كتابات
08/11/2021

الله سبحانه خارج حدود الزمان

الله سبحانه خارج حدود الزمان
[يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعائه في التّحميد لله عزّ وجلّ:]

"الحَمْدُ لله الأوّلِ بِلا أوَّلٍ كانَ قبْلَهُ، والآخِرِ بِلا آخِرٍ يكونُ بَعْدهُ، الّذي قَصُرَتْ عنْ رؤيَتِهِ أبْصارُ النّاظِرينَ، وعجِزَتْ عنْ نعْتِهِ أوْهامُ الواصِفين".

يا ربّ، أنا هنا في الأجواء الممتدَّة في الزّمن الأزليّ في حركة الأبد، وفي الآفاق الرحبة التي تشمل الوجود كلّه، وفي المعاني التي تتنوّع وتتلوّن وتحتوي الحياة كلّها في مضمونها الفكريّ، وانفتاحها الروحيّ، وانسيابها الشعوريّ... أنا هنا، أتطلّع إليك، فلا أجدُ أحداً يقترب من معنى الوجود في وجودك، ومن سرّ الحقيقة في ذاتك، ومن امتداد المعنى في اللانهاية من معناك... أنا هنا، في رحابك أطوف، وفي آفاقك أسمو، وفي إبداعك أهيم، وفي كلّ معنى للحمد في صفات العظمة من صفاتك أتحرَّك، فأراني أنفتح على الحمد كلِّه عندما ألتقي بمواقع القدس من حمدك.

الحمد لله الَّذي لم يقترب الزَّمن من وجوده، لأنَّه هو الَّذي أعطى الزمن وجوده، وحدَّد له بداياته ونهاياته، وأطلق سرّه في الكون ليحتوي حركته في كلِّ شيء يتحرَّك فيه، فكيف يدخل الزمن في معنى ذاته، فلا معنى للنّسبيّة في صفة الأوّل إذا وصفته بها، لأنَّ الكلمة قد تختزن في معناها الحدوث الّذي يخترق العدم مفهومه، فلا نتصوَّر معنى الأوليّة في معنى القبليّة الزمنيّة في الوجود، كما لا معنى للنسبيّة في صفة الآخر له، لأنّها قد تحمل معنى الإيحاء بنهاية الوجود في موقعه، ليكون خاضعاً لحدود القبليّة والبَعديّة في الأوليّة والآخرية عنده.

إنّ المشكلة في اللّغة أنّها تمثّل تجربة الذّهن البشري في محسوساته، فلا تملك التّعبير عن المطلق في الوجود، ولا المجرَّد عن الزمان والمكان في المعنى، لأنّه لم يلتقِ بذلك في تجربة الحسّ، ولذلك كانت الكلمات علامات على المعنى، لا التعبير عن سرّ المعنى.

ربّما لم يستطع الإنسان الخاضع للحسّ في كلّ مضمونه الوجوديّ أن يتعقّل الغيب والمطلق والمجرّد والخالي عن معنى الزّمان والمكان، بالطريقة التفصيليّة التي يتصوّر بها الأشياء المحسوسة لديه، ولذلك، فإنّه لا يملك الدقّة في التعبير عنها، ولكنّه يملك إدراك السرّ في طبيعة هذه المفاهيم من خلال المعادلات العقليّة التي تدرس الزمن، فترى أنّه لا يملك الثبات في الوجود، بل هو معنى نسبيّ منتزع من نسبة موجود إلى موجود، وحركةٍ إلى واقع، ما يجعله شيئاً محدوداً في داخل الوجود المحسوس، من دون أن يكون ذاتياً في الوجود، وهذا هو السرّ في أنّ بعض الفلاسفة من الشعراء لم يتعقّلوا المسألة وجدانياً، عندما بدأوا يخلطون بين المعنى النسبي الرابط بين الأشياء المحسوسة، والمعنى الذاتي الّذي هو الحقيقة الكامنة في معنى ذاتها.

الحمد لله، في وجودك الذي لا يقترب من الحسّ في معناه، لأنّه يرتبط بالمحدود في تفاصيله، فكيف يمكن أن يدرك المطلق الذي لا حدود له ولا تفاصيل؟! فلا تدركه الأبصار، وليس كمثله شيء.

وتبقى الكلمات - في السياق التعبيريّ اللّغويّ - حركةً في تقريب الفكرة، تماماً كما هي وسائل الإيضاح التي تقرّب المعنى إلى الذّهن بالأسلوب المادّيّ.

وإذا كانت بعض كلمات القرآن الكريم توحي بالصّورة الحسيّة لله في الحديث عن وجهه، كما في قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص: 88].

{فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ}[البقرة: 115].

أو عن يد الله، كما ورد في قوله تعالى: {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[الفتح: 10].

أو النظر إلى الله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة: 22- 23].

إلى غير ذلك من الآيات، فإنَّ القرآن نفسه هو الدَّليل على أنّ هذه التعبيرات كانت واردة على سبيل الاستعارة والمجاز، فإذا كان الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: 11]، فإنّ ذلك يكون قرينةً على أنَّ اتّصافه بصفات خلقه كان مجازياً، وإذا كان الله {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام: 103]، فإنَّ ذلك دليل على أنَّ النظر إلى الله ليس نظراً إلى ذاته، بل إلى مظاهر عظمته الدالّة عليه.

ليس هذا من التأويل ليقول قائل: لماذا نطرح الظّاهر إلى التأويل من دون ضرورة؟ بل هو وجه من وجوه الأخذ بالظّهور، باعتبار أنَّ إرادة المعنى المجازيّ على سبيل الاستعارة من اللّفظ، يمثّل لوناً من ألوان الظّهور بالقرينة على أساس تفسير القرآن بالقرآن، لأنَّ القرينة المتّصلة أو المنفصلة تمنع إرادة الظهور الوضعي لتستبدله بالظهور بالقرينة.

وإذا لم يكن للحسّ دور في معرفته، فإنَّ العقل هو الذي يكتشف وجوده من خلال مظاهر عظمته، ولكنَّه لا يستطيع الوصول إلى الوعي الكامل لصفاته، إلّا بما عرَّفنا منها، وهذا هو ما يقف الواصفون أمامه عاجزين حيارى، لا يملكون الكثير مما يقولون أو ممّا يصفون.

*من كتاب "آفاق الرّوح"، ج1.

[يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعائه في التّحميد لله عزّ وجلّ:]

"الحَمْدُ لله الأوّلِ بِلا أوَّلٍ كانَ قبْلَهُ، والآخِرِ بِلا آخِرٍ يكونُ بَعْدهُ، الّذي قَصُرَتْ عنْ رؤيَتِهِ أبْصارُ النّاظِرينَ، وعجِزَتْ عنْ نعْتِهِ أوْهامُ الواصِفين".

يا ربّ، أنا هنا في الأجواء الممتدَّة في الزّمن الأزليّ في حركة الأبد، وفي الآفاق الرحبة التي تشمل الوجود كلّه، وفي المعاني التي تتنوّع وتتلوّن وتحتوي الحياة كلّها في مضمونها الفكريّ، وانفتاحها الروحيّ، وانسيابها الشعوريّ... أنا هنا، أتطلّع إليك، فلا أجدُ أحداً يقترب من معنى الوجود في وجودك، ومن سرّ الحقيقة في ذاتك، ومن امتداد المعنى في اللانهاية من معناك... أنا هنا، في رحابك أطوف، وفي آفاقك أسمو، وفي إبداعك أهيم، وفي كلّ معنى للحمد في صفات العظمة من صفاتك أتحرَّك، فأراني أنفتح على الحمد كلِّه عندما ألتقي بمواقع القدس من حمدك.

الحمد لله الَّذي لم يقترب الزَّمن من وجوده، لأنَّه هو الَّذي أعطى الزمن وجوده، وحدَّد له بداياته ونهاياته، وأطلق سرّه في الكون ليحتوي حركته في كلِّ شيء يتحرَّك فيه، فكيف يدخل الزمن في معنى ذاته، فلا معنى للنّسبيّة في صفة الأوّل إذا وصفته بها، لأنَّ الكلمة قد تختزن في معناها الحدوث الّذي يخترق العدم مفهومه، فلا نتصوَّر معنى الأوليّة في معنى القبليّة الزمنيّة في الوجود، كما لا معنى للنسبيّة في صفة الآخر له، لأنّها قد تحمل معنى الإيحاء بنهاية الوجود في موقعه، ليكون خاضعاً لحدود القبليّة والبَعديّة في الأوليّة والآخرية عنده.

إنّ المشكلة في اللّغة أنّها تمثّل تجربة الذّهن البشري في محسوساته، فلا تملك التّعبير عن المطلق في الوجود، ولا المجرَّد عن الزمان والمكان في المعنى، لأنّه لم يلتقِ بذلك في تجربة الحسّ، ولذلك كانت الكلمات علامات على المعنى، لا التعبير عن سرّ المعنى.

ربّما لم يستطع الإنسان الخاضع للحسّ في كلّ مضمونه الوجوديّ أن يتعقّل الغيب والمطلق والمجرّد والخالي عن معنى الزّمان والمكان، بالطريقة التفصيليّة التي يتصوّر بها الأشياء المحسوسة لديه، ولذلك، فإنّه لا يملك الدقّة في التعبير عنها، ولكنّه يملك إدراك السرّ في طبيعة هذه المفاهيم من خلال المعادلات العقليّة التي تدرس الزمن، فترى أنّه لا يملك الثبات في الوجود، بل هو معنى نسبيّ منتزع من نسبة موجود إلى موجود، وحركةٍ إلى واقع، ما يجعله شيئاً محدوداً في داخل الوجود المحسوس، من دون أن يكون ذاتياً في الوجود، وهذا هو السرّ في أنّ بعض الفلاسفة من الشعراء لم يتعقّلوا المسألة وجدانياً، عندما بدأوا يخلطون بين المعنى النسبي الرابط بين الأشياء المحسوسة، والمعنى الذاتي الّذي هو الحقيقة الكامنة في معنى ذاتها.

الحمد لله، في وجودك الذي لا يقترب من الحسّ في معناه، لأنّه يرتبط بالمحدود في تفاصيله، فكيف يمكن أن يدرك المطلق الذي لا حدود له ولا تفاصيل؟! فلا تدركه الأبصار، وليس كمثله شيء.

وتبقى الكلمات - في السياق التعبيريّ اللّغويّ - حركةً في تقريب الفكرة، تماماً كما هي وسائل الإيضاح التي تقرّب المعنى إلى الذّهن بالأسلوب المادّيّ.

وإذا كانت بعض كلمات القرآن الكريم توحي بالصّورة الحسيّة لله في الحديث عن وجهه، كما في قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص: 88].

{فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ}[البقرة: 115].

أو عن يد الله، كما ورد في قوله تعالى: {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[الفتح: 10].

أو النظر إلى الله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة: 22- 23].

إلى غير ذلك من الآيات، فإنَّ القرآن نفسه هو الدَّليل على أنّ هذه التعبيرات كانت واردة على سبيل الاستعارة والمجاز، فإذا كان الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: 11]، فإنّ ذلك يكون قرينةً على أنَّ اتّصافه بصفات خلقه كان مجازياً، وإذا كان الله {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام: 103]، فإنَّ ذلك دليل على أنَّ النظر إلى الله ليس نظراً إلى ذاته، بل إلى مظاهر عظمته الدالّة عليه.

ليس هذا من التأويل ليقول قائل: لماذا نطرح الظّاهر إلى التأويل من دون ضرورة؟ بل هو وجه من وجوه الأخذ بالظّهور، باعتبار أنَّ إرادة المعنى المجازيّ على سبيل الاستعارة من اللّفظ، يمثّل لوناً من ألوان الظّهور بالقرينة على أساس تفسير القرآن بالقرآن، لأنَّ القرينة المتّصلة أو المنفصلة تمنع إرادة الظهور الوضعي لتستبدله بالظهور بالقرينة.

وإذا لم يكن للحسّ دور في معرفته، فإنَّ العقل هو الذي يكتشف وجوده من خلال مظاهر عظمته، ولكنَّه لا يستطيع الوصول إلى الوعي الكامل لصفاته، إلّا بما عرَّفنا منها، وهذا هو ما يقف الواصفون أمامه عاجزين حيارى، لا يملكون الكثير مما يقولون أو ممّا يصفون.

*من كتاب "آفاق الرّوح"، ج1.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية