كتابات
24/04/2023

العصبيَّةُ سحقٌ للحقَّ لمصلحةِ الباطل

العصبيَّةُ سحقٌ للحقَّ لمصلحةِ الباطل
من مشاكلنا التي نعيشها مشكلة العصبيّة؛ نحن نتعصّب ذاتيّاً فيتعصَّب الإنسان لنفسه، ونتعصَّب عائلياً فيتعصَّب الإنسان لعائلته، ونتعصّب بلدياً ـــ إذا صحّ التعبير ـــ فيتعصّب الإنسان لبلده، ونتعصّب وطنياً ونتعصّب قومياً ونتعصّب طائفياً ونتعصّب حزبياً، نحن مجتمع العصبيّات، والعصبيّات نوع من أنواع الأنانية، تتميَّز بأنّها قد تضيق وقد تتّسع أيضاً.
ما معنى أن تتعصّب؟ العصبيّة معناها أنّك تلتزم هذا وترفض ذاك، أيضاً أنْ تتعصّب بمعنى أن تجعل الحقّ معك ولو كنتَ مخطئاً، وأن تجعل جماعتك في موقع التَّقدير والتعظيم، حتّى لو كانوا مستحقّين للتَّحقير. هذه هي العصبيَّة، أن نعتبر أنَّ جماعتنا وحزبنا وعشيرتنا وطائفتنا على الحقّ دائماً، وهكذا تعتبر أنَّ كلَّ شيء يتّصل بك أو بما تريد أن تلتزمه هو حقٌّ، وكلّ شيء يتّصل بالآخرين هو باطل.
نحن متعصّبون، وأوَّل من تعصَّب وقادته عصبيّته إلى النار هو إبليس، هذا كلام يقوله عليّ بن أبي طالب (ع)، إنَّ أوّل مَن تعصَّب هو إبليس، حين تعصَّب لعنصره فقال: {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}[الأعراف: 12]. نحن نعتبر أنّ عائلتنا أعظم من العائلة الأخرى، "أصغر رأس بالعائلة هو أفضل من أكبر رأس بالعائلة الثانية"، ألا نقول هذا؟ كذلك فإنّنا في الطائفة وفي الحزب وفي الحركة وفي المنظّمة وفي كلّ شيء من الأشياء التي نعيشها نحن نتعصَّب، لأنَّنا مجتمع العصبيات، ومشكلة مجتمع العصبيّات أنّه مجتمع يسحق الحقّ لحساب الباطل، حتّى لو رأى الحقّ أمامه، فهو يسحقه كما فعل إبليس، إبليس كان يعرف الله معرفة كبيرة، وكان العابد، وهو يعرف أنّ طاعة الله تؤدّي بالإنسان إلى النَّجاة، ولكنَّ عصبيّته جعلته يتمرَّد على الله سبحانه وتعالى، {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً}[الإسراء: 61]. كلّ منّا يقول: أنا لا أخضع لابن العائلة الفلانيَّة.. غير ممكن، أنا أخضع لابن الضيعة الفلانيَّة؟ غير ممكن، أنا أخضع لابن المحور السياسي هذا؟ إذا كان الحقّ معه فلماذا لا تخضع؟ أنتَ لست تخضع له، بل أنتَ تخضع للحقّ. والعصبيّة تقود إلى الكبرياء، والكبرياء تقود إلى الكفر أو الضَّلال، وهما يقودان الإنسان إلى النار.
لهذا، لا بدَّ أن نفكّر بأن نغيِّر طبيعة العصبيَّة في أنفسنا، أن نفرِّق بين شيئين: بين الالتزام وبين العصبيَّة، فرق بين أن تلتزم بفكر أو بخطّ أو بقيادة، وبين أن تتعصَّب. الالتزام فعل إيمان، ومع ذلك، أنا ألتزم وأفسح المجال للآخر كي يعطيني وجهة نظره، فألتزم الحقّ من خلال قناعتي، وأتكلَّم مع الآخرين في ما يقتنعون به، وإذا وجدتَ القناعة عندهم صحيحة، فتحوّل عن قناعتك إلى هذه القناعة المرتكزة على الحقيقة، وأنتَ حينها لا تخضع لهم، وإنّما تخضع للحقّ، وهذا يجعلنا نعيش نقد أنفسنا وتصحيحها. أنا إذا تعصّبت لنفسي، لا أقبل لأحد أن ينتقدني، وبذلك أنا لا أُشارك في إصلاح نفسي، لكن إذا لم أتعصَّب لنفسي، وجاء مَن ينقدني، أقول جزاك الله خيراً، وأُحاول أن أدرس نفسي على أساس هذا النَّقد. وهكذا عندما نعيش في مجتمع، فإنَّنا نستطيع أن نصلح بعضنا بعضاً من خلال تخلّينا عن العصبيَّة، وحينها نركِّز أخلاقيّتنا وأوضاعنا وأفكارنا وخطوطنا على أساس الالتزام لا العصبيَّة، وبذلك نستطيع أن نقف مرفوعي الرؤوس أمام الله.
لا تنزعجوا من مشاكلكم، ولكن ابحثوا عن جذور المشاكل. نحن كثيراً ما نتساءل لماذا نتقاتل وندمّر ونتباغض؟ ونبحث عن الحلّ، ولن نجد الحلّ إلَّا إذا استطعنا أن نخضع لخطّة إيمانيَّة نغيّر فيها ما فَسَدَ من أفكارنا ومن أخلاقنا ومن عواطفنا، فإنَّ التغيير في الداخل سوف ينعكس على الخارج. أنا عندما لا أكون أنانياً أتعاون معك، وعندما لا أكون متعصّباً أسمع لك، لكن كيف يمكن أن نغيّر المجتمع من دون أن نغيّر العناصر الأساسيَّة الفكريَّة والروحيَّة والعقليَّة والعاطفيَّة التي صنعت مأساة المجتمع؟ لا يمكن. الآن إذا رأيت شخصاً يحبّ شيئاً ويستغرق فيه، فإنّك مهما حاولت أن تمنعه عنه، فإنَّك لن تستطيع، فحتّى لو أجبرته على أن لا يفعل، فسيعود إليه بعد أن يزول ضغطك عليه، لكن إذا جعلته لا يحبّ هذا الشَّيء، أو يبغضه، فإنّه سوف لا يحتاج إلى ضغطك لكي يتركه، لأنّه سيتركه على أساس قناعته.
* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".
من مشاكلنا التي نعيشها مشكلة العصبيّة؛ نحن نتعصّب ذاتيّاً فيتعصَّب الإنسان لنفسه، ونتعصَّب عائلياً فيتعصَّب الإنسان لعائلته، ونتعصّب بلدياً ـــ إذا صحّ التعبير ـــ فيتعصّب الإنسان لبلده، ونتعصّب وطنياً ونتعصّب قومياً ونتعصّب طائفياً ونتعصّب حزبياً، نحن مجتمع العصبيّات، والعصبيّات نوع من أنواع الأنانية، تتميَّز بأنّها قد تضيق وقد تتّسع أيضاً.
ما معنى أن تتعصّب؟ العصبيّة معناها أنّك تلتزم هذا وترفض ذاك، أيضاً أنْ تتعصّب بمعنى أن تجعل الحقّ معك ولو كنتَ مخطئاً، وأن تجعل جماعتك في موقع التَّقدير والتعظيم، حتّى لو كانوا مستحقّين للتَّحقير. هذه هي العصبيَّة، أن نعتبر أنَّ جماعتنا وحزبنا وعشيرتنا وطائفتنا على الحقّ دائماً، وهكذا تعتبر أنَّ كلَّ شيء يتّصل بك أو بما تريد أن تلتزمه هو حقٌّ، وكلّ شيء يتّصل بالآخرين هو باطل.
نحن متعصّبون، وأوَّل من تعصَّب وقادته عصبيّته إلى النار هو إبليس، هذا كلام يقوله عليّ بن أبي طالب (ع)، إنَّ أوّل مَن تعصَّب هو إبليس، حين تعصَّب لعنصره فقال: {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}[الأعراف: 12]. نحن نعتبر أنّ عائلتنا أعظم من العائلة الأخرى، "أصغر رأس بالعائلة هو أفضل من أكبر رأس بالعائلة الثانية"، ألا نقول هذا؟ كذلك فإنّنا في الطائفة وفي الحزب وفي الحركة وفي المنظّمة وفي كلّ شيء من الأشياء التي نعيشها نحن نتعصَّب، لأنَّنا مجتمع العصبيات، ومشكلة مجتمع العصبيّات أنّه مجتمع يسحق الحقّ لحساب الباطل، حتّى لو رأى الحقّ أمامه، فهو يسحقه كما فعل إبليس، إبليس كان يعرف الله معرفة كبيرة، وكان العابد، وهو يعرف أنّ طاعة الله تؤدّي بالإنسان إلى النَّجاة، ولكنَّ عصبيّته جعلته يتمرَّد على الله سبحانه وتعالى، {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً}[الإسراء: 61]. كلّ منّا يقول: أنا لا أخضع لابن العائلة الفلانيَّة.. غير ممكن، أنا أخضع لابن الضيعة الفلانيَّة؟ غير ممكن، أنا أخضع لابن المحور السياسي هذا؟ إذا كان الحقّ معه فلماذا لا تخضع؟ أنتَ لست تخضع له، بل أنتَ تخضع للحقّ. والعصبيّة تقود إلى الكبرياء، والكبرياء تقود إلى الكفر أو الضَّلال، وهما يقودان الإنسان إلى النار.
لهذا، لا بدَّ أن نفكّر بأن نغيِّر طبيعة العصبيَّة في أنفسنا، أن نفرِّق بين شيئين: بين الالتزام وبين العصبيَّة، فرق بين أن تلتزم بفكر أو بخطّ أو بقيادة، وبين أن تتعصَّب. الالتزام فعل إيمان، ومع ذلك، أنا ألتزم وأفسح المجال للآخر كي يعطيني وجهة نظره، فألتزم الحقّ من خلال قناعتي، وأتكلَّم مع الآخرين في ما يقتنعون به، وإذا وجدتَ القناعة عندهم صحيحة، فتحوّل عن قناعتك إلى هذه القناعة المرتكزة على الحقيقة، وأنتَ حينها لا تخضع لهم، وإنّما تخضع للحقّ، وهذا يجعلنا نعيش نقد أنفسنا وتصحيحها. أنا إذا تعصّبت لنفسي، لا أقبل لأحد أن ينتقدني، وبذلك أنا لا أُشارك في إصلاح نفسي، لكن إذا لم أتعصَّب لنفسي، وجاء مَن ينقدني، أقول جزاك الله خيراً، وأُحاول أن أدرس نفسي على أساس هذا النَّقد. وهكذا عندما نعيش في مجتمع، فإنَّنا نستطيع أن نصلح بعضنا بعضاً من خلال تخلّينا عن العصبيَّة، وحينها نركِّز أخلاقيّتنا وأوضاعنا وأفكارنا وخطوطنا على أساس الالتزام لا العصبيَّة، وبذلك نستطيع أن نقف مرفوعي الرؤوس أمام الله.
لا تنزعجوا من مشاكلكم، ولكن ابحثوا عن جذور المشاكل. نحن كثيراً ما نتساءل لماذا نتقاتل وندمّر ونتباغض؟ ونبحث عن الحلّ، ولن نجد الحلّ إلَّا إذا استطعنا أن نخضع لخطّة إيمانيَّة نغيّر فيها ما فَسَدَ من أفكارنا ومن أخلاقنا ومن عواطفنا، فإنَّ التغيير في الداخل سوف ينعكس على الخارج. أنا عندما لا أكون أنانياً أتعاون معك، وعندما لا أكون متعصّباً أسمع لك، لكن كيف يمكن أن نغيّر المجتمع من دون أن نغيّر العناصر الأساسيَّة الفكريَّة والروحيَّة والعقليَّة والعاطفيَّة التي صنعت مأساة المجتمع؟ لا يمكن. الآن إذا رأيت شخصاً يحبّ شيئاً ويستغرق فيه، فإنّك مهما حاولت أن تمنعه عنه، فإنَّك لن تستطيع، فحتّى لو أجبرته على أن لا يفعل، فسيعود إليه بعد أن يزول ضغطك عليه، لكن إذا جعلته لا يحبّ هذا الشَّيء، أو يبغضه، فإنّه سوف لا يحتاج إلى ضغطك لكي يتركه، لأنّه سيتركه على أساس قناعته.
* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية