إن طفل اليوم هو شاب الغد، ونشأته مهمة جداً، وقد يستغرب البعض بأن لتلك النوعية
من أفلام أضراراً جسيمة على الطفل، ولكنها الحقيقة التي نضعها بين أيدي عدد من
المختصين الذين أبدوا رأيهم بحياد شديد وموضوعية، مع ذكرنا لنماذج من أبرز أفلام
الكارتون وأكثرها إقبالاً من الأطفال، وما بها من مغالطات تمسّ اللغة والعقيدة
اللذين هما الأساس في تربية الأبناء وتوجيههم للصّواب.
إنّ الطفل عندما يشاهد الرسوم المتحركة التي هي في غالبها من إنتاج الحضارة
الغربيّة، لا يشاهد عرضاً مسلياً يضحكه ويفرحه فحسب، بل يشاهد عرضاً ينقل له نسقاً
ثقافياً متكاملاً.
إن الرسوم المتحركة المنتجة في الغرب، مهما بدت بريئة، إلا أنها لا تخلو من تحيز
للثقافة الغربية، هذا التحيز يكون أحياناً خفيّاً لا ينتبه إليه إلا المتوسمون.
فقصص ((توم وجيري)) تبدو بريئة، ولكنها تحوي دائماً صراعاً بين الذكاء والغباء،
أمّا الخير والشرّ، فلا مكان لهما، وهذا انعكاس لمنظومة قيمية كامنة وراء المنتج،
وكلّ المنتجات الحضارية تجسد التحيز، والرسوم المتحركة في أكثر الأحيان تروج
للعبثية وغياب الهدف من وراء الحركة.
والسلوك والسعي للوصول للنصر والغلبة في حمى السباق والمنافسة بكل طريق، فالغاية
تبرر الوسيلة، كما تعمل على تحريف القدوة، وذلك بإحلال الأبطال الأسطوريين محلّ
القدوة، بدلاً من الأئمة المصلحين والقادة الفاتحين، فنجد الأطفال يقلّدون
((Superman)) و ((Batman))و (Spiderman))، ونحو ذلك من الشخصيات الوهمية التي لا
وجود لها، فتضيع القدوة في خضم القوة الخياليّة المجردة من بعد إيماني.
التأثيرات السلبية:
إن الأفلام الكرتونية التي كانت تعرض في السابق، كانت ذات هدف معين وواضح، وكانت
موافقة لعقلية الطفل الصغير، أما الآن، فإنه نظراً إلى النضج الثقافي والانفتاح
الإعلامي، أصبحت تلك المسلسلات بعيدة أبعد ما تكون عن الواقع، فقد أقحم فيها الخيال
بشكل كبير، وأصبحت فيها معان بارزة تمسّ نشأة الطفل، وفيها مواد مثيرة وعاطفية
تمثّل مواقف العنف والصّراع، والتي يقلّ فيها عنصر التفكير.
هذا علاوة على تلك الحوادث التي أصبحنا نسمع عنها، ونرى من أطفال قضوا نحبهم نتيجة
متابعتهم لبعض برامج الكارتون، فكم من طفل ألقى بنفسه من علوّ وارتفاع كبيرين أسوة
بفعل شخصيته الكرتونية التي تعلق بها.
وفي دراسة تحليلية لأفلام الرسوم المتحركة 1993، طبقت هذه الدراسة على عينة من
أفلام الرسوم المتحركة التي يعرضها التلفزيون، إذ تمّ تحليل خمس حلقات من كل مسلسل
بهدف التعرف إلى القيم والعادات الأجنبية والسلوكية التي تحثّ عليها هذه الأفلام،
وقد تحصلنا إلى أن هناك ثلاث فئات من أفلام الرسوم المتحركة:
1ـ أفلام كارتون شخوصها حيوانية ولا تتضمن عنفاً ظاهراً.
2ـ ورسوم متحركة شخوصها كائنات إنسانيّة وحواراتها تنحو نحو الواقعية.
3ـ ورسوم متحركة شخوصها كائنات بشرية وآلية وحيوانات ضخمة.
هذا عدا استخدام أساليب كلامية نابية من المفروض أن نبعد عنها الأطفال، مثل ((وقح،
غبي، حقير، بائس... وغيرها)). والحقيقة أن المرء يكاد يستغرب وجود قنوات فضائية
تعرض مسلسلات الأطفال على مدار الساعة، فيلجأ الطفل إليها، نظراً إلى عدم وجود
البديل الذي من المفروض أن يهتمّ به.
ونضيف أنّ أفلام الكارتون الحاليّة والحديثة بالذّات، تؤثّر بشكل كبير جداً في لغة
الطفل، حيث إنّ عملية التعريب لها تكون ركيكة جداً وضعيفة ومحشوّة بالعديد من
الألفاظ العامية، ما يجعل المرء يتيقّن تمام اليقين، أنّ هناك محاربة حقيقيّة للغة
العربية الفصحى بشكل واضح وصريح.
ويبدأ التغيير في كلام الطفل من خلال استخداماته للألفاظ والأساليب التي يسمعها،
كما أن الطفل حين يتعلق ببطل معيّن، فإنه يرغب في أن تكون جميع مقتنياته وأدواته
مرسوماً عليها شخصية محببة، وهكذا نلاحظ أنه بدلاً من أن نعلم الطفل الانضباط في
سلوكه، نراه يتوجه إلى المدرسة وهو محاط بالشخصية التي تعلق بها.
كما أنّ كثرة الجلوس أمام شاشة التلفزيون، يخلق منه شخصاً غير مبال وكسول، وتتّسم
شخصيته بالبلادة والخمول، علاوة على ما نلاحظه عليهم من السمنة نتيجة تناول الأطعمة
أمام التلفاز وقلّة الحركة، ومن خلال ملاحظة بسيطة، نلاحظ أن أغلب ما يعرض على
الأطفال، هي مسلسلات تعتمد على الخيال البحت، مثلما نلاحظ في برامج ((عالم
الديجيتال))، كما أن الأطفال يهملون بشكل كبير واجباتهم المدرسية، متأثرين بالأفلام
الكرتونية.
كما أن الأطفال أصبحوا يقتطعون ساعة ونصف السّاعة من الوقت المخصَّص للعب يوميّاً،
من أجل مشاهدة أفلام الكارتون.
وهكذا يعيش الطفل صراعاً بين الواقع والخيال، بل وينمو في داخله الخيال المريض،
نظراً إلى ما يراه أمام عينيه من حروب وقتل، كما أن معاملاته اليوميّة ستتّسم
بالعنف، ويظهر ذلك في تصرّفاته مع أقرب المقرَّبين إليه في البيت.
وبالإضافة إلى ذلك، فإننا نلاحظ جيداً أن أفلام الكارتون تلك تظهر الذكاء على أنّه
الخبث، والطيبة على أنها السذاجة وقلة الحياء، ما ينعكس بصورة أو بأخرى في عقلية
الطفل، وتجعله يستخدم ذكاءه في أمور ضارّة به وبمن حوله. هنا، لا نكاد نستغرب عناد
الأطفال وتمرّدهم في تعاملاتهم وتصرفاتهم، والتي اكتسبوها من مشاهدتهم غير المراقبة
لتلك الأفلام.
ومن هنا، يبرز الصّراع في أعماق الطفل بين ما يشاهده على الشاشة الفضيّة وبين ما
يراه على أرض الواقع من أحداث، لذا، فإن الهدف يبرز بشكل أكبر على المدى البعيد،
ولنأخذ على ذلك برنامج الكرتون ((تيمون وبومبا))، والذي يدور حول أكل الحشرات
والديدان، وهي أمور مقززة في الواقع، ولكن استخدم في سبيل الترويج له الألوان
الملفتة والخلفيات المبهرة والمؤثرات الصوتية والجذابة، دون الأخذ بعين الاعتبار
المضمون وتأثير مثل هذه الأفلام على تكوين جوانب مهمّة في شخصية الطفل.
إنّ ضرر أفلام الرسوم المتحرّكة أكثر من نفعها. ففي لمحة سريعة، يمكن إيجاز ضررها
على الطفل في أنها تقلّل من نشاط الطفل الحركي، مما تؤدي به الى الخمول والكسل، كما
أنها تخفف من ساعات اللعب الضرورية للطفل لطول ساعات البثّ، وكما هو معروف، فإنّ
اللّعب والحركة ضروريّان لنموّ عقل الطفل وجسده، ثم إنها تشكِّل شخصيّة الطفل كيفما
تشاء، وبحسب أهداف من يقوم على بثّ البرامج، ويغرس في نفوسهم القيم الهابطة أو
العالية، الأخلاق السيّئة أو الحسنة، حسب ما يشاهده الطّفل ويراه، بالإضافة إلى أن
التلفاز يرهق العقل والذهن، ويمتصّ كلّ طاقتهما ونشاطهما... لذا، فمن غير المستغرب
أن نرى الطفل بعد مشاهدة طويلة للصّور المتحرّكة، لا يستطيع المذاكرة ولا الحفظ ولا
الفهم ولا الاستيعاب.
ويمكننا القول إنّ أفلام الكارتون ليست لها فقط تأثيرات سلبية، وإنما إيجابية أيضاً،
ونوجزها بما يلي:
ـ التأثيرات الإيجابيّة:
إن مشاهدة الرسوم المتحركة تفيد الطفل في جوانب عديدة، أهمها أنها:
1ـ تنمي خيال الطفل، وتغذي قدراته، إذ تنتقل به الى عوالم جديدة لم تكن تخطر له
ببال، وتجعله يتسلق الجبال ويصعد الفضاء ويقتحم الأحراش ويسامر الوحوش، كما تعرفه
بأساليب مبتكرة متعددة في التفكير والسلوك.
2ـ تزود الطفل بمعلومات ثقافية منتقاة وتسارع بالعملية التعليمية. فبعض أفلام
الرسوم المتحركة تسلّط الضّوء على بيئات جغرافية معيّنة، الأمر الذي يعطي الطفل
معرفة طيّبة ... ومعلومات وافية، والبعض الآخر يسلّط الضّوء على قضايا علمية معقّدة،
كعمل أجهزة جسم الإنسان المختلفة بأسلوب سهل جذّاب، الامر الذي يكسب الطفل معارف
متقدّمة في مرحلة مبكرة.
3ـ تقدم للطفل لغة عربية فصيحة غالباً، لا يجدها في محيطه الأسري، مما ييسّر له
تصحيح النطق وتقويم اللسان وتجويد اللغة، وبما أنّ اللّغة هي الأداة الأولى للنمو
المعرفيّ، فيمكن القول بأن الرّسوم المتحركة من هذا الجانب، تسهم إسهاماً مقدّراً
غير مباشر في نموّ الطفل المعرفيّ، هذا بالإضافة إلى اكتسابه اللغة الأجنبية التي
يلتقطها من مشاهدة هذه الأفلام، ويستفيد منها ويتلقّنها قبل دخوله المدرسة.
4ـ تلبي بعض احتياجات الطفل النفسية، وتشبع له غرائز عديدة، مثل غريزة حبّ
الاستطلاع، فتجعله يستكشف في كلّ يوم جديداً، وغريزة للمنافسة والمسابقة، فتجعله
يطمح للنجاح ويسعى للفوز.
5ـ تزوّد الطفل بمعلومات دينية، وخاصّة أفلام قصص الأنبياء، سفينة النبي نوح (عليه
السلام)، ولادة النبي عيسى (عليه السلام)، أعياد الميلاد، رأس السنة وأعياد الفصح
المجيد.
6ـ أما من الناحية التربوية، فإنها تقدم للطفل خبرات حسية غنية، وهي إحدى الوسائل
التعليميّة، وهذا النوع من البرامج يحثّ الطفل على القيام بكلّ ما هو إيجابي،
وتجعله يميّز الصح من الخطأ والخير من الشّرّ.
7ـ تقدّم للطفل جواً من المتعة والسرور والترفيه، وتجعله يعيش في عالم مليء بالخيال
والأحلام، لما فيها من إثارة وجاذبية وترفيه، وهي ذات تقنية عالية ومسلية وشيقة،
وهي تجذب الأطفال، فتصرف شغبهم وإزعاجهم عن الآباء.
دور الأهل ومؤسسات الإعلام :
لقد أكد أحد الباحثين من أهل الاختصاص في التربية، أن الإعلام العربي يستطيع أن
يبدع إذا أتيحت له الفرصة لذلك، ويوجد لدينا على الساحة العربية أسماء لامعة في
الإنتاج الإعلاميّ، ويستطيع الكثير من المخرجين والمنتجين العرب إيجاد شخصيّة
كرتونيّة، وعلى الإعلام العربي أن يتعامل مع الإنتاجات العربية الرائدة في هذا
المجال.
ولقد طالب أيضاً بتقديم الشخصيات من خلال النموذج الأفضل لأطفالنا، والتي تنسجم مع
عاداتنا وتقاليدنا، وأن تنهض بمستواه الثقافي، والإقلال من الأفلام والبرامج
المستوردة، وأن يكون لدينا برامجنا الخاصة.
وللأسرة دور كبير في الاستخدام السّليم للتلفزيون، حيث يقع على عاتقها تعويد الطفل
على أوقات محدَّدة للمشاهدة، من توجيهه إلى بعض الأنشطة الأخرى، كالقراءة واللعب
والرسم، وأن يناقش الأهل الطفل عقب هذه البرامج، وتعزيز المفاهيم الإيجابية، وتصحيح
المفاهيم الخاطئة لديه، فعلى الوالدين أن يوضحوا لأبنائهم أهداف ومعاني ما شاهدوه،
بدلاً من تركهم يحصلون على تلك المعلومات من مصادر أخرى، وربما لا يستطيع الطفل في
سنواته الأولى أن يفرّق بين الرمز والحقيقة في البرامج، وأن يخلط بين الواقع
والخيال. وهنا يأتي دور الأسرة في التّعقيب والتوضيح.
وعلى الأهل أن يراقبوا أطفالهم، ويختاروا لهم المناسب، فلا يتركوهم عرضةً لمشاهدة
أفلام العنف والرّعب، وعليهم أن يحافظوا على عقول أطفالهم وعقائدهم وسلوكهم.
وإن كانت أفلام الكارتون لا سبيل لاستغناء أطفالنا عنها، ووسيلة ترفيه تهون عليهم
بعض ما يشاهدونه من رعب الاحتلال، فعلينا أن نحسن اختيار البرامج المناسبة، وألا
نتركهم يتابعونها بدون توجيه وإرشاد وتصحيح للمفاهيم التي تبثّها، وذلك للتقليل من
سمومها.
*من كتاب: الطفل مع الإعلام والتلفزيون .