أين نحن من لهو الحديث؟

أين نحن من لهو الحديث؟

لطالما ضغط الطغاة المستكبرون عبر العصور على الناس بشكل أو بآخر، من أجل سلبهم إرادتهم، ومصادرة عقولهم وكراماتهم، بغية الحفاظ على مراكزهم ومصالحهم وامتيازاتهم المتنوّعة.

ومن هذه الأساليب، شراء الحديث، بمعنى توسُّل الباطل وأفكاره المسمومة للوصول إلى مآربهم، عبر بثّ الدّعاية لهذه الأفكار، وترسيخها في الواقع، ودعوة الناس إليها، وتزيينها لهم بكلّ الطّرق، متجاهلين الدّعاة إلى الله، ومحرّضين جنودهم على مجابهتهم.. وهذا ما حصل مع الرّسول الأكرم(ص)، وهذا ما يلفت إليه سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) بقوله: "وهذا ما واجهه النبيّ محمد(ص) في صدر الدعوة، عندما كان بعض المشركين يصدّ الناس عن الاستماع إلى آيات الله في القرآن، بتقديم الأحاديث المغرية المشوّقة التي تثير التفاصيل الغريبة الملفتة للذّهن، المثيرة للانتباه، لتجذب أسماع النّاس إليه، وتبعدهم عن الاستماع إلى النبيّ محمد(ص)". [تفسير من وحي القرآن، ج:18، ص:179].

يقول تعالى في كتابه العزيز: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}[لقمان: 6].

ويعلِّق سماحة المرجع فضل الله(رض) على هذه الآية بقوله: "{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} في القصص التاريخية التي تحدّثت عن تاريخ الطغاة والمستكبرين الذين قهروا المستضعفين من شعوبهم، لتعميق عظمتهم في النفوس، وإثارة الإعجاب بهم في العقول، ما يؤدّي إلى فقدان الأمَّة الرّوح المعنويّة المتحدّية للظّلم وأهله، وللاستكبار وأهله وجنوده".

ويتابع: "وكلمة الشّراء في قوله: "يشتري"، لا يراد منها معناها الحرفيّ، بل معناها الكنائيّ الّذي يعبِّر عن الوسيلة الّتي يحصل بها على هذا النّوع من لهو الحديث. {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ} الذي يقود الناس إلى الله في الفكر والشريعة والمنهج والطريق والغاية، فيكون اللّهو المتنوّع في الكلمة واللّحن والجوّ والحركة والشّكل والمضمون، وسيلة من وسائل الإضلال، من خلال انشغال الإنسان بها عن الرّسالة والمصير. {بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا}، لأن مسألة هؤلاء الّذين يعملون على إضلال النّاس، ليست مسألة العلم الذي يرتكزون عليه، بل من التخلّف القائم على الجهل المتحرك في تقليد الآباء الذين لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون، ومن الأطماع الذاتية. {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} في الدار الآخرة، لأنهم حاربوا الله في كتابه ودينه من دون أساس من عقل، ولا حجّة من علم، فكان موقفهم عدوانيّاً في شكله ومضمونه، فاستحقّوا العذاب المهين الّذي يتناسب مع حقارتهم الرّوحيّة والعمليّة".[تفسير من وحي القرآن، ج:18، ص:180-181].

ورأي السيّد فضل الله في أنَّ ما ورد في الآية أوسع دلالةً من حصر معنى "لهو الحديث" بموضوع الغناء، يتقاطع مع رأي العلامة الشيخ محمد جواد مغنية(رض)، ففي تفسيره للآية المباركة، يقول: "قال أكثر المفسّرين، إنّ المراد بـ"لهو الحديث" هنا الغناء، ويلاحظ أن كلمة (ليضلّ.... هزواً) يدلان على أنّ المراد بلهو الحديث هنا الطّعن بالحقّ والخير، والاستهزاء بهما بهدف التّزييف والتّضليل وإغراء النّاس بالشرّ والباطل". [التفسير المبين، سورة لقمان، موقع الهدى الإلكتروني].

والسّؤال: أين نقف نحن من لهو الحديث، وما أكثره هذه الأيّام تداولاً في الفضاء العام الإعلامي والاجتماعي، سواء كان لهوياً أو عبثياً، أو فكراً مسموماً يحاول إسقاط الحياء والطهارة والأخلاقيات وضرب الثقة والروحانيّات، وتمييع الأجواء، تمهيداً لسيطرة الفكر الظلامي المتمثّل بالأباطيل في كلّ ميادين الحياة؟!

إنّ أجيالنا اليوم لا بدّ من توعيتها كفايةً بالأسلوب الّذي ينبّهها إلى مواطن لهو الحديث، لتتعرّف أكثر إلى ما هو مطلوب منها القيام به، لجهة اختيار الحقّ والتمسّك به، ورفض الباطل ومواجهته.


إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

لطالما ضغط الطغاة المستكبرون عبر العصور على الناس بشكل أو بآخر، من أجل سلبهم إرادتهم، ومصادرة عقولهم وكراماتهم، بغية الحفاظ على مراكزهم ومصالحهم وامتيازاتهم المتنوّعة.

ومن هذه الأساليب، شراء الحديث، بمعنى توسُّل الباطل وأفكاره المسمومة للوصول إلى مآربهم، عبر بثّ الدّعاية لهذه الأفكار، وترسيخها في الواقع، ودعوة الناس إليها، وتزيينها لهم بكلّ الطّرق، متجاهلين الدّعاة إلى الله، ومحرّضين جنودهم على مجابهتهم.. وهذا ما حصل مع الرّسول الأكرم(ص)، وهذا ما يلفت إليه سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) بقوله: "وهذا ما واجهه النبيّ محمد(ص) في صدر الدعوة، عندما كان بعض المشركين يصدّ الناس عن الاستماع إلى آيات الله في القرآن، بتقديم الأحاديث المغرية المشوّقة التي تثير التفاصيل الغريبة الملفتة للذّهن، المثيرة للانتباه، لتجذب أسماع النّاس إليه، وتبعدهم عن الاستماع إلى النبيّ محمد(ص)". [تفسير من وحي القرآن، ج:18، ص:179].

يقول تعالى في كتابه العزيز: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}[لقمان: 6].

ويعلِّق سماحة المرجع فضل الله(رض) على هذه الآية بقوله: "{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} في القصص التاريخية التي تحدّثت عن تاريخ الطغاة والمستكبرين الذين قهروا المستضعفين من شعوبهم، لتعميق عظمتهم في النفوس، وإثارة الإعجاب بهم في العقول، ما يؤدّي إلى فقدان الأمَّة الرّوح المعنويّة المتحدّية للظّلم وأهله، وللاستكبار وأهله وجنوده".

ويتابع: "وكلمة الشّراء في قوله: "يشتري"، لا يراد منها معناها الحرفيّ، بل معناها الكنائيّ الّذي يعبِّر عن الوسيلة الّتي يحصل بها على هذا النّوع من لهو الحديث. {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ} الذي يقود الناس إلى الله في الفكر والشريعة والمنهج والطريق والغاية، فيكون اللّهو المتنوّع في الكلمة واللّحن والجوّ والحركة والشّكل والمضمون، وسيلة من وسائل الإضلال، من خلال انشغال الإنسان بها عن الرّسالة والمصير. {بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا}، لأن مسألة هؤلاء الّذين يعملون على إضلال النّاس، ليست مسألة العلم الذي يرتكزون عليه، بل من التخلّف القائم على الجهل المتحرك في تقليد الآباء الذين لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون، ومن الأطماع الذاتية. {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} في الدار الآخرة، لأنهم حاربوا الله في كتابه ودينه من دون أساس من عقل، ولا حجّة من علم، فكان موقفهم عدوانيّاً في شكله ومضمونه، فاستحقّوا العذاب المهين الّذي يتناسب مع حقارتهم الرّوحيّة والعمليّة".[تفسير من وحي القرآن، ج:18، ص:180-181].

ورأي السيّد فضل الله في أنَّ ما ورد في الآية أوسع دلالةً من حصر معنى "لهو الحديث" بموضوع الغناء، يتقاطع مع رأي العلامة الشيخ محمد جواد مغنية(رض)، ففي تفسيره للآية المباركة، يقول: "قال أكثر المفسّرين، إنّ المراد بـ"لهو الحديث" هنا الغناء، ويلاحظ أن كلمة (ليضلّ.... هزواً) يدلان على أنّ المراد بلهو الحديث هنا الطّعن بالحقّ والخير، والاستهزاء بهما بهدف التّزييف والتّضليل وإغراء النّاس بالشرّ والباطل". [التفسير المبين، سورة لقمان، موقع الهدى الإلكتروني].

والسّؤال: أين نقف نحن من لهو الحديث، وما أكثره هذه الأيّام تداولاً في الفضاء العام الإعلامي والاجتماعي، سواء كان لهوياً أو عبثياً، أو فكراً مسموماً يحاول إسقاط الحياء والطهارة والأخلاقيات وضرب الثقة والروحانيّات، وتمييع الأجواء، تمهيداً لسيطرة الفكر الظلامي المتمثّل بالأباطيل في كلّ ميادين الحياة؟!

إنّ أجيالنا اليوم لا بدّ من توعيتها كفايةً بالأسلوب الّذي ينبّهها إلى مواطن لهو الحديث، لتتعرّف أكثر إلى ما هو مطلوب منها القيام به، لجهة اختيار الحقّ والتمسّك به، ورفض الباطل ومواجهته.


إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية