كتابات
12/10/2021

عندما يعطّلُ المستضعفونَ إرادتَهم أمامَ المستكبرين

عندما يعطّلُ المستضعفونَ إرادتَهم أمامَ المستكبرين

تحدَّث القرآن الكريم عن المستضعفين من خلال واقع الاضطهاد الذي يمارسه الطغاة والمستكبرون ضدّ الفئات الضعيفة التي لا تملك من أسباب القوّة المادية الوسائل الفعّالة للمقاومة، فتستسلم وتستكين لما يريده هؤلاء من شؤون العقيدة والحياة، من دون اعتراض أو مناقشة.. بل القضية، كلّ القضية عندهم فيما يُعرض عليهم، أنّ ذلك هو عقيدة السّادة الأقوياء فلنعتقد، وأنّ هذه هي شريعتهم فلنسر عليها، وأنّها إرادتهم فلننفِّذها.

إنّها قضية القوّة والضعف عندما يتحرّكان في الحياة من موقع الاستغلال والسّيطرة، بعيداً من المبادئ الأساسية التي تحكم السلوك الإنساني، فتخطّط له طريقته في العلاقات العامة والخاصة، وفي طبيعة التعامل، الأمر الذي يجعل من حركة الحياة تعبيراً عن حركة الأقوياء. أمّا الضعفاء، فإنّهم لا يمثّلون إلّا الصدى الواهن الضّعيف الذي يستمدّ وحيه وفعاليّته من وحي الأقوياء، ولا ينطلقون إلّا من خلال الإرادة المسحوقة المقهورة تحت ضغط إرادة الطغاة، فتتعطّل إزاء ذلك كلّ حيوية الطاقات التي يملكونها، والفعاليات الكبيرة التي يمكن أن يتحرّكوا من خلالها في عملية بناء وتفجير!

وقد لا يقتصر الأمر على شعور الضعفاء بالانسحاق والتضاؤل أمام الإرادة القويّة القاهرة، بل هناك القناعة الطاغية التي تعيش في وعي الأقوياء بأنّ الضعفاء لا يملكون أمر تقرير مصيرهم، أو اختيار قناعاتهم، أو التحرّك في حياتهم، إلّا من خلال ما يقرّرونه أو يختارونه لهم في شؤون الإيمان والحياة والمصير. ولذلك، فهم يؤكّدون لهم قداسة المركز الذي يضعون أنفسهم فيه، ويزرعون في داخلهم الأوهام الكبيرة حول الأسرار العميقة الغامضة التي يملكونها على أساس علاقاتهم بالآلهة، بالمستوى الذي يجعلهم في موقع الآلهة الصغار الّذين يجب على الناس تقديم فروض الطاعة العمياء لهم. وبذلك، يتحوَّل انسحاق الضعفاء إلى عبادة ذاتية يشعرون فيها بأنّهم يمارسون قناعاتهم الروحيّة التي تمنحهم السعادة في الدنيا والآخرة..

وهذا هو أخطر أنواع الاستغلال، لأنّه يوحي للضعفاء بأنّهم لا يخضعون للقويّ من خلال قوّته ليعيشوا الشعور بالاستغلال من خلال ذلك، بل يعتقدون أنّهم يخضعون للسرّ الإلهيّ المودع فيه، ما يعطّل كلّ انتفاضة أو تمرّد في داخلهم، وكلّ حركة ترمي إلى إنقاذهم من هذا الواقع، لأنّهم يعتبرون ذلك كفراً أو هرطقة أو تحطيماً للقداسات الروحية والعاطفية المرتبطة بالتراث المغموس بالأسرار...

ولقد واجه الأنبياء ـــ منذ البداية ـــ اعتراضات الأقوياء والمترفين والمستكبرين، على الجماعات الفقيرة الضعيفة" المرذولة" اجتماعيّاً التي تعتبر القاعدة العريضة للدعوات الرساليّة التي تنطلق من الأنبياء، وكانت هذه الاعتراضات تتحرّك من موقع الاحتقار لهذه الفئات المستعبدة التي لا تمثّل أيّ حجم كبير في المقاييس الاجتماعية للقوّة، ما يمنع الفئات القويّة المتقدّمة من الانتماء إلى هذه الدعوات، لأنّ ذلك لا يتناسب مع مراكزهم العالية التي تحتفظ لكلّ أوضاعهم بمستوى متميّز عن الآخرين.

ولم يتجاوب الأنبياء مع هذه "الاعتراضات"، لأنّهم انطلقوا في رسالتهم من أجل تحطيم الفوارق الاجتماعية المصطنعة التي تجعل من المال والنسب والمركز الاجتماعي والقوّة المادية أساساً للتقييم، لينطلق الناس على مسيرة السواء في مقياس الإنسانية المرتكزة على العمل الأفضل الذي تمثّله كلمة" التقوى"...

* من كتاب "مع الحكمة في خطّ القرآن".

تحدَّث القرآن الكريم عن المستضعفين من خلال واقع الاضطهاد الذي يمارسه الطغاة والمستكبرون ضدّ الفئات الضعيفة التي لا تملك من أسباب القوّة المادية الوسائل الفعّالة للمقاومة، فتستسلم وتستكين لما يريده هؤلاء من شؤون العقيدة والحياة، من دون اعتراض أو مناقشة.. بل القضية، كلّ القضية عندهم فيما يُعرض عليهم، أنّ ذلك هو عقيدة السّادة الأقوياء فلنعتقد، وأنّ هذه هي شريعتهم فلنسر عليها، وأنّها إرادتهم فلننفِّذها.

إنّها قضية القوّة والضعف عندما يتحرّكان في الحياة من موقع الاستغلال والسّيطرة، بعيداً من المبادئ الأساسية التي تحكم السلوك الإنساني، فتخطّط له طريقته في العلاقات العامة والخاصة، وفي طبيعة التعامل، الأمر الذي يجعل من حركة الحياة تعبيراً عن حركة الأقوياء. أمّا الضعفاء، فإنّهم لا يمثّلون إلّا الصدى الواهن الضّعيف الذي يستمدّ وحيه وفعاليّته من وحي الأقوياء، ولا ينطلقون إلّا من خلال الإرادة المسحوقة المقهورة تحت ضغط إرادة الطغاة، فتتعطّل إزاء ذلك كلّ حيوية الطاقات التي يملكونها، والفعاليات الكبيرة التي يمكن أن يتحرّكوا من خلالها في عملية بناء وتفجير!

وقد لا يقتصر الأمر على شعور الضعفاء بالانسحاق والتضاؤل أمام الإرادة القويّة القاهرة، بل هناك القناعة الطاغية التي تعيش في وعي الأقوياء بأنّ الضعفاء لا يملكون أمر تقرير مصيرهم، أو اختيار قناعاتهم، أو التحرّك في حياتهم، إلّا من خلال ما يقرّرونه أو يختارونه لهم في شؤون الإيمان والحياة والمصير. ولذلك، فهم يؤكّدون لهم قداسة المركز الذي يضعون أنفسهم فيه، ويزرعون في داخلهم الأوهام الكبيرة حول الأسرار العميقة الغامضة التي يملكونها على أساس علاقاتهم بالآلهة، بالمستوى الذي يجعلهم في موقع الآلهة الصغار الّذين يجب على الناس تقديم فروض الطاعة العمياء لهم. وبذلك، يتحوَّل انسحاق الضعفاء إلى عبادة ذاتية يشعرون فيها بأنّهم يمارسون قناعاتهم الروحيّة التي تمنحهم السعادة في الدنيا والآخرة..

وهذا هو أخطر أنواع الاستغلال، لأنّه يوحي للضعفاء بأنّهم لا يخضعون للقويّ من خلال قوّته ليعيشوا الشعور بالاستغلال من خلال ذلك، بل يعتقدون أنّهم يخضعون للسرّ الإلهيّ المودع فيه، ما يعطّل كلّ انتفاضة أو تمرّد في داخلهم، وكلّ حركة ترمي إلى إنقاذهم من هذا الواقع، لأنّهم يعتبرون ذلك كفراً أو هرطقة أو تحطيماً للقداسات الروحية والعاطفية المرتبطة بالتراث المغموس بالأسرار...

ولقد واجه الأنبياء ـــ منذ البداية ـــ اعتراضات الأقوياء والمترفين والمستكبرين، على الجماعات الفقيرة الضعيفة" المرذولة" اجتماعيّاً التي تعتبر القاعدة العريضة للدعوات الرساليّة التي تنطلق من الأنبياء، وكانت هذه الاعتراضات تتحرّك من موقع الاحتقار لهذه الفئات المستعبدة التي لا تمثّل أيّ حجم كبير في المقاييس الاجتماعية للقوّة، ما يمنع الفئات القويّة المتقدّمة من الانتماء إلى هذه الدعوات، لأنّ ذلك لا يتناسب مع مراكزهم العالية التي تحتفظ لكلّ أوضاعهم بمستوى متميّز عن الآخرين.

ولم يتجاوب الأنبياء مع هذه "الاعتراضات"، لأنّهم انطلقوا في رسالتهم من أجل تحطيم الفوارق الاجتماعية المصطنعة التي تجعل من المال والنسب والمركز الاجتماعي والقوّة المادية أساساً للتقييم، لينطلق الناس على مسيرة السواء في مقياس الإنسانية المرتكزة على العمل الأفضل الذي تمثّله كلمة" التقوى"...

* من كتاب "مع الحكمة في خطّ القرآن".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية