كان عليٌّ (ع) ذات يوم مع أصحابه، وكان هناك خارجيّ، وتكلَّم الإمام بكلمة، وأعجبت هذا الخارجيّ ـــ وكان الخوارج يكفِّرون عليّاً ـــ فقال هذا الخارجيّ وهو يشير إلى عليّ (ع): "قاتله الله كافراً ما أفقهه!"، والإمام عليّ (ع) كان صاحب السلطة العليا آنذاك، والخوارج لا يمثّلون شيئاً، فوَثَبَ إليه القوم ليقتلوه، فالتفت إليهم الإمام وقال: "رويداً، إنَّما هو سبّ بسبّ، أو عفو عن ذنب"1، سبّني فمن حقّي أن أسبّه، يقول الله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة: 194]، {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[البقرة: 237].
هذا هو موقف عليّ (ع)، وهذا ما يجب أنْ نتعلَّمه؛ أن لا نعتبر القيادات فوق النّقد، مهما أخذت من حجم، ومهما أخذت من قداسة، فليس هناك من معصوم. ولكن ليكن النّقد موضوعيّاً وبنّاءً، بل قد يجب على الأُمّة أن تنقد مسؤوليها، حتّى لا تغريهم بالخطأ، وحتّى لا تغرّهم بأنفسهم، وحتّى يشعروا بمسؤوليّتهم في قيادة الأُمّة.
هذا ما يجب أن نتعلَّمه. ويجب أن نتعلَّم أن ننقد أنفسنا بأنفسنا، وأن ينقد بعضنا بعضاً، سواء كانت المسألة نقد القيادة للقاعدة، أو نقد القاعدة للقيادة، ولأنَّ المسألة إذا لم ترتكز على أساس النقد البنّاء، فستضيع قضايا الأُمّة أمام بهلوانيّات الأشخاص وقداستهم. وهذا ليس فقط في الدائرة الفرديّة، بل حتّى في دائرة المواقع والمحاور. هناك في السّاحة أحزاب وحركات ومنظّمات وجمعيات، وفي الأحزاب الكثير من الخطأ، وكذلك في المنظّمات وفي الحركات وفي الجمعيات الكثير من الخطأ، ولكنَّنا تعوّدنا أن نسكت عن أخطائنا وننظر إلى أخطاء الآخرين، تعوَّدنا أن نخفي أخطاءنا وأنْ نتعصَّب لها، وأن نحمي المخطئين والمجرمين منّا، لأنَّ المجرم منّا إذا ظهرت جريمته، فسوف تنعكس على الحزب أو المنظَّمة أو الحركة أو الجمعيّة أو الطّائفة وما إلى ذلك. ولهذا نفكّر ونعمل على أن نحمي المجرم أو نخفِّف من جريمته أو نخفيها لأنّه منّا. أمّا إذا فعل إنسان آخر جريمةً أقلَّ من جريمة صاحبنا، ومعصيةً أقلّ من معصية صاحبنا، فإنَّنا نسقط السّماء على الأرض؛ أين الدّين؟! وأين الشّريعة؟ وأين القانون؟ وأين المبادئ؟، ألاَ نفعل ذلك؟! ولهذا تخرب هذه المواقع عندما يجد المجرمون غطاءً لجريمتهم، وعندما يجد المنحرفون غطاءً لانحرافهم، وعندما نتعصَّب للمجرمين لأنّهم من جماعتنا ومن إخواننا وحزبنا وحركتنا وطائفتنا، فإنَّ الجريمة تنتشر في مجتمعاتنا.
إذا كنت صاحب مبدأ، فعليك أن تحاسب النّاس من خلال المبدأ. "مَنْ كَانَ للهِ مُطِيعاً فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ، وَمَنْ كَانَ للهِ عَاصِياً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ"2.
أيّ تجمّع سياسي أو اجتماعيّ يحمي اللّصوص فهو اللّصّ، أو يحمي القتلة فهو القاتل، أو يحمي المنحرفين فهو المنحرف، أو يحمي المفسدين فهو المفسد، لأنَّك لا يمكن أن تكون صالحاً وتحبّ المفسدين، {إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[القصص: 77]، فكيف تحبّ المفسدين ولو كانوا من جماعتك، وتقول إنّك تحبّ الله؟! إنَّ هذا الخلل هو الّذي أدّى إلى كلّ هذا الإرباك والتّعقيد والتّشويه، وإلى كلّ الواقع الّذي يتحرّك فيه المجرمون والخائنون والقَتَلَة والسّارقون والمفسدون، فهؤلاء تحرَّكوا على أساس أنّهم انتموا إلى هذه الجهة، فأعطتهم غطاءها، وحرمت الآخرين من أن يواجهوهم، بل إنّها قد تدخل معركة ضدّ الآخرين من أجلهم.
*من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".
[1] نهج البلاغة، ج:20، باب:428، ص:63
[2]الكافي، الكليني، ج2، ص 74.
كان عليٌّ (ع) ذات يوم مع أصحابه، وكان هناك خارجيّ، وتكلَّم الإمام بكلمة، وأعجبت هذا الخارجيّ ـــ وكان الخوارج يكفِّرون عليّاً ـــ فقال هذا الخارجيّ وهو يشير إلى عليّ (ع): "قاتله الله كافراً ما أفقهه!"، والإمام عليّ (ع) كان صاحب السلطة العليا آنذاك، والخوارج لا يمثّلون شيئاً، فوَثَبَ إليه القوم ليقتلوه، فالتفت إليهم الإمام وقال: "رويداً، إنَّما هو سبّ بسبّ، أو عفو عن ذنب"1، سبّني فمن حقّي أن أسبّه، يقول الله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة: 194]، {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[البقرة: 237].
هذا هو موقف عليّ (ع)، وهذا ما يجب أنْ نتعلَّمه؛ أن لا نعتبر القيادات فوق النّقد، مهما أخذت من حجم، ومهما أخذت من قداسة، فليس هناك من معصوم. ولكن ليكن النّقد موضوعيّاً وبنّاءً، بل قد يجب على الأُمّة أن تنقد مسؤوليها، حتّى لا تغريهم بالخطأ، وحتّى لا تغرّهم بأنفسهم، وحتّى يشعروا بمسؤوليّتهم في قيادة الأُمّة.
هذا ما يجب أن نتعلَّمه. ويجب أن نتعلَّم أن ننقد أنفسنا بأنفسنا، وأن ينقد بعضنا بعضاً، سواء كانت المسألة نقد القيادة للقاعدة، أو نقد القاعدة للقيادة، ولأنَّ المسألة إذا لم ترتكز على أساس النقد البنّاء، فستضيع قضايا الأُمّة أمام بهلوانيّات الأشخاص وقداستهم. وهذا ليس فقط في الدائرة الفرديّة، بل حتّى في دائرة المواقع والمحاور. هناك في السّاحة أحزاب وحركات ومنظّمات وجمعيات، وفي الأحزاب الكثير من الخطأ، وكذلك في المنظّمات وفي الحركات وفي الجمعيات الكثير من الخطأ، ولكنَّنا تعوّدنا أن نسكت عن أخطائنا وننظر إلى أخطاء الآخرين، تعوَّدنا أن نخفي أخطاءنا وأنْ نتعصَّب لها، وأن نحمي المخطئين والمجرمين منّا، لأنَّ المجرم منّا إذا ظهرت جريمته، فسوف تنعكس على الحزب أو المنظَّمة أو الحركة أو الجمعيّة أو الطّائفة وما إلى ذلك. ولهذا نفكّر ونعمل على أن نحمي المجرم أو نخفِّف من جريمته أو نخفيها لأنّه منّا. أمّا إذا فعل إنسان آخر جريمةً أقلَّ من جريمة صاحبنا، ومعصيةً أقلّ من معصية صاحبنا، فإنَّنا نسقط السّماء على الأرض؛ أين الدّين؟! وأين الشّريعة؟ وأين القانون؟ وأين المبادئ؟، ألاَ نفعل ذلك؟! ولهذا تخرب هذه المواقع عندما يجد المجرمون غطاءً لجريمتهم، وعندما يجد المنحرفون غطاءً لانحرافهم، وعندما نتعصَّب للمجرمين لأنّهم من جماعتنا ومن إخواننا وحزبنا وحركتنا وطائفتنا، فإنَّ الجريمة تنتشر في مجتمعاتنا.
إذا كنت صاحب مبدأ، فعليك أن تحاسب النّاس من خلال المبدأ. "مَنْ كَانَ للهِ مُطِيعاً فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ، وَمَنْ كَانَ للهِ عَاصِياً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ"2.
أيّ تجمّع سياسي أو اجتماعيّ يحمي اللّصوص فهو اللّصّ، أو يحمي القتلة فهو القاتل، أو يحمي المنحرفين فهو المنحرف، أو يحمي المفسدين فهو المفسد، لأنَّك لا يمكن أن تكون صالحاً وتحبّ المفسدين، {إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[القصص: 77]، فكيف تحبّ المفسدين ولو كانوا من جماعتك، وتقول إنّك تحبّ الله؟! إنَّ هذا الخلل هو الّذي أدّى إلى كلّ هذا الإرباك والتّعقيد والتّشويه، وإلى كلّ الواقع الّذي يتحرّك فيه المجرمون والخائنون والقَتَلَة والسّارقون والمفسدون، فهؤلاء تحرَّكوا على أساس أنّهم انتموا إلى هذه الجهة، فأعطتهم غطاءها، وحرمت الآخرين من أن يواجهوهم، بل إنّها قد تدخل معركة ضدّ الآخرين من أجلهم.
*من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".
[1] نهج البلاغة، ج:20، باب:428، ص:63
[2]الكافي، الكليني، ج2، ص 74.