كتابات
07/07/2020

نقف على مفترق طرق.. هل نشعر بالمسؤوليّة؟!

نقف على مفترق طرق.. هل نشعر بالمسؤوليّة؟!

عندما يبدأ الإنسان في اعتبار الواقع الحياتي "مشكلة" تثير اهتمامه وتشغل تفكيره وتهزّ وجدانه، فمعنى ذلك أنَّه بدأ يتحرّك في طريق المعرفة، ويحيا واقعه في اتجاه جديد قد يتحوّل به إلى تغيير جذري لمظاهره، وتطويرٍ حيّ لأهدافه واتجاهاته.

أمّا كيف ترتبط هذه القضيّة بتلك الآثار، وكيف تنطلق من تلك النّتائج، فلن يعوزنا التعرّف إلى ذلك، من خلال ملاحظة الوضع الذّاتي الذي يعيشه الإنسان في ظلّ واقعه في إطار "اللامبالاة" والتسليم اليائس، إلى جانب الوجه الآخر لهذا الوضع الذي يعيشه في إطار الواقع "المشكلة".

فقد نجده في الوجه الأوّل إنساناً يسير مع الواقع في انخذال العاجز وتسليم اليائس، فهو قد وجد نفسه مع هذا الواقع، فعاش معه واعتاد على أجوائه واستسلم لعاداته وتقاليده، ولهذا، فهو لا يفكّر في الخروج منه، ولا بالخروج عليه، مهما تألّم، ومهما تحطّم، لأنَّه لا يريد أن يتعب نفسه، ولا يحمّلها مسؤوليّة العمل ومتاعبه.

ومن هنا، كان الرّضى بالواقع عنده يمثّل المظهر الحيّ لانهيار الإرادة في شخصيّته، والهروب النفسي في داخله، لا الاقتناع الفكري الروحي بهذا الواقع.

وربَّما نستطيع أن نلمح في بعض نماذجه، من لا يحبّ لهذا الواقع أن يتغيَّر، حتى وإن لم يكلّفه ذلك شيئاً، كما إذا قام به شخص آخر غيره، لأنَّ مثل ذلك قد يتعبه، بما يستتبعه من تحوّل بحياته إلى جهة أخرى، الأمر الذي يرهق فيه طبيعة حبّ الرّاحة والسّلامة.

ومثل هذه النماذج تصرّ كثيراً على أن تجد لكلّ مشكلة تُثار حول الواقع، ولكلّ قضيّة تعرض لديه، جواباً ينطلق من طبيعة وضعها الّذي يريد أن ينتهي من القضايا التي تشغل الفكر وتعكّر الصفو بيسر وسهولة، فقضيّة العمل تصطدم في جوابه بألف مشكلة ومشكلة، وموضوع الانطلاق بالواقع إلى قاعدة فكريّة متينة تحفظ له سلامته، وتهيّئ له استقراره، وتسير به في خطوط واضحة ثابتة، تتعثّر ـ في أسلوبه ـ بألف مستحيل ومستحيل؛ فالعمل غير ممكن، وتغيير الواقع مستحيل، إذاً، فالرّضى بالواقع متعيّن.

أمّا في "الوجه الثاني"، فسنجد الإنسان "الحركيّ" الذي لم يستطع الواقع أن يُخضع فكره وعقله، ويهزم إرادته وقوّته، ولم يقدر لحبّ السلامة والراحة أن يسيطر على روحه ووجدانه، فهو قد وجد نفسه في ظلّ هذا الواقع، فحاول أن يفهمه ويحياه ويعيه، ليفهم حياته ويحيا قضيّة وجوده، ويعي مركزه الطبيعي في هذه الحياة، ودوره العملي في هذا الوجود.

إنَّه لم يتّصل بهذا الواقع ليذوب فيه أو يستسلم له، بل حاول أن ينفصل عنه ويحرّر نفسه من مؤثّراته، ليستطيع الحكم عليه أو له.

ومن هنا، يبدأ الشعور بالمشكلة في ظلّ الواقع، أو الواقع في ظلّ المشكلة، لأنَّ طبيعة المشكلة تنبع من ملاحظة الواقع في نظرة اتهام، وفي موضوع دراسة.. فذلك هو الذي يخلق المشكلة ويتحوَّل بالواقع إلى مشكلة.

والشعور بالمشكلة بعمق، يفرض العمق في دراسة الواقع والشمول في معرفته، والوعي اليقظ في النفاذ إلى جوانبه.

ومتى توفّرت هذه الجهات في قضيّة، فاستطعنا أن نحصل على الوعي والعمق والشّمول في إطار النظرة إليها، فإنّنا نستطيع الادّعاء حينئذٍ أنَّنا نقف على أبواب معرفة جديدة وحلّ جديد، وبالتالي على حياة جديدة لا تنحرف فيها الخطى عن قصدها، لأنها تتّجه إلى أهدافها باتزان واستقامة.

والعمل في سبيل الله والدعوة إلى دينه، من بين القضايا التي يلتقي بها الإنسان المسلم في حياته العمليّة، عبر وعيه العميق لمسؤوليّته تجاه دينه، وشعوره بالحاجة الملحّة إلى أن يعمل شيئاً من أجل تعريف النّاس به، وتجميع القوى العاملة حوله، ليتسنّى له أن يحتلّ مركزه الطبيعي في الحياة كقاعدة للتّفكير والعمل. وإذا قدّر للإنسان أن يلتقي بمسؤوليّة العمل في ذاته، وحاول أن يبدأ الدّرب نحو إخضاع طاقاته العمليّة للقيام بتلك المسؤوليّة، فإنَّه سيلتقي ـ حتماً ـ بهذين النّموذجين من النّاس، وسيكون موقفهما من العمل تابعاً للموقف العام الذي يتّخذه كلّ منهما من المشكلات العامّة للواقع الحياتي، فيبدأ النموذج الأوّل في إثارة علامات الاستفهام أمام طبيعة العمل ونوعيّته وجدواه، ومدى إمكانيّات النجاح فيه، والمضاعفات التي تترتّب عليه وتنشأ منه.

ولن يقف ليجري معك في التّفكير في الأجوبة الصّحيحة عن هذه التساؤلات، بل يحاول، جاهداً، وبغير انتظار، أن يؤكِّد لك خيالية العمل وقلّة جدواه، وعدم توفّر شروط النجاح فيه، وخطورة المضاعفات النّاتجة منه، ومدى إساءته إلى العقيدة فكرةً وأسلوباً.

أمّا إذا حاولت إثارة علامة استفهام واحدة أمام هذا الحشد الضَّخم من الأحكام السَّريعة، فلن تجد إلا اللّفّ والدّوران النّاشئ من فقدان الوعي للقضيّة، وعدم دراسة الموضوع جملةً وتفصيلاً، وبالتّالي، من الرّغبة في إيجاد المبرّرات.

أمّا إذا حاولت أن تستفهم منه عن الحيثيّات التي استند إليها في هذا الاتهام أو تلك الشّبهة، فإنَّك واجد حديثاً ينقله فلان عن فلان. وهكذا لا تتعدّى القضية في أغلب الأحيان موضوع وشاية من شخص قد يكون ـ هو ـ موضع الشّبهة والاتهام.

إنَّنا نحاول إثارة الحديث في هذا الموضوع، لأنَّ القضيّة ليست قضية فكريّة مجرّدة، بل هي قضيّة العمل في سبيل الله، فنحن لا ننكر أنَّ هناك كثيراً من المحاولات الرامية إلى الانحراف بالإسلام عن أهدافه، والابتعاد به عن الصّراط المستقيم الذي رسمه النبيّ الأعظم محمَّد (ص).

ونحن لا ننفي لجوء هذه المحاولات إلى اتّباع طريقة تشكيل المنظّمات والمؤسّسات التي تنتحل لنفسها صفة الإسلام، من أجل تنفيذ أغراضها وأهدافها.

إنَّنا لا ننكر هذا ولا ننفي ذلك. وقد ننطلق إلى أبعد من ذلك، فنلاحظ وجود أشكال عديدة تتنوّع وتختلف حسب اختلاف الأسلوب الحياتي لصاحبها وتنوّعه، وقد نجد في بعضها ما يبتعد عن الهدف وينحرف عن الغاية، كما نلمح في البعض الآخر ما يسيء إليها ويشوّه بعض معالمها. ولكن هل يبرّر لنا هذا كلّه اتهام العمل نفسه وإثارة الشّكوك حول العاملين جميعاً، والوقوف عند الاتهام وإثارة علامات الاستفهام اللاذعة، من دون أن نتعدّاها إلى البحث عن الموقف الإيجابي الذي يلزمنا اتّباعه والوقوف عنده في إصلاح الأخطاء ودراسة واقع العمل نفسه، بعيداً من المؤثرات النفسية والنوازع الشخصية؟!

قد يكون بعض العاملين على خطأ في أساليبهم أو في أهدافهم، وقد نلمح كثيراً من الانحرافات في بعض خطوط العقيدة في أعمالهم، ولكن قد يكون الكثيرون منهم على صواب، أو ممن يبحث عن الحقيقة والصواب في طريق العمل واتجاهه، الأمر الذي يفتح أمامنا المجال الواسع للبحث عن الأخطاء بإخلاص، ومعالجتها بحذر وهدوء.

وأخيراً، أحبّ أن أشير إلى قضيّة حيويّة جداً في حديثنا هذا، وهي أننا نعيش في معترك الصّراع بين قوى تحاول أن تنحرف بالإسلام عن أهدافه وتفرض عليه حلولاً قد تتنافى مع طبيعته السمحة العادلة، وبين قوى تحاول أن تقضي على القيم والمفاهيم الإسلاميّة بكلّ جهدها وطاقاتها.

وإذا كانت القضيّة تسير في هذا الاتجاه، فإنها تفرض علينا الاحتفاظ بما عندنا من النماذج الواقعيّة للعمل الإسلامي، ومواصلة الجهد في سبيل إبعادها عن التيارات الكافرة والضالّة، لئلا تذوب شخصيّتها الإسلاميّة وتنحرف عن أهدافها العمليّة.

تلك هي المهمّة التي يقع على عاتقنا عبء مسؤوليّتها كسبيل من سبل حماية ما تبقّى من كيان المجتمع الإسلامي من الانحلال والاندثار، ومن الطبيعي ـ حينئذٍ ـ أن لا نلجأ إلى إعلان الحرب على هذه النّماذج، أو السعي إلى الإطاحة بها والإجهاز عليها، بل نحاول اتّباع سبيل الحذر والدقّة في معالجتها، لنحصل ـ بذلك ـ على النّتيجة الحاسمة التي ترتكز على حماية هذه النّماذج من الضّلال، إلى جانب حمايتها من ضغط القوى الكافرة.

وكلمة أخيرة نقولها لهؤلاء الذين يمعنون في محاربة العاملين للإسلام: إنَّ هؤلاء العاملين قد يكونون على خطأ أو ضلال في بعض خطوطهم العامّة أو الخاصّة، إلّا أنَّ إعلان الحرب عليهم وإبعادهم عن الخطّ الإسلامي للعمل، في الوقت الذي لا يملك المحاربون قوّة أخرى تحتضن هذه المشاعر وهذه الاتجاهات، إنَّ إعلان الحرب عليهم في ظلّ هذا الواقع، قد يؤدّي إلى ابتعادهم عن الإسلام وانتقالهم إلى صفوف الكفر والضّلال التي تملك كلّ قوى المادّة والإغراء، وكلّ أساليب الإثارة والتوجيه.

إنَّنا نقف إزاء هذه النماذج الإسلاميّة، على اختلافها، بين أن نبقيها سائرة على الخطّ الإسلامي المستقيم، مع التوفّر على إصلاحها والتركيز على إنقاذها من بعض مفاهيمها الخاطئة، وبين أن نحاربها ونجعلها تتّجه إلى الخطّ الكافر، حيث يذوب الإسلام في داخلها كما يذوب الملح في الماء.

إنَّنا نقف على مفترق الطّرق، فعلينا أن نحدّد اتجاهنا وخطواتنا على أساس الشّعور بالمسؤوليّة، ومراقبة الله سبحانه وتعالى في الإسلام والمسلمين.

{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}[التّوبة: 105].

*من كتاب "قضايانا على ضوء الإسلام".

عندما يبدأ الإنسان في اعتبار الواقع الحياتي "مشكلة" تثير اهتمامه وتشغل تفكيره وتهزّ وجدانه، فمعنى ذلك أنَّه بدأ يتحرّك في طريق المعرفة، ويحيا واقعه في اتجاه جديد قد يتحوّل به إلى تغيير جذري لمظاهره، وتطويرٍ حيّ لأهدافه واتجاهاته.

أمّا كيف ترتبط هذه القضيّة بتلك الآثار، وكيف تنطلق من تلك النّتائج، فلن يعوزنا التعرّف إلى ذلك، من خلال ملاحظة الوضع الذّاتي الذي يعيشه الإنسان في ظلّ واقعه في إطار "اللامبالاة" والتسليم اليائس، إلى جانب الوجه الآخر لهذا الوضع الذي يعيشه في إطار الواقع "المشكلة".

فقد نجده في الوجه الأوّل إنساناً يسير مع الواقع في انخذال العاجز وتسليم اليائس، فهو قد وجد نفسه مع هذا الواقع، فعاش معه واعتاد على أجوائه واستسلم لعاداته وتقاليده، ولهذا، فهو لا يفكّر في الخروج منه، ولا بالخروج عليه، مهما تألّم، ومهما تحطّم، لأنَّه لا يريد أن يتعب نفسه، ولا يحمّلها مسؤوليّة العمل ومتاعبه.

ومن هنا، كان الرّضى بالواقع عنده يمثّل المظهر الحيّ لانهيار الإرادة في شخصيّته، والهروب النفسي في داخله، لا الاقتناع الفكري الروحي بهذا الواقع.

وربَّما نستطيع أن نلمح في بعض نماذجه، من لا يحبّ لهذا الواقع أن يتغيَّر، حتى وإن لم يكلّفه ذلك شيئاً، كما إذا قام به شخص آخر غيره، لأنَّ مثل ذلك قد يتعبه، بما يستتبعه من تحوّل بحياته إلى جهة أخرى، الأمر الذي يرهق فيه طبيعة حبّ الرّاحة والسّلامة.

ومثل هذه النماذج تصرّ كثيراً على أن تجد لكلّ مشكلة تُثار حول الواقع، ولكلّ قضيّة تعرض لديه، جواباً ينطلق من طبيعة وضعها الّذي يريد أن ينتهي من القضايا التي تشغل الفكر وتعكّر الصفو بيسر وسهولة، فقضيّة العمل تصطدم في جوابه بألف مشكلة ومشكلة، وموضوع الانطلاق بالواقع إلى قاعدة فكريّة متينة تحفظ له سلامته، وتهيّئ له استقراره، وتسير به في خطوط واضحة ثابتة، تتعثّر ـ في أسلوبه ـ بألف مستحيل ومستحيل؛ فالعمل غير ممكن، وتغيير الواقع مستحيل، إذاً، فالرّضى بالواقع متعيّن.

أمّا في "الوجه الثاني"، فسنجد الإنسان "الحركيّ" الذي لم يستطع الواقع أن يُخضع فكره وعقله، ويهزم إرادته وقوّته، ولم يقدر لحبّ السلامة والراحة أن يسيطر على روحه ووجدانه، فهو قد وجد نفسه في ظلّ هذا الواقع، فحاول أن يفهمه ويحياه ويعيه، ليفهم حياته ويحيا قضيّة وجوده، ويعي مركزه الطبيعي في هذه الحياة، ودوره العملي في هذا الوجود.

إنَّه لم يتّصل بهذا الواقع ليذوب فيه أو يستسلم له، بل حاول أن ينفصل عنه ويحرّر نفسه من مؤثّراته، ليستطيع الحكم عليه أو له.

ومن هنا، يبدأ الشعور بالمشكلة في ظلّ الواقع، أو الواقع في ظلّ المشكلة، لأنَّ طبيعة المشكلة تنبع من ملاحظة الواقع في نظرة اتهام، وفي موضوع دراسة.. فذلك هو الذي يخلق المشكلة ويتحوَّل بالواقع إلى مشكلة.

والشعور بالمشكلة بعمق، يفرض العمق في دراسة الواقع والشمول في معرفته، والوعي اليقظ في النفاذ إلى جوانبه.

ومتى توفّرت هذه الجهات في قضيّة، فاستطعنا أن نحصل على الوعي والعمق والشّمول في إطار النظرة إليها، فإنّنا نستطيع الادّعاء حينئذٍ أنَّنا نقف على أبواب معرفة جديدة وحلّ جديد، وبالتالي على حياة جديدة لا تنحرف فيها الخطى عن قصدها، لأنها تتّجه إلى أهدافها باتزان واستقامة.

والعمل في سبيل الله والدعوة إلى دينه، من بين القضايا التي يلتقي بها الإنسان المسلم في حياته العمليّة، عبر وعيه العميق لمسؤوليّته تجاه دينه، وشعوره بالحاجة الملحّة إلى أن يعمل شيئاً من أجل تعريف النّاس به، وتجميع القوى العاملة حوله، ليتسنّى له أن يحتلّ مركزه الطبيعي في الحياة كقاعدة للتّفكير والعمل. وإذا قدّر للإنسان أن يلتقي بمسؤوليّة العمل في ذاته، وحاول أن يبدأ الدّرب نحو إخضاع طاقاته العمليّة للقيام بتلك المسؤوليّة، فإنَّه سيلتقي ـ حتماً ـ بهذين النّموذجين من النّاس، وسيكون موقفهما من العمل تابعاً للموقف العام الذي يتّخذه كلّ منهما من المشكلات العامّة للواقع الحياتي، فيبدأ النموذج الأوّل في إثارة علامات الاستفهام أمام طبيعة العمل ونوعيّته وجدواه، ومدى إمكانيّات النجاح فيه، والمضاعفات التي تترتّب عليه وتنشأ منه.

ولن يقف ليجري معك في التّفكير في الأجوبة الصّحيحة عن هذه التساؤلات، بل يحاول، جاهداً، وبغير انتظار، أن يؤكِّد لك خيالية العمل وقلّة جدواه، وعدم توفّر شروط النجاح فيه، وخطورة المضاعفات النّاتجة منه، ومدى إساءته إلى العقيدة فكرةً وأسلوباً.

أمّا إذا حاولت إثارة علامة استفهام واحدة أمام هذا الحشد الضَّخم من الأحكام السَّريعة، فلن تجد إلا اللّفّ والدّوران النّاشئ من فقدان الوعي للقضيّة، وعدم دراسة الموضوع جملةً وتفصيلاً، وبالتّالي، من الرّغبة في إيجاد المبرّرات.

أمّا إذا حاولت أن تستفهم منه عن الحيثيّات التي استند إليها في هذا الاتهام أو تلك الشّبهة، فإنَّك واجد حديثاً ينقله فلان عن فلان. وهكذا لا تتعدّى القضية في أغلب الأحيان موضوع وشاية من شخص قد يكون ـ هو ـ موضع الشّبهة والاتهام.

إنَّنا نحاول إثارة الحديث في هذا الموضوع، لأنَّ القضيّة ليست قضية فكريّة مجرّدة، بل هي قضيّة العمل في سبيل الله، فنحن لا ننكر أنَّ هناك كثيراً من المحاولات الرامية إلى الانحراف بالإسلام عن أهدافه، والابتعاد به عن الصّراط المستقيم الذي رسمه النبيّ الأعظم محمَّد (ص).

ونحن لا ننفي لجوء هذه المحاولات إلى اتّباع طريقة تشكيل المنظّمات والمؤسّسات التي تنتحل لنفسها صفة الإسلام، من أجل تنفيذ أغراضها وأهدافها.

إنَّنا لا ننكر هذا ولا ننفي ذلك. وقد ننطلق إلى أبعد من ذلك، فنلاحظ وجود أشكال عديدة تتنوّع وتختلف حسب اختلاف الأسلوب الحياتي لصاحبها وتنوّعه، وقد نجد في بعضها ما يبتعد عن الهدف وينحرف عن الغاية، كما نلمح في البعض الآخر ما يسيء إليها ويشوّه بعض معالمها. ولكن هل يبرّر لنا هذا كلّه اتهام العمل نفسه وإثارة الشّكوك حول العاملين جميعاً، والوقوف عند الاتهام وإثارة علامات الاستفهام اللاذعة، من دون أن نتعدّاها إلى البحث عن الموقف الإيجابي الذي يلزمنا اتّباعه والوقوف عنده في إصلاح الأخطاء ودراسة واقع العمل نفسه، بعيداً من المؤثرات النفسية والنوازع الشخصية؟!

قد يكون بعض العاملين على خطأ في أساليبهم أو في أهدافهم، وقد نلمح كثيراً من الانحرافات في بعض خطوط العقيدة في أعمالهم، ولكن قد يكون الكثيرون منهم على صواب، أو ممن يبحث عن الحقيقة والصواب في طريق العمل واتجاهه، الأمر الذي يفتح أمامنا المجال الواسع للبحث عن الأخطاء بإخلاص، ومعالجتها بحذر وهدوء.

وأخيراً، أحبّ أن أشير إلى قضيّة حيويّة جداً في حديثنا هذا، وهي أننا نعيش في معترك الصّراع بين قوى تحاول أن تنحرف بالإسلام عن أهدافه وتفرض عليه حلولاً قد تتنافى مع طبيعته السمحة العادلة، وبين قوى تحاول أن تقضي على القيم والمفاهيم الإسلاميّة بكلّ جهدها وطاقاتها.

وإذا كانت القضيّة تسير في هذا الاتجاه، فإنها تفرض علينا الاحتفاظ بما عندنا من النماذج الواقعيّة للعمل الإسلامي، ومواصلة الجهد في سبيل إبعادها عن التيارات الكافرة والضالّة، لئلا تذوب شخصيّتها الإسلاميّة وتنحرف عن أهدافها العمليّة.

تلك هي المهمّة التي يقع على عاتقنا عبء مسؤوليّتها كسبيل من سبل حماية ما تبقّى من كيان المجتمع الإسلامي من الانحلال والاندثار، ومن الطبيعي ـ حينئذٍ ـ أن لا نلجأ إلى إعلان الحرب على هذه النّماذج، أو السعي إلى الإطاحة بها والإجهاز عليها، بل نحاول اتّباع سبيل الحذر والدقّة في معالجتها، لنحصل ـ بذلك ـ على النّتيجة الحاسمة التي ترتكز على حماية هذه النّماذج من الضّلال، إلى جانب حمايتها من ضغط القوى الكافرة.

وكلمة أخيرة نقولها لهؤلاء الذين يمعنون في محاربة العاملين للإسلام: إنَّ هؤلاء العاملين قد يكونون على خطأ أو ضلال في بعض خطوطهم العامّة أو الخاصّة، إلّا أنَّ إعلان الحرب عليهم وإبعادهم عن الخطّ الإسلامي للعمل، في الوقت الذي لا يملك المحاربون قوّة أخرى تحتضن هذه المشاعر وهذه الاتجاهات، إنَّ إعلان الحرب عليهم في ظلّ هذا الواقع، قد يؤدّي إلى ابتعادهم عن الإسلام وانتقالهم إلى صفوف الكفر والضّلال التي تملك كلّ قوى المادّة والإغراء، وكلّ أساليب الإثارة والتوجيه.

إنَّنا نقف إزاء هذه النماذج الإسلاميّة، على اختلافها، بين أن نبقيها سائرة على الخطّ الإسلامي المستقيم، مع التوفّر على إصلاحها والتركيز على إنقاذها من بعض مفاهيمها الخاطئة، وبين أن نحاربها ونجعلها تتّجه إلى الخطّ الكافر، حيث يذوب الإسلام في داخلها كما يذوب الملح في الماء.

إنَّنا نقف على مفترق الطّرق، فعلينا أن نحدّد اتجاهنا وخطواتنا على أساس الشّعور بالمسؤوليّة، ومراقبة الله سبحانه وتعالى في الإسلام والمسلمين.

{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}[التّوبة: 105].

*من كتاب "قضايانا على ضوء الإسلام".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية