محاضرات
10/02/2025

عيدُ الفطرِ: فرحُ المسؤوليَّةِ في طاعَةِ الله

عيدُ الفطرِ: فرحُ المسؤوليَّةِ في طاعَةِ الله

في هذا اليوم، أراد الله للمسلمين جميعاً أن يعيشوا فرح التَّقوى، وسرور الإيمان، وحركة الخير، وانطلاقة العدل، لأنَّ الله سبحانه وتعالى أراد للمسلمين أن يعيشوا عيدهم، على أن لا يكون مناسبةَ لهو وعبث، ولكن أن يكون حركة مسؤوليَّة في كلّ مواقع المسؤوليَّة في الحياة.
عيدُ القيامِ بالمسؤوليَّة
ونحن عندما نريد أن نؤكّد معنى عيد الفطر، فإنَّنا نفهم هذا العيد على أنَّه عيد القيام بالمسؤوليَّة. لماذا نحن نعيش هذا العيد؟! لأنَّ الله كلَّفنا في شهر رمضان بأن نقوم بمسؤوليَّاتنا، فيما أوجبه الله علينا من الصّيام، وفيما استحبَّه لنا من القيام، وفيما وجَّهنا إليه من تلاوة القرآن والتَّدبّر فيه، وفيما أراد لنا أن ننفتح عليه، وأن نجلس بين يديه، وأن نعبّر عن خضوعنا له بركوعنا وسجودنا، لأنَّ أقرب ما يكون العبد من ربّه هو في حالة السّجود.
ولذلك، فإنَّ قيمة شهر رمضان، هو أنَّه يجمع الإسلام كلّه، فنحن نقرأ القرآن لنأخذ منه كلَّ خطوط الإسلام الَّتي تتَّصل بحياتنا العامَّة والخاصَّة، وبعلاقات بعضنا مع بعض، وبمواجهتنا للتحدّيات الَّتي يثيرها المستكبرون.
ونحن عندما ننطلق في قراءة القرآن بتدبّر وتأمّل، فإنَّنا نجدّد إسلامنا بالقرآن، ونضيء عقولنا وقلوبنا به. وقد أكَّد الله في أكثر من آية، أنَّ القرآن يخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور {يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}[البقرة: 257]، وأنّه {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ}[المائدة: 16].
ولذلك، فإنَّ المسألة هي أن يجدّد الإنسان في شهر رمضان إسلامه، بأن ينفتح على القرآن كلّه.
الصَّومُ وصلابةُ الإرادة
وهكذا أراد الله لنا أن نصوم هذا الشَّهر، حتَّى نستطيع أن نؤكّد الإرادة القويَّة الصَّلبة الَّتي تتمرَّد على كلّ حالات الاهتزاز والخوف والسّقوط، لأنَّ مسألة الإرادة هي مسألة حركة الإنسان في مواجهة كلّ التّحدّيات الكبرى، فبالصَّوم نحصل على تقوى الإرادة، وعلى إرادة التَّقوى.
وهكذا أراد الله لنا أن نقوم اللَّيل، لنعيش معه تعالى في تلك السّبحات الَّتي ننفتح من خلالها على رحمته ولطفه وعطفه. وهكذا، أيُّها الأحبَّة، ننطلق في شهر رمضان من أجل أن نتواصل ونتباذل ونبتعد عن التَّدابر والتقاطع، كما أرادنا الإمام (ع) في وصيَّته: "وَعَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ وَالتَّبَاذُلِ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّدَابُرَ وَالتَّقَاطُعَ".
فرحُ العيدِ ومسؤوليَّتُه
وفي ضوء هذا، فإنَّ مسألة العيد هي أنَّه يختصر الشَّهر كلَّه. وقد جاء عن عليّ (ع): "إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اللَّهُ صِيَامَهُ وَشَكَرَ قِيَامَهُ"، يعني من كان صيامه صيام الإرادة الحرَّة القويَّة، ومن كان قيامه قيام الإنسان الَّذي يرتفع إلى مواقع القرب إلى الله. ثمَّ يؤكّد الإمام (ع) أنَّنا نستطيع أن نجعل من أيَّامنا كلّها أعياداً، فيقول: "وَكُلُّ يَوْمٍ لَا يُعْصَى اللَّهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ"، لأنَّ الإنسان إذا لم يعص الله، فإنَّه يعيش الفرح برضوانه سبحانه وتعالى.
ونحن ننطلق في هذا المجال على أساس أن يكون هذا العيد عيد جدّ وانفتاح، وعيد علاقات إنسانيَّة ننطلق فيها لنتحمَّل مسؤوليَّاتنا في أيتامنا ومساكيننا، وكلّ المحرومين والمرضى منَّا، حتَّى نستطيع أن نعطي الفرح للآخرين كما نعيش الفرح لأنفسنا.
اعتمادُ الحساباتِ الفلكيّةِ
ونحن نقف في هذا اليوم لنؤكّد التَّوبة، كما أكَّدها الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (ع) في دعائه في وداع شهر رمضان: "اللَّهُمَّ إنَّا نَتُوبُ إلَيْكَ فِي يَوْمِ فِطْرِنَا الّذِي جَعَلْتَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ عِيداً وَسُـرُوراً، ولأهل مِلَّتِكَ مَجْمَعاً وَمُحْتشداً"، أن يجتمع المسلمون كلّهم، وأن يحتشدوا في صلاة العيد، وفي يوم العيد، على التَّواصل والتَّعاون، حتَّى ننطلق من خلال الوحدة الإسلاميَّة.
ومن المؤسف أنَّ المسلمين في كلّ ما يملكونه من علم ومعرفة، لا يزالون يواجهون كلَّ عيدٍ بخلافاتهم، فقد نواجه في هذا العام ثلاثةَ أعياد، لأنَّ هناك فتاوى تجعل العيدَ يوم الثّلاثاء، وفتاوى تجعل العيد يوم الأربعاء، وربما تأتينا فتاوى تجعل العيدَ يوم الخميس، باعتبار الاختلاف في مسألة الرّؤية. ونحن نؤكّد أنَّه ما لم يأخذ المسلمون بالحسابات الدَّقيقة الَّتي ليس فيها أيّ شكّ أو ريب، فسيبقى الاختلاف، فإنَّ الحسابات الفلكيَّة الدَّقيقة، حسب أهل الخبرة، هي أوضح من الرّؤية، لأنَّ الفضاء ملوَّث، بحيث إنَّ الإنسان يمكن أن يرى عشرين هلالاً، من خلال اللَّمعات الموجودة في السَّماء. ولذلك، فإنَّ قضيَّة الحسابات الدَّقيقة الَّتي هي صحيحة مئة في المئة، هي الَّتي تؤكّد لنا مسألة أوائل الشّهور، باعتبار أنَّ قضيَّة الشَّهر إنما هي قضيَّة ترتبط بالنظام الكوني، وبنظام الزَّمن، فلا فرق بين شهر وشهر، فإذا دخل القمر في المحاق يعني أنّ شهراً ينتهي، وإذا خرج من المحاق، يعني أنَّه تولَّد شهر جديد، والله خلق الشّهور قبل أن يخلق العيون {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}[التّوبة: 36].
على كلّ، نحن نقدّر اجتهادات المجتهدين، ولكنَّنا نجد أنَّ هذه الخلافات بين السنَّة أنفسهم، والشّيعة أنفسهم، وبين السنَّة والشيعة، هي خلافات تسيء إلى صورة المسلمين.
التَّوبةُ ومحاسبةُ النَّفس
ويتابع الإمام زين العابدين (ع): "مِنْ كُلِّ ذَنْب أَذْنَبْنَاهُ، أَوْ سُوْء أَسْلَفْنَاهُ، أَوْ خَاطِرِ شَرٍّ أَضْمَرْنَاهُ، تَوْبَةَ مَنْ لاَ يَنْطَوِيْ عَلَى رُجُوعٍ إلَى ذَنْبٍ، وَلا يَعُودُ بَعْدَهَا فِي خَطِيئَةٍ، تَوْبَةً نَصوحاً خَلصَتْ مِنَ الشَّكِّ وَالارْتِيَابِ، فَتَقَبَّلْهَا مِنَّا، وَارْضَ عَنَّا، وَثَبِّتْنَا عَلَيْهَا.
أللَّهُمَّ ارْزُقْنَا خَوْفَ عِقَابِ الْوَعِيدِ، وَشَوْقَ ثَوَابِ الْمَوْعُودِ، حَتّى نَجِدَ لَذَّةَ مَا نَدْعُوكَ بِهِ، وكَأْبَةَ مَا نَسْتَجِيْرُكَ مِنْهُ، وَاجْعَلْنَا عِنْدَكَ مِنَ التَّوَّابِيْنَ الَّذِينَ أَوْجَبْتَ لَهُمْ مَحَبَّتَكَ، وَقَبِلْتَ مِنْهُمْ مُرَاجَعَةَ طَاعَتِكَ، يَا أَعْدَلَ الْعَادِلِينَ".

وعلى هذا الأساس، أيُّها الأحبَّة، ينبغي لنا أن نشغل أنفسنا بمحاسبة أنفسنا فيما أسلفناه وأذنبناه، لنعلن التَّوبة إلى الله سبحانه وتعالى، فإنَّ الله يعطينا الجائزة الكبرى، بأن يعفو عنا ويرحمنا ويتوب علينا.
وينقل عن أمير المؤمنين (ع)، وربما ينقل عن الإمام الحسن (ع)، أنّه رأى جماعة يلعبون ويضحكون في يوم عيد الفطر، فقال: "إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ شَهْرَ رَمَضَانَ مِضْمَارًا لِخَلْقِهِ، يَسْتَبِقُونَ فِيهِ بِطَاعَتِهِ إِلَى رِضْوَانِهِ، فَسَبَقَ قَوْمٌ فَفَازُوا، وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ فَخَابُوا، فَالْعَجَبُ مِنَ اللَّاعِبِ الضَّاحِكِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَفُوزُ فِيهِ الْمُحْسِنُونَ، وَيَخْسَرُ فِيهِ الْمُبْطِلُونَ".
يقال للصَّائمين في يوم العيد: "أَيُّهَا ٱلْمُؤْمِنُونَ، ٱغْدُوا۟ إِلَىٰ جَوَائِزِكُمْ"، كلّ جوائزكم جاهزة عند الله، وهي جوائز الحسنات، فاستعدّوا لأن يأخذ كلّ واحد منكم جائزته من الله سبحانه وتعالى.
أيُّها الأحبَّة، إنَّ هذا العيد لا بدَّ أن يكون عيد الوحدة الإسلاميَّة، ولا بدَّ أن يكون عيد الفرح لكلّ المتألمين، وعيد السّرور لكلّ الحزانى، وأن نعمل على أساس أن نتعاون على البرّ والتَّقوى، ولا نتعاون على الإثم والعدوان، لنكون في رحمة الله ولطفه ورضوانه سبحانه وتعالى.
*من خطبة عيد الفطر ، بتاريخ: 30 أيلول/ سبتمبر 2008م.
في هذا اليوم، أراد الله للمسلمين جميعاً أن يعيشوا فرح التَّقوى، وسرور الإيمان، وحركة الخير، وانطلاقة العدل، لأنَّ الله سبحانه وتعالى أراد للمسلمين أن يعيشوا عيدهم، على أن لا يكون مناسبةَ لهو وعبث، ولكن أن يكون حركة مسؤوليَّة في كلّ مواقع المسؤوليَّة في الحياة.
عيدُ القيامِ بالمسؤوليَّة
ونحن عندما نريد أن نؤكّد معنى عيد الفطر، فإنَّنا نفهم هذا العيد على أنَّه عيد القيام بالمسؤوليَّة. لماذا نحن نعيش هذا العيد؟! لأنَّ الله كلَّفنا في شهر رمضان بأن نقوم بمسؤوليَّاتنا، فيما أوجبه الله علينا من الصّيام، وفيما استحبَّه لنا من القيام، وفيما وجَّهنا إليه من تلاوة القرآن والتَّدبّر فيه، وفيما أراد لنا أن ننفتح عليه، وأن نجلس بين يديه، وأن نعبّر عن خضوعنا له بركوعنا وسجودنا، لأنَّ أقرب ما يكون العبد من ربّه هو في حالة السّجود.
ولذلك، فإنَّ قيمة شهر رمضان، هو أنَّه يجمع الإسلام كلّه، فنحن نقرأ القرآن لنأخذ منه كلَّ خطوط الإسلام الَّتي تتَّصل بحياتنا العامَّة والخاصَّة، وبعلاقات بعضنا مع بعض، وبمواجهتنا للتحدّيات الَّتي يثيرها المستكبرون.
ونحن عندما ننطلق في قراءة القرآن بتدبّر وتأمّل، فإنَّنا نجدّد إسلامنا بالقرآن، ونضيء عقولنا وقلوبنا به. وقد أكَّد الله في أكثر من آية، أنَّ القرآن يخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور {يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}[البقرة: 257]، وأنّه {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ}[المائدة: 16].
ولذلك، فإنَّ المسألة هي أن يجدّد الإنسان في شهر رمضان إسلامه، بأن ينفتح على القرآن كلّه.
الصَّومُ وصلابةُ الإرادة
وهكذا أراد الله لنا أن نصوم هذا الشَّهر، حتَّى نستطيع أن نؤكّد الإرادة القويَّة الصَّلبة الَّتي تتمرَّد على كلّ حالات الاهتزاز والخوف والسّقوط، لأنَّ مسألة الإرادة هي مسألة حركة الإنسان في مواجهة كلّ التّحدّيات الكبرى، فبالصَّوم نحصل على تقوى الإرادة، وعلى إرادة التَّقوى.
وهكذا أراد الله لنا أن نقوم اللَّيل، لنعيش معه تعالى في تلك السّبحات الَّتي ننفتح من خلالها على رحمته ولطفه وعطفه. وهكذا، أيُّها الأحبَّة، ننطلق في شهر رمضان من أجل أن نتواصل ونتباذل ونبتعد عن التَّدابر والتقاطع، كما أرادنا الإمام (ع) في وصيَّته: "وَعَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ وَالتَّبَاذُلِ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّدَابُرَ وَالتَّقَاطُعَ".
فرحُ العيدِ ومسؤوليَّتُه
وفي ضوء هذا، فإنَّ مسألة العيد هي أنَّه يختصر الشَّهر كلَّه. وقد جاء عن عليّ (ع): "إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اللَّهُ صِيَامَهُ وَشَكَرَ قِيَامَهُ"، يعني من كان صيامه صيام الإرادة الحرَّة القويَّة، ومن كان قيامه قيام الإنسان الَّذي يرتفع إلى مواقع القرب إلى الله. ثمَّ يؤكّد الإمام (ع) أنَّنا نستطيع أن نجعل من أيَّامنا كلّها أعياداً، فيقول: "وَكُلُّ يَوْمٍ لَا يُعْصَى اللَّهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ"، لأنَّ الإنسان إذا لم يعص الله، فإنَّه يعيش الفرح برضوانه سبحانه وتعالى.
ونحن ننطلق في هذا المجال على أساس أن يكون هذا العيد عيد جدّ وانفتاح، وعيد علاقات إنسانيَّة ننطلق فيها لنتحمَّل مسؤوليَّاتنا في أيتامنا ومساكيننا، وكلّ المحرومين والمرضى منَّا، حتَّى نستطيع أن نعطي الفرح للآخرين كما نعيش الفرح لأنفسنا.
اعتمادُ الحساباتِ الفلكيّةِ
ونحن نقف في هذا اليوم لنؤكّد التَّوبة، كما أكَّدها الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (ع) في دعائه في وداع شهر رمضان: "اللَّهُمَّ إنَّا نَتُوبُ إلَيْكَ فِي يَوْمِ فِطْرِنَا الّذِي جَعَلْتَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ عِيداً وَسُـرُوراً، ولأهل مِلَّتِكَ مَجْمَعاً وَمُحْتشداً"، أن يجتمع المسلمون كلّهم، وأن يحتشدوا في صلاة العيد، وفي يوم العيد، على التَّواصل والتَّعاون، حتَّى ننطلق من خلال الوحدة الإسلاميَّة.
ومن المؤسف أنَّ المسلمين في كلّ ما يملكونه من علم ومعرفة، لا يزالون يواجهون كلَّ عيدٍ بخلافاتهم، فقد نواجه في هذا العام ثلاثةَ أعياد، لأنَّ هناك فتاوى تجعل العيدَ يوم الثّلاثاء، وفتاوى تجعل العيد يوم الأربعاء، وربما تأتينا فتاوى تجعل العيدَ يوم الخميس، باعتبار الاختلاف في مسألة الرّؤية. ونحن نؤكّد أنَّه ما لم يأخذ المسلمون بالحسابات الدَّقيقة الَّتي ليس فيها أيّ شكّ أو ريب، فسيبقى الاختلاف، فإنَّ الحسابات الفلكيَّة الدَّقيقة، حسب أهل الخبرة، هي أوضح من الرّؤية، لأنَّ الفضاء ملوَّث، بحيث إنَّ الإنسان يمكن أن يرى عشرين هلالاً، من خلال اللَّمعات الموجودة في السَّماء. ولذلك، فإنَّ قضيَّة الحسابات الدَّقيقة الَّتي هي صحيحة مئة في المئة، هي الَّتي تؤكّد لنا مسألة أوائل الشّهور، باعتبار أنَّ قضيَّة الشَّهر إنما هي قضيَّة ترتبط بالنظام الكوني، وبنظام الزَّمن، فلا فرق بين شهر وشهر، فإذا دخل القمر في المحاق يعني أنّ شهراً ينتهي، وإذا خرج من المحاق، يعني أنَّه تولَّد شهر جديد، والله خلق الشّهور قبل أن يخلق العيون {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}[التّوبة: 36].
على كلّ، نحن نقدّر اجتهادات المجتهدين، ولكنَّنا نجد أنَّ هذه الخلافات بين السنَّة أنفسهم، والشّيعة أنفسهم، وبين السنَّة والشيعة، هي خلافات تسيء إلى صورة المسلمين.
التَّوبةُ ومحاسبةُ النَّفس
ويتابع الإمام زين العابدين (ع): "مِنْ كُلِّ ذَنْب أَذْنَبْنَاهُ، أَوْ سُوْء أَسْلَفْنَاهُ، أَوْ خَاطِرِ شَرٍّ أَضْمَرْنَاهُ، تَوْبَةَ مَنْ لاَ يَنْطَوِيْ عَلَى رُجُوعٍ إلَى ذَنْبٍ، وَلا يَعُودُ بَعْدَهَا فِي خَطِيئَةٍ، تَوْبَةً نَصوحاً خَلصَتْ مِنَ الشَّكِّ وَالارْتِيَابِ، فَتَقَبَّلْهَا مِنَّا، وَارْضَ عَنَّا، وَثَبِّتْنَا عَلَيْهَا.
أللَّهُمَّ ارْزُقْنَا خَوْفَ عِقَابِ الْوَعِيدِ، وَشَوْقَ ثَوَابِ الْمَوْعُودِ، حَتّى نَجِدَ لَذَّةَ مَا نَدْعُوكَ بِهِ، وكَأْبَةَ مَا نَسْتَجِيْرُكَ مِنْهُ، وَاجْعَلْنَا عِنْدَكَ مِنَ التَّوَّابِيْنَ الَّذِينَ أَوْجَبْتَ لَهُمْ مَحَبَّتَكَ، وَقَبِلْتَ مِنْهُمْ مُرَاجَعَةَ طَاعَتِكَ، يَا أَعْدَلَ الْعَادِلِينَ".

وعلى هذا الأساس، أيُّها الأحبَّة، ينبغي لنا أن نشغل أنفسنا بمحاسبة أنفسنا فيما أسلفناه وأذنبناه، لنعلن التَّوبة إلى الله سبحانه وتعالى، فإنَّ الله يعطينا الجائزة الكبرى، بأن يعفو عنا ويرحمنا ويتوب علينا.
وينقل عن أمير المؤمنين (ع)، وربما ينقل عن الإمام الحسن (ع)، أنّه رأى جماعة يلعبون ويضحكون في يوم عيد الفطر، فقال: "إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ شَهْرَ رَمَضَانَ مِضْمَارًا لِخَلْقِهِ، يَسْتَبِقُونَ فِيهِ بِطَاعَتِهِ إِلَى رِضْوَانِهِ، فَسَبَقَ قَوْمٌ فَفَازُوا، وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ فَخَابُوا، فَالْعَجَبُ مِنَ اللَّاعِبِ الضَّاحِكِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَفُوزُ فِيهِ الْمُحْسِنُونَ، وَيَخْسَرُ فِيهِ الْمُبْطِلُونَ".
يقال للصَّائمين في يوم العيد: "أَيُّهَا ٱلْمُؤْمِنُونَ، ٱغْدُوا۟ إِلَىٰ جَوَائِزِكُمْ"، كلّ جوائزكم جاهزة عند الله، وهي جوائز الحسنات، فاستعدّوا لأن يأخذ كلّ واحد منكم جائزته من الله سبحانه وتعالى.
أيُّها الأحبَّة، إنَّ هذا العيد لا بدَّ أن يكون عيد الوحدة الإسلاميَّة، ولا بدَّ أن يكون عيد الفرح لكلّ المتألمين، وعيد السّرور لكلّ الحزانى، وأن نعمل على أساس أن نتعاون على البرّ والتَّقوى، ولا نتعاون على الإثم والعدوان، لنكون في رحمة الله ولطفه ورضوانه سبحانه وتعالى.
*من خطبة عيد الفطر ، بتاريخ: 30 أيلول/ سبتمبر 2008م.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية