كتاب "الظاهرة القرآنيّة"، للمفكّر الجزائري "مالك بن نبي"، كان الكتاب الأوّل له، وقد صدر باللّغة الفرنسيّة العام 1946م، ويقع في 244 صفحة.
يركِّز الكاتب والمفكّر الكبير "مالك بن نبي" على ضرورة التقيّد بالطّرق المنهجيّة العلميّة، والّتي هي من سِمَة العصر، ولا يمكن لأيّ باحث الحياد عنها، فهي تفتح له باب المعرفة الواسع، بدل التّقوقع في إطار طرق كلاسيكيّة جافّة.
ويشير الباحث إلى أنّ الوعي الثّقافيّ الإسلاميّ مولع بثقافة الغرب، وبالانبهار كثيراً بالدّراسات الاستشراقيّة الّتي تحمل في بعض طيّاتها مغالطات خطيرة، تستهدف روح الإسلام (القرآن والنبوّة)، وتزداد الخطورة عندما يتمّ اعتمادها كمصادر في الدّراسات الجامعيّة المتخصّصة بالمعارف الإسلاميّة.
وفي الكتاب أيضاً دعوة إلى إعادة النّظر في منهج دراسة الإعجاز القرآني، لأنّ المنهج الكلاسيكيّ يهتمّ بالإعجاز في جانبه اللّغويّ فقط، دون الجانب العلميّ المفترض إبرازه لمواكبة عصر العلم والمعرفة.
ويتعرّض المفكّر الجزائري إلى الظاهرة الدينيّة، حيث يبحث في الجذور الدينيّة لسلوكيّات التّفكير وسيطرتها على الإنسان، ويعزو ذلك إلى أصل وجود مساحة روحيّة للإنسان يخصّص لها مكاناً وزماناً، بمعنى تفاعله مع مفاهيمه الدّينيّة، وانعكاس ذلك في الزّمان والمكان كمحرّك من محرّكات سلوكه الفرديّ والجماعيّ.
وقد بدأت هذه السّيطرة للجذور الدينيّة كفضول مارسه الإنسان القديم الّذي حاول استنطاق ما حوله بطرحه أسئلة غيبيّة عن الوجود.
ويقيم الباحث موازنة في كتابه بين المذهبين المادّي والغيبي، في محاولة منه لتبيان الاهتمام بالتّفسير الديني من جهة، ومدى صحّة المعتقد من جهة أخرى، فالمذهب المادّيّ القائم على أنّ المادّة خالقة لذاتها وموجودة غير مخلوقة، وأنها كمّ مستقلّ ومتجانس وبسيط، نفاه العلم الّذي أثبت استحالة معرفة الذرّة الأولى للوجود.. كما أنّ المعادلة الماديّة لا تنطبق على الإنسان والحيوان، لأنّ المادّة خاضعة للقصور الذاتي، بينما الإنسان والحيوان يُعدّلان وضعهما بنفسيهما، وبذلك يعجز المذهب المادّيّ عن تفسير الخلق.
أمّا المذهب الغيبيّ، فيقوم على أنّ الله خالق كلّ شيء، وأنّه العلّة الأولى للوجود كلّه، بما في ذلك المادّة الّتي هي في حدّ ذاتها مخلوقة غيبيّة، وخارجة عن خواصّها وفق الأمر الإلهيّ (كُنْ)، وهذا ما يقرّه العلم، ويعتبره "ابن نبي" دليلاً على وجود إله خالق.
وعن الحركة النبويّة والنبوّة، يقول الباحث: إنّ النبيّ ذات إنسانيّة فريدة من نوعها ومصطفاة، وإنّ الجري وراء معرفة حقيقة النبيّ ليس بالمثمر، لأنّ الأهم من ذلك هو دراسة نفسيّة النبيّ وشهادته على إحساسه ومشاعره الباطنيّة، وأنه ينبغي الأخذ بشهادة النبي على نفسه، مستغرباً كيف أن بعض الدارسين يهملون شهادة النبي على نبوته، فالوحي يعطي قوة الحجة للنبي، وهذا يعزّز شهادة النبي على نفسه.
وينبِّه الباحث إلى ضرورة إدراج الوثائق والمصادر الإسلاميّة في إطار الدّراسات النقديّة، ويدعو أيضاً إلى دراسة الذّات المحمديّة قبل دراسة الظّاهرة القرآنيّة، نظراً إلى غناها القيمي والإنساني والحضاري كنموذجٍ أصلح للبشريَّة جمعاء.
ومن المطالب الّتي يتناولها في كتابه، مبحث "الوحي"، حيث يذكر معناه ودلالته، ويبرهن على اتّساع هذه الدّلالة المعنويّة لتشمل مصطلحات، كالمكاشفة والإلهام وغيرهما، ثم يعرض الخصائص الظاهريّة للوحي.
بعدها يتحدّث الباحث عن الصّورة الأدبيّة في القرآن الكريم، ومميّزاتها البلاغيّة واللّغويّة، ويشير إلى بعض الكلمات غير العربيّة، مثل: "روح القدس"، الموظّفة في القرآن الكريم، في صياغة مطابقة لروح التّوحيد الإسلاميّة.
كما يتناول الكتاب الكثير من المباحث المتّصلة، كالعلاقة بين القرآن والرسالات السماوية السابقة، والمقارنات العامّة بينه وبينها، مع ذكر أمثلة وشواهد، إضافةً إلى مواضيع كثيرة ومتنوّعة، يخلص منها إلى الإشارة إلى أهميّة الدّين بالنّسبة إلى الإنسان، ومدى تأثيره في فكره وسلوكه.
كتاب غنيّ بمباحثه، يهدف إلى دراسة الظّاهرة القرآنيّة وفق منهج تحليليّ، ليبيّن، بروح علميّة وموضوعيّة، أنّ القرآن ليس من صنع النّبيّ، بل هو من عند الله سبحانه.
إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .