ولادة الحسين (ع) الجهاديّة في عاشوراء

ولادة الحسين (ع) الجهاديّة في عاشوراء

 

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}. تشير هذه الآية إلى كلِّ المسيرة الإسلاميَّة، منذ أن بدأها رسول الله(ص)، إلى أن يختمها بآل محمَّد(عج)، فهناك في كلِّ مرحلة من مراحل حركة الإسلام في العالم، صفوة في مراكز القيادة، وصفوة في مراكز القاعدة وفي داخل الأمَّة، عاهدوا الله أن يؤمنوا به إيمان الموقف، لا إيمان الله في الكلمة، وأن يجاهدوا في سبيله في كلِّ مواقع التّحدّي التي يفرضها الكفر على الإسلام، والاستكبار على الاستضعاف، هؤلاء الَّذين عاهدوا الله أن يصدِّقوه في إيمانهم، لتكون الحياة حياة الإيمان في كلِّ آفاقها، وأن يصدِّقوه في جهادهم، حتى يكون الجهاد بالكلمة والموقف والسَّيف، هو حركة الأمَّة في كلِّ مواقعها الصَّعبة أمام أعدائها في كلِّ زمان ومكان.

ولهذا، رأينا أنَّ الإمام الحسين(ع) لم يجد غير هذه الآية ليحرّكها وهو يستعرض حركة أصحابه وهم يسيرون في خطِّ الجهاد، ليواجهوا أولئك الَّذين ساروا في خطوات الشَّيطان، وركبوا موجة الضَّلال والانحراف.. كان يقول إذا استأذنه أحد أصحابه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا...}. إنَّنا نستعيد كلَّ هذا من خلال ما نواجهه من المناسبات الإسلاميّة، ونحن دائماً بحاجةٍ إلى أن نعيش مع الحسين(ع)، وعندما نعيش مع الحسين، فإنَّ العبّاس يعيش في قلب حركة الحسين، وإنَّ زين العابدين يعيش في امتداد خطِّ الحسين(ع)، ولهذا علينا أن نتوقَّف قليلاً أمامهم.

إنَّ الحسين الَّذي لاتزال الحياة تهتف باسمه، لم يولد في الثَّالث من شعبان، ولكنَّه ولد في يوم عاشوراء. كانت هناك ولادته الجسديَّة، وفي عاشوراء، كانت ولادته الجهاديَّة الإسلاميَّة التاريخيَّة، الّتي فتحت أمام الحسين ـ فيما تمثِّله ثورته ـ أبوب الحياة كلَّها، وقيل للحياة كلِّها مهما امتدّت السنوات، هذا الحسين بن عليّ بن أبي طالب، قادم من جديد، يفتح صفحةً جديدةً على خطِّ رسول الله(ص). ولهذا، فإنّنا عندما نتحدَّث عن الحسين(ع)، فنحن نتحدَّث عن ثورته، وعن دوره كإمامٍ يعطي الحركة الإسلاميَّة في خطِّ الثَّورة شرعيَّتها، ويقول للنّاس الّذين يأتون من بعده:

أنا الحسين بن عليّ        آليت أن لا أنثني

أحمي عيالات أبي         أمضي على دين النَّبي

الإسلام هو الخطّ الَّذي لا بدَّ من أن تسيروا عليه حتى تستمرّوا على دين النّبيّ. وينطلق أخوه العبّاس في قلب هذه الثّورة، ليستجيب له ويقول:

والله إن قطعتم يميني      إني أبداً أحامي عن ديني

ويأتي زين العابدين في أسلوب الدّعاء: "اللّهمَّ ووفِّقنا في يومنا هذا.. لاستعمال الخير، وهجران الشَّرّ... وحياطة الإسلام، وانتقاص الباطل وإذلاله، ونصرة الحقّ وإعزازه".

إنَّه يركِّز في دعائه على حياطة الإسلام وحمايته، وعلى النَّهي عن المنكر، وعلى هداية الضالّين، وتلك عناصر الحسين(ع).

إنَّ الخطَّ واحد، وهو حماية الإسلام، وعندما يتحدَّث المتحدِّثون عن حماية الإسلام، فإنَّ هذه الحماية تنطلق من أجل حماية الخطِّ الإسلاميِّ في حياة المسلمين، لأنَّ المسلمين لن يشعروا بأيّة عزّة وبأيّة منعة، إلا إذا كان الإسلام حيّاً في حياة المسلمين، لأنّه لا معنى لأن تكون مجتمعاً إسلاميّاً، ويكون نظامك نظاماً غير إسلاميّ، وشريعتك شريعةً غير إسلاميَّة. ولهذا، انطلق الإمام الحسين(ع) ليقول لهم: ليس هناك فرقٌ بين أن تجاهد الكافرين في موقع كفرهم، وأن تجاهد المنحرفين في الدَّاخل، لأنّه لا حياة للإسلام إلا بأحكامه وحكمة شريعته.

وعلى هذا الأساس، فإنَّ الحسين(ع) يريد أن يقول لنا، إنَّ المسألة في الواقع السّياسيّ الإسلاميّ في كلِّ موقع الأمَّة، هو أن يواجهوا الكفر في الخارج، وحرّاس الكفر في الدّاخل. ولهذا، فإنَّ الحديث عن الثَّورة في الدّاخل من أجل تغيير الواقع اللاإسلامي، هو الحديث عن الثّورة في الخارج في مواجهة المستكبرين. ولهذا، فإنّ الّذين يتحدَّثون عن عدم شرعيّة الثّورات الداخليَّة عندما يقف عالم ضدّ ملك، أو شعب ضدّ رئيس، إنَّ ثورة الحسين(ع) تقول لنا إنَّني أعطي الشرعيَّة لذلك. وبهذا، علينا أن نفهم من عاشوراء، أنَّ المسلمين مدعوّون دائماً للوقوف أمام الحكم الجائر الَّذي يحكم بالظّلم، والّذي يحرِّم حلال الله ويحلِّل حرامه..

وهكذا أراد الحسين(ع) أن تكون شعاراته شعاراتنا، لأنها ليست شعارات ذاتيّة.. ومن هنا، لا بدَّ للعاملين للإسلام من أن يتوفّروا على دراسة الثّورة الحسينيَّة دراسةً فقهيَّةً، تأخذ من طبيعة حركة هذه الثّورة شرعيّة لما يمكن أن يأتي من بعدها من أوضاع وظروف.

لهذا، نأخذ من الإمام الحسين(ع) خطَّ الثَّورة، ومن الطبيعيّ أنَّ علينا أن ندرس المرحلة التي عاشها والظّروف وطبيعة التحدّيات، فإذا عشنا مرحلةً تشبه مرحلته، وظروفاً تشبه ظروفه، وتحدِّيات تشبه تلك التحدّيات، فلا بدَّ من أن نتحرَّك حيث تحرَّك، وأن ننطلق حيث انطلق".

خطبة الجمعة بتاريخ 10/8/1409هـ/ الموافق: 17 آذار 1989م

 

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}. تشير هذه الآية إلى كلِّ المسيرة الإسلاميَّة، منذ أن بدأها رسول الله(ص)، إلى أن يختمها بآل محمَّد(عج)، فهناك في كلِّ مرحلة من مراحل حركة الإسلام في العالم، صفوة في مراكز القيادة، وصفوة في مراكز القاعدة وفي داخل الأمَّة، عاهدوا الله أن يؤمنوا به إيمان الموقف، لا إيمان الله في الكلمة، وأن يجاهدوا في سبيله في كلِّ مواقع التّحدّي التي يفرضها الكفر على الإسلام، والاستكبار على الاستضعاف، هؤلاء الَّذين عاهدوا الله أن يصدِّقوه في إيمانهم، لتكون الحياة حياة الإيمان في كلِّ آفاقها، وأن يصدِّقوه في جهادهم، حتى يكون الجهاد بالكلمة والموقف والسَّيف، هو حركة الأمَّة في كلِّ مواقعها الصَّعبة أمام أعدائها في كلِّ زمان ومكان.

ولهذا، رأينا أنَّ الإمام الحسين(ع) لم يجد غير هذه الآية ليحرّكها وهو يستعرض حركة أصحابه وهم يسيرون في خطِّ الجهاد، ليواجهوا أولئك الَّذين ساروا في خطوات الشَّيطان، وركبوا موجة الضَّلال والانحراف.. كان يقول إذا استأذنه أحد أصحابه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا...}. إنَّنا نستعيد كلَّ هذا من خلال ما نواجهه من المناسبات الإسلاميّة، ونحن دائماً بحاجةٍ إلى أن نعيش مع الحسين(ع)، وعندما نعيش مع الحسين، فإنَّ العبّاس يعيش في قلب حركة الحسين، وإنَّ زين العابدين يعيش في امتداد خطِّ الحسين(ع)، ولهذا علينا أن نتوقَّف قليلاً أمامهم.

إنَّ الحسين الَّذي لاتزال الحياة تهتف باسمه، لم يولد في الثَّالث من شعبان، ولكنَّه ولد في يوم عاشوراء. كانت هناك ولادته الجسديَّة، وفي عاشوراء، كانت ولادته الجهاديَّة الإسلاميَّة التاريخيَّة، الّتي فتحت أمام الحسين ـ فيما تمثِّله ثورته ـ أبوب الحياة كلَّها، وقيل للحياة كلِّها مهما امتدّت السنوات، هذا الحسين بن عليّ بن أبي طالب، قادم من جديد، يفتح صفحةً جديدةً على خطِّ رسول الله(ص). ولهذا، فإنّنا عندما نتحدَّث عن الحسين(ع)، فنحن نتحدَّث عن ثورته، وعن دوره كإمامٍ يعطي الحركة الإسلاميَّة في خطِّ الثَّورة شرعيَّتها، ويقول للنّاس الّذين يأتون من بعده:

أنا الحسين بن عليّ        آليت أن لا أنثني

أحمي عيالات أبي         أمضي على دين النَّبي

الإسلام هو الخطّ الَّذي لا بدَّ من أن تسيروا عليه حتى تستمرّوا على دين النّبيّ. وينطلق أخوه العبّاس في قلب هذه الثّورة، ليستجيب له ويقول:

والله إن قطعتم يميني      إني أبداً أحامي عن ديني

ويأتي زين العابدين في أسلوب الدّعاء: "اللّهمَّ ووفِّقنا في يومنا هذا.. لاستعمال الخير، وهجران الشَّرّ... وحياطة الإسلام، وانتقاص الباطل وإذلاله، ونصرة الحقّ وإعزازه".

إنَّه يركِّز في دعائه على حياطة الإسلام وحمايته، وعلى النَّهي عن المنكر، وعلى هداية الضالّين، وتلك عناصر الحسين(ع).

إنَّ الخطَّ واحد، وهو حماية الإسلام، وعندما يتحدَّث المتحدِّثون عن حماية الإسلام، فإنَّ هذه الحماية تنطلق من أجل حماية الخطِّ الإسلاميِّ في حياة المسلمين، لأنَّ المسلمين لن يشعروا بأيّة عزّة وبأيّة منعة، إلا إذا كان الإسلام حيّاً في حياة المسلمين، لأنّه لا معنى لأن تكون مجتمعاً إسلاميّاً، ويكون نظامك نظاماً غير إسلاميّ، وشريعتك شريعةً غير إسلاميَّة. ولهذا، انطلق الإمام الحسين(ع) ليقول لهم: ليس هناك فرقٌ بين أن تجاهد الكافرين في موقع كفرهم، وأن تجاهد المنحرفين في الدَّاخل، لأنّه لا حياة للإسلام إلا بأحكامه وحكمة شريعته.

وعلى هذا الأساس، فإنَّ الحسين(ع) يريد أن يقول لنا، إنَّ المسألة في الواقع السّياسيّ الإسلاميّ في كلِّ موقع الأمَّة، هو أن يواجهوا الكفر في الخارج، وحرّاس الكفر في الدّاخل. ولهذا، فإنَّ الحديث عن الثَّورة في الدّاخل من أجل تغيير الواقع اللاإسلامي، هو الحديث عن الثّورة في الخارج في مواجهة المستكبرين. ولهذا، فإنّ الّذين يتحدَّثون عن عدم شرعيّة الثّورات الداخليَّة عندما يقف عالم ضدّ ملك، أو شعب ضدّ رئيس، إنَّ ثورة الحسين(ع) تقول لنا إنَّني أعطي الشرعيَّة لذلك. وبهذا، علينا أن نفهم من عاشوراء، أنَّ المسلمين مدعوّون دائماً للوقوف أمام الحكم الجائر الَّذي يحكم بالظّلم، والّذي يحرِّم حلال الله ويحلِّل حرامه..

وهكذا أراد الحسين(ع) أن تكون شعاراته شعاراتنا، لأنها ليست شعارات ذاتيّة.. ومن هنا، لا بدَّ للعاملين للإسلام من أن يتوفّروا على دراسة الثّورة الحسينيَّة دراسةً فقهيَّةً، تأخذ من طبيعة حركة هذه الثّورة شرعيّة لما يمكن أن يأتي من بعدها من أوضاع وظروف.

لهذا، نأخذ من الإمام الحسين(ع) خطَّ الثَّورة، ومن الطبيعيّ أنَّ علينا أن ندرس المرحلة التي عاشها والظّروف وطبيعة التحدّيات، فإذا عشنا مرحلةً تشبه مرحلته، وظروفاً تشبه ظروفه، وتحدِّيات تشبه تلك التحدّيات، فلا بدَّ من أن نتحرَّك حيث تحرَّك، وأن ننطلق حيث انطلق".

خطبة الجمعة بتاريخ 10/8/1409هـ/ الموافق: 17 آذار 1989م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية