في بيانٍ بتاريخ 23-5-1429 هـ/ الموافق ٢٩-٥-٢٠٠٨م، وجَّه سماحة العلامة المرجع
السيد محمد حسين فضل الله (رض) نداءً إلى المسؤولين وكلّ المعنيّين بوسائل الإعلام
في لبنان والعالم العربي والإسلامي، حيال طريقة التعاطي مع ما يجري من أحداث
وتطوّرات ومشاكل. وجاء في نداء سماحته:
"إننا ـ فيما نتابعه ـ من لغة التداول السياسي المتّبعة في لبنان، والتي تظهر بعض
تجلياتها في الحديث المتعمّد عن الفتنة، والتي تترافق مع أحداث وتوترات تتفاعل هنا
وهناك، ما يمثل خطورة كبيرة على مسيرة الوفاق الداخلي...
ولعل الخطورة إنما تتمثّل، إلى أمور أخرى، في الخطاب السياسي المتشنج الذي يتواصل
بطريقة سلبية، توحي بأنّ بعض القائمين على شؤون السياسة في لبنان لا يتحلون
بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية، ولا يفون بالتزاماتهم، ولا يحترمون الناس الذين
يناشدونهم في كلّ يوم أن يقلعوا عن لغة الشتائم المتواصلة، وأن يتفرغوا لإيجاد حلول
حقيقيّة للمشكلة المعيشية والاقتصادية المتفاقمة...
كما نلاحظ أنَّ ثمة وسائل إعلام لبنانيّة تساهم في صبّ الزيت على النار، وخصوصاً من
خلال نشرات الأخبار والحوارات المباشرة التي تنطلق فيها شخصيات سياسية وإعلامية،
وربما دينيّة، لتثير أجواء من التشنّج في تعابير السباب المستهلكة، وكلمات التعصب
المتداولة، وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة، أنّ بعض وسائل الإعلام العربية والقنوات
الفضائية تسير في الخطّ نفسه، لتسلّط الأضواء على واقع غير موجود في حديثها عن فتنة
مذهبيّة، وفي استضافاتها لشخصيات معقّدة تظلّ تنفخ في بوق الأزمة اللبنانية، في
الوقت الذي تهمّش بشكل متعمّد ما يجري في فلسطين المحتلة من جرائم ومجازر ترتكبها
إسرائيل، وكذلك مجازر الاحتلال الأمريكي في العراق، وهو الأمر الذي يطرح سؤالاً
كبيراً حول دور الإعلام العربي، وعما إذا كان وزراء الإعلام العربي معنيّين بذلك أو
برسم أولويات حقيقية لهذا الإعلام تجعله يتحمّل مسؤوليته إزاء القضايا الكبرى
للأمّة...
إنّ لغة التداول السياسي وحتى الإعلامي التي لا تثير إلا السلبيات في الواقع
اللبناني والعربي بعامة، والتي تعمل على تضخيم الأحداث وتدمج بين السياسي والمذهبي
بطريقة عجائبية، هي لغة مهينة ومستهجنة، ولا تخدم لبنان واللّبنانيين، والعرب
والعروبيّين، والإسلام والمسلمين، بل تصبّ الزيت على النار، في وقت نحن في أمسّ
الحاجة إلى لغة التسامح التي تترافق مع لغة الحوار ومفردات الجدال... ولذلك، فإننا
نقول للمسؤولين في الخطوط الرسميّة أو الحزبية أو الدينية في لبنان، اتّقوا الله في
كلماتكم التي ترتدّ سلباً على الجميع، وتفعل فعلها السيّىء في الأرض الشعبية
والأوساط الجماهيرية، كما نتوجّه إلى المسؤولين عن الإعلام في لبنان على مستوى
الدولة والهيئات المعنيّة، أن ينطلقوا في مبادرات ميدانية سريعة لمحاصرة الأجواء
السلبية التي يضعها الإعلام في حركته اليومية، لأننا نخشى أن تأكل الفوضى
الإعلاميّة والسياسية وفاق اللبنانيين، في الوقت الذي نؤكّد حرية الإعلام التي تمثل
الصنو للبنان، ولكننا نريدها حرية مسؤولة تضع في أولوياتها حماية البلد بكل تنوعاته
وخصوصياته وحماية اللبنانيين ومستقبل أجيالهم".