المرجع فضل الله: الدعاء منهج تربويّ وأخلاقيّ يحقّق الانفتاح الروحي

المرجع فضل الله: الدعاء منهج تربويّ وأخلاقيّ يحقّق الانفتاح الروحي

بالعودة إلى أرشيف خطب الجمعة، نستحضر المواقف والمواعظ المتنوّعة الّتي كان يطلقها سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، ومنها ما أطلقه في خطبة الجمعة الدينيّة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بتاريخ 3 جمادى الآخرة العام 1424ه/ الموافق 1/8/2003م، حيث تحدّث عن مفهوم الدعاء في بعده التربوي الذي يهدف إلى انفتاح الإنسان الروحي على الله والنّاس بشكل يبعده عن أنانياته وذاتياته:

"من بين مناهج التربية الأخلاقية الاجتماعية الإسلامية في توثيق علاقة المؤمن بالمؤمن، فرداً كان أو جماعةً، أن يدعو الإنسان المؤمن لأخيه المؤمن بظهر الغيب، بحيث عندما يعيش الإنسان الحالة الروحية الابتهالية بين يدي الله، ويتفرّغ لعبادة الله، وينفصل عمّا حوله من العالم المادي، يتذكَّر المشاكل المتنوّعة التي يعانيها أخوانه المؤمنون، والآلام التي تحدث لهم، والتعقيدات التي تحيط بحياتهم، فيهتمّ لذلك وهو بين يدي الله تعالى، ويدعو الله سبحانه أن يحلّ مشكلة هذا ويقضي حاجة ذاك، ويخفّف آلام هذا ويزيل الضّغوط عن ذاك، بحيث يُشهد الله على أنّه يعيش الاهتمام بأخيه المؤمن، انطلاقاً من إحساسه بالرّابطة الأخوية من خلال الإيمان، تماماً كما يحسّ بنفسه وبأخيه في النسب.

إنّ هذا المنهج التربوي يحقِّق في الإنسان المؤمن الرّوح التي تنفتح على الآخرين، فلا تعيش الأنانية الذاتية، وبذلك ينفتح أمام الإنسان المؤمن عالم كبير من الاهتمام والتّفكير في شؤون إخوانه وقضاياهم ومشاكلهم، بحيث يشعر بأنّه لا ينفصل عن ذلك، حتى في أوقات الدعاء لله، فيطلب من الله لهم ما يطلبه لنفسه، وفي ذلك السموّ الروحيّ كلّ السّموّ، والأصالة الأخلاقية كلّ الأصال"ة.

وتابع متحدثاً عن ثقافة الدعاء وما تهدف إليه:

 "وقد درجت الثقافة الدُعائية على ذلك كلّه، حيث إننا نجد دائماً الأدعية القرآنية والنبوية وأدعية الأئمة من أهل البيت(ع)، تتضمن الكثير من الدعاء للمؤمنين والمؤمنات، ونجد مثلاً أنّ الأنبياء يدعون للمؤمنين: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}، ونقرأ في الدعاء المعروف في شهر رمضان، الّذي يُقرأ عادةً بعد كلّ صلاة: "اللّهمّ أدخل على أهل القبور السرور، اللّهمّ أغن كل فقير، اللهم أشبع كل جائع، اللهم اكسُ كل عريان، اللهم اقض دين كلّ مدين، اللهم فرّج عن كل مكروب، اللّهم ردّ كل غريب، اللّهم فكّ كلّ أسير، اللّهمّ أصلح كل فاسد من أمور المسلمين، اللّهمّ اشفِ كلّ مريض، اللهم سدّ فقرنا بغناك، اللّهم غيّر سوء حالنا بحسن حالك".

من الملاحظ أنّ هذا الدعاء يعلّم المسلمين أنّ عليهم بعد أن ينتهوا من الصلاة، أن يفكّروا حتى في أهل القبور كيف يسرّهم الله بمغفرته وبرضوانه، ويفكّروا وهم في أجواء الصّوم والصّلاة، في الجياع والعراة والغارمين الّذين تضغط عليهم الديون، ويفكروا في المرضى والمكروبين المتألمين والأسرى الّذين يأسرهم الظالمون، كما يفكّرون في كل واقع المسلمين الذي يعيش الفساد من خلال عوامل خارجية وداخلية، وبذلك يوحي هذا المنهج الإسلامي الأخلاقي في الدعاء، أن الجانب الروحي في مسؤولية الإنسان المؤمن العبادية، لا ينفصل عن الجانب الاجتماعي، فأنت لا يمكن أن تكون حيادياً أمام كلّ المآسي والآلام والأوضاع الصّعبة التي يعيشها المسلمون لتكتفي بالصّلاة والصّيام، لأنّ قيمة صلاتك هي أن تعظم مسؤوليّتك فيما كلفك الله من المسؤوليات التي لا تقف عند ذاتك، ولكنها تتحرك إلى كل الناس الذين تستطيع إعانتهم.

وإذا كنت تدعو الله للمؤمنين والمؤمنات في ظهر الغيب، فإنك لا بدّ من أن تتحسّس بطريقة شعورية أو لا شعورية، كيف يمكن لك أن تساهم في حل مشاكلهم بما تستطيعه من وسائل تملكها، وبذلك تشارك العبادات ـ ولا سيّما الدّعاء ـ في ربط الإنسان المسلم بالمسلم، كما تعمّق ذلك في حركة العلاقات بين الناس".

ويعرض سماحته بعض النصوص الواردة عن أئمة أهل البيت(ع) التي تشير إلى معنى الدّعاء وأهميّته وتجلّياته:

"ونقرأ بعض النّصوص الواردة عن أهل البيت(ع)، وقد قلنا أكثر من مرّة، انطلاقاً من أحاديث الأئمّة(ع)، إنّ أحاديثهم تنطق عن أحاديث رسول الله (ص)، نقولها لبعض الناس الذين يقولون لماذا تتحدثون عن الأئمة ولا تتحدثون عن رسول الله؟ أولاً الحديث عن رسول الله(ص)، كما الحديث عن كتاب الله، هو الأساس، ولكن أحاديث الأئمة(ع) تنطق عن رسول الله(ص)، وذلك هو حديث الإمام الصادق(ع) عندما كان يقول: "حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث عليّ وهو حديث رسول الله"، وقد قال بعض الشعراء:

ووالِ أناساً قولهم وحديثهم         روى جدّنا عن جبرائيل عن الباري

عن الإمام الباقر(ع) في قول الله عزّ وجلّ: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ}، مَن هؤلاء؟ قال(ع): "هو المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب، فيقول له الملك: آمين، ويقول الله العزيز الجبّار: ولك مثل ما سألت، وقد أُعطيت ما سألت بحبِّك إياه"، لأن دعاءك لأخيك بظهر الغيب، يوحي بحبك إياه. فماذا يقول الذين يزرعون الحقد بين المؤمنين، وينتجونه لعصبيةٍ هنا أو هناك، كيف سيعاملهم الله وهو الذي يحب الإنسان ويرضى عنه ويجزيه ويثيبه ويقرّبه لأنّه يحبّ أخاه المؤمن؟!

وفي الحديث عن الإمام الباقر(ع): "أوشك دعوة وأسرع إجابة، دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب". وفي الحديث عن ولده الإمام الصادق(ع) قال: "دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب يدرّ الرّزق ويدفع المكروه". وفي الحديث عن الإمام الصّادق(ع) قال: "قال رسول الله(ص): ما من مؤمن دعا للمؤمنين والمؤمنات، إلا ردَّ الله عزّ وجلّ عليه مثل الّذي دعا لهم به، من كلّ مؤمن ومؤمنة مضى من أوّل الدهر وما هو آتٍ الى يوم القيامة". وفي الحديث: "إنّ العبد ليؤمر به إلى النار يوم القيامة، فيُسحب فيقول المؤمنون والمؤمنات: يا ربّ، هذا الذي كان يدعو لنا، فشفّعنا فيه واعفُ عنه، فيشفِّعهم الله عزّ وجلّ فيه فينجو".

وقد ورد في الحديث عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم، قال: "رأيت عبد الله ابن جندب ـ من أصحاب الإمام الصادق (ع) ـ في الموقف ـ في عرفة ـ فلم أرَ موقفاً كان أحسن من موقفه، ما زال مادّاً يديه إلى السّماء، ودموعه تسيل على خدّيه حتى تبلغ الأرض، فلما صدر الناس، قلت له: يا أبا محمد، ما رأيت موقفاً قطّ أحسن من موقفك، قال: والله ما دعوت إلا لأخواني، وذلك أن أبا الحسن موسى(ع) أخبرني أنّ من دعا لأخيه بظهر الغيب، نودي من العرش: ولك مائة ألف ضعف، فكرهت أن أدَع مائة ألف مضمونة، لواحدة لا أدري تستجاب أم لا".

وختم سماحته الخطبة الدينية بتأكيد ضرورة أن نتحرّك في مشاعر المحبة، وعلى قاعدة الوحدة بين المسلمين، بغية حماية الواقع في الحاضر والمستقبل من كلّ التعقيدات والتحديات:

"إنّ هذا المنهج الروحي الأخلاقي التربوي، هو المنهج الذي يوحي بالقاعدة العامة، وهي أن على المؤمنين أن يهتموا بأمور بعضهم البعض، وأن ينفتحوا على مشاكلهم وقضاياهم، حتى يمكن للوحدة الإسلامية التحرك في عملية تكامل وتعاون واهتمام مشترك، وعلينا أن نتذكر قول النبي(ص) الذي يؤكّد اهتمام الإنسان المسلم بأمور المسلمين في الجانب الإيجابي، وإلا خرج عن الإسلام بمعناه العميق: "من أصبح لم يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم".

أمام كلِّ هذه العداوة والكراهية والحرب الإعلاميّة والسياسية والثقافية، التي يثيرها المستكبرون والكافرون بين المؤمنين، انطلاقاً من عصبيةٍ هنا وعصبيةٍ هناك، وحزبيةٍ هنا وحزبيةٍ هناك، من أجل تمزيق وحدتهم وتأكيد الفصل فيما بينهم، علينا ـ إذا كان مستقبلنا الإسلامي موضع اهتمام بالنسبة إلينا ـ أن نتعلّم كيف نحبّ بعضنا بعضاً، بدلاً من أن نتعلّم كيف نحقد على بعضنا البعض، لأنّ معنى أن تحبّ الله، أن تحبّ كلّ من يحبّ الله، وأن تنفتح على كلّ الذين تلتقي معهم في الإيمان بالإسلام والإيمان بالله". 

بالعودة إلى أرشيف خطب الجمعة، نستحضر المواقف والمواعظ المتنوّعة الّتي كان يطلقها سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، ومنها ما أطلقه في خطبة الجمعة الدينيّة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بتاريخ 3 جمادى الآخرة العام 1424ه/ الموافق 1/8/2003م، حيث تحدّث عن مفهوم الدعاء في بعده التربوي الذي يهدف إلى انفتاح الإنسان الروحي على الله والنّاس بشكل يبعده عن أنانياته وذاتياته:

"من بين مناهج التربية الأخلاقية الاجتماعية الإسلامية في توثيق علاقة المؤمن بالمؤمن، فرداً كان أو جماعةً، أن يدعو الإنسان المؤمن لأخيه المؤمن بظهر الغيب، بحيث عندما يعيش الإنسان الحالة الروحية الابتهالية بين يدي الله، ويتفرّغ لعبادة الله، وينفصل عمّا حوله من العالم المادي، يتذكَّر المشاكل المتنوّعة التي يعانيها أخوانه المؤمنون، والآلام التي تحدث لهم، والتعقيدات التي تحيط بحياتهم، فيهتمّ لذلك وهو بين يدي الله تعالى، ويدعو الله سبحانه أن يحلّ مشكلة هذا ويقضي حاجة ذاك، ويخفّف آلام هذا ويزيل الضّغوط عن ذاك، بحيث يُشهد الله على أنّه يعيش الاهتمام بأخيه المؤمن، انطلاقاً من إحساسه بالرّابطة الأخوية من خلال الإيمان، تماماً كما يحسّ بنفسه وبأخيه في النسب.

إنّ هذا المنهج التربوي يحقِّق في الإنسان المؤمن الرّوح التي تنفتح على الآخرين، فلا تعيش الأنانية الذاتية، وبذلك ينفتح أمام الإنسان المؤمن عالم كبير من الاهتمام والتّفكير في شؤون إخوانه وقضاياهم ومشاكلهم، بحيث يشعر بأنّه لا ينفصل عن ذلك، حتى في أوقات الدعاء لله، فيطلب من الله لهم ما يطلبه لنفسه، وفي ذلك السموّ الروحيّ كلّ السّموّ، والأصالة الأخلاقية كلّ الأصال"ة.

وتابع متحدثاً عن ثقافة الدعاء وما تهدف إليه:

 "وقد درجت الثقافة الدُعائية على ذلك كلّه، حيث إننا نجد دائماً الأدعية القرآنية والنبوية وأدعية الأئمة من أهل البيت(ع)، تتضمن الكثير من الدعاء للمؤمنين والمؤمنات، ونجد مثلاً أنّ الأنبياء يدعون للمؤمنين: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}، ونقرأ في الدعاء المعروف في شهر رمضان، الّذي يُقرأ عادةً بعد كلّ صلاة: "اللّهمّ أدخل على أهل القبور السرور، اللّهمّ أغن كل فقير، اللهم أشبع كل جائع، اللهم اكسُ كل عريان، اللهم اقض دين كلّ مدين، اللهم فرّج عن كل مكروب، اللّهم ردّ كل غريب، اللّهم فكّ كلّ أسير، اللّهمّ أصلح كل فاسد من أمور المسلمين، اللّهمّ اشفِ كلّ مريض، اللهم سدّ فقرنا بغناك، اللّهم غيّر سوء حالنا بحسن حالك".

من الملاحظ أنّ هذا الدعاء يعلّم المسلمين أنّ عليهم بعد أن ينتهوا من الصلاة، أن يفكّروا حتى في أهل القبور كيف يسرّهم الله بمغفرته وبرضوانه، ويفكّروا وهم في أجواء الصّوم والصّلاة، في الجياع والعراة والغارمين الّذين تضغط عليهم الديون، ويفكروا في المرضى والمكروبين المتألمين والأسرى الّذين يأسرهم الظالمون، كما يفكّرون في كل واقع المسلمين الذي يعيش الفساد من خلال عوامل خارجية وداخلية، وبذلك يوحي هذا المنهج الإسلامي الأخلاقي في الدعاء، أن الجانب الروحي في مسؤولية الإنسان المؤمن العبادية، لا ينفصل عن الجانب الاجتماعي، فأنت لا يمكن أن تكون حيادياً أمام كلّ المآسي والآلام والأوضاع الصّعبة التي يعيشها المسلمون لتكتفي بالصّلاة والصّيام، لأنّ قيمة صلاتك هي أن تعظم مسؤوليّتك فيما كلفك الله من المسؤوليات التي لا تقف عند ذاتك، ولكنها تتحرك إلى كل الناس الذين تستطيع إعانتهم.

وإذا كنت تدعو الله للمؤمنين والمؤمنات في ظهر الغيب، فإنك لا بدّ من أن تتحسّس بطريقة شعورية أو لا شعورية، كيف يمكن لك أن تساهم في حل مشاكلهم بما تستطيعه من وسائل تملكها، وبذلك تشارك العبادات ـ ولا سيّما الدّعاء ـ في ربط الإنسان المسلم بالمسلم، كما تعمّق ذلك في حركة العلاقات بين الناس".

ويعرض سماحته بعض النصوص الواردة عن أئمة أهل البيت(ع) التي تشير إلى معنى الدّعاء وأهميّته وتجلّياته:

"ونقرأ بعض النّصوص الواردة عن أهل البيت(ع)، وقد قلنا أكثر من مرّة، انطلاقاً من أحاديث الأئمّة(ع)، إنّ أحاديثهم تنطق عن أحاديث رسول الله (ص)، نقولها لبعض الناس الذين يقولون لماذا تتحدثون عن الأئمة ولا تتحدثون عن رسول الله؟ أولاً الحديث عن رسول الله(ص)، كما الحديث عن كتاب الله، هو الأساس، ولكن أحاديث الأئمة(ع) تنطق عن رسول الله(ص)، وذلك هو حديث الإمام الصادق(ع) عندما كان يقول: "حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث عليّ وهو حديث رسول الله"، وقد قال بعض الشعراء:

ووالِ أناساً قولهم وحديثهم         روى جدّنا عن جبرائيل عن الباري

عن الإمام الباقر(ع) في قول الله عزّ وجلّ: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ}، مَن هؤلاء؟ قال(ع): "هو المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب، فيقول له الملك: آمين، ويقول الله العزيز الجبّار: ولك مثل ما سألت، وقد أُعطيت ما سألت بحبِّك إياه"، لأن دعاءك لأخيك بظهر الغيب، يوحي بحبك إياه. فماذا يقول الذين يزرعون الحقد بين المؤمنين، وينتجونه لعصبيةٍ هنا أو هناك، كيف سيعاملهم الله وهو الذي يحب الإنسان ويرضى عنه ويجزيه ويثيبه ويقرّبه لأنّه يحبّ أخاه المؤمن؟!

وفي الحديث عن الإمام الباقر(ع): "أوشك دعوة وأسرع إجابة، دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب". وفي الحديث عن ولده الإمام الصادق(ع) قال: "دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب يدرّ الرّزق ويدفع المكروه". وفي الحديث عن الإمام الصّادق(ع) قال: "قال رسول الله(ص): ما من مؤمن دعا للمؤمنين والمؤمنات، إلا ردَّ الله عزّ وجلّ عليه مثل الّذي دعا لهم به، من كلّ مؤمن ومؤمنة مضى من أوّل الدهر وما هو آتٍ الى يوم القيامة". وفي الحديث: "إنّ العبد ليؤمر به إلى النار يوم القيامة، فيُسحب فيقول المؤمنون والمؤمنات: يا ربّ، هذا الذي كان يدعو لنا، فشفّعنا فيه واعفُ عنه، فيشفِّعهم الله عزّ وجلّ فيه فينجو".

وقد ورد في الحديث عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم، قال: "رأيت عبد الله ابن جندب ـ من أصحاب الإمام الصادق (ع) ـ في الموقف ـ في عرفة ـ فلم أرَ موقفاً كان أحسن من موقفه، ما زال مادّاً يديه إلى السّماء، ودموعه تسيل على خدّيه حتى تبلغ الأرض، فلما صدر الناس، قلت له: يا أبا محمد، ما رأيت موقفاً قطّ أحسن من موقفك، قال: والله ما دعوت إلا لأخواني، وذلك أن أبا الحسن موسى(ع) أخبرني أنّ من دعا لأخيه بظهر الغيب، نودي من العرش: ولك مائة ألف ضعف، فكرهت أن أدَع مائة ألف مضمونة، لواحدة لا أدري تستجاب أم لا".

وختم سماحته الخطبة الدينية بتأكيد ضرورة أن نتحرّك في مشاعر المحبة، وعلى قاعدة الوحدة بين المسلمين، بغية حماية الواقع في الحاضر والمستقبل من كلّ التعقيدات والتحديات:

"إنّ هذا المنهج الروحي الأخلاقي التربوي، هو المنهج الذي يوحي بالقاعدة العامة، وهي أن على المؤمنين أن يهتموا بأمور بعضهم البعض، وأن ينفتحوا على مشاكلهم وقضاياهم، حتى يمكن للوحدة الإسلامية التحرك في عملية تكامل وتعاون واهتمام مشترك، وعلينا أن نتذكر قول النبي(ص) الذي يؤكّد اهتمام الإنسان المسلم بأمور المسلمين في الجانب الإيجابي، وإلا خرج عن الإسلام بمعناه العميق: "من أصبح لم يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم".

أمام كلِّ هذه العداوة والكراهية والحرب الإعلاميّة والسياسية والثقافية، التي يثيرها المستكبرون والكافرون بين المؤمنين، انطلاقاً من عصبيةٍ هنا وعصبيةٍ هناك، وحزبيةٍ هنا وحزبيةٍ هناك، من أجل تمزيق وحدتهم وتأكيد الفصل فيما بينهم، علينا ـ إذا كان مستقبلنا الإسلامي موضع اهتمام بالنسبة إلينا ـ أن نتعلّم كيف نحبّ بعضنا بعضاً، بدلاً من أن نتعلّم كيف نحقد على بعضنا البعض، لأنّ معنى أن تحبّ الله، أن تحبّ كلّ من يحبّ الله، وأن تنفتح على كلّ الذين تلتقي معهم في الإيمان بالإسلام والإيمان بالله". 

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية