متفرقات
30/08/2021

كيفَ جسّدَ أهلُ البيتِ (ع) حبَّهم لله؟!

كيفَ جسّدَ أهلُ البيتِ (ع) حبَّهم لله؟!

نعيش في هذه الأيام مع ذكريات أهل البيت (ع)، مع أجوائهم الروحيّة التي عاشوا فيها مع الله في كلّ ما فكّروا فيه، وتكلّموا به، وعملوا له، عاشوا مع الله لأنّهم أحبّوا الله سبحانه وتعالى بكلّ قلوبهم، وبكلّ حياتهم، وكان هذا الحبّ يتجسَّد في كلِّ ما قاموا به من عمل، وتحرَّكوا فيه، وجاهدوا فيه، لأنّهم يعلمون أنّ معنى أن يُحبّ الإنسانُ ربَّه، هو أن يؤكّد هذا الحبّ في القيام بمسؤوليّته في الحياة، فيما يحبّه الله، وفيما يرضاه.. وليس معنى أن تحبّ ربَّك كما علّمنا أهل البيت (ع)، هو أن تتّخذ لنفسك زاويةً تتعبّد فيها وتترك الحياة من حولك تضجّ بالآلام وبالمشاكل، وبتحرّك الباطل وسيطرته على الحقّ.

إنّ محبّة الله هي أن تكون حياتك وفقاً لإرادة الله وطاعته في كلّ مجالات الحياة، ولهذا تَمَثَّلَ حبُّ رسولِ الله (ص) لله تعالى في أنّه عاش حياته يتحمّل كلَّ شيء في سبيل الله؛ عاش حياته يتحمّل السُّباب والشتائم والقذارات التي تُلقى على ظهره، والحجارة التي كانت تنهال عليه من كلّ جانب في مدينة الطّائف، وكان يقول: "إنْ لم يكُنْ بكَ غضبٌ عَليَّ فلا أُبالي... لكَ العُتبى حتى ترضى"1. كان يحبّ الله، وكانت محبّته لله تتجسَّد في أنّه حمل رسالة الله، حملها سِلْماً، وكانت أخلاقه هي السِّلاح الذي يُحارب به في حالة السِّلم، وحملها حرباً، وكان يقف في الحرب ليضحِّي بكلّ ما عنده في سبيل أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن تكون كلمة الشّيطان هي السفلى.

وهكذا كان عليٌّ (ع)، كان يعيش حبَّ الله في نفسه كما لم يحبّه أحد، وكان يتوسّل إلى الله أن يظلّ معه، وكان يعلِّمنا عندما يفكّر الإنسان بالنار أن يقول من خلال دعاء كميل: "ربِّ هبني صبرتُ على عذابك، فكيف أصبر على فراقك، وهبني صبرتُ على حرّ نارك، فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك، أم كيف أسكن في النّار ورجائي عفوك. فبعزّتك يا مولاي أُقسم صادقاً، لئنْ تركتني ناطقاً، لأضجَّن إليك بين أهلها ضجيج الآملين، ولأصرُخَن إليك صُراخَ المستصرخين، ولأبكينَّ عليك بكاء الفاقدين، ولأنادينّك أين أنت يا وليَّ المؤمنين، يا غاية آمال العارفين، يا غياث المستغيثين، يا حبيب قلوب الصادقين"2.

كان عليّ (ع) يتحدّث مع الله بلغة الحبّ، ولم يكن إنساناً يعيش حبّ الله في زاوية المسجد، ولكنّه كان يحبّ الله وهو يصلِّي، وتنطلق صلواته دموعاً خاشعة بين يدي الله، كان يحبّ الله وهو يوجِّه الناس، لأنّه يشعر بأنّ توجيهَ الناس تجسيد لمحبّة الله، كان يحبّ الله وهو يقول كلمة الحقّ... وكان يحبّ الله وهو يحكم، كان يقول للنّاس عندما يحكم: "ليس أمري وأمرُكم واحداً؛ إنّني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم"3، إنّني عندما أفكّر في الحكم أفكّر في الله، وعندما أفكّر في التعامل معكم، أفكّر أن تسيروا في خطّ الله حتى تكونوا قريبين إلى الله، ولكنكم تفكّرون أن أنطلق أنا مع مطامعكم، أُعطيَ هذا امتيازاً، وذاك امتيازاً.. ولكن، لا.

كان (ع) حتى في حربه يُحارب من خلال الله ويجسّد في حربه حبَّه لله. ولهذا، كان يقف في شدّة المعركة ويصلّي بين يدي الله، وكانوا يقولون له: أهذا وقت صلاة؟ وكان يقول لهم: علامَ قاتلناهم؟ إذا كُنّا نريد أن نَستهوِن بالصّلاةَ، فالصلاة تمثِّل علاقتنا بالله، ونحن قاتلناهم من أجل الله..

وهكذا سار أولاد عليّ (ع) من بعده؛ سار الحسن (ع) عندما قاتل، قاتل من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، وعندما هادَن، هادَن من أجل أن يحفظ المسيرة، كي تنطلق انطلاقة جديدة على يد الحسين (ع)، وكان الحسين (ع) في هذا الاتّجاه، كان ينطلق من أجل الله سبحانه وتعالى: "خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدي، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسير جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب (ع)، فمن قبِلَني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ومن ردَّ عليّ أَصبِر، حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين"4، قاتل من أجل الحقّ، ووقف من أجل الحقّ، وكان يشعر بالفرح الروحيّ بين يدي الله سبحانه وتعالى، حتى وهو في أشدّ الحالات صعوبةً، عندما ذُبح ولده الرّضيع على يديه، قال: "هَوَّن ما نزلَ بي أنه بعين الله"5. وبهذا كان يعيش الحبَّ لله، وكان يعيش الفرح بين يدي الله..

* من كتاب "خطاب العقل والرّوح".

[1]بحار الأنوار، ج 19، ص 22.

[2]من دعاء كميل.

[3]نهج البلاغة، خطب الإمام عليّ (ع)، ج2، ص 19.

[4]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 44، ص 329.

[5]البحار، ج 45، ص 46.

نعيش في هذه الأيام مع ذكريات أهل البيت (ع)، مع أجوائهم الروحيّة التي عاشوا فيها مع الله في كلّ ما فكّروا فيه، وتكلّموا به، وعملوا له، عاشوا مع الله لأنّهم أحبّوا الله سبحانه وتعالى بكلّ قلوبهم، وبكلّ حياتهم، وكان هذا الحبّ يتجسَّد في كلِّ ما قاموا به من عمل، وتحرَّكوا فيه، وجاهدوا فيه، لأنّهم يعلمون أنّ معنى أن يُحبّ الإنسانُ ربَّه، هو أن يؤكّد هذا الحبّ في القيام بمسؤوليّته في الحياة، فيما يحبّه الله، وفيما يرضاه.. وليس معنى أن تحبّ ربَّك كما علّمنا أهل البيت (ع)، هو أن تتّخذ لنفسك زاويةً تتعبّد فيها وتترك الحياة من حولك تضجّ بالآلام وبالمشاكل، وبتحرّك الباطل وسيطرته على الحقّ.

إنّ محبّة الله هي أن تكون حياتك وفقاً لإرادة الله وطاعته في كلّ مجالات الحياة، ولهذا تَمَثَّلَ حبُّ رسولِ الله (ص) لله تعالى في أنّه عاش حياته يتحمّل كلَّ شيء في سبيل الله؛ عاش حياته يتحمّل السُّباب والشتائم والقذارات التي تُلقى على ظهره، والحجارة التي كانت تنهال عليه من كلّ جانب في مدينة الطّائف، وكان يقول: "إنْ لم يكُنْ بكَ غضبٌ عَليَّ فلا أُبالي... لكَ العُتبى حتى ترضى"1. كان يحبّ الله، وكانت محبّته لله تتجسَّد في أنّه حمل رسالة الله، حملها سِلْماً، وكانت أخلاقه هي السِّلاح الذي يُحارب به في حالة السِّلم، وحملها حرباً، وكان يقف في الحرب ليضحِّي بكلّ ما عنده في سبيل أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن تكون كلمة الشّيطان هي السفلى.

وهكذا كان عليٌّ (ع)، كان يعيش حبَّ الله في نفسه كما لم يحبّه أحد، وكان يتوسّل إلى الله أن يظلّ معه، وكان يعلِّمنا عندما يفكّر الإنسان بالنار أن يقول من خلال دعاء كميل: "ربِّ هبني صبرتُ على عذابك، فكيف أصبر على فراقك، وهبني صبرتُ على حرّ نارك، فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك، أم كيف أسكن في النّار ورجائي عفوك. فبعزّتك يا مولاي أُقسم صادقاً، لئنْ تركتني ناطقاً، لأضجَّن إليك بين أهلها ضجيج الآملين، ولأصرُخَن إليك صُراخَ المستصرخين، ولأبكينَّ عليك بكاء الفاقدين، ولأنادينّك أين أنت يا وليَّ المؤمنين، يا غاية آمال العارفين، يا غياث المستغيثين، يا حبيب قلوب الصادقين"2.

كان عليّ (ع) يتحدّث مع الله بلغة الحبّ، ولم يكن إنساناً يعيش حبّ الله في زاوية المسجد، ولكنّه كان يحبّ الله وهو يصلِّي، وتنطلق صلواته دموعاً خاشعة بين يدي الله، كان يحبّ الله وهو يوجِّه الناس، لأنّه يشعر بأنّ توجيهَ الناس تجسيد لمحبّة الله، كان يحبّ الله وهو يقول كلمة الحقّ... وكان يحبّ الله وهو يحكم، كان يقول للنّاس عندما يحكم: "ليس أمري وأمرُكم واحداً؛ إنّني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم"3، إنّني عندما أفكّر في الحكم أفكّر في الله، وعندما أفكّر في التعامل معكم، أفكّر أن تسيروا في خطّ الله حتى تكونوا قريبين إلى الله، ولكنكم تفكّرون أن أنطلق أنا مع مطامعكم، أُعطيَ هذا امتيازاً، وذاك امتيازاً.. ولكن، لا.

كان (ع) حتى في حربه يُحارب من خلال الله ويجسّد في حربه حبَّه لله. ولهذا، كان يقف في شدّة المعركة ويصلّي بين يدي الله، وكانوا يقولون له: أهذا وقت صلاة؟ وكان يقول لهم: علامَ قاتلناهم؟ إذا كُنّا نريد أن نَستهوِن بالصّلاةَ، فالصلاة تمثِّل علاقتنا بالله، ونحن قاتلناهم من أجل الله..

وهكذا سار أولاد عليّ (ع) من بعده؛ سار الحسن (ع) عندما قاتل، قاتل من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، وعندما هادَن، هادَن من أجل أن يحفظ المسيرة، كي تنطلق انطلاقة جديدة على يد الحسين (ع)، وكان الحسين (ع) في هذا الاتّجاه، كان ينطلق من أجل الله سبحانه وتعالى: "خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدي، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسير جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب (ع)، فمن قبِلَني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ومن ردَّ عليّ أَصبِر، حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين"4، قاتل من أجل الحقّ، ووقف من أجل الحقّ، وكان يشعر بالفرح الروحيّ بين يدي الله سبحانه وتعالى، حتى وهو في أشدّ الحالات صعوبةً، عندما ذُبح ولده الرّضيع على يديه، قال: "هَوَّن ما نزلَ بي أنه بعين الله"5. وبهذا كان يعيش الحبَّ لله، وكان يعيش الفرح بين يدي الله..

* من كتاب "خطاب العقل والرّوح".

[1]بحار الأنوار، ج 19، ص 22.

[2]من دعاء كميل.

[3]نهج البلاغة، خطب الإمام عليّ (ع)، ج2، ص 19.

[4]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 44، ص 329.

[5]البحار، ج 45، ص 46.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية