مختارات
09/11/2014

قيم عاشوراء

قيم عاشوراء

تطلّ عاشوراء في كلّ عام، حاملةً معها المعاني العميقة، وتاركةً بصماتها الواضحة في الوجدان الإسلامي العام، وخصوصاً بالنسبة إلى أتباع مدرسة أهل البيت(ع). والأسئلة الّتي تطرح نفسها: لماذا نحيي هذه الذّكرى؟ وبأيّ طريقة؟ وكيف يمكن أن نستفيد منها في واقعنا الحاليّ؟

إنَّ ما يطبع إحياء هذه الذّكرى، هو طابع الفجيعة والمأساة والدّمعة والبكاء، حيث يتمّ التركيز على هذا الجانب، وكأنَّ المطلوب أن تجري دموعنا فقط، ولأجل ذلك، يكون التّركيز في كثيرٍ من هذه المجالس على جانب المأساة، واستدرار الدّمعة.

من الطبيعيّ أنَّ للجانب العاطفيّ دوراً كبيراً في هذه الذّكرى، كما أنَّ إحياءها يعود بفوائد كثيرة على الأمَّة، حيث تساهم في تعريف الأجيال بالسيرة الحسينيَّة، وبعظمة مواقف سيِّد الشّهداء(ع)، وبشعارات الثَّورة الّتي تبعث روح الرّفض والإباء ورفض الخضوع للظّالمين؛ وقد باتت شعاراتها عناوين للأحرار، ومنارات للثوّار في كلّ مكان، يستلهمون منها روح التحدّي في مواجهة الطّواغيت، وقوّة العزيمة في رفض الخضوع لسلطانهم.

وهذا هو الأهمّ، فليست الغاية إحياء طقوس تنتهي بانتهاء احتفاليّاتها يوم العاشر من المحرَّم، بحيث تغدو جزءاً من العادات والتّقاليد الموسميّة في مجتمعاتنا، بل إنّ أهميّة عاشوراء هي في ما تمنحنا من قدرة على الاستفادة من دروسها الإنسانيّة الكبرى، من خلال تأكيد قيمة التّضحية، من أجل الحقّ والوقوف في مواجهة الظّلم والطّغيان، والانطلاق في حركة الإصلاح في الأمّة... فالمطلوب أن نتفاعل مع عاشوراء، بقدر ما تفتح لنا من آفاق إسلاميّة وإنسانيّة، من أجل تغيير الواقع الفاسد، وبعث الحياة من جديد في كيان الأمّة.

إنَّ الإسلام ليس ديناً يجمد عند الطّقوس، لذلك، فلا أهميَّة لها إن لم تحقّق القيمة المرتجاة منها، ومن هنا جاء في الحديث: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فلا صلاة له". ولذلك، لا يمكن فصل المفاهيم الدينيّة عن قيمتها الأخلاقيّة، ودورها الرّساليّ، حتى لا تبقى مجرّد طقوس تفتقد إلى روحها ومضمونها الأخلاقي والإنساني.

وهكذا الأمر بالنّسبة إلى عاشوراء، الّتي شكّلت عبر التّاريخ دافعةً للثّورة، وملهمةً للثوّار في مسيرة مواجهة الظّلم، ولكن هذه الذّكرى قد تصبح لدى البعض أداةً للتّخدير، عندما نستغرق في الشّكل والمأساة، ونبتعد عن القيمة، فنسقط جانب الوعي والفعل والتّوجيه، لتصبح الدّموع هي الأساس، والبكاء هو الهدف، الّذي بتحقّقه نشعر بالرّضا عن أنفسنا، وبأنّنا حققنا المواساة للحسين(ع)، ولم يعد هناك من داعٍ لنقوم بأيّ فعل ثوريّ، أو نحمل أيّ رسالة تغييريّة.

لذلك، إذا أردنا أن نستفيد من عاشوراء، فلا بدّ من أن نعيش الجانب القيمي فيها بكلّ أبعاده، فكيف يمكن أن نحيي عاشوراء، ونكون مع الظّالمين؟! وكيف يمكن أن نحيي عاشوراء، ونكون في مواجهة حركة الإصلاح في الأمّة؟!

لقد كان عنوان حركة الإمام الحسين هو الإصلاح والتَّغيير، وقد عبَّر(ع) عن ذلك بقوله: "خرجت لطلب الإصلاح في أمَّة جدّي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر..."، وقال: "وأنا أحقّ من غيَّر". لذا، فإن وقفنا في وجه حركة الإصلاح، فنحن يزيديّون مهما رفعنا من شعارات، وإن رجمنا المصلحين بالحجارة، فنحن بعيدون عن روح عاشوراء، ولسنا من جمهورها، مهما جرت دموعنا.

من هنا، فإنَّ المصلحين المجدّدين، هم الَّذين يمثّلون خطّ عاشوراء الإصلاحيّ، الَّذي يعطي القيمة للتّضحية، لأنّ الحسين لم يقاتل من أجل السلطة، أو بدافع الثأر من بني أمية، بل من أجل طلب الإصلاح في أمّة جدّه رسول الله(ص)، ومن أجل الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.

إنَّ أهمّية عاشوراء أن نعيش قيمها، وأن تمنحنا روح الثّورة لنحقّق الإصلاح في الأمّة وفي الحياة من حولنا، فهي لم تكن ثورة في مواجهة مذهب آخر، أو طلباً للحكم والسّلطان، بل كانت حركة للإصلاح والتّغيير، فإذا لم نعش قيمها، ونستفد من دروسها، فستكون موسماً ينتهي بإحياء مراسم العاشر من المحرم. أما إذا عشنا دروسها، وتفاعلنا مع قيمها، فستبقى لنا على امتداد الزمن حركةً لتغيير الحياة والإنسان، لأنّ قيمها تتّسع للإنسان كلّه وللإنسانيّة جمعاء.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.


تطلّ عاشوراء في كلّ عام، حاملةً معها المعاني العميقة، وتاركةً بصماتها الواضحة في الوجدان الإسلامي العام، وخصوصاً بالنسبة إلى أتباع مدرسة أهل البيت(ع). والأسئلة الّتي تطرح نفسها: لماذا نحيي هذه الذّكرى؟ وبأيّ طريقة؟ وكيف يمكن أن نستفيد منها في واقعنا الحاليّ؟

إنَّ ما يطبع إحياء هذه الذّكرى، هو طابع الفجيعة والمأساة والدّمعة والبكاء، حيث يتمّ التركيز على هذا الجانب، وكأنَّ المطلوب أن تجري دموعنا فقط، ولأجل ذلك، يكون التّركيز في كثيرٍ من هذه المجالس على جانب المأساة، واستدرار الدّمعة.

من الطبيعيّ أنَّ للجانب العاطفيّ دوراً كبيراً في هذه الذّكرى، كما أنَّ إحياءها يعود بفوائد كثيرة على الأمَّة، حيث تساهم في تعريف الأجيال بالسيرة الحسينيَّة، وبعظمة مواقف سيِّد الشّهداء(ع)، وبشعارات الثَّورة الّتي تبعث روح الرّفض والإباء ورفض الخضوع للظّالمين؛ وقد باتت شعاراتها عناوين للأحرار، ومنارات للثوّار في كلّ مكان، يستلهمون منها روح التحدّي في مواجهة الطّواغيت، وقوّة العزيمة في رفض الخضوع لسلطانهم.

وهذا هو الأهمّ، فليست الغاية إحياء طقوس تنتهي بانتهاء احتفاليّاتها يوم العاشر من المحرَّم، بحيث تغدو جزءاً من العادات والتّقاليد الموسميّة في مجتمعاتنا، بل إنّ أهميّة عاشوراء هي في ما تمنحنا من قدرة على الاستفادة من دروسها الإنسانيّة الكبرى، من خلال تأكيد قيمة التّضحية، من أجل الحقّ والوقوف في مواجهة الظّلم والطّغيان، والانطلاق في حركة الإصلاح في الأمّة... فالمطلوب أن نتفاعل مع عاشوراء، بقدر ما تفتح لنا من آفاق إسلاميّة وإنسانيّة، من أجل تغيير الواقع الفاسد، وبعث الحياة من جديد في كيان الأمّة.

إنَّ الإسلام ليس ديناً يجمد عند الطّقوس، لذلك، فلا أهميَّة لها إن لم تحقّق القيمة المرتجاة منها، ومن هنا جاء في الحديث: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فلا صلاة له". ولذلك، لا يمكن فصل المفاهيم الدينيّة عن قيمتها الأخلاقيّة، ودورها الرّساليّ، حتى لا تبقى مجرّد طقوس تفتقد إلى روحها ومضمونها الأخلاقي والإنساني.

وهكذا الأمر بالنّسبة إلى عاشوراء، الّتي شكّلت عبر التّاريخ دافعةً للثّورة، وملهمةً للثوّار في مسيرة مواجهة الظّلم، ولكن هذه الذّكرى قد تصبح لدى البعض أداةً للتّخدير، عندما نستغرق في الشّكل والمأساة، ونبتعد عن القيمة، فنسقط جانب الوعي والفعل والتّوجيه، لتصبح الدّموع هي الأساس، والبكاء هو الهدف، الّذي بتحقّقه نشعر بالرّضا عن أنفسنا، وبأنّنا حققنا المواساة للحسين(ع)، ولم يعد هناك من داعٍ لنقوم بأيّ فعل ثوريّ، أو نحمل أيّ رسالة تغييريّة.

لذلك، إذا أردنا أن نستفيد من عاشوراء، فلا بدّ من أن نعيش الجانب القيمي فيها بكلّ أبعاده، فكيف يمكن أن نحيي عاشوراء، ونكون مع الظّالمين؟! وكيف يمكن أن نحيي عاشوراء، ونكون في مواجهة حركة الإصلاح في الأمّة؟!

لقد كان عنوان حركة الإمام الحسين هو الإصلاح والتَّغيير، وقد عبَّر(ع) عن ذلك بقوله: "خرجت لطلب الإصلاح في أمَّة جدّي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر..."، وقال: "وأنا أحقّ من غيَّر". لذا، فإن وقفنا في وجه حركة الإصلاح، فنحن يزيديّون مهما رفعنا من شعارات، وإن رجمنا المصلحين بالحجارة، فنحن بعيدون عن روح عاشوراء، ولسنا من جمهورها، مهما جرت دموعنا.

من هنا، فإنَّ المصلحين المجدّدين، هم الَّذين يمثّلون خطّ عاشوراء الإصلاحيّ، الَّذي يعطي القيمة للتّضحية، لأنّ الحسين لم يقاتل من أجل السلطة، أو بدافع الثأر من بني أمية، بل من أجل طلب الإصلاح في أمّة جدّه رسول الله(ص)، ومن أجل الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.

إنَّ أهمّية عاشوراء أن نعيش قيمها، وأن تمنحنا روح الثّورة لنحقّق الإصلاح في الأمّة وفي الحياة من حولنا، فهي لم تكن ثورة في مواجهة مذهب آخر، أو طلباً للحكم والسّلطان، بل كانت حركة للإصلاح والتّغيير، فإذا لم نعش قيمها، ونستفد من دروسها، فستكون موسماً ينتهي بإحياء مراسم العاشر من المحرم. أما إذا عشنا دروسها، وتفاعلنا مع قيمها، فستبقى لنا على امتداد الزمن حركةً لتغيير الحياة والإنسان، لأنّ قيمها تتّسع للإنسان كلّه وللإنسانيّة جمعاء.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية