مختارات
09/07/2014

إسلاموفوبيا صناعة هوليووديّة

إسلاموفوبيا صناعة هوليووديّة

كثيراً ما تتردّد عبارة إسلاموفوبيا في الأوساط الإعلاميّة والاجتماعيّة الغربيّة، وغالباً ما يصاحبها تصوّر لأناس بلحى طويلة ووجوه كالحة، يرتدون ملابس تحاكي القرن الأوّل الهجري، حتى أصبحت العمامة واللّحية تشكّلان هاجساً، ومدعاةً للخوف، وعنواناً للموت والوحشية لدى تلك المجتمعات، الّتي تعايشت لقرون طويلة مع الإسلام المعتدل، دون وجود لمثل هذا الخوف الذي أنتجه الإسلام السلفي الجهادي المتطرّف.


وأوّل من استخدم هذا المصطلح، هو الكاتب الفرنسي ماليه إميل، في مقالة نشرها في "اللوموند" الفرنسيّة العام 1994، بعنوان "ثقافة وحشية"، حذّر فيها من الإسلاموفوبيا الزاحفة إلى الغرب المسيحي. وقد تبنّى هذا المفهوم الكاتب البريطاني رمنيميد تروست، في تقرير نشره العام 1997، وعرّفه بأنه "الخوف الّذي قد تخلّفه الكراهية تجاه كل المسلمين أو معظمهم..."، متناسياً أنَّ مثل هذا الفكر العدائي تجاه الآخرين، نشأ وترعرع بمباركة غربية أميركية، وأعدّ في مطابخ صناعة القرار الأميركية بامتياز، ورأى النور في مغارات تورا بورا المظلمة، ومعسكرات كويتا الباكستانية، ومدارس المجاهدين العرب، الذين كانت ترسلهم دولهم وجمعياتها الخيرية، كما تدعي، لقتال السوفيات في فترة احتلالهم لأفغانستان العام 1979، حيث كانت  المخابرات الأميركية تشرف على تدريبهم وتسليحهم، ليكونوا خطّ الدفاع الأول للنظام الرأسمالي الغربي في وجه المد الشيوعي في المنطقة.


وقد حقّقت أميركا ما كانت تصبو إليه، فانسحب السوفيات من أفغانستان العام 1989، بعد مخاض طويل من الصراع المسلّح مع هذه الجماعات، أدّى إلى استنزاف مواردها العسكرية والاقتصادية... ليتحوّل هذا البلد الآسيوي إلى إمارة إسلامية، بعد ما كان نواةً لمشروع نهضوي تقدّمي كان من الممكن أن يؤثر في المحيط الجغرافي الّذي حوّله بصورة إيجابيّة.. وليجد المتطرفون من كلّ بقاع الأرض لهم ملاذاً آمناً، ويمارسوا ظلاميتهم وساديّتهم هناك على سكانه ذي الطوائف والقوميّات المتعدّدة.. فبدأ هذا الفكر المريض بالتّفريخ والتكاثر في هذه البيئة الخصبة للتطرف، حتى أخاف أميركا والغرب أنفسهم، وقد اتّخذوا من هؤلاء المتطرفين ذريعة لتشوية صورة الإسلام، وجعله العدوّ الأول للغرب المسيحي، بعد سقوط المعسكر الاشتراكي الشرقي في أوروبا العام 1990، وانتهاء الحرب الباردة .


وحلّ الإسلام محلّ الشيوعيّة في صورة الصراع الجديد... وبقي العالم يترقّب خطّ الشروع لتطبيق هذه النظرية على أرض الواقع، فكان انهيار أبراج التجارة العالمية في نيويورك العام 2001، الشرارة التي اتخذتها أميركا والغرب ذريعة لتحرق المنطقة بحروبٍ، الهدف المعلن لها هو تخليص العالم من التطرّف الإسلامي، الذي هو من صناعتها، وتعيد رسم الخارطة السياسيّة للمنطقة من جديد، بعد أن جعلت الغرب والعالم المسيحي ينظر إلى الإسلام على أنّه العدوّ الأوّل والحقيقي له .


ولكن ما هي الأسباب الحقيقيّة لنشوء التطرف الإسلامي، الذي استغلّه الغرب وأميركا ووظّفه للإساءة إلى الإسلام وتشويه صورته؟ وهنا، أعتقد أن الأسباب ذاتية نابعة من رحم المجتمعات الإسلامية التي تحتضن بيئات التطرف، فالفقر، والبطالة، وغياب التعليم، والإحباط، والكبت الجنسي والنفسي، ومصادرة الحريات من قبل الحكومات الدكتاتورية لتلك الدول، كل هذه الأسباب، إضافةً إلى وجود أسباب أخرى قد تختلف من بلد إلى آخر، كانت السبب وراء نشوء غربة الذات، وهي العنصر الأساسي لنشوء التطرف، فيفقد الشاب المسلم الأمل بكل شيء في الحياة، ويلجأ إلى طلب الآخرة بأقصر الطرق، وهو الموت، منساقاً وراء فتاوى بعض رجال الدين شبه المتعلمين، الذين يعانون عقدة التطور والحضارة.


ومما زاد الأمر سوءاً، أن العالم يهتمّ ويدرس ويحلّل فقط كيفية محاربة الإرهاب والقضاء عليه بالطرق الأمنية والعسكرية، ويتناسى إيجاد الحلول للمشاكل التي تساهم في ولادته ونشوئه، فلو خصَّصت الأمم المتحدة والدول الغنية في العالم صندوقاً تنمويّاً للدول الإسلامية الفقيرة يساعدها على حلّ مشاكلها الاقتصادية، وتوفير فرص العمل، والتعليم المجاني، والزواج، وزيادة الوعي الحضاري والفكري لأبنائها، إضافةً إلى إصدار قوانين صارمة وملزمة للدول تمنع فيها تدريس الفكر المتطرف، وإشاعة ثقافة الكراهية بين الأديان والمذاهب، وتكفير الآخر، من خلال لجم أفواه أبواق الفتنة، من شيوخ القتل والتخلّف، وإغلاق القنوات الفضائية المحرضة على الفتنة والعنف... كل هذه الإجراءات إذا ما طبِّقت، فإنها سوف تحدّ وتخفّف بشكل كبير من حدة التطرف الإسلامي الّذي نشهده اليوم، والذي أصبح ظاهرة عالمية يشار إليها بالبنان، حتى وسم الإسلام بالخوف.


المصدر: جريدة الكتابات العراقية

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .

كثيراً ما تتردّد عبارة إسلاموفوبيا في الأوساط الإعلاميّة والاجتماعيّة الغربيّة، وغالباً ما يصاحبها تصوّر لأناس بلحى طويلة ووجوه كالحة، يرتدون ملابس تحاكي القرن الأوّل الهجري، حتى أصبحت العمامة واللّحية تشكّلان هاجساً، ومدعاةً للخوف، وعنواناً للموت والوحشية لدى تلك المجتمعات، الّتي تعايشت لقرون طويلة مع الإسلام المعتدل، دون وجود لمثل هذا الخوف الذي أنتجه الإسلام السلفي الجهادي المتطرّف.


وأوّل من استخدم هذا المصطلح، هو الكاتب الفرنسي ماليه إميل، في مقالة نشرها في "اللوموند" الفرنسيّة العام 1994، بعنوان "ثقافة وحشية"، حذّر فيها من الإسلاموفوبيا الزاحفة إلى الغرب المسيحي. وقد تبنّى هذا المفهوم الكاتب البريطاني رمنيميد تروست، في تقرير نشره العام 1997، وعرّفه بأنه "الخوف الّذي قد تخلّفه الكراهية تجاه كل المسلمين أو معظمهم..."، متناسياً أنَّ مثل هذا الفكر العدائي تجاه الآخرين، نشأ وترعرع بمباركة غربية أميركية، وأعدّ في مطابخ صناعة القرار الأميركية بامتياز، ورأى النور في مغارات تورا بورا المظلمة، ومعسكرات كويتا الباكستانية، ومدارس المجاهدين العرب، الذين كانت ترسلهم دولهم وجمعياتها الخيرية، كما تدعي، لقتال السوفيات في فترة احتلالهم لأفغانستان العام 1979، حيث كانت  المخابرات الأميركية تشرف على تدريبهم وتسليحهم، ليكونوا خطّ الدفاع الأول للنظام الرأسمالي الغربي في وجه المد الشيوعي في المنطقة.


وقد حقّقت أميركا ما كانت تصبو إليه، فانسحب السوفيات من أفغانستان العام 1989، بعد مخاض طويل من الصراع المسلّح مع هذه الجماعات، أدّى إلى استنزاف مواردها العسكرية والاقتصادية... ليتحوّل هذا البلد الآسيوي إلى إمارة إسلامية، بعد ما كان نواةً لمشروع نهضوي تقدّمي كان من الممكن أن يؤثر في المحيط الجغرافي الّذي حوّله بصورة إيجابيّة.. وليجد المتطرفون من كلّ بقاع الأرض لهم ملاذاً آمناً، ويمارسوا ظلاميتهم وساديّتهم هناك على سكانه ذي الطوائف والقوميّات المتعدّدة.. فبدأ هذا الفكر المريض بالتّفريخ والتكاثر في هذه البيئة الخصبة للتطرف، حتى أخاف أميركا والغرب أنفسهم، وقد اتّخذوا من هؤلاء المتطرفين ذريعة لتشوية صورة الإسلام، وجعله العدوّ الأول للغرب المسيحي، بعد سقوط المعسكر الاشتراكي الشرقي في أوروبا العام 1990، وانتهاء الحرب الباردة .


وحلّ الإسلام محلّ الشيوعيّة في صورة الصراع الجديد... وبقي العالم يترقّب خطّ الشروع لتطبيق هذه النظرية على أرض الواقع، فكان انهيار أبراج التجارة العالمية في نيويورك العام 2001، الشرارة التي اتخذتها أميركا والغرب ذريعة لتحرق المنطقة بحروبٍ، الهدف المعلن لها هو تخليص العالم من التطرّف الإسلامي، الذي هو من صناعتها، وتعيد رسم الخارطة السياسيّة للمنطقة من جديد، بعد أن جعلت الغرب والعالم المسيحي ينظر إلى الإسلام على أنّه العدوّ الأوّل والحقيقي له .


ولكن ما هي الأسباب الحقيقيّة لنشوء التطرف الإسلامي، الذي استغلّه الغرب وأميركا ووظّفه للإساءة إلى الإسلام وتشويه صورته؟ وهنا، أعتقد أن الأسباب ذاتية نابعة من رحم المجتمعات الإسلامية التي تحتضن بيئات التطرف، فالفقر، والبطالة، وغياب التعليم، والإحباط، والكبت الجنسي والنفسي، ومصادرة الحريات من قبل الحكومات الدكتاتورية لتلك الدول، كل هذه الأسباب، إضافةً إلى وجود أسباب أخرى قد تختلف من بلد إلى آخر، كانت السبب وراء نشوء غربة الذات، وهي العنصر الأساسي لنشوء التطرف، فيفقد الشاب المسلم الأمل بكل شيء في الحياة، ويلجأ إلى طلب الآخرة بأقصر الطرق، وهو الموت، منساقاً وراء فتاوى بعض رجال الدين شبه المتعلمين، الذين يعانون عقدة التطور والحضارة.


ومما زاد الأمر سوءاً، أن العالم يهتمّ ويدرس ويحلّل فقط كيفية محاربة الإرهاب والقضاء عليه بالطرق الأمنية والعسكرية، ويتناسى إيجاد الحلول للمشاكل التي تساهم في ولادته ونشوئه، فلو خصَّصت الأمم المتحدة والدول الغنية في العالم صندوقاً تنمويّاً للدول الإسلامية الفقيرة يساعدها على حلّ مشاكلها الاقتصادية، وتوفير فرص العمل، والتعليم المجاني، والزواج، وزيادة الوعي الحضاري والفكري لأبنائها، إضافةً إلى إصدار قوانين صارمة وملزمة للدول تمنع فيها تدريس الفكر المتطرف، وإشاعة ثقافة الكراهية بين الأديان والمذاهب، وتكفير الآخر، من خلال لجم أفواه أبواق الفتنة، من شيوخ القتل والتخلّف، وإغلاق القنوات الفضائية المحرضة على الفتنة والعنف... كل هذه الإجراءات إذا ما طبِّقت، فإنها سوف تحدّ وتخفّف بشكل كبير من حدة التطرف الإسلامي الّذي نشهده اليوم، والذي أصبح ظاهرة عالمية يشار إليها بالبنان، حتى وسم الإسلام بالخوف.


المصدر: جريدة الكتابات العراقية

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية