المؤمن لا يغشّ

المؤمن لا يغشّ

بالعودة إلى أرشيف خطب الجمعة لسماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، نستحضر خطبته الدينيّة التي ألقاها بتاريخ 29 جمادى الثّانية 1418هـ / ٣١/١٠/١٩٩٧، في مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، والّتي تحدَّث فيها عن الغشّ ومخاطره وانعكاساته السلبيَّة على الحياة، مستشهداً بالكثير من الأحاديث عن الرّسول(ص) وأهل البيت(ع)، حيث جاء في الخطبة:

"في مقابل النّصح، هناك الغشّ، فتعالوا إلى كلمات رسول الله(ص) وأهل بيته(ع) في مسألة الغشّ. في الحديث عن رسول الله(ص): "ليس منَّا من غشّ مسلماً أو ضرّه أو ماكره"، أي خادعه.

وفي حديثٍ عن عليّ(ع) أنّه قال: "الغشّ شيمة المردة"، أي الشّياطين. وفي أحاديث أخرى يقول(ع): "الغشّ يكسب المسبَّة"، "الغشّ شرّ المكر"، "الغشّ من أخلاق اللّئام"، "الغشوش لسانه حلو وقلبه مرّ"، "من علامات الشَّقاء غشّ الصَّديق"، "شرّ النَّاس من يغشّ النّاس"...

ثم نأتي إلى الجانب التَّطبيقيّ، وهذا موجَّه إلى الّذين يبيعون ويشترون ويغشّون.. ففي روايةٍ عن رسول الله أنّه مرّ(ص) في سوق المدينة بطعام، فقال لصاحبه: ما أرى طعامك إلا طيّباً! وسأله عن سعره، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه أن يدسّ يديه في الطّعام، ففعل، فأخرج طعاماً رديّاً، فقال(ص) لصاحبه: "ما أراك إلا وقد جمعت خيانةً وغشّاً للمسلمين".

وفي روايةٍ أخرى، أنَّ رسول الله(ص) مرّ على صبرة طعامٍ، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: "ما هذا يا صاحب الطّعام؟"، قال: أصابته السَّماء يا رسول الله ـ من خلال المطر ـ فقال(ص): "أفلا جعلته فوق الطّعام حتى يراه النّاس؟!". ثم قال له: "من غشَّنا فليس منّا".

وفي كلمةٍ للإمام عليّ(ع): "المؤمن لا يغشّ أخاه ولا يخونه ولا يخذله ولا يتَّهمه"، فإذا كان هذا هو حال المؤمن، فأين نحن في هذا المجال من الإيمان؟! وعن هشام بن الحكم، قال: كنت أبيع السّابري في الظّلال، فمرَّ بي أبو الحسن موسى(ع) ـ الإمام الكاظم ـ فقال لي: "يا هشام، إنَّ البيع في الظلّ غشّ"، فإذا أردت أن تبيع، فاعرض بضاعتك في النّور، لأنّ الظلَّ يحجب الكثير من صفات البضاعة.

وعن "الحلبي" عن أبي عبد الله جعفر الصَّادق(ع)، سألته عن الرّجل يكون عنده لونان من طعامٍ واحدٍ، وسعرهما بشيء، وأحدهما خير من الآخر، فيخلطهما جميعاً، ثم يبيعهما بسعرٍ واحد؟! قال(ع): "لا يصلح له أن يفعل ذلك يغشّ به المسلمين، حتّى يبيّنه". وفي حديثٍ عن رسول الله(ص) قال: "لا يحلّ لأحدٍ يبيع شيئاً إلا بيَّن ما فيه، ولا يحلّ لمن علم ذلك ألا يبيّنه"، من باب النَّهي عن المنكر.

نفهم من ذلك، أنَّ مسألة الغشّ بعيدة من الإسلام، والغشّ قد يكون في التجارة، وقد يكون بأشياء أخرى، بالزّواج مثلاً: بعض النّاس يريدون أن يزوّجوا ابنهم لفتاةٍ يكون أهلها متديّنين، والّذين يسألون أهله عنه، فيقول أهله عنه إنّ أخلاقه كأخلاق الأنبياء، وبعد ذلك، يظهر أنّ هذا الشابّ لا يصلّي ولا يصوم، ويتناول المخدّرات أو الخمر، ويتنقّل مع العاهرات، أو قد يكون عنده عجز أو مرض معدٍ، وهو ما يؤثّر سلباً في الفتاة، ولا يفصح أهله عن هذا المرض.

وقد تكون القضيّة بالعكس، فيأتي إنسان لخطبتها، فيُتحدَّث عنها أحاديث تجعلها بمقام السيّدة مريم(ع)، وبعد ذلك، يظهر أنّها من أسوأ النّاس، وهو ما يخلق المشاكل الاجتماعيَّة بشكل فوق العادة.

وقد يكون هناك غشّ في السّياسة، عندما ينطلق رجال السياسة ليدخلوا الناس في أحلام ورديّة فيما يتحركون به، وإذا بالخطط التي يخطّطونها هي على عكس ذلك، والنّاس تنتخبهم وتمشي وراءهم وتقاتل من أجلهم، وهم في الواقع يكذبون على النّاس، ويعاونون أعداء النّاس وأعداء الله، وهذا الغشّ هو من أكثر أنواع الغشّ خطورةً، لأنّه يتّصل بمصائر النّاس وأوضاعهم.

ومن هنا، فإنَّ على الغشَّاش أن يلتفت إلى نفسه، ويفكِّر في أنّ الله قد يفضحه في الدّنيا قبل أن يفضحه في الآخرة، وعلى الّذين يشجّعون الغشّاش التجاريّ أو الأمنيّ أو الاجتماعيّ أو غير ذلك، أن يعرفوا أنّ النّتائج سوف تنقلب عليهم، لأنَّ الإنسان إذا غشَّ الآخرين، فالآخرون سيغشّونه أيضاً.

لذلك، وأمام هذه الأخلاق السَّلبيَّة الَّتي سمعتم خطورتها وموقعها من سخط الله ونقمته، من خلال أحاديث رسول الله(ص) وأئمّة الهدى(ع)، علينا أن نجعل أنفسنا صورةً لما يريده الله لنا، بالابتعاد عمّا يكرهه الله لنا، لأنَّ المسألة تتَّصل بالدّنيا والآخرة، وتتّصل بنا أيضاً سلباً أو إيجاباً.

وعندما نعرف أنَّ الرّزق من الله، وأنَّ العمر والجاه والنّجاح من الله، لأنَّ الله يملك الأمر كلَّه، فعلينا أن نحسب حساب الله في ذلك كلِّه، وندرك أنَّ الله يراقبنا عند البيع والشّراء والزّواج، وعند الحكم والحركة في مواقع السّياسة والأمن والاقتصاد.

إنَّ على الإنسان دائماً أن لا يقدِّم رجلاً ولا يؤخِّر أخرى، حتى يعلم أنَّ في ذلك لله رضى..

أيّها النّاس، كلّ حساباتنا تسقط وتموت معنا أو بعدنا، ولكنَّ حسابات الله تبقى، فلنضبط حساباتنا وأوضاعنا مع الله، ولنكثر رصيدنا عند الله: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}، {وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ}، فقدِّموا لأنفسكم، لتجدوا عند الله السَّعادة في الدّنيا والآخرة.

بالعودة إلى أرشيف خطب الجمعة لسماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، نستحضر خطبته الدينيّة التي ألقاها بتاريخ 29 جمادى الثّانية 1418هـ / ٣١/١٠/١٩٩٧، في مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، والّتي تحدَّث فيها عن الغشّ ومخاطره وانعكاساته السلبيَّة على الحياة، مستشهداً بالكثير من الأحاديث عن الرّسول(ص) وأهل البيت(ع)، حيث جاء في الخطبة:

"في مقابل النّصح، هناك الغشّ، فتعالوا إلى كلمات رسول الله(ص) وأهل بيته(ع) في مسألة الغشّ. في الحديث عن رسول الله(ص): "ليس منَّا من غشّ مسلماً أو ضرّه أو ماكره"، أي خادعه.

وفي حديثٍ عن عليّ(ع) أنّه قال: "الغشّ شيمة المردة"، أي الشّياطين. وفي أحاديث أخرى يقول(ع): "الغشّ يكسب المسبَّة"، "الغشّ شرّ المكر"، "الغشّ من أخلاق اللّئام"، "الغشوش لسانه حلو وقلبه مرّ"، "من علامات الشَّقاء غشّ الصَّديق"، "شرّ النَّاس من يغشّ النّاس"...

ثم نأتي إلى الجانب التَّطبيقيّ، وهذا موجَّه إلى الّذين يبيعون ويشترون ويغشّون.. ففي روايةٍ عن رسول الله أنّه مرّ(ص) في سوق المدينة بطعام، فقال لصاحبه: ما أرى طعامك إلا طيّباً! وسأله عن سعره، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه أن يدسّ يديه في الطّعام، ففعل، فأخرج طعاماً رديّاً، فقال(ص) لصاحبه: "ما أراك إلا وقد جمعت خيانةً وغشّاً للمسلمين".

وفي روايةٍ أخرى، أنَّ رسول الله(ص) مرّ على صبرة طعامٍ، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: "ما هذا يا صاحب الطّعام؟"، قال: أصابته السَّماء يا رسول الله ـ من خلال المطر ـ فقال(ص): "أفلا جعلته فوق الطّعام حتى يراه النّاس؟!". ثم قال له: "من غشَّنا فليس منّا".

وفي كلمةٍ للإمام عليّ(ع): "المؤمن لا يغشّ أخاه ولا يخونه ولا يخذله ولا يتَّهمه"، فإذا كان هذا هو حال المؤمن، فأين نحن في هذا المجال من الإيمان؟! وعن هشام بن الحكم، قال: كنت أبيع السّابري في الظّلال، فمرَّ بي أبو الحسن موسى(ع) ـ الإمام الكاظم ـ فقال لي: "يا هشام، إنَّ البيع في الظلّ غشّ"، فإذا أردت أن تبيع، فاعرض بضاعتك في النّور، لأنّ الظلَّ يحجب الكثير من صفات البضاعة.

وعن "الحلبي" عن أبي عبد الله جعفر الصَّادق(ع)، سألته عن الرّجل يكون عنده لونان من طعامٍ واحدٍ، وسعرهما بشيء، وأحدهما خير من الآخر، فيخلطهما جميعاً، ثم يبيعهما بسعرٍ واحد؟! قال(ع): "لا يصلح له أن يفعل ذلك يغشّ به المسلمين، حتّى يبيّنه". وفي حديثٍ عن رسول الله(ص) قال: "لا يحلّ لأحدٍ يبيع شيئاً إلا بيَّن ما فيه، ولا يحلّ لمن علم ذلك ألا يبيّنه"، من باب النَّهي عن المنكر.

نفهم من ذلك، أنَّ مسألة الغشّ بعيدة من الإسلام، والغشّ قد يكون في التجارة، وقد يكون بأشياء أخرى، بالزّواج مثلاً: بعض النّاس يريدون أن يزوّجوا ابنهم لفتاةٍ يكون أهلها متديّنين، والّذين يسألون أهله عنه، فيقول أهله عنه إنّ أخلاقه كأخلاق الأنبياء، وبعد ذلك، يظهر أنّ هذا الشابّ لا يصلّي ولا يصوم، ويتناول المخدّرات أو الخمر، ويتنقّل مع العاهرات، أو قد يكون عنده عجز أو مرض معدٍ، وهو ما يؤثّر سلباً في الفتاة، ولا يفصح أهله عن هذا المرض.

وقد تكون القضيّة بالعكس، فيأتي إنسان لخطبتها، فيُتحدَّث عنها أحاديث تجعلها بمقام السيّدة مريم(ع)، وبعد ذلك، يظهر أنّها من أسوأ النّاس، وهو ما يخلق المشاكل الاجتماعيَّة بشكل فوق العادة.

وقد يكون هناك غشّ في السّياسة، عندما ينطلق رجال السياسة ليدخلوا الناس في أحلام ورديّة فيما يتحركون به، وإذا بالخطط التي يخطّطونها هي على عكس ذلك، والنّاس تنتخبهم وتمشي وراءهم وتقاتل من أجلهم، وهم في الواقع يكذبون على النّاس، ويعاونون أعداء النّاس وأعداء الله، وهذا الغشّ هو من أكثر أنواع الغشّ خطورةً، لأنّه يتّصل بمصائر النّاس وأوضاعهم.

ومن هنا، فإنَّ على الغشَّاش أن يلتفت إلى نفسه، ويفكِّر في أنّ الله قد يفضحه في الدّنيا قبل أن يفضحه في الآخرة، وعلى الّذين يشجّعون الغشّاش التجاريّ أو الأمنيّ أو الاجتماعيّ أو غير ذلك، أن يعرفوا أنّ النّتائج سوف تنقلب عليهم، لأنَّ الإنسان إذا غشَّ الآخرين، فالآخرون سيغشّونه أيضاً.

لذلك، وأمام هذه الأخلاق السَّلبيَّة الَّتي سمعتم خطورتها وموقعها من سخط الله ونقمته، من خلال أحاديث رسول الله(ص) وأئمّة الهدى(ع)، علينا أن نجعل أنفسنا صورةً لما يريده الله لنا، بالابتعاد عمّا يكرهه الله لنا، لأنَّ المسألة تتَّصل بالدّنيا والآخرة، وتتّصل بنا أيضاً سلباً أو إيجاباً.

وعندما نعرف أنَّ الرّزق من الله، وأنَّ العمر والجاه والنّجاح من الله، لأنَّ الله يملك الأمر كلَّه، فعلينا أن نحسب حساب الله في ذلك كلِّه، وندرك أنَّ الله يراقبنا عند البيع والشّراء والزّواج، وعند الحكم والحركة في مواقع السّياسة والأمن والاقتصاد.

إنَّ على الإنسان دائماً أن لا يقدِّم رجلاً ولا يؤخِّر أخرى، حتى يعلم أنَّ في ذلك لله رضى..

أيّها النّاس، كلّ حساباتنا تسقط وتموت معنا أو بعدنا، ولكنَّ حسابات الله تبقى، فلنضبط حساباتنا وأوضاعنا مع الله، ولنكثر رصيدنا عند الله: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}، {وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ}، فقدِّموا لأنفسكم، لتجدوا عند الله السَّعادة في الدّنيا والآخرة.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية