بالعودة إلى أرشيف خطب الجمعة لسماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله (رض)،
نستحضر ما ورد في خطبته الّتي ألقاها بتاريخ 23 رمضان 1420هـ/ 31-12-1999م، عن
ضرورة استثمار ليالي القدر، ومحاسبة النفس، والتفكير في الاستفادة من الأوقات
الفضيلة في شهر رمضان المبارك، والتوبة إلى الله، وهجران الباطل، والانفتاح على
المسؤوليّات جميعاً وأن نحفظ عليّاً (ع) في وصاياه لنا.
قال سماحته (رض):
"عباد الله.. اتقوا الله، وحاسبوا أنفسكم على كلّ صغيرة وكبيرة، واعملوا على أساس
أن تنفتحوا على الله، ولا سيما في هذه الليالي المباركة التي ينظر الله فيها إلى
عباده؛ يجيبهم إذا دعوه، ويلبّيهم إذا نادوه، لأنّ هذه الأيام هي أيام المغفرة
والرحمة، ومن المحتمل أن يكون القدر في كلّ ليلة من هذه الليالي. ولذلك، فإنّ علينا
أن نجلس بين يدي الله، بقلوبنا وعقولنا، حتى نستذكر كلّ ذنوبنا، ويقول الإنسان
لربّه بعد أن يفتح عقله له: يا ربِّ، إني تائب من كلّ فكر الباطل، ويفتح قلبه له
ليقول: يا ربِّ، إني تائب من كل عاطفة الباطل، ويفتح حياته له ليقول: يا ربّ، إني
تائب من كلّ قول الباطل وعمل الباطل وعلاقات الباطل وموقف الباطل، لأنّ هذا الشّهر
هو فرصة، فإنّ الشّقيّ هو من حرم غفران الله في هذا الشّهر العظيم.
وانفتحوا ـ أيّها الأحبّة ـ على كلّ مسؤولياتكم، لأن الله لم يجعل مسؤوليّة الإنسان
مقصورة على نفسه، بل جعله مسؤولاً عن كلّ ما حوله ومن حوله، ممّن يستطيع أن يفجِّر
فيه الخير ويثبّت فيه الحقّ.
إننا مسؤولون، وعلى أيّ إنسان أن لا يعتبر نفسه حراً، فكلّ واحد منا عبد لله، مملوك
له، لا يقدر على شيء، لأنّ الله هو الذي يملك وجودنا وكلّ النعم وحياتنا وموتنا،
لذلك كن حراً أمام الشيطان وعبداً لله،كن حراً أمام الناس واتخذ قراراتك من خلال
إيمانك، وكن عبداً لله إذا جاءك من يأمرك بالمعروف، لأنّ القضيّة أن تكون حرّ
الإرادة، لا أن تكون حرّ الشّهوة، وأن تكون حرّ العقل، لا أن تكون حرّ الغريزة.
أيّها الأحبّة، حاذروا أن تكونوا مع الظّالمين ولو بأفكاركم، لا تعذروهم بظلمهم حتى
لو كانوا من الأقربين إليكم، ولا تبرّروا لهم ظلمهم ولو كنتم تنتفعون منهم.
"كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً"، هذه وصيّة عليّ (ع) لولديه الحسنين (ع) وهو
يلفظ أنفاسه، فهل تحبون أن تنفّذوا وصيّة عليّ (ع)، لذلك كونوا ضدّ الظلم كلّه
والاستكبار كلّه، لا تدعوا الظّروف تغيّر قناعاتكم، فلو أنَّ الاستكبار العالمي
سيطر على العالم، فعليكم أن لا تعترفوا بشرعيّة سيطرته، ولو أنّ العالم كلّه اعترف
بإسرائيل كدولة شرعيّة في المنطقة، فعلى كلّ مسلم ومسلمة أن يرفضوا هذا الاعتراف،
لأنّ الله لا يعترف بهؤلاء الذين هم أشدّ عداوة للذين آمنوا، والذي ينقصون عهد الله
من بعد ميثاقه، والّذين يقتلون النبيين بغير حقّ".