كتابات
27/09/2021

الله ولي المنع والإعطاء

الله ولي المنع والإعطاء
[يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعاء مكارم الأخلاق:]

"اللّهُمَّ صلِّ على محَمَّدٍ وآله، وصُنْ وجْهِيَ باليَسارِ، ولا تبْتَذِلْ جاهي بالإقْتار، فأسْتَرْزِقَ أهْل رزْقِكَ، وأسْتَعْطيَ شِرارَ خلقِكَ، فأفتَتَنِ بحَمْدِ منْ أعطاني، وأُبْتَلَى بِذَمِّ من منَعَني، وأنْتَ من دونِهِم وليُّ الإعْطاءِ والمَنْعِ".

يا ربّ، قد تكون مسألة الغنى والفقر في وعي الإنسان المؤمن، مسألة تتّصل بالنظرة الذاتيّة إلى المال، باعتباره قيمةً حياتيّة وامتيازاً شخصياً، الأمر الذي يدفعه إلى الاستغراق فيه من خلال علاقته بحاجاته الطبيعية وشؤونه الذاتية، كأيّ شيء يسدّ حاجته، ويحقّق رغبته، ويُعلي قدره في نفسه. وقد تكون المسألة - في وعيه الإيماني - أنهما قد يؤدّيان إلى الانفتاح على الجانب الأخلاقي على مستوى الفكر والممارسة، في جانب السلب والإيجاب، بحيث تتدخل القضية، في هذا الجانب أو ذاك، في عناصر القوّة والضّعف من شخصيته، أو في خطوط الاستقامة والانحراف من حركته، فقد يسقط الإنسان أمام ضغط الحاجة عليه، وتأثير الفقر في حياته، فينظر إلى الحياة من هذه الزّاوية، ويتعامل مع الناس من هذه الناحية، بالدّرجة التي يرى في قضاء حاجته قيمة روحيّة أخلاقيّة كبرى ترفع صاحبها إلى المقام الرّفيع الذي قد لا يستحقّه في عناصر شخصيته الذاتية، كما قد ينظر إلى الذين يقفون من حاجاته موقفاً سلبياً بطريقةٍ سلبيةٍ، بحيث يضعهم في الدرجة السفلى من التقويم الاجتماعي، في الوقت الذي يملكون العناصر الحيّة من الصفات الطيبة، والخلال الكريمة، وقد تتطوّر النظرة إلى مدح الذين لا يستحقّون المدح، وذمّ من لا يستحقّون الذمّ، على أساس اختلاف دورهم في العطاء والمنع، مع ملاحظة أنّ العطاء قد يكون ناشئاً من غرض سيّئ، وغاية خبيثة، كما أنّ المنع قد يكون منطلقاً من ظروفٍ صعبةٍ، أو هدفٍ نبيلٍ طيّب، من خلال المصالح والمفاسد التي قد يلاحظها الإنسان في هذا الموقع أو ذاك.

ومن الطبيعي أنّ مثل هذه النظرة وهذا السلوك، لا يلتقيان بالمنهج القويم بما يحفظ له المنهج الأخلاقيّ الإسلاميّ، في التزام الحكم بالعدل والتّقويم الصحيح للأشياء أو الأشخاص، من خلال الحقيقة الواقعيّة الكامنة في عمق الموقع أو الشّيء أو الشّخص، بعيداً من الانفعالات النفسية والخلفيات الذاتية، لأنّ ذلك هو خطّ العدل الذي رسمه الله للإنسان، من خلال ما أراده له من رفض اعتبار الشنآن والعداوة والبغضاء ونحوها من الموانع التي تمنع من كلمة العدل، ومن الدعوة إلى القول بالعدل حتى مع الأقرباء، فلا تكون العاطفة سبباً في الانحراف عن الحكم عليهم بالحقّ.

يا ربّ، إنني الإنسان الذي يحبّ أن يبقى في مواقع رضاك، فتكون حركته في خطّك المستقيم، ويفكّر في الانطلاق في آفاقك الرّحبة في القيم الروحية التي تستمدّ عمق الالتزام الفكري والروحي والعملي من وحيك الذي أنزلته على الناس من خلال رسلك، وهذا ما يجعلني أتوسَّل إليك أن ترعاني بلطفك، وتسهّل لي سبيل طاعتك، وتفتح لي أبواب محبّتك، وتبعدني عن التجربة الصّعبة التي قد تسقطني وتعرّضني للكثير من حالات الاهتزام النفسي الذي أفقد فيه توازن الموقف في حياتي العملية وفي نظرتي إلى الناس.

وإذا كان الفقر يمثل الوضع الضّاغط على إرادة الإنسان من خلال ضغطه على حاجاته ومواقعه، بحيث قد يغفل عن نفسه وإيمانه أمام الصّعوبات التي تواجهه منه، فإني أتوسَّل إليك أن تصون كرامتي وعزتي بالغنى والثروة، وتحفظها عن الابتذال والامتهان بفعل الحاجة الشّديدة التي تدفعني إلى الخضوع لسؤال الآخرين، والفقر القاسي الذي يضعني تحت رحمة الناس من حولي، فأندفع إلى سؤال الذين يملكون الرزق الواسع الذي رزقتهم إيّاه، وإلى استعطاء شرار النّاس من خلقك من الذين يستغلّون حاجة الناس من أجل الحصول على الدرجة العليا لديهم، من خلال العطاء الذي يجلب قلوبهم ويحرّك مشاعرهم باتجاههم، الأمر الذي يجعلني في موقف الفتنة التي تجذب المشاعر الغريزية في الإنسان، فتتّجه بي عن الخطّ المستقيم الواصل إليك، فأحمد من لا يستحقّ الحمد لأنه أعطاني، وأذمّ من لا يستحقّ الذمّ لأنه منعني، في الوقت الذي تنطلق الحقيقة الإيمانيّة لتذكّرني بأنّك ـ وحدك ـ وليّ العطاء والمنع، لأنّك ـ لا هؤلاء الناس ـ الذي تملك الرّزق كلّه، والقلوب كلّها، فتحرّك الرّزق هنا لتدفعه إلى هذا الموقع، ولتمنعه عن ذلك، من خلال الفكر الذي يوحي، والقلب الذي يخفق، واليد التي تعطي أو تمنع، والظّروف التي تهيّئ الأجواء الملائمة للعطاء أو المنع، فأنت وليّ الحياة كلّها، وليس الخلق إلا الأدوات الحيّة أو الجامدة التي توجّهها بما تشاء وكيف تشاء.

*من كتاب "في رحاب دعاء مكارم الأخلاق".

[يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعاء مكارم الأخلاق:]

"اللّهُمَّ صلِّ على محَمَّدٍ وآله، وصُنْ وجْهِيَ باليَسارِ، ولا تبْتَذِلْ جاهي بالإقْتار، فأسْتَرْزِقَ أهْل رزْقِكَ، وأسْتَعْطيَ شِرارَ خلقِكَ، فأفتَتَنِ بحَمْدِ منْ أعطاني، وأُبْتَلَى بِذَمِّ من منَعَني، وأنْتَ من دونِهِم وليُّ الإعْطاءِ والمَنْعِ".

يا ربّ، قد تكون مسألة الغنى والفقر في وعي الإنسان المؤمن، مسألة تتّصل بالنظرة الذاتيّة إلى المال، باعتباره قيمةً حياتيّة وامتيازاً شخصياً، الأمر الذي يدفعه إلى الاستغراق فيه من خلال علاقته بحاجاته الطبيعية وشؤونه الذاتية، كأيّ شيء يسدّ حاجته، ويحقّق رغبته، ويُعلي قدره في نفسه. وقد تكون المسألة - في وعيه الإيماني - أنهما قد يؤدّيان إلى الانفتاح على الجانب الأخلاقي على مستوى الفكر والممارسة، في جانب السلب والإيجاب، بحيث تتدخل القضية، في هذا الجانب أو ذاك، في عناصر القوّة والضّعف من شخصيته، أو في خطوط الاستقامة والانحراف من حركته، فقد يسقط الإنسان أمام ضغط الحاجة عليه، وتأثير الفقر في حياته، فينظر إلى الحياة من هذه الزّاوية، ويتعامل مع الناس من هذه الناحية، بالدّرجة التي يرى في قضاء حاجته قيمة روحيّة أخلاقيّة كبرى ترفع صاحبها إلى المقام الرّفيع الذي قد لا يستحقّه في عناصر شخصيته الذاتية، كما قد ينظر إلى الذين يقفون من حاجاته موقفاً سلبياً بطريقةٍ سلبيةٍ، بحيث يضعهم في الدرجة السفلى من التقويم الاجتماعي، في الوقت الذي يملكون العناصر الحيّة من الصفات الطيبة، والخلال الكريمة، وقد تتطوّر النظرة إلى مدح الذين لا يستحقّون المدح، وذمّ من لا يستحقّون الذمّ، على أساس اختلاف دورهم في العطاء والمنع، مع ملاحظة أنّ العطاء قد يكون ناشئاً من غرض سيّئ، وغاية خبيثة، كما أنّ المنع قد يكون منطلقاً من ظروفٍ صعبةٍ، أو هدفٍ نبيلٍ طيّب، من خلال المصالح والمفاسد التي قد يلاحظها الإنسان في هذا الموقع أو ذاك.

ومن الطبيعي أنّ مثل هذه النظرة وهذا السلوك، لا يلتقيان بالمنهج القويم بما يحفظ له المنهج الأخلاقيّ الإسلاميّ، في التزام الحكم بالعدل والتّقويم الصحيح للأشياء أو الأشخاص، من خلال الحقيقة الواقعيّة الكامنة في عمق الموقع أو الشّيء أو الشّخص، بعيداً من الانفعالات النفسية والخلفيات الذاتية، لأنّ ذلك هو خطّ العدل الذي رسمه الله للإنسان، من خلال ما أراده له من رفض اعتبار الشنآن والعداوة والبغضاء ونحوها من الموانع التي تمنع من كلمة العدل، ومن الدعوة إلى القول بالعدل حتى مع الأقرباء، فلا تكون العاطفة سبباً في الانحراف عن الحكم عليهم بالحقّ.

يا ربّ، إنني الإنسان الذي يحبّ أن يبقى في مواقع رضاك، فتكون حركته في خطّك المستقيم، ويفكّر في الانطلاق في آفاقك الرّحبة في القيم الروحية التي تستمدّ عمق الالتزام الفكري والروحي والعملي من وحيك الذي أنزلته على الناس من خلال رسلك، وهذا ما يجعلني أتوسَّل إليك أن ترعاني بلطفك، وتسهّل لي سبيل طاعتك، وتفتح لي أبواب محبّتك، وتبعدني عن التجربة الصّعبة التي قد تسقطني وتعرّضني للكثير من حالات الاهتزام النفسي الذي أفقد فيه توازن الموقف في حياتي العملية وفي نظرتي إلى الناس.

وإذا كان الفقر يمثل الوضع الضّاغط على إرادة الإنسان من خلال ضغطه على حاجاته ومواقعه، بحيث قد يغفل عن نفسه وإيمانه أمام الصّعوبات التي تواجهه منه، فإني أتوسَّل إليك أن تصون كرامتي وعزتي بالغنى والثروة، وتحفظها عن الابتذال والامتهان بفعل الحاجة الشّديدة التي تدفعني إلى الخضوع لسؤال الآخرين، والفقر القاسي الذي يضعني تحت رحمة الناس من حولي، فأندفع إلى سؤال الذين يملكون الرزق الواسع الذي رزقتهم إيّاه، وإلى استعطاء شرار النّاس من خلقك من الذين يستغلّون حاجة الناس من أجل الحصول على الدرجة العليا لديهم، من خلال العطاء الذي يجلب قلوبهم ويحرّك مشاعرهم باتجاههم، الأمر الذي يجعلني في موقف الفتنة التي تجذب المشاعر الغريزية في الإنسان، فتتّجه بي عن الخطّ المستقيم الواصل إليك، فأحمد من لا يستحقّ الحمد لأنه أعطاني، وأذمّ من لا يستحقّ الذمّ لأنه منعني، في الوقت الذي تنطلق الحقيقة الإيمانيّة لتذكّرني بأنّك ـ وحدك ـ وليّ العطاء والمنع، لأنّك ـ لا هؤلاء الناس ـ الذي تملك الرّزق كلّه، والقلوب كلّها، فتحرّك الرّزق هنا لتدفعه إلى هذا الموقع، ولتمنعه عن ذلك، من خلال الفكر الذي يوحي، والقلب الذي يخفق، واليد التي تعطي أو تمنع، والظّروف التي تهيّئ الأجواء الملائمة للعطاء أو المنع، فأنت وليّ الحياة كلّها، وليس الخلق إلا الأدوات الحيّة أو الجامدة التي توجّهها بما تشاء وكيف تشاء.

*من كتاب "في رحاب دعاء مكارم الأخلاق".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية