المرجع فضل الله: ليكن الصّوم مدرسة تتصل بتنمية إنسانيّتنا وتأكيد حرّيتنا

المرجع فضل الله: ليكن الصّوم مدرسة تتصل بتنمية إنسانيّتنا وتأكيد حرّيتنا

بالعودة إلى الذّاكرة، وتحديداً إلى أرشيف خطب الجمعة لسماحة المرجع السيّد فضل الله، نستحضر المواقف والمواعظ التي ألقاها سماحته في الخطبة الدّينيّة لصلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بتاريخ 5 رمضان العام 1424ه/ الموافق 31/10/2003، حيث تحدّث عن أهمية تقوية الإرادة وخلوص النيّة، بما لذلك من إبراز حقيقيّ لاستقامتنا في الحياة:

 "يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون}. في هذا الشهر ـ شهر رمضان المبارك ـ أرادنا الله تعالى أن نربّي شخصيتنا الإسلامية على أساس تقوية الإرادة أمام كل التحديات التي تواجه الإنسان في مواقفه والتزاماته، وفي كل الواقع الإنساني، لأن المعرفة وحدها لا تكفي إذا لم تنضم إليها الإرادة، وقد ورد في بعض كلمات أهل البيت(ع)، أن الإرادة كلّما قويت، قوي البدن معها حتى لو كان ضعيفاً، وقد جاء عن الإمام جعفر الصّادق(ع) قوله: "ما ضعف بدن عمّا قويت عليه النيّة"، إذا كنت تملك الإرادة القويّة والنيّة الحاسمة، فإنها تعطي بدنك قوّةً لتنفيذ ما نويته وأردت أن تعمله.

فالإرادة هي من الأمور الّتي تتصل باستقامة الحياة أمام كلّ نقاط الضعف والتحديات، وهذا ما نلاحظه في الانحرافات التي تحدث للإنسان، سواء كان ذلك في عاداته السلبيّة، كالإدمان على التدخين أو المخدّرات، أو بعض العادات التي يمارسها الكثيرون من المراهقين أو غيرهم، وذلك من قبيل العادة السرّية، هذا مع علمهم بضررها، وهم المصلّون الصّائمون.

فقد تلتقي بمدمن هنا ومدمن هناك وأنت تطلب منه أن يمتنع عن إدمانه، لأنّه يُضعف صحته، أو ربما يؤدي به إلى التهلكة، فيكون الجواب: "إني لا أقدر"، والواقع أنّه قادر على ذلك، ولكن إغراءات الشيء الذي يدمنه أضعفت إرادته، فإذا جاء وقت المزاج، فإنّه يستحضر أمامه كلّ المرغّبات، وقد ذكر بعض المحللين إجابة عن سؤال: لماذا نجد الإنسان الذي يدمن عادة سيّئة فيتركها، ثم يعود إليها بعد ذلك؟ وكان الجواب: لأنّ الإنسان يستحضر الأشياء التي ترغّبه أكثر مما يستحضر الأشياء التي تنفّره، ولكي يقوّي الإنسان إرادته، لا بدّ له من أن يستحضر عنصري الترغيب والترهيب معاً، لكي يتوازن في نظرته إلى الأشياء، فيحكم على نفسه أو لنفسه من خلال هذا التوازن."

ويتابع سماحته لافتاً إلى تأثير الصّوم على صعيد تحرّر شخصية الإنسان من الانشداد إلى العادة وممارسة حريته، قائلاً:

"على ضوء ذلك، أراد الله تعالى للإنسان أن يمرّ بهذه الدورة التدريبية خلال هذا الشّهر، من أجل أن يقول لنفسه: "لا"، فعندما يأتي شهر رمضان، فإنه يمتنع عن كل ما اعتاده أثناء النهار، من شرب القهوة وتناول الإفطار الصباحي وما إلى ذلك، فلماذا يترك كلّ هذه الأمور؟ لأنّ الله تعالى نهاه عن أن يتناول هذا المفطر أو ذاك، وعندما تتطوّر هذه الحالة، فإنّها تولّد لديه حالة جديدة تنطلق من قوّة الإرادة. فالقضية هي أن لا يمارس الإنسان شهر رمضان كعادة، بل أن يتحرك فيه كشهر يتحرّر فيه من العادة، بحيث يصبح في تجربته هذه ووعيه لمعناها، إنساناً يواجه بالرّفض كلّ شيء سيّئ، وبالقبول كل شيء خيّر، وهذا الذي يرتفع بإنسانية الإنسان.

ما الذي يجعلك حراً وتمارس حريتك أمام الذين يحاولون أن يستعبدوك، وهم يملكون القوة والمغريات ويهدّدنوك في الكثير من أوضاعك؟ هي إرادة القوة في شخصيتك، لأنك عندما تؤمن بأنّ الله خلقك حراً، عند ذلك، تكون حريتك أقوى من رغباتك.. وقيمة الإنسان إنما هي بمقدار أن يقول "لا" في ما يرفضه، وأن يقول "نعم" في ما يقبله، ولكن بعض النّاس دائماً يقول "نعم"، والبعض دائماً يقول "لا"، والأساس أن يكون هناك توازن في الـ"نعم" والـ"لا".

وهذا ما يجعل الشعوب قادرةً على أن تتحدَّى وتتمرَّد على المستكبرين الّذين يصادرونها في السياسة والأمن والاقتصاد، لأنها ترى في حريتها معنى عزتها وكرامتها وإنسانيّتها، وإلا ما الّذي يغري المجاهدين في سائر أنحاء العالم بالتّضحية بأنفسهم وتحمّل المصاعب والمشقّات؟ الذي يغريهم هو إيمانهم بالحريّة وتأكيدها في إرادتهم. لذلك نجد أن الشعوب التي تعطي قيادها للظالمين والمستكبرين، هي شعوب لا تعيش إنسانيتها. وقد ربط الإمام الصادق(ع) الحرية بالصبر على الحرمان، يقول(ع): "إن الحرّ حرٌّ في جميع أحواله، إن نابته نائبة صبر لها، وإن تداكّت عليه المصائب، لم تكسره ولم تقهره، وإن استُعبد واُسر".

وأضاف مشيراً إلى ما يجب أن يتركه الصّوم من أثر في نفوسنا، حتى نرتقي إلى مستوى المواجهة:

"لا بدّ لنا من أن ندخل إلى الصّوم دخولاً واعياً، أن نعتبر أننا ندخل مدرسة تتصل بتنمية إنسانيّتنا وتقوية إرادتنا، وتؤكّد حريتنا، حتى نستطيع أن نصنع من أنفسنا أمّة تقف بقوة إلى جانب أمم العالم، لتتعاون معها تعاون القويّ مع القويّ. أتعرفون لماذا أغلب حكام العالم الإسلامي لا يقفون الوقفة القويّة أمام تحديات المستكبرين؟ لأنهم يهدّدونهم في عروشهم ومواقعهم وثرواتهم، ويفرضون عليهم العبودية إذا أرادوا أن يحتفظوا بمراكزهم، وقد اختاروا هذه العبودية وفضّلوها على حرية شعوبهم.

ليست القضية هي أن تعيش طعامك وشرابك، ولكن أن تكون حراً في لقمتك، وحراً في الماء الذي تشربه. هذا الجانب ينبغي لنا أن نرفده في أنفسنا عندما نصوم. مثلاً، هناك بعض الناس الذي يعيش حالة الغضب والغيظ في نفسه خارج الصّيام، يعنّف ويغضب على أهله وعلى موظّفيه وعماله، أو على الكثير من النّاس الذين هم أضعف منه، فإذا جاء شهر رمضان، ارتفعت درجة الغضب عنده، والعذر بالنّسبة إليه أنه صائم؟! ومن المفروض أن تصوم عن كلِّ هذا الغضب، وأن تخشى الله في ذلك، فإذا أفطرت على طعام وشراب، فسوف يعاقبك الله، ولكنّ هناك إفطاراً معنويّاً أخطر من الإفطار على الطّعام والشراب، وهو الظلم.

فعلى الذين يعيشون الغضب، أن يعيشوا في شهر رمضان حالة الطمأنينة والسكون، لأن ما تقرأه من أدعية في شهر رمضان، من المفروض أن يربي لك طباعك ومزاجك، وهكذا في الأمور الأخرى".

ويختم سماحته بالإشارة إلى ضرورة الإحساس بآلام الآخرين، فالصوم هو طريق لمواساة الآخرين ومشاركتهم على مستوى الشّعور والفكر والموقف العمليّ:

"هناك صيام إنساني اجتماعي تحدثت عنه بعض الأحاديث عن النبيّ(ص) وأهل بيته(ع)، يبين فيه فوائد الصوم، ومنها أنّ الله أراد للغني ـ والقادر بشكل عام ـ أن يستشعر ألم الجوع والعطش، ليتحسّس جوع الآخرين الذين لا يجدون ما يأكلون، فالغني ـ عادة ـ كلما أراد شيئاً وجده، فإذا عاش ألم الجوع والعطش في شهر رمضان، فإنّه لا بدّ من أن ينتقل إلى الإحساس بجوع الآخرين وعطشهم، لأن بعض الناس لا يعرف ما معنى أن يجوع الناس أو يعطشوا، كما في الحادثة التي تروى عن ملكة فرنسا ماري أنطوانيت، عندما نظرت إلى الناس وهم يتظاهرون فسألت: ماذا يريدون؟ قالوا: يريدون الخبز، فقالت: فليأكلوا البسكويت.

دور الصوم هو أن يجعل منك إنساناً متجدّداً حراً قوي الإرادة، رابط الجأش، ثابت الأقدام، أن تستطيع أن تقول "لا" أمام كل ما ترفضه، وأن تقول "نعم" أمام كل ما تقبله، وإلا سيكون صيامك كفطرك. وقد ورد في بعض الأحاديث عن رسول الله(ص): "ربّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وربّ قائم ليس له من قيامه إلا التعب والسّهر"، وجاء في بعض الأدعية اليوميّة في شهر رمضان: "اللّهمّ اجعل صيامي فيه صيام الصائمين، وقيامي فيه قيام القائمين"، أن يصوم عقلك عن الباطل، وقلبك عن الحقد، وأن تكون مواقفك مع الحقِّ ضدّ الباطل.

إنّ هذا هو موسم الرّحمة والمغفرة والتمحيص والمحاسبة والمجاهدة، تعالوا لنقم بحالة طوارئ أخلاقيّة روحيّة اجتماعيّة، لنخرج من هذا الشّهر ونحن أقرب إلى الله وأقرب إلى النّاس الذين يحتاجون إلينا.

نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لصيامه وقيامه وتلاوة كتابه وقبول توبتنا، وأن يرحمنا برحمته إنّه أرحم الرّاحمين".

بالعودة إلى الذّاكرة، وتحديداً إلى أرشيف خطب الجمعة لسماحة المرجع السيّد فضل الله، نستحضر المواقف والمواعظ التي ألقاها سماحته في الخطبة الدّينيّة لصلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بتاريخ 5 رمضان العام 1424ه/ الموافق 31/10/2003، حيث تحدّث عن أهمية تقوية الإرادة وخلوص النيّة، بما لذلك من إبراز حقيقيّ لاستقامتنا في الحياة:

 "يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون}. في هذا الشهر ـ شهر رمضان المبارك ـ أرادنا الله تعالى أن نربّي شخصيتنا الإسلامية على أساس تقوية الإرادة أمام كل التحديات التي تواجه الإنسان في مواقفه والتزاماته، وفي كل الواقع الإنساني، لأن المعرفة وحدها لا تكفي إذا لم تنضم إليها الإرادة، وقد ورد في بعض كلمات أهل البيت(ع)، أن الإرادة كلّما قويت، قوي البدن معها حتى لو كان ضعيفاً، وقد جاء عن الإمام جعفر الصّادق(ع) قوله: "ما ضعف بدن عمّا قويت عليه النيّة"، إذا كنت تملك الإرادة القويّة والنيّة الحاسمة، فإنها تعطي بدنك قوّةً لتنفيذ ما نويته وأردت أن تعمله.

فالإرادة هي من الأمور الّتي تتصل باستقامة الحياة أمام كلّ نقاط الضعف والتحديات، وهذا ما نلاحظه في الانحرافات التي تحدث للإنسان، سواء كان ذلك في عاداته السلبيّة، كالإدمان على التدخين أو المخدّرات، أو بعض العادات التي يمارسها الكثيرون من المراهقين أو غيرهم، وذلك من قبيل العادة السرّية، هذا مع علمهم بضررها، وهم المصلّون الصّائمون.

فقد تلتقي بمدمن هنا ومدمن هناك وأنت تطلب منه أن يمتنع عن إدمانه، لأنّه يُضعف صحته، أو ربما يؤدي به إلى التهلكة، فيكون الجواب: "إني لا أقدر"، والواقع أنّه قادر على ذلك، ولكن إغراءات الشيء الذي يدمنه أضعفت إرادته، فإذا جاء وقت المزاج، فإنّه يستحضر أمامه كلّ المرغّبات، وقد ذكر بعض المحللين إجابة عن سؤال: لماذا نجد الإنسان الذي يدمن عادة سيّئة فيتركها، ثم يعود إليها بعد ذلك؟ وكان الجواب: لأنّ الإنسان يستحضر الأشياء التي ترغّبه أكثر مما يستحضر الأشياء التي تنفّره، ولكي يقوّي الإنسان إرادته، لا بدّ له من أن يستحضر عنصري الترغيب والترهيب معاً، لكي يتوازن في نظرته إلى الأشياء، فيحكم على نفسه أو لنفسه من خلال هذا التوازن."

ويتابع سماحته لافتاً إلى تأثير الصّوم على صعيد تحرّر شخصية الإنسان من الانشداد إلى العادة وممارسة حريته، قائلاً:

"على ضوء ذلك، أراد الله تعالى للإنسان أن يمرّ بهذه الدورة التدريبية خلال هذا الشّهر، من أجل أن يقول لنفسه: "لا"، فعندما يأتي شهر رمضان، فإنه يمتنع عن كل ما اعتاده أثناء النهار، من شرب القهوة وتناول الإفطار الصباحي وما إلى ذلك، فلماذا يترك كلّ هذه الأمور؟ لأنّ الله تعالى نهاه عن أن يتناول هذا المفطر أو ذاك، وعندما تتطوّر هذه الحالة، فإنّها تولّد لديه حالة جديدة تنطلق من قوّة الإرادة. فالقضية هي أن لا يمارس الإنسان شهر رمضان كعادة، بل أن يتحرك فيه كشهر يتحرّر فيه من العادة، بحيث يصبح في تجربته هذه ووعيه لمعناها، إنساناً يواجه بالرّفض كلّ شيء سيّئ، وبالقبول كل شيء خيّر، وهذا الذي يرتفع بإنسانية الإنسان.

ما الذي يجعلك حراً وتمارس حريتك أمام الذين يحاولون أن يستعبدوك، وهم يملكون القوة والمغريات ويهدّدنوك في الكثير من أوضاعك؟ هي إرادة القوة في شخصيتك، لأنك عندما تؤمن بأنّ الله خلقك حراً، عند ذلك، تكون حريتك أقوى من رغباتك.. وقيمة الإنسان إنما هي بمقدار أن يقول "لا" في ما يرفضه، وأن يقول "نعم" في ما يقبله، ولكن بعض النّاس دائماً يقول "نعم"، والبعض دائماً يقول "لا"، والأساس أن يكون هناك توازن في الـ"نعم" والـ"لا".

وهذا ما يجعل الشعوب قادرةً على أن تتحدَّى وتتمرَّد على المستكبرين الّذين يصادرونها في السياسة والأمن والاقتصاد، لأنها ترى في حريتها معنى عزتها وكرامتها وإنسانيّتها، وإلا ما الّذي يغري المجاهدين في سائر أنحاء العالم بالتّضحية بأنفسهم وتحمّل المصاعب والمشقّات؟ الذي يغريهم هو إيمانهم بالحريّة وتأكيدها في إرادتهم. لذلك نجد أن الشعوب التي تعطي قيادها للظالمين والمستكبرين، هي شعوب لا تعيش إنسانيتها. وقد ربط الإمام الصادق(ع) الحرية بالصبر على الحرمان، يقول(ع): "إن الحرّ حرٌّ في جميع أحواله، إن نابته نائبة صبر لها، وإن تداكّت عليه المصائب، لم تكسره ولم تقهره، وإن استُعبد واُسر".

وأضاف مشيراً إلى ما يجب أن يتركه الصّوم من أثر في نفوسنا، حتى نرتقي إلى مستوى المواجهة:

"لا بدّ لنا من أن ندخل إلى الصّوم دخولاً واعياً، أن نعتبر أننا ندخل مدرسة تتصل بتنمية إنسانيّتنا وتقوية إرادتنا، وتؤكّد حريتنا، حتى نستطيع أن نصنع من أنفسنا أمّة تقف بقوة إلى جانب أمم العالم، لتتعاون معها تعاون القويّ مع القويّ. أتعرفون لماذا أغلب حكام العالم الإسلامي لا يقفون الوقفة القويّة أمام تحديات المستكبرين؟ لأنهم يهدّدونهم في عروشهم ومواقعهم وثرواتهم، ويفرضون عليهم العبودية إذا أرادوا أن يحتفظوا بمراكزهم، وقد اختاروا هذه العبودية وفضّلوها على حرية شعوبهم.

ليست القضية هي أن تعيش طعامك وشرابك، ولكن أن تكون حراً في لقمتك، وحراً في الماء الذي تشربه. هذا الجانب ينبغي لنا أن نرفده في أنفسنا عندما نصوم. مثلاً، هناك بعض الناس الذي يعيش حالة الغضب والغيظ في نفسه خارج الصّيام، يعنّف ويغضب على أهله وعلى موظّفيه وعماله، أو على الكثير من النّاس الذين هم أضعف منه، فإذا جاء شهر رمضان، ارتفعت درجة الغضب عنده، والعذر بالنّسبة إليه أنه صائم؟! ومن المفروض أن تصوم عن كلِّ هذا الغضب، وأن تخشى الله في ذلك، فإذا أفطرت على طعام وشراب، فسوف يعاقبك الله، ولكنّ هناك إفطاراً معنويّاً أخطر من الإفطار على الطّعام والشراب، وهو الظلم.

فعلى الذين يعيشون الغضب، أن يعيشوا في شهر رمضان حالة الطمأنينة والسكون، لأن ما تقرأه من أدعية في شهر رمضان، من المفروض أن يربي لك طباعك ومزاجك، وهكذا في الأمور الأخرى".

ويختم سماحته بالإشارة إلى ضرورة الإحساس بآلام الآخرين، فالصوم هو طريق لمواساة الآخرين ومشاركتهم على مستوى الشّعور والفكر والموقف العمليّ:

"هناك صيام إنساني اجتماعي تحدثت عنه بعض الأحاديث عن النبيّ(ص) وأهل بيته(ع)، يبين فيه فوائد الصوم، ومنها أنّ الله أراد للغني ـ والقادر بشكل عام ـ أن يستشعر ألم الجوع والعطش، ليتحسّس جوع الآخرين الذين لا يجدون ما يأكلون، فالغني ـ عادة ـ كلما أراد شيئاً وجده، فإذا عاش ألم الجوع والعطش في شهر رمضان، فإنّه لا بدّ من أن ينتقل إلى الإحساس بجوع الآخرين وعطشهم، لأن بعض الناس لا يعرف ما معنى أن يجوع الناس أو يعطشوا، كما في الحادثة التي تروى عن ملكة فرنسا ماري أنطوانيت، عندما نظرت إلى الناس وهم يتظاهرون فسألت: ماذا يريدون؟ قالوا: يريدون الخبز، فقالت: فليأكلوا البسكويت.

دور الصوم هو أن يجعل منك إنساناً متجدّداً حراً قوي الإرادة، رابط الجأش، ثابت الأقدام، أن تستطيع أن تقول "لا" أمام كل ما ترفضه، وأن تقول "نعم" أمام كل ما تقبله، وإلا سيكون صيامك كفطرك. وقد ورد في بعض الأحاديث عن رسول الله(ص): "ربّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وربّ قائم ليس له من قيامه إلا التعب والسّهر"، وجاء في بعض الأدعية اليوميّة في شهر رمضان: "اللّهمّ اجعل صيامي فيه صيام الصائمين، وقيامي فيه قيام القائمين"، أن يصوم عقلك عن الباطل، وقلبك عن الحقد، وأن تكون مواقفك مع الحقِّ ضدّ الباطل.

إنّ هذا هو موسم الرّحمة والمغفرة والتمحيص والمحاسبة والمجاهدة، تعالوا لنقم بحالة طوارئ أخلاقيّة روحيّة اجتماعيّة، لنخرج من هذا الشّهر ونحن أقرب إلى الله وأقرب إلى النّاس الذين يحتاجون إلينا.

نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لصيامه وقيامه وتلاوة كتابه وقبول توبتنا، وأن يرحمنا برحمته إنّه أرحم الرّاحمين".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية