في ذكرى السيِّدة العظيمة الطاهرة المعصومة فاطمة الزَّهراء (ع) التي جاء في الحديث عنها - في روايات متنوّعة عن رسول الله (ص) - أنهّا سيّدة نساء المؤمنين، وسيِّدة نساء أهل الجنة.
هذه المرأة الَّتي لم تتجاوز سنَّ الشباب، ولكنَّها في عمق عناصر شخصيَّتها في الداخل وفي الخارج، استطاعت أن تحصل على المحبَّة الشاملة في العصر الَّذي عاشته.
وهكذا نجد أنها الشخصية النسائية المقدَّسة في الإسلام لدى كلِّ المسلمين، وذلك يتبيَّن من خلال قراءتنا لكلِّ ما كتبته علماء المسلمين من السنَّة ومن الشّيعة، بحيث نرى أنّهم يتحدَّثون عنها بكلِّ تعظيم واحترام ومحبَّة من خلال عناصر شخصيَّتها المميَّزة.
ومن هنا، فإنّنا نستطيع أن نقدِّمها إلى كلِّ المسلمين كامرأة يلتقي المسلمون عليها، بالرّغم من اختلاف مذاهبهم، لا لأنهّا ابنة رسول الله (ص)، ولكن لأنها عاشت في شخصيَّتها شخصيَّة رسول الله (ص) في كثير من عناصرها المميَّزة المستلهمة من عناصر شخصيَّته المميَّزة.
فنحن نقرأ في الحديث عن الحديث عن شخصيَّتها عن زوجة أبيها عائشة، أنها كانت تقول عنها: "ما رأيت من النَّاس أحداً أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله (ص) من فاطمة (ع)؛كانت إذا دخلت عليه رحَّب بها وقبَّل يديها وأجلسها في مجلسه، فإذا دخل عليها قامت إليه ورحَّبت به وقبَّلت يديه"(1)، وفي رواية "تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله (ص)"(2)، حتى إنَّ هناك حديثاً يذكر أنها تشبه رسول الله (ص) في الصّورة.
أمّا عندما ندخل إلى عمق شخصيَّتها من الداخل، فنرى أنها الإنسان الذي اندمج برسول الله (ص) اندماجاً قلّ نظيره، فقد كانت في طفولتها الأولى تتحرَّك مع أبيها عندما كان يذهب إلى المسجد ليصلّي وهي في سنّ يقول بعض المؤرخين إنّها الخامسة، وبعضهم إذا زادت السّنّ كثيراً، يصل بها إلى العاشرة.
كانت تراقب أباها وهو في المسجد، وتراقب النّاس من حوله من المشركين وهم يتربَّصون به السوء، ونظرت ذات يوم، فإذا بهم يلقون "سلل جزور"، أي أمعاء الماشية، على ظهر الرَّسول (ص)، فبادرت، وهي تبكي، ورفعته عن ظهره. ورآها كما يقول "ابن كثير" في تفسيره نقلاً عن "صحيح ابن حيان"، رآها تبكي ذات يوم، وقال لها: ما يبكيك يا بنيَّتي؟ فقالت له (ص) إنها أحسَّت بأنّ هؤلاء القوم من أبي جهل وغيره يتآمرون على النبيّ (ص) ليقتلوه، وعبَّرت له عن ذلك، فطمأنها. وكيف لا يطمئنها، وهي التي كانت تتلمذ على يديه، وتعطيه من عاطفتها كلَّ ما في روحها من سرِّ العاطفة، حتى قال عنها "أمّ أبيها"؟!
ورأينا أنّ هذه العلاقة امتدت إلى المدينة عندما هاجرت ملتحقة به، وبدأت تعيش معه في المسؤوليَّات التي تحمَّلها في حربه وسلمه ودعوته، حتى بات بيتها بيته، فكان إذا قدم من سفر، كان بيتها هو أوَّل بيت يقصده ويرتاح إليه قبل أن يذهب إلى بيته الخاصّ، وعندما يخرج إلى سفر، كان بيتها آخر بيت ينطلق منه إلى سفره.
وكانت تتحسَّس كلَّ ما يحبّه وكلّ ما يثقله، كان يحتضنها بروحه وعاطفته وقلبه، كان يعرف سرَّها من خلال ما تحمله من عمق الروحانيَّة لله، كان يراها، وهي ابنته وتلميذته، كيف تجلس مبتهلةً إلى الله سبحانه وتعالى في جوف اللَّيل، كان يراقب حركتها في كلِّ حديثها، فيراها الأصدق بين المسلمين، وقد شهدت لذلك زوجة أبيها عائشة، فقالت: "ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها إلَّا الذي ولدها"(3)، فكان (ص) الصَّادق الأصدق "الصَّادق الأمين"، وقد تخرجت من مدرسته، فكانت الصَّادقة الأصدق، والأمينة بكلِّ ما للأمانة من معنى...
(1) بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج: 43، ص: 25.
(2) بحار الأنوار، ج: 35، ص: 230.
(3) بحار الأنوار، ج: 43، ص: 68.
*من "فكر وثقافة"، العدد 100، بتاريخ: 17 جمادى الأولى 1419هـ/ الموافق: 5 أيلول 1998م.
(
في ذكرى السيِّدة العظيمة الطاهرة المعصومة فاطمة الزَّهراء (ع) التي جاء في الحديث عنها - في روايات متنوّعة عن رسول الله (ص) - أنهّا سيّدة نساء المؤمنين، وسيِّدة نساء أهل الجنة.
هذه المرأة الَّتي لم تتجاوز سنَّ الشباب، ولكنَّها في عمق عناصر شخصيَّتها في الداخل وفي الخارج، استطاعت أن تحصل على المحبَّة الشاملة في العصر الَّذي عاشته.
وهكذا نجد أنها الشخصية النسائية المقدَّسة في الإسلام لدى كلِّ المسلمين، وذلك يتبيَّن من خلال قراءتنا لكلِّ ما كتبته علماء المسلمين من السنَّة ومن الشّيعة، بحيث نرى أنّهم يتحدَّثون عنها بكلِّ تعظيم واحترام ومحبَّة من خلال عناصر شخصيَّتها المميَّزة.
ومن هنا، فإنّنا نستطيع أن نقدِّمها إلى كلِّ المسلمين كامرأة يلتقي المسلمون عليها، بالرّغم من اختلاف مذاهبهم، لا لأنهّا ابنة رسول الله (ص)، ولكن لأنها عاشت في شخصيَّتها شخصيَّة رسول الله (ص) في كثير من عناصرها المميَّزة المستلهمة من عناصر شخصيَّته المميَّزة.
فنحن نقرأ في الحديث عن الحديث عن شخصيَّتها عن زوجة أبيها عائشة، أنها كانت تقول عنها: "ما رأيت من النَّاس أحداً أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله (ص) من فاطمة (ع)؛كانت إذا دخلت عليه رحَّب بها وقبَّل يديها وأجلسها في مجلسه، فإذا دخل عليها قامت إليه ورحَّبت به وقبَّلت يديه"(1)، وفي رواية "تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله (ص)"(2)، حتى إنَّ هناك حديثاً يذكر أنها تشبه رسول الله (ص) في الصّورة.
أمّا عندما ندخل إلى عمق شخصيَّتها من الداخل، فنرى أنها الإنسان الذي اندمج برسول الله (ص) اندماجاً قلّ نظيره، فقد كانت في طفولتها الأولى تتحرَّك مع أبيها عندما كان يذهب إلى المسجد ليصلّي وهي في سنّ يقول بعض المؤرخين إنّها الخامسة، وبعضهم إذا زادت السّنّ كثيراً، يصل بها إلى العاشرة.
كانت تراقب أباها وهو في المسجد، وتراقب النّاس من حوله من المشركين وهم يتربَّصون به السوء، ونظرت ذات يوم، فإذا بهم يلقون "سلل جزور"، أي أمعاء الماشية، على ظهر الرَّسول (ص)، فبادرت، وهي تبكي، ورفعته عن ظهره. ورآها كما يقول "ابن كثير" في تفسيره نقلاً عن "صحيح ابن حيان"، رآها تبكي ذات يوم، وقال لها: ما يبكيك يا بنيَّتي؟ فقالت له (ص) إنها أحسَّت بأنّ هؤلاء القوم من أبي جهل وغيره يتآمرون على النبيّ (ص) ليقتلوه، وعبَّرت له عن ذلك، فطمأنها. وكيف لا يطمئنها، وهي التي كانت تتلمذ على يديه، وتعطيه من عاطفتها كلَّ ما في روحها من سرِّ العاطفة، حتى قال عنها "أمّ أبيها"؟!
ورأينا أنّ هذه العلاقة امتدت إلى المدينة عندما هاجرت ملتحقة به، وبدأت تعيش معه في المسؤوليَّات التي تحمَّلها في حربه وسلمه ودعوته، حتى بات بيتها بيته، فكان إذا قدم من سفر، كان بيتها هو أوَّل بيت يقصده ويرتاح إليه قبل أن يذهب إلى بيته الخاصّ، وعندما يخرج إلى سفر، كان بيتها آخر بيت ينطلق منه إلى سفره.
وكانت تتحسَّس كلَّ ما يحبّه وكلّ ما يثقله، كان يحتضنها بروحه وعاطفته وقلبه، كان يعرف سرَّها من خلال ما تحمله من عمق الروحانيَّة لله، كان يراها، وهي ابنته وتلميذته، كيف تجلس مبتهلةً إلى الله سبحانه وتعالى في جوف اللَّيل، كان يراقب حركتها في كلِّ حديثها، فيراها الأصدق بين المسلمين، وقد شهدت لذلك زوجة أبيها عائشة، فقالت: "ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها إلَّا الذي ولدها"(3)، فكان (ص) الصَّادق الأصدق "الصَّادق الأمين"، وقد تخرجت من مدرسته، فكانت الصَّادقة الأصدق، والأمينة بكلِّ ما للأمانة من معنى...
(1) بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج: 43، ص: 25.
(2) بحار الأنوار، ج: 35، ص: 230.
(3) بحار الأنوار، ج: 43، ص: 68.
*من "فكر وثقافة"، العدد 100، بتاريخ: 17 جمادى الأولى 1419هـ/ الموافق: 5 أيلول 1998م.
(