محاضرات
19/08/2018

من وحي العيد

من وحي عيد الأضحى
مرّ بنا عيدٌ ونستقبل عيداً آخر.  وفكرة العيد في الإسلام، لا تنطلق من مجرد مناسبة يراد استذكارها، ليكون العيد مجرَّد حافز للذكرى، ولكنَّ العيد في الإسلام ينطلق من فكرةٍِ تتّصل بكلِّ حياة الإنسان، فليس فيها ماض وحاضر ومستقبل، بل هي الفكرة التي تتّفق على إنسانيّة الإنسان في كلِّ أمورها وفي كلِّ نشاطاتها، الأمر الّذي يجعل معنى الاحتفال بالعيد مختلفاً عن كلّ ما يحتفل النّاس به، لأنّ الناس عادةً يحتفلون بمناسبة تتصل بأوضاعهم الشخصيّة، فيفرحون الفرح الذاتي، ولكنّ الاحتفال بالعيد هو انسجام مع الفكرة، وحركة من أجل تأكيدها في واقع الناس وفي واقع الحياة. ومن خلال ذلك، يمكننا أن نستوحي من العيد الإسلامي، ما استوحاه علي(ع)، عندما اعتبر أنّ من الممكن إذا انفتحنا على فكرة العيد، أن نحوِّل كلَّ أيامنا إلى أعياد، فلا يكون العيد يوماً في السنة، بل يمكن أن يكون السنة كلّها من خلال تأكيد الفكرة.
معنى العيد
 في عيد الفطر، نستوحي أنه عيد قيام الإنسان بالمسؤولية، لأن الإنسان يحتفل بعيد الفطر كما أراد الله له، لأنه قام بالواجب الذي فرضه الله عليه، واستطاع أن يقترب من الله أكثر، واستطاع أن يعرف الله أكثر. ومن المعلوم أنّ المسؤولية أمام الله هي مسؤولية متواصلة على مدار الساعة، لا على مدار السنة، ففي كلِّ ساعة، أنت تعيش مسؤوليتك أمام الله فيما أمرك به وفيما نهاك عنه، في حياتك الخاصّة وفي حياتك العامّة. وهكذا، استوحى عليّ(ع) من هذا كلمته: «إنما هو عيدٌ لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه»، فإنَّ عيد الفطر هو عيد الّذين استطاعوا أن يقتربوا من الله من خلال ما قرَّبوه من أعمال إليه «وكلُّ يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد». فعيد الفطر هو عيد القيام بالواجب، فإذا قمت بواجبك اليومي تجاه ربّك أو تجاه نفسك وتجاه عيالك وتجاه الناس من حولك وتجاه الحياة، فبإمكانك أن تحتفل بهذا اليوم كعيد من الأعياد، لأنه يقرِّبك من الله.
عيد الأضحى
 وهكذا نلتقي في هذه الأيام بعيد «الأضحى المبارك». وقصة عيد الأضحى مستوحاة من قصة إبراهيم وإسماعيل، وقصَّة الإسلام إلى الله التي هي عنوان كلّ ما أنزله الله من دين، فكلُّ دين هو إسلام، فلقد جاء إبراهيم بالإسلام، وجاء عيسى وموسى ومحمد(ص) بالإسلام. والإسلام هو أن تسلم أمرك إلى الله، وأن تمتثل أوامره في كلِّ مواقع الإسلام العمليّة والرّوحيّة والحركيّة.
وهكذا تنطلق مناسبة العيد من مسألة لها خصوصية في التشخيص، ولكنّها لا تنحصر بها، بل تمتدّ من خلالها إلى كلِّ أمر من أوامر الله، والى كلِّ جيل من الأجيال التي تمتثل أمره، {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ}(الصافات: 100)، وكان إبراهيم(ع) يدعو الله أن يرزقه ولداً {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} صار يمشي ويسعى في أموره ويساعده ويعاونه، كانت المفاجأة {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}(الصافَّات: 101-102)، وكان المنام بالنسبة إلى الأنبياء إحدى وسائل الوحي، وعرف إبراهيم أن الله يوحي إليه أن يتحرّك في مسألة ذبح ابنه، ولم يرد أن يأخذ ولده على غفلةٍ من أمره، بل كان يريد أن يعلمه أمر الله، فلقد ربَّاه على الإسلام لله، كما ربّى نفسه على ذلك {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ}(الحجّ: 78)، {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(البقرة: 131ـ 133).
{قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} فما هو رأيك؟ قال: كيف تطلب مني الرأي، والرأي يُطلَب في الأمر الّذي يحتمل أمرين، إمّا أن يقبل أو أن يرفض، أمّا عندما يكون الأمر واحداً من عند الله، فأمر الله ليس فيه خيار {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}(الأحزاب:36)، {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} مادام الأمر أمر الله، فافعل {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}(الصّافّات:102) الذين يعيشون صبر الطاعة من خلال عمق القناعة، والصّبر على البلاء من خلال الإرادة الروحية بين يدي الله. {فَلَمَّا أَسْلَمَا} أسلم الأب الأمر إلى الله، وأسلم الولد أمره إلى الله، {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ *  قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}، فأنت لم تر في المنام أنّك ذبحت ولدك، ولكن رأيت في المنام أنك بدأت التحضير لذبحه، ولذلك، لم يكن لك أن تذبحه، ولكن المسألة هي أن الأمر الإلهي بهذه المهمة، يظهر أنك مستعدّ لأن تنتهي بها إلى نهاية المطاف {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ البَلَاءُ المُبِينُ}(الصافات: 104-106). وأيّ بلاء أشدُّ من أن يتولَّى الإنسان ذبح ولده بيده، أو يقدِّم نفسه للذبح {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}(الصافات: 107).
 
وكانت هذه المسألة منطلقاً في أن يكون اليوم نفسه عيداً، وذلك بتقديم الحاج قربانه إلى الله، كما قدَّم إبراهيم قربانه إليه، وكما قدّم إسماعيل قربانه.
وهكذا، أيّها الأحبَّة، علينا أن نعيش الأضحى عيد الإسلام لله، بأن يسلم الإنسان لله عقله، فلا يتحرّك عقله إلاّ في ما يخدم الحياة، وأن يسلم لله عاطفته، لتكون عاطفته منفتحةً على كلِّ ما يحبّه الله، وأن يكون مسلماً في حركته، بحيث يبصر الاتجاه إلى الله. فمن لم يكن مسلماً في مواقفه ومواقعه وعلاقاته، فإنه ليس بمسلم، لأنّ المسلم هو الذي إذا أراد الله له أن يفعل، فلا ينتظر ليفعل، وإذا أراد الله له أن يترك، فإنّه يترك مباشرةً.
ولهذا، نستطيع أن نعتبر كلّ يوم عيداً أضحى، إذا كنا نسلم فيه أمرنا لله، وكلّ يوم نتقرَّب فيه إلى الله بالطّاعة هو عيد. قدّم ابتعادك عن المعصية قرباناً لله، قدِّم توبتك قرباناً لله، قدّم مسؤوليتك ومحبتك للإنسان كلّه وللحياة كلّها في سبيل الله ومن أجل الله، فسوف تجد في ذلك كلّ يوم عيد أضحى.
 أبعاد العيد
 فالعيد ليس مجرّد مناسبة للتاريخ، ولكنه حركة في الزمن كلِّه، فعيد الغدير مثلاً هو عيد الولاية في خطّ الإسلام، من خلال منهج إمام الإسلام وبطل الإسلام، هذا الإنسان الذي عاش الإسلام، وكان عقله إسلاماً، وقوله إسلاماً، وحركته إسلاماً، وكان سلمه وحربه وحكمه إسلاماً وحركةً في طريق الحقّ، حتّى قال(ع): «ما ترك الحقّ لي من صديق». من هنا تنطلق الإمامة، لا لتكون شخصاً، بل لتكون خطاً وقضيةً وحركةً في خطِّ الرسالة، متجسدة في شخص، فليس في الإمامة شي‏ءٌ يفتي به الإمام خارج نطاق الإسلام. ولذلك، أن تحبَّ الإمام، يعني أن تحبَّ الإسلام في توحيده، وفي موقع القوّة الرساليّة فيه، وموقع القرآن فيه، وموقع اليوم الآخر فيه.
لذلك، نحبُّ أن نبقى مسلمين، لا كمذهب بالمعنى الضيِّق، فإن لم يكن المذهب إسلاماً فلسنا منه في شي‏ء... المذهب عندنا أن يكون إسلاماً في عمقه وأصالته وامتداده وانفتاحه على القرآن كلّه، وعلى الإسلام كلّه.
لهذا، أيها الأحبة، يقول تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ}(الحج: 78). كونوا مسلمين ثم تطوّروا في فهم الإسلام {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}(النساء: 59)، لأنه هو الذي أوحى الإسلام، والرسول هو الذي أوضح رسالة الإسلام وبيّنه، وكان عليّ(ع) تلميذ رسول الله «علّمني رسول الله ألف باب من العلم، يفتح لي من كلّ باب ألف باب»، وقالها عليّ(ع): «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها».
فالقصة هي هذه، من الّذي يجسِّد الإمامة: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمَّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه». أتعرفون كيف واجه عليّ القصة؟ هل تريدون أن ترتفعوا إلى مستواه، أو تريدون أن تتمسّكوا باسمه فلا تتحرّكوا في خطه؟ وقد قالها في كتابٍ لأهل مصر: «فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه»، فلقد كان الإسلام يعاني مشكلةً في نفوس المسلمين، ويواجه تحدّيات كبرى، وكانوا يريدون بالإسلام شرّاً، «فأمسكت يدي» في موقف سلبي لتأكيد حقّي الشرعي في الموضوع، «حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد(ص)». كان(ع) يحدّق بالإسلام وهو يعيش الاهتزاز، وكان يعاني آلام الإسلام في واقعة الذي نذر كلّ شبابه من أجل أن ينمو ومن أجل أن يكبر ومن أجل أن يتأصَّل. ولقد رآه (ابن عباس) يخصف نعله آنذاك، ولم تكن الإمارة لدى عليّ(ع) أفضل من نعله، وقال له: «ما قيمة هذه النّعل؟»، فقال ابن عبّاس: لا قيمة لها. فقال(ع): «والله لهي أحبّ إليّ من إمرتكم، إلا أن أقيم حقّاً أو أدفع باطلاً». ولقد كان يردّد عندما جاءته الخلافة صاغرةً: «لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألّا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوَّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنـز».
 
ويتابع(ع): «فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله»، بالموقف الإيجابي الذي يعاون ويساعد ويشير ويتحرّك مع الذين أبعدوه عن الخلافة، لكنّهم صاروا رمزاً رسمياً للإسلام، «أن أرى فيه ثلماً أو هدماً» من خلال التحديات الصعبة الخطرة التي تواجه الإسلام في حاضره ومستقبله، «تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما يتقشّع السحاب»، لأن قضية الإسلام هي قضية الذات والمسؤوليّة. وسمعنا ذلك من الخليفة الثاني: «لا أبقاني الله لمعضلةٍ ليس لها أبو الحسن»، تأكيداً لإيجابيّة التجربة.
لتكن وقفتنا مع الإسلام
 فعندما تواجه التجربة المشاكل والتحدّيات الكبرى، عندما ينطلق الكفر كلّه إلى الإسلام كلّه، فعلينا أن نجمِّد كلِّ الخلافات، ليكون الإسلام موقفاً واحداً وصوتاً واحداً، فالوحدة هي أن نلتقي على الإسلام بما اتَّفقنا عليه، فنحن نشهد أنّ محمداً رسول الله، ونؤمن بأنَّ الكعبة قبلتنا، وأنّ الصلاة عمود ديننا، وأنّ الصّوم والحجّ والزكاة والخمس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي خطوطنا العمليّة في المسؤوليّة، فإذا كنا نختلف في بعض المفردات، فإنّنا نتفق في الكثير الكثير غيرها، وإن اختلفنا في الإمامة، إلاّ أن علينا أن نجتمع على إسلامنا.
وهكذا نرى الآن، أيُّها الأحبّة، رغم تحدّيات الأعداء، كيف وقف المجاهدون في وجه الاستكبار العالمي الذي يدعم إسرائيل في معركتها ضد المؤمنين والمسلمين. لقد وقفوا بكلِّ صلابة، حتى رأينا كيف ينطلق «كلينتون» ليبرّر «مجزرة قانا» بأنّ إسرائيل أخطأت فيها، وأنها كانت في مقام الدّفاع عن النفس، وأن الذين قاموا بالمجزرة هم الذين هاجموا الجنود الإسرائيليّين في أرضهم. ولكن المشكلة هي أنّ أمريكا أصبحت تعيش جنون القوّة في هذا العالم، كما أنّ إسرائيل أصبحت تعيش جنون القوّة في المنطقة.
 
ولقد أصبنا بجنونين يوزّعان الجنون على أكثر من مكان في العالم، فلا بدّ من أن نعيش عقلانيّتنا جيداً، حتى نفهم جنونهم هذا، ونعرف حماية أنفسنا منهم، وكيف نفهم نقاط القوّة عندنا، ونعرف نقاط الضّعف عندهم لنأخذ بنقاط القوّة. فلأوّل مرّة في التاريخ العربي الإسلامي، يثبت الذين يواجهون إسرائيل ستّة عشر يوماً بدون أن تستطيع أن تسقط صاروخاً واحداً. نعم، لقد قتلت المدنيّين، وقتلهم جرم ونذالة ووحشية، وكانت طائراتهم تلاحق المجاهدين في كلّ مكان، وكان لهؤلاء الكثير من الخبرة العسكرية والوعي والإيمان والثقة بالله، فلم تستطع إسرائيل خلال ستة عشر يوماً أن تسقط منصة صاروخ واحدة.
 هذا تاريخ جديد، لا تحاولوا أن تدرسوه في هذه الدائرة الضيّقة؛ دائرة حزب أو فئة أو جهة؛ إنه تاريخ الأمة من جديد، والأمّة في كلِّ تاريخها لا تصنعه بأجمعها، إنما تصنعه جماعة منها، وهي تحتضنها. وقد رأينا كيف شعرت الأمّة بأن هذا الموقف المتحدي لإسرائيل ولأمريكا أعاد لها عنفوانها، فليست القضية قضية شيعة وسنّة، إنما المطلوب هو رأس الإسلام الذي يفكّر في الحرية والعدالة. إنهم يريدون إسلاماً يسبِّح بحمد المستكبرين، أمّا الإسلام الذي يتمرَّد ويتحدَّى ويواجه قضايا الحرية في كلّ أرجاء العالم، والعدالة في كلّ العالم، فهذا الإسلام إرهابي، متطرّف، متعصّب، متشدّد.
فعلينا أن لا تفقدنا كلماتهم ثقتنا بأنفسنا، وأن لا نأخذ كلماتنا من قاموسهم، فلنا قاموس للكلمات أنزله الله على رسوله، وعلينا أن نعرف هل إننا إرهابيون، فلقد قال الله لنا: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ}(الأنفال: 60)، القوّة التي تقيك ممن يعتدي بها على الآخرين، فالله قال لنا أن لا نعتدي على أحد، بل أن نردَّ الاعتداء بالمثل.
الوحدة في مواجهة التحدّيات
 فتعلّموا، أيها الأحبّة من علي(ع) حركة الوحدة الإسلاميّة في مواجهة التحدّيات الكبرى للإسلام، وقبل ذلك وبعد ذلك، إذا جلستم في جلسات العلم والعقل العلميّ والمسؤوليّة، فابحثوا ما شئتم، ولكن عندما تهتزُّ الأرض من تحت أقدامنا، وعندما تنطلق كلُّ الأسلحة ضدّنا، فإنَّ علينا أن نعرف كيف نكون صوتاً واحداً، وموقفاً واحداً، وأن نتحرّك في خطّ واحد، {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}(الصفّ: 4).
هذا هو عيد الفطر والأضحى والغدير.
والحمد لله ربِّ العالمين.

*فكر وثقافة، المجلّد 1، المحاضرة السابعة والعشرون، بتاريخ:4-5-1996م.
 
مرّ بنا عيدٌ ونستقبل عيداً آخر.  وفكرة العيد في الإسلام، لا تنطلق من مجرد مناسبة يراد استذكارها، ليكون العيد مجرَّد حافز للذكرى، ولكنَّ العيد في الإسلام ينطلق من فكرةٍِ تتّصل بكلِّ حياة الإنسان، فليس فيها ماض وحاضر ومستقبل، بل هي الفكرة التي تتّفق على إنسانيّة الإنسان في كلِّ أمورها وفي كلِّ نشاطاتها، الأمر الّذي يجعل معنى الاحتفال بالعيد مختلفاً عن كلّ ما يحتفل النّاس به، لأنّ الناس عادةً يحتفلون بمناسبة تتصل بأوضاعهم الشخصيّة، فيفرحون الفرح الذاتي، ولكنّ الاحتفال بالعيد هو انسجام مع الفكرة، وحركة من أجل تأكيدها في واقع الناس وفي واقع الحياة. ومن خلال ذلك، يمكننا أن نستوحي من العيد الإسلامي، ما استوحاه علي(ع)، عندما اعتبر أنّ من الممكن إذا انفتحنا على فكرة العيد، أن نحوِّل كلَّ أيامنا إلى أعياد، فلا يكون العيد يوماً في السنة، بل يمكن أن يكون السنة كلّها من خلال تأكيد الفكرة.
معنى العيد
 في عيد الفطر، نستوحي أنه عيد قيام الإنسان بالمسؤولية، لأن الإنسان يحتفل بعيد الفطر كما أراد الله له، لأنه قام بالواجب الذي فرضه الله عليه، واستطاع أن يقترب من الله أكثر، واستطاع أن يعرف الله أكثر. ومن المعلوم أنّ المسؤولية أمام الله هي مسؤولية متواصلة على مدار الساعة، لا على مدار السنة، ففي كلِّ ساعة، أنت تعيش مسؤوليتك أمام الله فيما أمرك به وفيما نهاك عنه، في حياتك الخاصّة وفي حياتك العامّة. وهكذا، استوحى عليّ(ع) من هذا كلمته: «إنما هو عيدٌ لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه»، فإنَّ عيد الفطر هو عيد الّذين استطاعوا أن يقتربوا من الله من خلال ما قرَّبوه من أعمال إليه «وكلُّ يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد». فعيد الفطر هو عيد القيام بالواجب، فإذا قمت بواجبك اليومي تجاه ربّك أو تجاه نفسك وتجاه عيالك وتجاه الناس من حولك وتجاه الحياة، فبإمكانك أن تحتفل بهذا اليوم كعيد من الأعياد، لأنه يقرِّبك من الله.
عيد الأضحى
 وهكذا نلتقي في هذه الأيام بعيد «الأضحى المبارك». وقصة عيد الأضحى مستوحاة من قصة إبراهيم وإسماعيل، وقصَّة الإسلام إلى الله التي هي عنوان كلّ ما أنزله الله من دين، فكلُّ دين هو إسلام، فلقد جاء إبراهيم بالإسلام، وجاء عيسى وموسى ومحمد(ص) بالإسلام. والإسلام هو أن تسلم أمرك إلى الله، وأن تمتثل أوامره في كلِّ مواقع الإسلام العمليّة والرّوحيّة والحركيّة.
وهكذا تنطلق مناسبة العيد من مسألة لها خصوصية في التشخيص، ولكنّها لا تنحصر بها، بل تمتدّ من خلالها إلى كلِّ أمر من أوامر الله، والى كلِّ جيل من الأجيال التي تمتثل أمره، {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ}(الصافات: 100)، وكان إبراهيم(ع) يدعو الله أن يرزقه ولداً {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} صار يمشي ويسعى في أموره ويساعده ويعاونه، كانت المفاجأة {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}(الصافَّات: 101-102)، وكان المنام بالنسبة إلى الأنبياء إحدى وسائل الوحي، وعرف إبراهيم أن الله يوحي إليه أن يتحرّك في مسألة ذبح ابنه، ولم يرد أن يأخذ ولده على غفلةٍ من أمره، بل كان يريد أن يعلمه أمر الله، فلقد ربَّاه على الإسلام لله، كما ربّى نفسه على ذلك {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ}(الحجّ: 78)، {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(البقرة: 131ـ 133).
{قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} فما هو رأيك؟ قال: كيف تطلب مني الرأي، والرأي يُطلَب في الأمر الّذي يحتمل أمرين، إمّا أن يقبل أو أن يرفض، أمّا عندما يكون الأمر واحداً من عند الله، فأمر الله ليس فيه خيار {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}(الأحزاب:36)، {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} مادام الأمر أمر الله، فافعل {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}(الصّافّات:102) الذين يعيشون صبر الطاعة من خلال عمق القناعة، والصّبر على البلاء من خلال الإرادة الروحية بين يدي الله. {فَلَمَّا أَسْلَمَا} أسلم الأب الأمر إلى الله، وأسلم الولد أمره إلى الله، {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ *  قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}، فأنت لم تر في المنام أنّك ذبحت ولدك، ولكن رأيت في المنام أنك بدأت التحضير لذبحه، ولذلك، لم يكن لك أن تذبحه، ولكن المسألة هي أن الأمر الإلهي بهذه المهمة، يظهر أنك مستعدّ لأن تنتهي بها إلى نهاية المطاف {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ البَلَاءُ المُبِينُ}(الصافات: 104-106). وأيّ بلاء أشدُّ من أن يتولَّى الإنسان ذبح ولده بيده، أو يقدِّم نفسه للذبح {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}(الصافات: 107).
 
وكانت هذه المسألة منطلقاً في أن يكون اليوم نفسه عيداً، وذلك بتقديم الحاج قربانه إلى الله، كما قدَّم إبراهيم قربانه إليه، وكما قدّم إسماعيل قربانه.
وهكذا، أيّها الأحبَّة، علينا أن نعيش الأضحى عيد الإسلام لله، بأن يسلم الإنسان لله عقله، فلا يتحرّك عقله إلاّ في ما يخدم الحياة، وأن يسلم لله عاطفته، لتكون عاطفته منفتحةً على كلِّ ما يحبّه الله، وأن يكون مسلماً في حركته، بحيث يبصر الاتجاه إلى الله. فمن لم يكن مسلماً في مواقفه ومواقعه وعلاقاته، فإنه ليس بمسلم، لأنّ المسلم هو الذي إذا أراد الله له أن يفعل، فلا ينتظر ليفعل، وإذا أراد الله له أن يترك، فإنّه يترك مباشرةً.
ولهذا، نستطيع أن نعتبر كلّ يوم عيداً أضحى، إذا كنا نسلم فيه أمرنا لله، وكلّ يوم نتقرَّب فيه إلى الله بالطّاعة هو عيد. قدّم ابتعادك عن المعصية قرباناً لله، قدِّم توبتك قرباناً لله، قدّم مسؤوليتك ومحبتك للإنسان كلّه وللحياة كلّها في سبيل الله ومن أجل الله، فسوف تجد في ذلك كلّ يوم عيد أضحى.
 أبعاد العيد
 فالعيد ليس مجرّد مناسبة للتاريخ، ولكنه حركة في الزمن كلِّه، فعيد الغدير مثلاً هو عيد الولاية في خطّ الإسلام، من خلال منهج إمام الإسلام وبطل الإسلام، هذا الإنسان الذي عاش الإسلام، وكان عقله إسلاماً، وقوله إسلاماً، وحركته إسلاماً، وكان سلمه وحربه وحكمه إسلاماً وحركةً في طريق الحقّ، حتّى قال(ع): «ما ترك الحقّ لي من صديق». من هنا تنطلق الإمامة، لا لتكون شخصاً، بل لتكون خطاً وقضيةً وحركةً في خطِّ الرسالة، متجسدة في شخص، فليس في الإمامة شي‏ءٌ يفتي به الإمام خارج نطاق الإسلام. ولذلك، أن تحبَّ الإمام، يعني أن تحبَّ الإسلام في توحيده، وفي موقع القوّة الرساليّة فيه، وموقع القرآن فيه، وموقع اليوم الآخر فيه.
لذلك، نحبُّ أن نبقى مسلمين، لا كمذهب بالمعنى الضيِّق، فإن لم يكن المذهب إسلاماً فلسنا منه في شي‏ء... المذهب عندنا أن يكون إسلاماً في عمقه وأصالته وامتداده وانفتاحه على القرآن كلّه، وعلى الإسلام كلّه.
لهذا، أيها الأحبة، يقول تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ}(الحج: 78). كونوا مسلمين ثم تطوّروا في فهم الإسلام {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}(النساء: 59)، لأنه هو الذي أوحى الإسلام، والرسول هو الذي أوضح رسالة الإسلام وبيّنه، وكان عليّ(ع) تلميذ رسول الله «علّمني رسول الله ألف باب من العلم، يفتح لي من كلّ باب ألف باب»، وقالها عليّ(ع): «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها».
فالقصة هي هذه، من الّذي يجسِّد الإمامة: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمَّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه». أتعرفون كيف واجه عليّ القصة؟ هل تريدون أن ترتفعوا إلى مستواه، أو تريدون أن تتمسّكوا باسمه فلا تتحرّكوا في خطه؟ وقد قالها في كتابٍ لأهل مصر: «فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه»، فلقد كان الإسلام يعاني مشكلةً في نفوس المسلمين، ويواجه تحدّيات كبرى، وكانوا يريدون بالإسلام شرّاً، «فأمسكت يدي» في موقف سلبي لتأكيد حقّي الشرعي في الموضوع، «حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد(ص)». كان(ع) يحدّق بالإسلام وهو يعيش الاهتزاز، وكان يعاني آلام الإسلام في واقعة الذي نذر كلّ شبابه من أجل أن ينمو ومن أجل أن يكبر ومن أجل أن يتأصَّل. ولقد رآه (ابن عباس) يخصف نعله آنذاك، ولم تكن الإمارة لدى عليّ(ع) أفضل من نعله، وقال له: «ما قيمة هذه النّعل؟»، فقال ابن عبّاس: لا قيمة لها. فقال(ع): «والله لهي أحبّ إليّ من إمرتكم، إلا أن أقيم حقّاً أو أدفع باطلاً». ولقد كان يردّد عندما جاءته الخلافة صاغرةً: «لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألّا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوَّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنـز».
 
ويتابع(ع): «فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله»، بالموقف الإيجابي الذي يعاون ويساعد ويشير ويتحرّك مع الذين أبعدوه عن الخلافة، لكنّهم صاروا رمزاً رسمياً للإسلام، «أن أرى فيه ثلماً أو هدماً» من خلال التحديات الصعبة الخطرة التي تواجه الإسلام في حاضره ومستقبله، «تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما يتقشّع السحاب»، لأن قضية الإسلام هي قضية الذات والمسؤوليّة. وسمعنا ذلك من الخليفة الثاني: «لا أبقاني الله لمعضلةٍ ليس لها أبو الحسن»، تأكيداً لإيجابيّة التجربة.
لتكن وقفتنا مع الإسلام
 فعندما تواجه التجربة المشاكل والتحدّيات الكبرى، عندما ينطلق الكفر كلّه إلى الإسلام كلّه، فعلينا أن نجمِّد كلِّ الخلافات، ليكون الإسلام موقفاً واحداً وصوتاً واحداً، فالوحدة هي أن نلتقي على الإسلام بما اتَّفقنا عليه، فنحن نشهد أنّ محمداً رسول الله، ونؤمن بأنَّ الكعبة قبلتنا، وأنّ الصلاة عمود ديننا، وأنّ الصّوم والحجّ والزكاة والخمس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي خطوطنا العمليّة في المسؤوليّة، فإذا كنا نختلف في بعض المفردات، فإنّنا نتفق في الكثير الكثير غيرها، وإن اختلفنا في الإمامة، إلاّ أن علينا أن نجتمع على إسلامنا.
وهكذا نرى الآن، أيُّها الأحبّة، رغم تحدّيات الأعداء، كيف وقف المجاهدون في وجه الاستكبار العالمي الذي يدعم إسرائيل في معركتها ضد المؤمنين والمسلمين. لقد وقفوا بكلِّ صلابة، حتى رأينا كيف ينطلق «كلينتون» ليبرّر «مجزرة قانا» بأنّ إسرائيل أخطأت فيها، وأنها كانت في مقام الدّفاع عن النفس، وأن الذين قاموا بالمجزرة هم الذين هاجموا الجنود الإسرائيليّين في أرضهم. ولكن المشكلة هي أنّ أمريكا أصبحت تعيش جنون القوّة في هذا العالم، كما أنّ إسرائيل أصبحت تعيش جنون القوّة في المنطقة.
 
ولقد أصبنا بجنونين يوزّعان الجنون على أكثر من مكان في العالم، فلا بدّ من أن نعيش عقلانيّتنا جيداً، حتى نفهم جنونهم هذا، ونعرف حماية أنفسنا منهم، وكيف نفهم نقاط القوّة عندنا، ونعرف نقاط الضّعف عندهم لنأخذ بنقاط القوّة. فلأوّل مرّة في التاريخ العربي الإسلامي، يثبت الذين يواجهون إسرائيل ستّة عشر يوماً بدون أن تستطيع أن تسقط صاروخاً واحداً. نعم، لقد قتلت المدنيّين، وقتلهم جرم ونذالة ووحشية، وكانت طائراتهم تلاحق المجاهدين في كلّ مكان، وكان لهؤلاء الكثير من الخبرة العسكرية والوعي والإيمان والثقة بالله، فلم تستطع إسرائيل خلال ستة عشر يوماً أن تسقط منصة صاروخ واحدة.
 هذا تاريخ جديد، لا تحاولوا أن تدرسوه في هذه الدائرة الضيّقة؛ دائرة حزب أو فئة أو جهة؛ إنه تاريخ الأمة من جديد، والأمّة في كلِّ تاريخها لا تصنعه بأجمعها، إنما تصنعه جماعة منها، وهي تحتضنها. وقد رأينا كيف شعرت الأمّة بأن هذا الموقف المتحدي لإسرائيل ولأمريكا أعاد لها عنفوانها، فليست القضية قضية شيعة وسنّة، إنما المطلوب هو رأس الإسلام الذي يفكّر في الحرية والعدالة. إنهم يريدون إسلاماً يسبِّح بحمد المستكبرين، أمّا الإسلام الذي يتمرَّد ويتحدَّى ويواجه قضايا الحرية في كلّ أرجاء العالم، والعدالة في كلّ العالم، فهذا الإسلام إرهابي، متطرّف، متعصّب، متشدّد.
فعلينا أن لا تفقدنا كلماتهم ثقتنا بأنفسنا، وأن لا نأخذ كلماتنا من قاموسهم، فلنا قاموس للكلمات أنزله الله على رسوله، وعلينا أن نعرف هل إننا إرهابيون، فلقد قال الله لنا: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ}(الأنفال: 60)، القوّة التي تقيك ممن يعتدي بها على الآخرين، فالله قال لنا أن لا نعتدي على أحد، بل أن نردَّ الاعتداء بالمثل.
الوحدة في مواجهة التحدّيات
 فتعلّموا، أيها الأحبّة من علي(ع) حركة الوحدة الإسلاميّة في مواجهة التحدّيات الكبرى للإسلام، وقبل ذلك وبعد ذلك، إذا جلستم في جلسات العلم والعقل العلميّ والمسؤوليّة، فابحثوا ما شئتم، ولكن عندما تهتزُّ الأرض من تحت أقدامنا، وعندما تنطلق كلُّ الأسلحة ضدّنا، فإنَّ علينا أن نعرف كيف نكون صوتاً واحداً، وموقفاً واحداً، وأن نتحرّك في خطّ واحد، {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}(الصفّ: 4).
هذا هو عيد الفطر والأضحى والغدير.
والحمد لله ربِّ العالمين.

*فكر وثقافة، المجلّد 1، المحاضرة السابعة والعشرون، بتاريخ:4-5-1996م.
 
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية