقبل كما عاشت في الماضي.

إننا عندما ندرس القضية ونضعها في دائرتها السياسية والاجتماعية، وفي خطوطها الدينية الكبرى، فإن القضية تتحول إلى قضية إسلامية، ليستشعر المسلمون كل إيحاءاتها ومشاعرها وأحاسيسها وقضاياها بشكل إيجابي، بدل أن تكون قضيّة شيعيّة يستهلك الشيعة فيها عواطفهم ودموعهم بالطريقة التي تزيد من أزمتهم النفسيّة ضدّ الفريق الآخر من المسلمين، الذي قد يبادر بعمليّة ردّ فعل ليؤكّد رفضه لهذه القضية، وقد يتحرك به التعصب إلى أن يبحث عن إيجابيات لسيرة (يزيد) ولموقفه ولشخصيّته، كما فعل بعض الذين كتبوا في التاريخ أنّ الحسين قُتِلَ بسيف جدّه، وأنه مجرد إنسان شقّ عصا الطاعة للمسلمين وواجه الخليفة، وما إلى ذلك من الكلمات، أو بعض الناس الذين يحاولون أن يبحثوا ليزيد عن مميّزات شخصيّة، مما قد لا تجد فيها إلا ردود الفعل على الواقع الّذي يتحرّك في هذا الجانب، لتكون مسألة حسّاسة، تعيش في دائرة التجاذب الشيعي/ السني.

إننا نؤكد الاستفادة من المسألة العاطفية في قضية الحزن، لأنها تستطيع أن تغني تجربتنا الحيّة، وتختصر الكثير من الوسائل، وتربط الحاضر بالماضي في عملية تكامل وامتداد، كما أنها قد تُطلّ على مسألة إنسانية كبرى، وهي أن الإنسان الذي يثور على المأساة التاريخيّة وعلى الذين صنعوها، يمكن أن تحرّكه ليثور على الذين يصنعون مأساة الإنسان في الحاضر من خلال المواقف المماثلة أو الأوضاع المشابهة لتلك القضيّة.. وبذلك تنفذ المسألة إلى الجانب الإنساني، لتكون حركيّة هذا الحزن في اتجاه منع مأساة جديدة مشابهة لتلك التي فرضت هذا الحزن، وهذا ما يمكن أن نعيشه ونحرّكه في عاشوراء، عندما نطلق عناوينها الإنسانيّة الكبيرة، مثل الحقّ والباطل والعزّة والذلّة والحكم المنحرف والحكم المستقيم وغير ذلك.

*من كتاب "خطاب الإسلاميين والمستقبل".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية