كتابات
14/09/2021

أخوّةُ الإيمانِ أعمقُ وأقوى من أخوّةِ النّسبِ

أخوّةُ الإيمانِ أعمقُ وأقوى من أخوّةِ النّسبِ

يقول تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: 10]. تؤكّد هذه الفقرة من الآية، أنّ من العناصر الأساسيّة لشخصيّة المؤمن، هي أن يعيش الإحساس بالأخوّة مع المؤمن الآخر، بحيث يدرس ما هي علاقته النسبيّة بأخيه، ويستعرض طبيعة هذه العلاقة.

ونحن نعرف أنّ العلاقة في معناها المادّيّ هي النسب، وعلاقة الدم الذي يشترك فيه الناس في علاقة القرابة، أما العناصر الأخرى التي ينفتح فيها الإنسان على أخيه عاطفياً، أو التي يألف فيها الإنسان أخاه، أو التي يشعر فيها بالعلاقة الواقعيّة التي تربطه بأخيه، فهي عناصر طارئة وليست عميقة، فالبيت الواحد الذي يضمّ الإخوة، هو الذي يصنع الألفة فيما بينهم، والمصير الواحد ـ بحسب الظروف الموضوعيّة ـ هو الذي يجمع الإخوة على التناصر والتعاون، وتلعب الأجواء العائلية البيتية دوراً في التماس بين أخ وأخيه تحت ظلال الوالدين اللّذين يحشدان في مشاعرهم معنى المحبّة والعاطفة.

هذا هو الذي يجعل علاقة الدم منفتحة على علاقة القلب والواقع، فلا بدّ للإنسان أن يدرس ذلك، وأن يعرف أنّ علاقة الدّم تختزن في داخلها معنى يربط الطّرفين، ولكنّها لا تعني علاقة الروح والقلب والحياة إلّا من خلال ما تحيط به الظروف الموضوعيّة هنا وهناك.

أمّا علاقة الإيمان، فإنها راسخة في وعي الإنسان عندما يتمثلها في وجدانه الإيماني، ذلك أنّ علاقة الإيمان تعني أنك ترتبط بأخيك من خلال الله، فالله الّذي تؤمن به ويؤمن به، هو ما يوحّده بك ويوحّدك به باعتبار أنّ إيمانكما به ينبع من كونه الخالق والمنعم والمحيي والمميت، ومن حيث هو سرّ وجودك وسرّ وجود أبويك اللذين ارتبط بهما وجودك، وسرّ الدّم الذي يجري في عروقك وعروق إخوانك.

فعندما تعتبر أنّ الله هو الذي يجمعك بأخيك، وأنّ هذا الإحساس المشترك بالله من خلال إيمانك به؛ الإيمان الذي يعيش في عقلك وقلبك ومشاعرك وأحاسيسك ومواقفك كما يعيش في الآخر، فإنّ الموقف من العلاقة يختلف.

وإذاً، فالإيمان هو الذي يجمعكما من خلال سرّ الوجود، ومن خلال كل معانيه العقلية والعاطفية والشعورية والحركية في الحياة، بحيث تشعر بأنك هو، ويشعر بأنه أنت، من خلال هذا الإيمان الذي يجري في مفاصل عقلك وقلبك وحياتك.

وتمتدّ العلاقة بعد ذلك لتشعر بأنك ترتبط به من خلال رسول الله (ص)، ومن خلال رسالة الله التي تنفتح على كلّ أنبياء الله، وكلّ رسالات الله، كما تلتقيان على كتاب الله وعلى بيت الله في القبلة، وعلى كلّ ما يفرضه الإيمان عليك في كلّ عملك وعلاقاتك ومواقفك.

هنا، عندما تتعمّق في الإحساس بذلك، فإنك تشعر بأنّ علاقتك به علاقة عقل بعقل، وإحساس بإحساس، وحركة بحركة، وخطّ بخطّ، وغاية بغاية، وانفتاح على اليوم الآخر من خلال ما يؤدّي إليه هذا الإيمان في ذلك الحلم الكبير الّذي تعيشه أنت كما يعيشه هو من حيث التطلّع إلى رضا الله ونعيمه.

إذاً، فالعلاقة الإيمانيّة تنطلق في كلّ كيانك، بينما العلاقة النسبيّة تتحرّك من خلال الجانب المادّيّ في جسدك. وبهذا، كانت علاقة الأخوّة الإيمانية أعمق من علاقة الأخوة النسبيّة، وهذا ما نلاحظه في علاقة أعمق من علاقة الأخوّة، وهي علاقة الأب بابنه وعلاقة الابن بأبيه، فنحن نقرأ في القرآن الكريم في حديث الله عن "نوح" عندما قال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ}[هود: 45]، وقد وعدتني أن تنقذ أهلي معي، {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}[هود: 46]. فعندما اصطدمت علاقة النسب بعلاقة الإيمان، سقطت علاقة النسب وألغتها علاقة الإيمان...

وفي المقابل، نلتقي بالحديث الشّريف الذي يقول: "سلمان منّا أهل البيت". فما أبعد العلاقة النسبية بين "سلمان" وبين أهل البيت (ع)! ولكنّ العلاقة الإيمانيّة جعلته يرتبط ارتباطاً عضويّاً بأهل البيت:

كانت مودّةُ سلمانَ لهم رحماً ولم يكنْ بينَ نوحٍ وابنِهِ رحمُ

وهذه العلاقة هي التي أراد الله لكلّ مؤمن ومؤمنة أن يتحمّل مسؤوليّاتها، بحيث تبقى الأخوّة ممتدّة في حياتهم، حتى إنها إذا تعرّضت لأيّ اهتزاز، كانت مسؤوليّة المؤمنين أن ينفروا جميعاً من أجل أن يثبّتوها وأن يمنعوا هذا الاهتزاز.

*من كتاب "النّدوة"، ج 4.

يقول تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: 10]. تؤكّد هذه الفقرة من الآية، أنّ من العناصر الأساسيّة لشخصيّة المؤمن، هي أن يعيش الإحساس بالأخوّة مع المؤمن الآخر، بحيث يدرس ما هي علاقته النسبيّة بأخيه، ويستعرض طبيعة هذه العلاقة.

ونحن نعرف أنّ العلاقة في معناها المادّيّ هي النسب، وعلاقة الدم الذي يشترك فيه الناس في علاقة القرابة، أما العناصر الأخرى التي ينفتح فيها الإنسان على أخيه عاطفياً، أو التي يألف فيها الإنسان أخاه، أو التي يشعر فيها بالعلاقة الواقعيّة التي تربطه بأخيه، فهي عناصر طارئة وليست عميقة، فالبيت الواحد الذي يضمّ الإخوة، هو الذي يصنع الألفة فيما بينهم، والمصير الواحد ـ بحسب الظروف الموضوعيّة ـ هو الذي يجمع الإخوة على التناصر والتعاون، وتلعب الأجواء العائلية البيتية دوراً في التماس بين أخ وأخيه تحت ظلال الوالدين اللّذين يحشدان في مشاعرهم معنى المحبّة والعاطفة.

هذا هو الذي يجعل علاقة الدم منفتحة على علاقة القلب والواقع، فلا بدّ للإنسان أن يدرس ذلك، وأن يعرف أنّ علاقة الدّم تختزن في داخلها معنى يربط الطّرفين، ولكنّها لا تعني علاقة الروح والقلب والحياة إلّا من خلال ما تحيط به الظروف الموضوعيّة هنا وهناك.

أمّا علاقة الإيمان، فإنها راسخة في وعي الإنسان عندما يتمثلها في وجدانه الإيماني، ذلك أنّ علاقة الإيمان تعني أنك ترتبط بأخيك من خلال الله، فالله الّذي تؤمن به ويؤمن به، هو ما يوحّده بك ويوحّدك به باعتبار أنّ إيمانكما به ينبع من كونه الخالق والمنعم والمحيي والمميت، ومن حيث هو سرّ وجودك وسرّ وجود أبويك اللذين ارتبط بهما وجودك، وسرّ الدّم الذي يجري في عروقك وعروق إخوانك.

فعندما تعتبر أنّ الله هو الذي يجمعك بأخيك، وأنّ هذا الإحساس المشترك بالله من خلال إيمانك به؛ الإيمان الذي يعيش في عقلك وقلبك ومشاعرك وأحاسيسك ومواقفك كما يعيش في الآخر، فإنّ الموقف من العلاقة يختلف.

وإذاً، فالإيمان هو الذي يجمعكما من خلال سرّ الوجود، ومن خلال كل معانيه العقلية والعاطفية والشعورية والحركية في الحياة، بحيث تشعر بأنك هو، ويشعر بأنه أنت، من خلال هذا الإيمان الذي يجري في مفاصل عقلك وقلبك وحياتك.

وتمتدّ العلاقة بعد ذلك لتشعر بأنك ترتبط به من خلال رسول الله (ص)، ومن خلال رسالة الله التي تنفتح على كلّ أنبياء الله، وكلّ رسالات الله، كما تلتقيان على كتاب الله وعلى بيت الله في القبلة، وعلى كلّ ما يفرضه الإيمان عليك في كلّ عملك وعلاقاتك ومواقفك.

هنا، عندما تتعمّق في الإحساس بذلك، فإنك تشعر بأنّ علاقتك به علاقة عقل بعقل، وإحساس بإحساس، وحركة بحركة، وخطّ بخطّ، وغاية بغاية، وانفتاح على اليوم الآخر من خلال ما يؤدّي إليه هذا الإيمان في ذلك الحلم الكبير الّذي تعيشه أنت كما يعيشه هو من حيث التطلّع إلى رضا الله ونعيمه.

إذاً، فالعلاقة الإيمانيّة تنطلق في كلّ كيانك، بينما العلاقة النسبيّة تتحرّك من خلال الجانب المادّيّ في جسدك. وبهذا، كانت علاقة الأخوّة الإيمانية أعمق من علاقة الأخوة النسبيّة، وهذا ما نلاحظه في علاقة أعمق من علاقة الأخوّة، وهي علاقة الأب بابنه وعلاقة الابن بأبيه، فنحن نقرأ في القرآن الكريم في حديث الله عن "نوح" عندما قال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ}[هود: 45]، وقد وعدتني أن تنقذ أهلي معي، {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}[هود: 46]. فعندما اصطدمت علاقة النسب بعلاقة الإيمان، سقطت علاقة النسب وألغتها علاقة الإيمان...

وفي المقابل، نلتقي بالحديث الشّريف الذي يقول: "سلمان منّا أهل البيت". فما أبعد العلاقة النسبية بين "سلمان" وبين أهل البيت (ع)! ولكنّ العلاقة الإيمانيّة جعلته يرتبط ارتباطاً عضويّاً بأهل البيت:

كانت مودّةُ سلمانَ لهم رحماً ولم يكنْ بينَ نوحٍ وابنِهِ رحمُ

وهذه العلاقة هي التي أراد الله لكلّ مؤمن ومؤمنة أن يتحمّل مسؤوليّاتها، بحيث تبقى الأخوّة ممتدّة في حياتهم، حتى إنها إذا تعرّضت لأيّ اهتزاز، كانت مسؤوليّة المؤمنين أن ينفروا جميعاً من أجل أن يثبّتوها وأن يمنعوا هذا الاهتزاز.

*من كتاب "النّدوة"، ج 4.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية