كتابات
13/09/2019

الجهاد مع غير الإمام حرام عند الشّيعة؟!

الجهاد مع غير الإمام حرام عند الشّيعة؟!

فيما ورد عن بعض أصحاب الشّبهات:

المسألة السابعة تتعلّق بالجهاد. قال: تعتقد الشيعة أنّ جهاد الأمم الإسلامية لم يكن مشروعاً، وهو اليوم غير مشروع، إلى أن قال: الجهاد مع غير الإمام المفترض طاعته حرام عند الشيعة مثل حرمة الميتة وحرمة الخنزير، إلى آخر كلامه .

الجواب :إن هذا الرجل في كلّ ما ينقله عن الشيعة كراكب عمياء، في ليلة ظلماء، فإن الجهاد ينقسم من جهة اختلاف متعلّقاته خمسة أقسام.

أحدها: الجهاد لحفظ بيضة الدّين إذا أراد أعداء الله مسّها بسوء، وهموا بأن يجعلوا كلمتهم أعلاىمن كلمة الإيمان بالله، وأن يكون الشرع باسمهم مناقضاً لدين الله عزّ وجلّ.

ثانيها: الجهاد لدفع العدو عن التسلط على دماء المسلمين بالسفك وأعراضهم بالهتك.

ثالثها: الجهاد للدفاع عن طائفة من المسلمين التقت مع طائفة من الكفار، فخيف من استيلائهم عليها.

رابعها: الجهاد لدفعهم عن ثغور المسلمين وقراهم وأرضهم، أو لإخراجهم منها بعد تسلّطهم عليها بالجور، أو لجبر بيضة المسلمين بعد كسرها، وإصلاحها بعد فسادها، والسعي في إنقاذ المسلمين وبلادهم من أيدي الكفرة بالله عزّ وجلّ.

ويجب الجهاد في هذه الأقسام الأربعة ـ بإجماع الشيعة ـ وجوباً كفائيّاً، على معنى أنه يجب على الجميع، إلى أن يقوم به منهم من فيه الكفاية، فيسقط عن الباقين سقوطاً مراعى باستمرار القائم به، إلى أن يحصل الغرض المطلوب شرعاً، وتختلف الكفاية بحسب الحاجة، بسبب كثرة العدوّ وقلّته، وضعفه وقوّته.

ومن قتل في كلّ من هذه الأقسام الأربعة من المؤمنين، فهو من الشهداء السعداء، وله في الآخرة ـ مع الإخلاص في النية ـ ما أعده الله للشهداء بين يدي خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) من الدرجات الرفيعة، والمساكن الطيبة، والحياة الدائمة، والرضوان الخالد، ويسقط عن الأحياء وجوب تغسيله وتحنيطه وتكفينه، إذا لم يكن عارياً، فيدفن في ثيابه ودمائه، ولا ينزع عنه شيء سوى الفرو والجلد، وما كان بقاؤه عليه مضراً في حال الوارث، هذا إذا قتل في المعركة، ولم يدركه المسلمون وفيه رمق الحياة.

ولا فرق في وجوب الجهاد في كلّ هذه الأقسام الأربعة، بين حضور الإمام وغيبته، ووجود المجتهد وعدم وجوده، فيجب على الحاضرين من المسلمين والغائبين ـ إن لم يكونوا مرابطين في الثغور ـ أن ينفروا للجهاد، تاركين عيالهم وأشغالهم وسائر مهماتهم، ويجب على من كان ذا مال أو جاه أو سلاح أو رأي أو تدبير أو حيلة أن يبذل ما لديه من ذلك، وتجب في هذا المقام طاعة الرّئيس الناهض بهذه المهمة، العارف بتسريب العساكر وتدريب الحرب، وإن لم يكن إماماً، ولا نائباً خاصّاً، ولا مجتهداً ـ لتعذر رياستهم في هذه الأيام ـ وله أن يأخذ من أموال المسلمين ما يتوقف عليه الأمر، ويجب القيام بهذه الرئاسة على كلّ من له الأهلية لها، وجوباً عينيّاً إذا انحصر الأمر فيه، وإلا كان الوجوب عليه كفائيّاً، وفقه الإماميّة وحديثهم صريحان بهذا كلّه.

الخامس: من أقسام الجهاد، ابتداء الكفّار بجهادهم في سبيل دعوتهم إلى الإيمان بالله عزّ وجلّ، وغزوهم لأجل ذلك في عقر ديارهم، وبحبوحة قرارهم، وهذا المقام عندنا من خواصّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أو الإمام النائب عن رسول الله نيابةً صحيحة، أو المنصوب الخاصّ من أحدهما، فلا يتولاه المجتهدون النائبون عن الإمام أيام غيبته ولا غيرهم. و قد اختلط الأمر على موسى جار الله، فلم يعلم أن الممنوع من الجهاد عندنا في هذه الأيام، إنما هو القسم الخامس دون الأربعة، فإنها واجبة، بحكم الضرورة من الدين الإسلامي، والمذهب الإمامي، وجوباً كفائيّاً كما سمعت.

والحرب قد بانت لها الحقائق وظهرت من بعدها مصادق

وشهدت يوم دارت رحاها العالميّة، بأنّ علماء الإمامية، كانوا في ساحتها من أرسخ المجاهدين قدماً، وأعلاهم همماً، وأمضاهم عزيمةً، وأشدهم شكيمة، قد لبسوا يوم القرنة في العراق للحرب لامتها، وادّرعوا لها بدرعها، وكان في مقدّمتهم الإمامان المجاهدان الشيخ فتح الله المدعو شيخ الشريعة الأصفهاني، والشريف الوحيد السيد محمد سعيد الحبوبي الحسيني، وهما يومئذ من أجلّ مجتهدي الشيعة في العراق، ومن أكبر شيوخ الإسلام على الإطلاق، وكان الشيخ قد أربى على الثمانين، والسيّد قد ذرف عليها، فلم يمنعهما ضعف الشيخوخة، ودقّة عظمها، ورقّة جلدها، عن قيادة ذلك الجيش اللهام، المحتشد من العلماء الأعلام، والفضلاء الكرام، والأبرار الأخيار من أهل السوابق في نصرة الإسلام، وقد أبلوا في الجهاد بلاءً حسناً لم يكن له نظير، حتى جاءهم من العدوّ ما لا قبل لهم به، فتحرفوا للقتال، وتحيزوا إلى فئتهم يستنفرونها للكفاح، فكان ما كان من سقوط العثمانيّين وانجلائهم عن العراق، فقضى الشيخ والسيّد نحبهما أسفاً ولهفاً، وماتا وجداً وكمداً، فلحقا بالشّهداء، وكانا من السعداء في دار البقاء، رفع الله درجتهما كما شرّف خاتمتهما.

*من كتاب "أجوبة مسائل جار الله"، بقلم سماحة آية الله السيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي، الطبعة الثانية 1373 ه‍، مطبعة العرفان ـ صيدا. 1953 م، ص 61 ـ 66.

فيما ورد عن بعض أصحاب الشّبهات:

المسألة السابعة تتعلّق بالجهاد. قال: تعتقد الشيعة أنّ جهاد الأمم الإسلامية لم يكن مشروعاً، وهو اليوم غير مشروع، إلى أن قال: الجهاد مع غير الإمام المفترض طاعته حرام عند الشيعة مثل حرمة الميتة وحرمة الخنزير، إلى آخر كلامه .

الجواب :إن هذا الرجل في كلّ ما ينقله عن الشيعة كراكب عمياء، في ليلة ظلماء، فإن الجهاد ينقسم من جهة اختلاف متعلّقاته خمسة أقسام.

أحدها: الجهاد لحفظ بيضة الدّين إذا أراد أعداء الله مسّها بسوء، وهموا بأن يجعلوا كلمتهم أعلاىمن كلمة الإيمان بالله، وأن يكون الشرع باسمهم مناقضاً لدين الله عزّ وجلّ.

ثانيها: الجهاد لدفع العدو عن التسلط على دماء المسلمين بالسفك وأعراضهم بالهتك.

ثالثها: الجهاد للدفاع عن طائفة من المسلمين التقت مع طائفة من الكفار، فخيف من استيلائهم عليها.

رابعها: الجهاد لدفعهم عن ثغور المسلمين وقراهم وأرضهم، أو لإخراجهم منها بعد تسلّطهم عليها بالجور، أو لجبر بيضة المسلمين بعد كسرها، وإصلاحها بعد فسادها، والسعي في إنقاذ المسلمين وبلادهم من أيدي الكفرة بالله عزّ وجلّ.

ويجب الجهاد في هذه الأقسام الأربعة ـ بإجماع الشيعة ـ وجوباً كفائيّاً، على معنى أنه يجب على الجميع، إلى أن يقوم به منهم من فيه الكفاية، فيسقط عن الباقين سقوطاً مراعى باستمرار القائم به، إلى أن يحصل الغرض المطلوب شرعاً، وتختلف الكفاية بحسب الحاجة، بسبب كثرة العدوّ وقلّته، وضعفه وقوّته.

ومن قتل في كلّ من هذه الأقسام الأربعة من المؤمنين، فهو من الشهداء السعداء، وله في الآخرة ـ مع الإخلاص في النية ـ ما أعده الله للشهداء بين يدي خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) من الدرجات الرفيعة، والمساكن الطيبة، والحياة الدائمة، والرضوان الخالد، ويسقط عن الأحياء وجوب تغسيله وتحنيطه وتكفينه، إذا لم يكن عارياً، فيدفن في ثيابه ودمائه، ولا ينزع عنه شيء سوى الفرو والجلد، وما كان بقاؤه عليه مضراً في حال الوارث، هذا إذا قتل في المعركة، ولم يدركه المسلمون وفيه رمق الحياة.

ولا فرق في وجوب الجهاد في كلّ هذه الأقسام الأربعة، بين حضور الإمام وغيبته، ووجود المجتهد وعدم وجوده، فيجب على الحاضرين من المسلمين والغائبين ـ إن لم يكونوا مرابطين في الثغور ـ أن ينفروا للجهاد، تاركين عيالهم وأشغالهم وسائر مهماتهم، ويجب على من كان ذا مال أو جاه أو سلاح أو رأي أو تدبير أو حيلة أن يبذل ما لديه من ذلك، وتجب في هذا المقام طاعة الرّئيس الناهض بهذه المهمة، العارف بتسريب العساكر وتدريب الحرب، وإن لم يكن إماماً، ولا نائباً خاصّاً، ولا مجتهداً ـ لتعذر رياستهم في هذه الأيام ـ وله أن يأخذ من أموال المسلمين ما يتوقف عليه الأمر، ويجب القيام بهذه الرئاسة على كلّ من له الأهلية لها، وجوباً عينيّاً إذا انحصر الأمر فيه، وإلا كان الوجوب عليه كفائيّاً، وفقه الإماميّة وحديثهم صريحان بهذا كلّه.

الخامس: من أقسام الجهاد، ابتداء الكفّار بجهادهم في سبيل دعوتهم إلى الإيمان بالله عزّ وجلّ، وغزوهم لأجل ذلك في عقر ديارهم، وبحبوحة قرارهم، وهذا المقام عندنا من خواصّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أو الإمام النائب عن رسول الله نيابةً صحيحة، أو المنصوب الخاصّ من أحدهما، فلا يتولاه المجتهدون النائبون عن الإمام أيام غيبته ولا غيرهم. و قد اختلط الأمر على موسى جار الله، فلم يعلم أن الممنوع من الجهاد عندنا في هذه الأيام، إنما هو القسم الخامس دون الأربعة، فإنها واجبة، بحكم الضرورة من الدين الإسلامي، والمذهب الإمامي، وجوباً كفائيّاً كما سمعت.

والحرب قد بانت لها الحقائق وظهرت من بعدها مصادق

وشهدت يوم دارت رحاها العالميّة، بأنّ علماء الإمامية، كانوا في ساحتها من أرسخ المجاهدين قدماً، وأعلاهم همماً، وأمضاهم عزيمةً، وأشدهم شكيمة، قد لبسوا يوم القرنة في العراق للحرب لامتها، وادّرعوا لها بدرعها، وكان في مقدّمتهم الإمامان المجاهدان الشيخ فتح الله المدعو شيخ الشريعة الأصفهاني، والشريف الوحيد السيد محمد سعيد الحبوبي الحسيني، وهما يومئذ من أجلّ مجتهدي الشيعة في العراق، ومن أكبر شيوخ الإسلام على الإطلاق، وكان الشيخ قد أربى على الثمانين، والسيّد قد ذرف عليها، فلم يمنعهما ضعف الشيخوخة، ودقّة عظمها، ورقّة جلدها، عن قيادة ذلك الجيش اللهام، المحتشد من العلماء الأعلام، والفضلاء الكرام، والأبرار الأخيار من أهل السوابق في نصرة الإسلام، وقد أبلوا في الجهاد بلاءً حسناً لم يكن له نظير، حتى جاءهم من العدوّ ما لا قبل لهم به، فتحرفوا للقتال، وتحيزوا إلى فئتهم يستنفرونها للكفاح، فكان ما كان من سقوط العثمانيّين وانجلائهم عن العراق، فقضى الشيخ والسيّد نحبهما أسفاً ولهفاً، وماتا وجداً وكمداً، فلحقا بالشّهداء، وكانا من السعداء في دار البقاء، رفع الله درجتهما كما شرّف خاتمتهما.

*من كتاب "أجوبة مسائل جار الله"، بقلم سماحة آية الله السيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي، الطبعة الثانية 1373 ه‍، مطبعة العرفان ـ صيدا. 1953 م، ص 61 ـ 66.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية