الإسلام.. لا للعنف ضدّ المرأة والأولاد

الإسلام.. لا للعنف ضدّ المرأة والأولاد

 يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.

من الخطوط العامّة في العلاقات الإنسانيّة في الإسلام، أنّ على الإنسان أن يتوخى العدل في علاقته بكل الناس، والعدل هو أن يعطي لكل ذي حق حقه، فلا يظلم أحداً حقه في أيّ جانب من الجوانب، سواء كان ذلك في ما يتصرّف به في المال، أو في النفس والعرض، وفي غير ذلك من الأمور. فالمسلم هو الذي يمارس العدل مع كلّ إنسان، سواء كان قوياً أو ضعيفاً، غنياً أو فقيراً، فكلّ الامتيازات الطبقية والطاقات المتنوّعة لا تسمح له بأن يعتدي على حقوق الآخرين، حتى إنّ الإسلام جعل من علامات الإيمان أن لا يستغلّ المؤمن قدرته لظلم الناس، حيث قال(ص): "إنما المؤمن الذي إذا رضي، لم يُدخله رضاه في إثم ولا في باطل - لم يعطِ من يحبّه أكثر من حقّه - وإذا غضب، لم يُخرجه غضبه عن قول الحقّ، وإذا قَدِر لم يتعاطَ ما ليس له بحقّ".

فعلى الإنسان عندما يعادي، أن لا تُخرجه عداوته عن قول الحقّ لمصلحة عدوّه إذا كان له حقّ، وإذا كانت له القدرة الجسديّة أو العسكريّة أو الاقتصاديّة، فلا يجعل من إحساسه بالقوة والقدرة سبيلاً لأن يتعاطى مع الآخر ما ليس له بحقّ، وإذا فعل ذلك، سُلبت صفة الإيمان عنه حتى لو كان صائماً مصلّياً، لأنَّ الإيمان ليس في استقامة الإنسان مجرّد كلمة يقولها في الشّهادتين، أو مجرّد عبادة يعبد بها ربّه، ولكنّ الإيمان يتمثّل في سلوكه مع الناس، بحيث إذا عاش معهم، كان العدل فيهم.

والله تعالى يأمر بالإحسان، والإحسان هو أن تعطي من نفسك الخير الّذي لا يستحقّه الآخرون عليك، بحيث تكرّم الناس وتقول لهم الّتي هي أحسن، وتدعمهم وتقوّيهم وتعلّمهم وتقضي حوائجهم وتدخل السّرور عليهم، وما إلى ذلك. كما يأمر الله تعالى بإيتاء ذي القربى، وهو أن يصل الإنسان قرابته، وقد فُسِّرت بقرابة النبيّ(ص)، وينهى عن الفحشاء، وهي كلّ عمل يتجاوز الحدّ، وغالباً ما يُطلقه النّاس على الأعمال المتصلة بالجانب الجنسي، وينهى عن المنكر، وهو كلّ معصية ينكرها الله تعالى، وينهى عن البغي، وهو العدوان على النّاس بغير الحقّ، بأن يعتدي إنسان على الناس فيظلمهم حقوقهم، أو يعتدي على المجتمع كلّه، فيثير فيه الفتنة والنّزاع والخلاف.

وفي هذا الإطار، أحبّ أن أتحدّث عن مشكلة إنسانية اجتماعية، يهتمّ بها العالم، وتتحدّث عنها أغلب المؤتمرات في العالم، وهي قضية "العنف ضد المرأة"، باعتبار أن المرأة في أغلب المجتمعات، هي العنصر الضّعيف - جسدياً واجتماعياً وسياسياً - ولا سيّما في المجتمعات الشرقية والإسلامية خصوصاً، وهي تُعتبر - من حيث نريد أو لا نريد، أو نشعر ولا نشعر - إنساناً من الدّرجة الثانية. الواقع الموجود بالنّسبة إلى المرأة يبدأ في اضطهاد الأب أو الأمّ أو الأخ للفتاة، بأن تُجبر على الزّواج ممّن لا تريد، وإذا امتنعت عن ذلك، فإنها تُهدَّد بالضرب والحرمان من كثير من حقوقها، فالذين يتولّون زواج البنات هم الآباء والأمّهات، أمّا الفتاة، فليس لها رأي - غالباً - في الزواج، هذا نوع من العنف المعنويّ، والّذي قد يتحوّل إلى عنف جسديّ.

وهناك بعض البنات يرغبن بإكمال تحصيلهن العلمي ضمن الشروط الأخلاقية التي نؤكّدها للرجل والمرأة، ولكنّ بعض الآباء يمنعن بناتهن من ذلك، مع أنّ العلم قيمة ترفع عقل الإنسان وتطوّر موقعه، وإنّني أعتقد أنّنا لا بدّ من أن نهتمّ بتعليم المرأة كما نهتمّ بتعليم الرجل وربما أكثر، لأنّ المرأة هي التي تربي الأولاد، وليس المطلوب من الأمّ أن تربي الولد جسدياً فقط، بل أن تربي له عقله. حتى إنّ المرأة التي تملك ديناً وأخلاقاً وثقافةً، تعرف كيف تدير علاقتها مع زوجها، ولذلك اهتمّ الإسلام بجانب الدّين في المرأة والرجل معاً، فقال(ص): "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، فزوّجوه، إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".

فممارسة العنف ضدّ الأولاد - ولا سيّما البنات - ليس من حقّ الأب، فالله تعالى جعل الولاية للأب على الولد - ذكراً أو أنثى - قبل البلوغ والرّشد، من أجل أن يؤهّل إنسانيّته، ولم يجعله قطعة من قطع الأثاث ليجرّب عضلاته به.. فالأب الذي يُجبر ابنته على أن تتزوّج من لا تريد هو مأثوم، وإذا أجبر الأب أو الأمّ أو الأخ البنت على أن توكّل لإجراء عقد زواجها بالقوّة، فالزواج باطل، وعلاقتها بزوجها الذي أُجبرت عليه هي علاقة زنى، وتستطيع من ناحية شرعيّة أن تخرج من جلسة العقد وتتزوّج من أيّ شخص تريد، لأنَّ العقد الذي يتمّ من خلال الإكراه والإجبار هو عقد كأنّه لم يكن، فلا يجعل هذه الفتاة زوجة للرّجل، ولا يجعل الرجل زوجاً للفتاة، وهذا هو الحكم الشرعيّ الذي أجمع عليه كلّ المسلمين.

أمّا على مستوى العنف مع الأولاد المتمثل بالضرب، فنقول: لا فرق بين أن تضرب ابنتك أو أختك بغير حقّ، وبين أن تضرب بنات الجيران، فأبوّتك لا تسمح لك بأن تضرب أولادك إلّا في الحالات فوق العادة. وهناك كثير من الحالات التي يتوفّى فيها الزّوج، وتريد أرملته بعد ذلك أن تتزوَّج، فتثور ثائرة أهل الزّوج مستنكرين ذلك، والله تعالى يقول: {وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَٰجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍۢ وَعَشْرًا - وهي عدّة الوفاة - فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِىٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، أو التي تُطلّق، فلا يحقّ للزّوج أن يرجعها إذا كان هدفه التعسّف عليها أكثر، والله تعالى يقول: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}، والظّلم هو المحرّم الذي ارتكبه من خلال ذلك.

وهناك العنف الزّوجي؛ ماذا يعطي الإسلام للزَّوج من حقّ؟ الحقّ الطبيعيّ للزّوج هو جانب الحقّ الجنسي، فليس لها أن تمنعه من نفسها في الحالات الطبيعيّة عندما لا تكون فيها الزوجة مريضة أو تعاني مشكلة نفسية أو غير ذلك، والله تعالى يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، فالزّوجة لها الحقّ الجنسيّ عندما تحتاج إلى ذلك كما الرّجل. نعم، إذا منعته حقَّه، فإنّ الله يأمرنا بالموعظة أوّلاً، ثم الهجران في المضاجع، ومن ثمّ الضّرب غير المبرّح، ولا يجوز للزوج في غير هذه الحالة أن يضرب زوجته، وإلّا فإنّه يعاقَب معاقبة الظالمين عند الله، وقد ورد في الحديث الشّريف: "إيّاك وظلم من لا يجد عليك ظالماً إلا الله".

كذلك، لا يجوز للزوج أو الزوجة أن يسبّا بعضهما البعض، ولا يجوز للزوج أن يسبّ أهلها، ولا يجوز له أن يطردها من بيته، لأنَّ إسكان الزوجة في بيتها حقّ لها على الزوج لأنها جزء من النفقة، حتى إنّ من حقّ الزّوجة في العدّة الرجعيّة أن تسكن في بيت زوجها إلى حين انتهاء العدّة.. والجريمة الكبرى، هي عندما يضرب الزّوج زوجته أمام أولاده وبناته، وكم من البنات اللاتي يعانين من عقد نفسيّة ضدّ الرّجال والزواج نتيجة ما رأينه من معاملة أبيهم لأمّهم.

وهناك نوع من العنف المالي، كما إذا أراد الزوج أن يطلّق زوجته، فإنه يضربها ويضطهدها من أجل أن تتنازل عن مهرها أو عن الشقّة إذا كانت باسمها، فلو تنازلت الزوجة عن الشقة أو المهر أو غير ذلك تحت الضّغط، فإن ذلك غصب، ويبقى كلّ ذلك في ذمّته ليُطالب به يوم القيامة. وهناك حالة الطلاق الخلعي التي تستطيع الزّوجة فيها أن تتنازل عن حقّها فيما إذا كرهت زوجها وأرادت أن تُنهي هذه العلاقة.

إنّ الله تعالى يأمر بالعدل والإحسان، ومن أفضل الإحسان، أن يحسن الإنسان إلى عياله وزوجته، وقد ورد في حديث الإمام الصّادق(ع): "اتّقوا الضّعيفين؛ اليتيم والنساء"، وورد في حديث النبيّ(ص): "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله"، فخير الناس من يعيش أهله معه في كرامة وعزّة. وعلينا كمسلمين أن نكون السبّاقين إلى كلّ مؤتمر يرفع شعار العنف ضدّ المرأة، لأنّ الإسلام كان السبّاق في رفض العنف كلّه ضدّ المرأة، وعلينا أن نتقي الله في ذلك، لأننا سنقف أمام الله يوم القيامة من أجل أن يحكم بين العباد، وشعار يوم القيامة: "لا ظلم اليوم".

*خطبة جمعة ألقاها سماحته بتاريخ: 21 شعبان 1421هـ/  17 تشرين الثّاني، 2000م- اوكتوبر تناول فيها قضيّة العنف ضدّ المرأة، والعنف ضدّ الأولاد.

 يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.

من الخطوط العامّة في العلاقات الإنسانيّة في الإسلام، أنّ على الإنسان أن يتوخى العدل في علاقته بكل الناس، والعدل هو أن يعطي لكل ذي حق حقه، فلا يظلم أحداً حقه في أيّ جانب من الجوانب، سواء كان ذلك في ما يتصرّف به في المال، أو في النفس والعرض، وفي غير ذلك من الأمور. فالمسلم هو الذي يمارس العدل مع كلّ إنسان، سواء كان قوياً أو ضعيفاً، غنياً أو فقيراً، فكلّ الامتيازات الطبقية والطاقات المتنوّعة لا تسمح له بأن يعتدي على حقوق الآخرين، حتى إنّ الإسلام جعل من علامات الإيمان أن لا يستغلّ المؤمن قدرته لظلم الناس، حيث قال(ص): "إنما المؤمن الذي إذا رضي، لم يُدخله رضاه في إثم ولا في باطل - لم يعطِ من يحبّه أكثر من حقّه - وإذا غضب، لم يُخرجه غضبه عن قول الحقّ، وإذا قَدِر لم يتعاطَ ما ليس له بحقّ".

فعلى الإنسان عندما يعادي، أن لا تُخرجه عداوته عن قول الحقّ لمصلحة عدوّه إذا كان له حقّ، وإذا كانت له القدرة الجسديّة أو العسكريّة أو الاقتصاديّة، فلا يجعل من إحساسه بالقوة والقدرة سبيلاً لأن يتعاطى مع الآخر ما ليس له بحقّ، وإذا فعل ذلك، سُلبت صفة الإيمان عنه حتى لو كان صائماً مصلّياً، لأنَّ الإيمان ليس في استقامة الإنسان مجرّد كلمة يقولها في الشّهادتين، أو مجرّد عبادة يعبد بها ربّه، ولكنّ الإيمان يتمثّل في سلوكه مع الناس، بحيث إذا عاش معهم، كان العدل فيهم.

والله تعالى يأمر بالإحسان، والإحسان هو أن تعطي من نفسك الخير الّذي لا يستحقّه الآخرون عليك، بحيث تكرّم الناس وتقول لهم الّتي هي أحسن، وتدعمهم وتقوّيهم وتعلّمهم وتقضي حوائجهم وتدخل السّرور عليهم، وما إلى ذلك. كما يأمر الله تعالى بإيتاء ذي القربى، وهو أن يصل الإنسان قرابته، وقد فُسِّرت بقرابة النبيّ(ص)، وينهى عن الفحشاء، وهي كلّ عمل يتجاوز الحدّ، وغالباً ما يُطلقه النّاس على الأعمال المتصلة بالجانب الجنسي، وينهى عن المنكر، وهو كلّ معصية ينكرها الله تعالى، وينهى عن البغي، وهو العدوان على النّاس بغير الحقّ، بأن يعتدي إنسان على الناس فيظلمهم حقوقهم، أو يعتدي على المجتمع كلّه، فيثير فيه الفتنة والنّزاع والخلاف.

وفي هذا الإطار، أحبّ أن أتحدّث عن مشكلة إنسانية اجتماعية، يهتمّ بها العالم، وتتحدّث عنها أغلب المؤتمرات في العالم، وهي قضية "العنف ضد المرأة"، باعتبار أن المرأة في أغلب المجتمعات، هي العنصر الضّعيف - جسدياً واجتماعياً وسياسياً - ولا سيّما في المجتمعات الشرقية والإسلامية خصوصاً، وهي تُعتبر - من حيث نريد أو لا نريد، أو نشعر ولا نشعر - إنساناً من الدّرجة الثانية. الواقع الموجود بالنّسبة إلى المرأة يبدأ في اضطهاد الأب أو الأمّ أو الأخ للفتاة، بأن تُجبر على الزّواج ممّن لا تريد، وإذا امتنعت عن ذلك، فإنها تُهدَّد بالضرب والحرمان من كثير من حقوقها، فالذين يتولّون زواج البنات هم الآباء والأمّهات، أمّا الفتاة، فليس لها رأي - غالباً - في الزواج، هذا نوع من العنف المعنويّ، والّذي قد يتحوّل إلى عنف جسديّ.

وهناك بعض البنات يرغبن بإكمال تحصيلهن العلمي ضمن الشروط الأخلاقية التي نؤكّدها للرجل والمرأة، ولكنّ بعض الآباء يمنعن بناتهن من ذلك، مع أنّ العلم قيمة ترفع عقل الإنسان وتطوّر موقعه، وإنّني أعتقد أنّنا لا بدّ من أن نهتمّ بتعليم المرأة كما نهتمّ بتعليم الرجل وربما أكثر، لأنّ المرأة هي التي تربي الأولاد، وليس المطلوب من الأمّ أن تربي الولد جسدياً فقط، بل أن تربي له عقله. حتى إنّ المرأة التي تملك ديناً وأخلاقاً وثقافةً، تعرف كيف تدير علاقتها مع زوجها، ولذلك اهتمّ الإسلام بجانب الدّين في المرأة والرجل معاً، فقال(ص): "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، فزوّجوه، إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".

فممارسة العنف ضدّ الأولاد - ولا سيّما البنات - ليس من حقّ الأب، فالله تعالى جعل الولاية للأب على الولد - ذكراً أو أنثى - قبل البلوغ والرّشد، من أجل أن يؤهّل إنسانيّته، ولم يجعله قطعة من قطع الأثاث ليجرّب عضلاته به.. فالأب الذي يُجبر ابنته على أن تتزوّج من لا تريد هو مأثوم، وإذا أجبر الأب أو الأمّ أو الأخ البنت على أن توكّل لإجراء عقد زواجها بالقوّة، فالزواج باطل، وعلاقتها بزوجها الذي أُجبرت عليه هي علاقة زنى، وتستطيع من ناحية شرعيّة أن تخرج من جلسة العقد وتتزوّج من أيّ شخص تريد، لأنَّ العقد الذي يتمّ من خلال الإكراه والإجبار هو عقد كأنّه لم يكن، فلا يجعل هذه الفتاة زوجة للرّجل، ولا يجعل الرجل زوجاً للفتاة، وهذا هو الحكم الشرعيّ الذي أجمع عليه كلّ المسلمين.

أمّا على مستوى العنف مع الأولاد المتمثل بالضرب، فنقول: لا فرق بين أن تضرب ابنتك أو أختك بغير حقّ، وبين أن تضرب بنات الجيران، فأبوّتك لا تسمح لك بأن تضرب أولادك إلّا في الحالات فوق العادة. وهناك كثير من الحالات التي يتوفّى فيها الزّوج، وتريد أرملته بعد ذلك أن تتزوَّج، فتثور ثائرة أهل الزّوج مستنكرين ذلك، والله تعالى يقول: {وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَٰجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍۢ وَعَشْرًا - وهي عدّة الوفاة - فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِىٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، أو التي تُطلّق، فلا يحقّ للزّوج أن يرجعها إذا كان هدفه التعسّف عليها أكثر، والله تعالى يقول: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}، والظّلم هو المحرّم الذي ارتكبه من خلال ذلك.

وهناك العنف الزّوجي؛ ماذا يعطي الإسلام للزَّوج من حقّ؟ الحقّ الطبيعيّ للزّوج هو جانب الحقّ الجنسي، فليس لها أن تمنعه من نفسها في الحالات الطبيعيّة عندما لا تكون فيها الزوجة مريضة أو تعاني مشكلة نفسية أو غير ذلك، والله تعالى يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، فالزّوجة لها الحقّ الجنسيّ عندما تحتاج إلى ذلك كما الرّجل. نعم، إذا منعته حقَّه، فإنّ الله يأمرنا بالموعظة أوّلاً، ثم الهجران في المضاجع، ومن ثمّ الضّرب غير المبرّح، ولا يجوز للزوج في غير هذه الحالة أن يضرب زوجته، وإلّا فإنّه يعاقَب معاقبة الظالمين عند الله، وقد ورد في الحديث الشّريف: "إيّاك وظلم من لا يجد عليك ظالماً إلا الله".

كذلك، لا يجوز للزوج أو الزوجة أن يسبّا بعضهما البعض، ولا يجوز للزوج أن يسبّ أهلها، ولا يجوز له أن يطردها من بيته، لأنَّ إسكان الزوجة في بيتها حقّ لها على الزوج لأنها جزء من النفقة، حتى إنّ من حقّ الزّوجة في العدّة الرجعيّة أن تسكن في بيت زوجها إلى حين انتهاء العدّة.. والجريمة الكبرى، هي عندما يضرب الزّوج زوجته أمام أولاده وبناته، وكم من البنات اللاتي يعانين من عقد نفسيّة ضدّ الرّجال والزواج نتيجة ما رأينه من معاملة أبيهم لأمّهم.

وهناك نوع من العنف المالي، كما إذا أراد الزوج أن يطلّق زوجته، فإنه يضربها ويضطهدها من أجل أن تتنازل عن مهرها أو عن الشقّة إذا كانت باسمها، فلو تنازلت الزوجة عن الشقة أو المهر أو غير ذلك تحت الضّغط، فإن ذلك غصب، ويبقى كلّ ذلك في ذمّته ليُطالب به يوم القيامة. وهناك حالة الطلاق الخلعي التي تستطيع الزّوجة فيها أن تتنازل عن حقّها فيما إذا كرهت زوجها وأرادت أن تُنهي هذه العلاقة.

إنّ الله تعالى يأمر بالعدل والإحسان، ومن أفضل الإحسان، أن يحسن الإنسان إلى عياله وزوجته، وقد ورد في حديث الإمام الصّادق(ع): "اتّقوا الضّعيفين؛ اليتيم والنساء"، وورد في حديث النبيّ(ص): "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله"، فخير الناس من يعيش أهله معه في كرامة وعزّة. وعلينا كمسلمين أن نكون السبّاقين إلى كلّ مؤتمر يرفع شعار العنف ضدّ المرأة، لأنّ الإسلام كان السبّاق في رفض العنف كلّه ضدّ المرأة، وعلينا أن نتقي الله في ذلك، لأننا سنقف أمام الله يوم القيامة من أجل أن يحكم بين العباد، وشعار يوم القيامة: "لا ظلم اليوم".

*خطبة جمعة ألقاها سماحته بتاريخ: 21 شعبان 1421هـ/  17 تشرين الثّاني، 2000م- اوكتوبر تناول فيها قضيّة العنف ضدّ المرأة، والعنف ضدّ الأولاد.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية