يحرص الغرب على تأكيد الحريَّة كقيمةٍ لا يتنازل عنها، فميزة الحكومات الغربيَّة أنها تكفل الحريّات وحقوق الإنسان، والحريّة حقّ مقدّس تكفله لمواطنيها كافّة، وهذا ما يميّزها عن الأنظمة الديكتاتوريّة التي لا تلقي بالاً لوضع الحريّات في مجتمعاتها. حتى التدخّل الّذي تقوم به الدّول الغربيّة في أماكن متفرّقة من العالم، فإنَّه يتمّ تحت شعار حماية الحريّات وحقوق الإنسان، كما حصل في أماكن عديدة من العالم، بغضّ النّظر عن النيّات والأهداف الفعليّة للتدخّل.
لكن هل تشكِّل هذه المعطيات كامل المشهد؟ وإلى أيِّ مدى يمكن تصديق جدّيّة التزام الغرب بحماية الحريّات وصونها، حيث إنَّه رغم ادّعاءاته الكثيرة، لا يقنع أحداً بحرصه على حريّات بقيّة شعوب العالم، وبخاصّة الشّعوب المستضعفة.
وإن كان بالإمكان تصديق حرصه على الأقلّ على حريّات مواطنيه، فمباذا نفسِّر ما نسمع في وسائل الإعلام الغربيّة بشكل متكرّر عن عمليّات تجسّس تطاول المواطنين في الغرب بوسائل متعدّدة، كان آخرها ما أوردته وسائل إعلام أميركيّة، وأكَّدته دائرة الهجرة والجمارك في الولايات المتّحدة، عن استخدام أجهزة أمنيّة حكوميَّة طائرات صغيرة للتجسّس، مجهّزة بمعدّات ترسل إشارات شبيهة بتلك التي تبثّها أبراج الهواتف النقّالة، ما يخدع الهاتف النقّال، ليرتبط بهذه الصّناديق التي تحدّد هويّته، وتقوم بجمع المعلومات المطلوبة.
ورغم ما توافر من معلومات حول هذا الأمر، فقد رفضت وزارة العدل الأميركيَّة تأكيد التّقرير أو نفيه، وقال أحد المسؤولين إنَّ النّقاش سيتيح للحكومات الأجنبيَّة والمجرمين "معرفة قدراتنا"، فيما انتقدت الجمعيّات الحقوقيّة بشدّة البرنامج التجسّسي، لأنّه يزيد على نحو كبير للغاية عدد المشاة الأبرياء الَّذين تلتقط القوى الأمنيَّة معلوماتهم الشخصيَّة.
إذاً، إنَّهم قادرون على التجسّس، ويقومون بذلك بالفعل، وليس ببعيد عن أذهاننا، ما ورد عن فضيحة التجسّس الأميركي حتى على هواتف مسؤولين أوروبيين كبار، أصدقاء وحلفاء للسياسة الأميركيَّة، مثل المستشارة الألمانية ميركل.
إنَّ هذا التطوّر الهائل والمتسارع في وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، في الوقت الذي يقدِّم إمكانات لا محدودة على مستوى التواصل، فإنه يطرح إشكاليات من خلال ما يفرضه من تحدّيات على مستوى استباحة الخصوصيّة والحريّات الشخصيّة، عبر عمليّات التجسّس التي تطاول مستخدمي شبكة الإنترنت ووسائل التّواصل والاتصال.
فصحيح أنَّ هذه الوسائل منحتنا إمكانات لا سابق لها في التّواصل، وألغت معظم الحدود التي قد تعيق تبادل الأفكار والآراء والمعلومات، لكنَّها في الوقت نفسه، جعلتنا صفحة مكشوفة، واجتاحت كلَّ خصوصيّاتنا، وجعلت ملفّاتنا، وبريدنا الإلكتروني، والمواقع الّتي نزورها، متوافرةً بين أيدي شركات ضخمة، سواء لأهداف إعلانيَّة أو تجسسيَّة، أو ربما كلاهما معاً، دون أن نعلم بأيِّ طريقة ستتصرّف بها.
من جهةٍ ثانية، فقد باتت وسائل التَّواصل والإعلام الإلكتروني، المصدر الرّئيس للمعلومات، ومساهماً أساسياً في تشكيل وعينا وصناعته، حتى بتنا مستهلكين لهذه التكنولوجيا التي طوَّرت كثيراً في وسائل حياتنا وإمكانيات تواصلنا، لكنها في المقابل، جعلتنا مكشوفين بشكل لا سابق له أمام المجهول. والمجهول هنا، هو هذه الشّركات والجهات التي تديرها أو تقف خلفها، والّتي لا يمكن لنا الجزم بحقيقة نياتها.
نعم، نحن في عصر يمنحنا مستوى غير مسبوق من الحريات، لكنّه في الوقت عينه، يجعلنا في أقصى درجات التبعيّة.
وتبقى الحقيقة: طالما بقينا عاجزين أمام تطوّر تكنولوجيا المعلومات، ومجرّد مستهلكين لها، فسنبقى أسرى في ملعب/سجن مترامي الأطراف، فيه كلّ وسائل التّرفيه، وكلّ ما يبهج العين ويسرّ الفؤاد، لكن لا قدرة، بل وحتى لا رغبة لنا في تجاوز أسواره.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.
يحرص الغرب على تأكيد الحريَّة كقيمةٍ لا يتنازل عنها، فميزة الحكومات الغربيَّة أنها تكفل الحريّات وحقوق الإنسان، والحريّة حقّ مقدّس تكفله لمواطنيها كافّة، وهذا ما يميّزها عن الأنظمة الديكتاتوريّة التي لا تلقي بالاً لوضع الحريّات في مجتمعاتها. حتى التدخّل الّذي تقوم به الدّول الغربيّة في أماكن متفرّقة من العالم، فإنَّه يتمّ تحت شعار حماية الحريّات وحقوق الإنسان، كما حصل في أماكن عديدة من العالم، بغضّ النّظر عن النيّات والأهداف الفعليّة للتدخّل.
لكن هل تشكِّل هذه المعطيات كامل المشهد؟ وإلى أيِّ مدى يمكن تصديق جدّيّة التزام الغرب بحماية الحريّات وصونها، حيث إنَّه رغم ادّعاءاته الكثيرة، لا يقنع أحداً بحرصه على حريّات بقيّة شعوب العالم، وبخاصّة الشّعوب المستضعفة.
وإن كان بالإمكان تصديق حرصه على الأقلّ على حريّات مواطنيه، فمباذا نفسِّر ما نسمع في وسائل الإعلام الغربيّة بشكل متكرّر عن عمليّات تجسّس تطاول المواطنين في الغرب بوسائل متعدّدة، كان آخرها ما أوردته وسائل إعلام أميركيّة، وأكَّدته دائرة الهجرة والجمارك في الولايات المتّحدة، عن استخدام أجهزة أمنيّة حكوميَّة طائرات صغيرة للتجسّس، مجهّزة بمعدّات ترسل إشارات شبيهة بتلك التي تبثّها أبراج الهواتف النقّالة، ما يخدع الهاتف النقّال، ليرتبط بهذه الصّناديق التي تحدّد هويّته، وتقوم بجمع المعلومات المطلوبة.
ورغم ما توافر من معلومات حول هذا الأمر، فقد رفضت وزارة العدل الأميركيَّة تأكيد التّقرير أو نفيه، وقال أحد المسؤولين إنَّ النّقاش سيتيح للحكومات الأجنبيَّة والمجرمين "معرفة قدراتنا"، فيما انتقدت الجمعيّات الحقوقيّة بشدّة البرنامج التجسّسي، لأنّه يزيد على نحو كبير للغاية عدد المشاة الأبرياء الَّذين تلتقط القوى الأمنيَّة معلوماتهم الشخصيَّة.
إذاً، إنَّهم قادرون على التجسّس، ويقومون بذلك بالفعل، وليس ببعيد عن أذهاننا، ما ورد عن فضيحة التجسّس الأميركي حتى على هواتف مسؤولين أوروبيين كبار، أصدقاء وحلفاء للسياسة الأميركيَّة، مثل المستشارة الألمانية ميركل.
إنَّ هذا التطوّر الهائل والمتسارع في وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، في الوقت الذي يقدِّم إمكانات لا محدودة على مستوى التواصل، فإنه يطرح إشكاليات من خلال ما يفرضه من تحدّيات على مستوى استباحة الخصوصيّة والحريّات الشخصيّة، عبر عمليّات التجسّس التي تطاول مستخدمي شبكة الإنترنت ووسائل التّواصل والاتصال.
فصحيح أنَّ هذه الوسائل منحتنا إمكانات لا سابق لها في التّواصل، وألغت معظم الحدود التي قد تعيق تبادل الأفكار والآراء والمعلومات، لكنَّها في الوقت نفسه، جعلتنا صفحة مكشوفة، واجتاحت كلَّ خصوصيّاتنا، وجعلت ملفّاتنا، وبريدنا الإلكتروني، والمواقع الّتي نزورها، متوافرةً بين أيدي شركات ضخمة، سواء لأهداف إعلانيَّة أو تجسسيَّة، أو ربما كلاهما معاً، دون أن نعلم بأيِّ طريقة ستتصرّف بها.
من جهةٍ ثانية، فقد باتت وسائل التَّواصل والإعلام الإلكتروني، المصدر الرّئيس للمعلومات، ومساهماً أساسياً في تشكيل وعينا وصناعته، حتى بتنا مستهلكين لهذه التكنولوجيا التي طوَّرت كثيراً في وسائل حياتنا وإمكانيات تواصلنا، لكنها في المقابل، جعلتنا مكشوفين بشكل لا سابق له أمام المجهول. والمجهول هنا، هو هذه الشّركات والجهات التي تديرها أو تقف خلفها، والّتي لا يمكن لنا الجزم بحقيقة نياتها.
نعم، نحن في عصر يمنحنا مستوى غير مسبوق من الحريات، لكنّه في الوقت عينه، يجعلنا في أقصى درجات التبعيّة.
وتبقى الحقيقة: طالما بقينا عاجزين أمام تطوّر تكنولوجيا المعلومات، ومجرّد مستهلكين لها، فسنبقى أسرى في ملعب/سجن مترامي الأطراف، فيه كلّ وسائل التّرفيه، وكلّ ما يبهج العين ويسرّ الفؤاد، لكن لا قدرة، بل وحتى لا رغبة لنا في تجاوز أسواره.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.