الحياة يتَّسع مفهومها ويضيق تبعاً لفهم الإنسان وتصوّره لها، ولدرجة وعيه لدوره ومسؤوليَّاته في الوجود، فإن كان محدود الأفق، لا يبحث، ولا يؤمن إلا بهذه الحياة الدّنيا، فإنه يعتبرها الفرصة الزمنيّة السّانحة له لاستغلال كلّ لحظة فيها من أجل إشباع ملذّاته وشهواته، ويحصر طاقاته وإمكاناته المعنويّة والماديّة في سبيل ذلك، وهو ما يفقده قيمته الفعليّة والأصليّة في لعب الدّور الحضاريّ والإنسانيّ والوجوديّ العام في إعمار الأرض والحياة بالشّيء النَّافع، ولن يتأتَّى له ذلك إلا إذا أخرج نفسه من هذا السِّجن المادّيّ وانفتح على الحياة الأخرى، وعلى مواقع رضى الله تعالى وأوامره ونواهيه، وصراطه المستقيم الّذي خطَّه لعباده الّذين يرتفعون بأنفسهم إلى أسمى مراتب الفضيلة والكمال، عندما ينطلقون للعمل للحياة الآخرة والتزوّد لها، وهذا ما يثمر صلاحاً وخيراً وسلاماً يعمّ الجميع في الحياة الدّنيا.
فالقيمة الكبرى للإنسان أن يفهم أبعاد وجوده الجسديّ والرّوحيّ، وما عليه من أمانة حفظ نفسه وتزكيتها، وفتح آفاق وعيها للأمور، صوناً لها من السّقوط في سجون الملذّات والمظاهر، والّتي تحرمها من أصالتها، وتغيّب هويَّتها في مسيرة الوجود.
واليوم نعاني في كلّ واقعنا جنوحاً نحو الانغماس في المظاهر، والتَّركيز على بلوغ المصالح والشَّهوات على حساب الإعداد للحياة الآخرة، بما يستلزم لها من إخلاص ووعي ومسؤوليَّة وتقوى وبثّ لقيم الخير والجمال والكمال، إذ قلَّما نقيم وزناً واعتباراً لحسابات الله تعالى في معاملاتنا الدّنيويَّة وعلاقاتنا الاجتماعيّة والإنسانيَّة، فهمُّ الكثيرين الوصول إلى الشّهرة والمنصب والجاه والرّبح السّريع، وإثارة الغيبة والفتنة وتخريب العلاقات، وهو ما يتنافى صراحةً، وبكلّ وضوح، مع أصالة الهويّة الإنسانيّة والأخلاقيّة والدينيّة.
لقد منح الله تعالى الذّات الإنسانيَّة كلّ خصائص العقل والإدراك والشّعور، لتمتلك القوَّة والقاعدة الصّلبة للانفتاح على وسائل المعرفة والهداية في الحياة الدّنيا، استعداداً للحياة الآخرة والنّعيم المقيم.
لا يمكن والحال هذه أن نحرم الحياة والوجود وذواتنا من هذه الصّفات والخصائص الفعّالة، والّتي تبرز دور الإنسان الوجوديّ وحجمه ومستواه.
ولا يمكن أن ننتمي إلى روح الإسلام وأصالته، ونحن نستغرق في عالم الماديّات والمظاهر، والّتي تجعلنا نعيش في كهوف الظّلام والانحراف، والفجور في الفكر والعمل، وتحوّلنا بالتّالي إلى عبيد.
وفي السّياق ذاته، وعن المفهوم الإسلاميّ للحياة، يشير سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) إلى أنَّ النَّظرة للحياة تختلف تبعاً لاختلاف النّظرة لما وراء الحياة، فإذا رفضنا وجود حياة أخرى غير هذه الحياة الّتي نحياها، فإنَّنا نواجه أهدافاً تنبثق من طبيعة هذا الكون الّذي نعيش فيه، باعتبار هذه الحياة الفرصة الّتي لن تتكرّر أو تتجدّد.
ولذا فإنّ الطيبات والشهوات تمثّل القيمة الكبرى في وجود الإنسان وتفكيره، فهي النَّعيم الكبير، بينما يمثِّل الحرمان الجحيم الأكبر في حياته، لأنّه يجسّد العذاب النفسي والجسدي الّذي يعيشه الإنسان في كلّ لحظة من لحظات الحرمان.
ويتابع بأنّه عندما نؤمن بوجود حياة أخرى، فالموقف يختلف، لأنّ اللّذّة لا تمثّل قيمة كبرى، كما أنّ الألم لن يكون ضدّ هذه القيمة، بل القضيّة تكون نسبيّة، فإذا كانت هناك حياة أخرى تشتمل على لذّة أكبر أو حرمان أكبر، فإنّ الحرمان هنا من أجل اللّذّة الكبرى لا يُعتبَر جحيماً وعذاباً، كما أنّ اللّذّة الّتي تستتبع الحرمان الأبديّ لن تكون نعيماً وسروراً، تماماً كما هو الحال في الحياة نفسها ـ هذه الّتي نعيش ـ عندما يتعرَّض الإنسان لحالة حرمان طارئة في إطار العمل من أجل المستقبل الكبير، فإنّه لن يعتبر ذلك حرماناً إذا استطاع التّعويض عنه بالهدف الكبير، والعكس هو الصّحيح في الطّرف المقابل.
ويضيف: وعلى ضوء هذا، نحدّد واقعيّة النظرة الإسلاميّة إلى الحياة، فقد انطلقت الفكرة الدّينيّة من وجود حياتين للإنسان، ولكلّ منهما مهمّة، فالدّنيا دار المسؤوليّة والعمل، والآخرة دار نتائج المسؤوليّة.. فلا بدّ من أن يُقاس التّشريع أو المفهوم العام بمقياس هذه النّظرة... [مفاهيم إسلاميّة عامّة، ص:347].
إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .
الحياة يتَّسع مفهومها ويضيق تبعاً لفهم الإنسان وتصوّره لها، ولدرجة وعيه لدوره ومسؤوليَّاته في الوجود، فإن كان محدود الأفق، لا يبحث، ولا يؤمن إلا بهذه الحياة الدّنيا، فإنه يعتبرها الفرصة الزمنيّة السّانحة له لاستغلال كلّ لحظة فيها من أجل إشباع ملذّاته وشهواته، ويحصر طاقاته وإمكاناته المعنويّة والماديّة في سبيل ذلك، وهو ما يفقده قيمته الفعليّة والأصليّة في لعب الدّور الحضاريّ والإنسانيّ والوجوديّ العام في إعمار الأرض والحياة بالشّيء النَّافع، ولن يتأتَّى له ذلك إلا إذا أخرج نفسه من هذا السِّجن المادّيّ وانفتح على الحياة الأخرى، وعلى مواقع رضى الله تعالى وأوامره ونواهيه، وصراطه المستقيم الّذي خطَّه لعباده الّذين يرتفعون بأنفسهم إلى أسمى مراتب الفضيلة والكمال، عندما ينطلقون للعمل للحياة الآخرة والتزوّد لها، وهذا ما يثمر صلاحاً وخيراً وسلاماً يعمّ الجميع في الحياة الدّنيا.
فالقيمة الكبرى للإنسان أن يفهم أبعاد وجوده الجسديّ والرّوحيّ، وما عليه من أمانة حفظ نفسه وتزكيتها، وفتح آفاق وعيها للأمور، صوناً لها من السّقوط في سجون الملذّات والمظاهر، والّتي تحرمها من أصالتها، وتغيّب هويَّتها في مسيرة الوجود.
واليوم نعاني في كلّ واقعنا جنوحاً نحو الانغماس في المظاهر، والتَّركيز على بلوغ المصالح والشَّهوات على حساب الإعداد للحياة الآخرة، بما يستلزم لها من إخلاص ووعي ومسؤوليَّة وتقوى وبثّ لقيم الخير والجمال والكمال، إذ قلَّما نقيم وزناً واعتباراً لحسابات الله تعالى في معاملاتنا الدّنيويَّة وعلاقاتنا الاجتماعيّة والإنسانيَّة، فهمُّ الكثيرين الوصول إلى الشّهرة والمنصب والجاه والرّبح السّريع، وإثارة الغيبة والفتنة وتخريب العلاقات، وهو ما يتنافى صراحةً، وبكلّ وضوح، مع أصالة الهويّة الإنسانيّة والأخلاقيّة والدينيّة.
لقد منح الله تعالى الذّات الإنسانيَّة كلّ خصائص العقل والإدراك والشّعور، لتمتلك القوَّة والقاعدة الصّلبة للانفتاح على وسائل المعرفة والهداية في الحياة الدّنيا، استعداداً للحياة الآخرة والنّعيم المقيم.
لا يمكن والحال هذه أن نحرم الحياة والوجود وذواتنا من هذه الصّفات والخصائص الفعّالة، والّتي تبرز دور الإنسان الوجوديّ وحجمه ومستواه.
ولا يمكن أن ننتمي إلى روح الإسلام وأصالته، ونحن نستغرق في عالم الماديّات والمظاهر، والّتي تجعلنا نعيش في كهوف الظّلام والانحراف، والفجور في الفكر والعمل، وتحوّلنا بالتّالي إلى عبيد.
وفي السّياق ذاته، وعن المفهوم الإسلاميّ للحياة، يشير سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) إلى أنَّ النَّظرة للحياة تختلف تبعاً لاختلاف النّظرة لما وراء الحياة، فإذا رفضنا وجود حياة أخرى غير هذه الحياة الّتي نحياها، فإنَّنا نواجه أهدافاً تنبثق من طبيعة هذا الكون الّذي نعيش فيه، باعتبار هذه الحياة الفرصة الّتي لن تتكرّر أو تتجدّد.
ولذا فإنّ الطيبات والشهوات تمثّل القيمة الكبرى في وجود الإنسان وتفكيره، فهي النَّعيم الكبير، بينما يمثِّل الحرمان الجحيم الأكبر في حياته، لأنّه يجسّد العذاب النفسي والجسدي الّذي يعيشه الإنسان في كلّ لحظة من لحظات الحرمان.
ويتابع بأنّه عندما نؤمن بوجود حياة أخرى، فالموقف يختلف، لأنّ اللّذّة لا تمثّل قيمة كبرى، كما أنّ الألم لن يكون ضدّ هذه القيمة، بل القضيّة تكون نسبيّة، فإذا كانت هناك حياة أخرى تشتمل على لذّة أكبر أو حرمان أكبر، فإنّ الحرمان هنا من أجل اللّذّة الكبرى لا يُعتبَر جحيماً وعذاباً، كما أنّ اللّذّة الّتي تستتبع الحرمان الأبديّ لن تكون نعيماً وسروراً، تماماً كما هو الحال في الحياة نفسها ـ هذه الّتي نعيش ـ عندما يتعرَّض الإنسان لحالة حرمان طارئة في إطار العمل من أجل المستقبل الكبير، فإنّه لن يعتبر ذلك حرماناً إذا استطاع التّعويض عنه بالهدف الكبير، والعكس هو الصّحيح في الطّرف المقابل.
ويضيف: وعلى ضوء هذا، نحدّد واقعيّة النظرة الإسلاميّة إلى الحياة، فقد انطلقت الفكرة الدّينيّة من وجود حياتين للإنسان، ولكلّ منهما مهمّة، فالدّنيا دار المسؤوليّة والعمل، والآخرة دار نتائج المسؤوليّة.. فلا بدّ من أن يُقاس التّشريع أو المفهوم العام بمقياس هذه النّظرة... [مفاهيم إسلاميّة عامّة، ص:347].
إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .