يا ظلالَ الإسلامِ: هل تملِكُ الأصْداءُ، أن تُبْدعَ النَّشيدَ الجميلا
هل تشُقُّ الأشباحُ، للفجْرِ، درْبَ الشَّمسِ، حتّى تُحطِّم المُستحيلا
لا يزالُ الصَّدى يطُوفُ بأنغامِ السَّرايا، رتابةً وذُهولا
وحفيفُ الأشباحِ في كلِّ أُفْقٍ يتخطَّى الحياةَ جِيلاً فجيلا
* * *
يا ظِلالَ الإسلامِ: مرّتْ حكاياتُ اللّيالي على دروبِ سُرانا
حامِلاتٍ منَ الدُّجى بعضَ بلْواه ومن بُؤسِنا بقايا دِمانا
فشرِبْنا من وحيِها الدَّمعَ مُرًّا يتنزَّى فيهِ نَواحُ الحزانى
وأفَقْنا لم يضْحَكِ الوحْيُ للشَّمْسِ، كما يضْحكُ السَّنا في ذُرانا
* * *
يا ظلالَ الإسلامِ: لمْ يستَرِحْ، للمجْدِ، في وعيِنا الجريحِ طُموحُ
أبداً نحْنُ في الطّريقِ.. ربيعٌ دائمُ الخِصْبِ، وانطلاقٌ سَموحُ
إنْ غفَوْنا، فكُلُّ أحلامِنا العذراءِ أن كيفَ تُستعادُ الفُتوحُ
غيرَ أنَّا قد نستفيقُ على الشَّوطِ وقدْ أتْعَبَ السُّراةَ الجُموحُ
* * *
عُذْرُنا: أنَّنا نلمْلِمُ للغايةِ، بعضَ المُنى وبعضَ الأغاني
ثمَّ نُزْجِي الحديثَ عن كلِّ تاريخٍ مجيدٍ، مُلَوَّنٍ بالأماني
ثمَّ.. لا شيءَ، غيرَ أصداءِ ماضِينا، وآهاتِ حاضِرٍ حيرانِ
وحماسٍ للأُمنياتِ، وجيشٍ من خطاباتِ قائدٍ نشْوانِ
* * *
ذنْبُنا: أنَّنا اتَّكَلْنا على اللهِ.. ولم نعْرفِ الطّريقَ إليْه
فترَكْنا العدُوَّ، يضْرى على الشَّوطِ، ولم نحْشِدِ الدَّياجي عليْهِ
ومضَيْنا نُحصِي قِوانا.. ونخْتالُ، فقدْ فاقَ جمعُنا ما لديهِ
وانْتَشَيْنا بالحُلْمِ.. وانْتحَرَ الصُّبحُ، وماتَ الشُّعاعُ في مُقْلَتَيْهِ
* * *
ذنْبُنا، أنَّنا اختلَفْنا على القِمَّةِ.. مَنْ يسْبِقِ الجميعَ صُعودا
ونحَرْنا كُلَّ القِوى الشُمِّ، في محْرابِها الضَّخْمِ، عُدَّةً وعديدا
فإذا النَّصْرُ كانَ.. كنْتَ زعيماً عاليَ القَدْرِ ثائراً صِنديدا
وإذا ما خسِرْتَ شوْطَكَ في الثَّورةِ كُنْتَ المخاتِلَ الرّعديدا
* * *
ذنْبُنا: أنّنا تُمَزِّقُنا الأهواءُ، عبرَ الأفكارِ والأحزابِ
الدّماءُ الحمراءُ: ريُّ ظِماءِ الحُكمِ، في صرعةِ الهوى والشَّبابِ
والقواميسُ لم تعُدْ تُنْجِدُ الثُوَّارَ.. مِنْ فرْطِ ما جَنَوا من سُبابِ
فمَضَيْنا إلى اللُّغاتِ لنَجْني ما بها منْ شتائِمِ الأذنابِ
* * *
كُلُّنا يطْلُبُ الجذورَ، ليبني فوقَها ما يشاءُ منْ أفكارِ
ثُمَّ يهوي ليفْتَحَ الدَّربَ للآخرِ، في مبدأٍ بعيدِ القرارِ
يعِدُ الشَّعْبَ بالسَّعادةِ، في كُلِّ حديثٍ، في طرحِ كُلِّ شعارِ
ثمّ يمضي يُهَدِّمُ الدّارَ حتَّى تتعالى عمارَةُ الأحرارِ
* * *
تِلْك أخلاقُنا الَّتي عاشَتِ النَّكبةُ فيها، شبابَها وصِباها
لا تزالُ الثَّاراتُ تُشْغِلُ أذْهانَ السَّرايا في زحفِها ومداها
كلُّنا في الطَّريقِ، للسُّلطةِ العمياءِ، نجتاحُ أُمَّها وأباها
ويعودُ الحديثُ للثّأرِ يُردي كُلَّ طاقاتِ أُمّتي في سُراها
* * *
ذنبُنا: أنّنا أفقْنا على الثَّروة في كفِّ ماجِنٍ وخليعِ
ودخيلٍ: يخافُ من كُلِّ وعيٍ مُشْرقِ الرُّوحِ، كالصَّباحِ الوديعِ
يحسَبُ الهمْسةَ الخفيّةَ في الّليلِ، دليلاً لثورةٍ في الجُموعِ
تتلظَّى، ليستريحَ من الإعياءِ، شعبٌ يعيشُ ذلَّ الدُّموعِ
* * *
ووريثٍ للحُكْمِ، يحسَبُ أنَّ الشَّعبَ مُلْكٌ لجدِّهِ وأبيهِ
يتسلَّى به، ليملأَ لهْوَ العمرِ من بُؤسِهِ، ليلهوَ فيهِ
ويعُدُّ ابتسامَه وعطاياهُ مِثالاً لكُلِّ مُلْكِ نزيهِ
ويرى العدْلَ منْحةً مِنه للنَّاسِ، وحقّاً لكُلِّ مَنْ يصطفيهِ
* * *
هؤلاءِ الَّذينَ عاشوا معَ التَّاريخِ عبئاً يشِلُّ كُلَّ قوانا
إنّهم خلْفَ هذه السُّحُبِ السَّوداءِ، في كلِّ ربْوةٍ من قُرانا
إنّهم سرُّ جُرحِنا، سرُّ بلوى جيلِنا، في صَباحِنا ومسَانا
يختفي الأجنبيُّ فيهِم، فهُمْ خلْفَ المآسي الّتي أضاعَتْ خُطانا
* * *
أيُّ معنًى أنّي أعيشُ لأُحْني هامتي للعبيدِ والأصْنامِ
أيُّ معنًى أنّي أُسخِّر طاقاتي، لفرْدٍ يعيشُ مِنْ آلامي
كيفَ أحيا، أيْنَ الحياةُ الّتي أحْلمُ، إنْ عِشْتُ، في الدُّجى أحلامي
أنا حُرٌّ، حرّيّتي هِبةُ اللهِ، وعزُّ الإيمانِ في إسلامي
* * *
ذنْبُنا: أنَّنا نقدِّسُ أصناماً ونُحني لهُمْ مصيرَ البلادِ
فهُمُ قِبْلةُ العقيدةِ، إنْ شاؤوا، وسرُّ الإيمانِ والاعتقادِ
وهُمُ القوّةُ الَّتي تُبدِعُ الفتْحَ، وتحميهِ من شُرورِ الأعادي
وهُمُ وعْينا، ووَحيُ السَّماءِ البِكْرِ والمُلْهَمونَ بينَ العبادِ
* * *
ذنبُنا أنَّنا نُصفِّقُ للإنسانِ، إنْ أشرقَتْ علينا سماهُ
ونُغنّي لهُ، ونعْمى عنِ الظّلمةِ، تغزو حياتَهُ وسُراهُ
إنّنا طيِّبونَ غرْقى، نُحبُّ النُّورَ، نحيا أحلامَنا في هُداهُ
غيرَ أنَّا، قدْ نُستَغلُّ، وقد يلحقُ بالرّكبِ مَنْ يشلُّ خطاهُ
* * *
إنّنا طيِّبونَ: نُؤمِنُ بالخيرِ في الجميعِ مِثالا
كُلُّ أحلامِنا ونحنُ نعيشُ الهَمَّ، أن نترُكَ الهُمُومَ الثِّقالا
أن نُغنِّي للفجْرِ، أن نشتكي للَّيلِ ـ يا ليلُ ـ في نشيدِ الكُسالى
أنْ نعيشَ المدى خِفافاً ـ كما نرجو ـ نشاوى صَبابَةً وابتهالا
* * *
إنّنا طيِّبونَ: نحيا معَ الماضي، نراهُ مقدَّساً معصُوما
دَربُهُ، ضَعْفُه زَعاماتُهُ الرَّعناءُ، توحِي لنا الصِّراطَ القويما
فَتَرانا نُقدِّسُ الجهْلَ فيه ونرى الانحرافَ نهجاً سليما
نحنُ صرْعى خُرافةٍ: تحسَبُ الماضي، في كُلِّ خَطوِهِ مُستقيما
* * *
كانَ ذاك الماضي، كحاضرِنا المحمُومِ، في راحتيْهِ خيرٌ وشرُّ
بعضُ أبطالِهِ، يعيشونَ للحقِّ، فهُمْ في الحياةِ حُبٌّ وطُهْرُ
وترى بعضَهم يعيشُونَ للشَّرِّ، فهمْ في الطَّريقِ شوكٌ وجمرُ
ولكلٍّ سبيلُهُ في مدى العمْرِ.. فهذا عبدٌ، وذلك حُرُّ
* * *
كانَ ذاكَ الماضي يضِمُّ الأباطيلَ، يُذيقُ الأبرارَ، كلَّ اضطهادِ
كان يحمي القويَّ، يحرُسُ دربَ الظُّلمِ في عُصبةِ الأوغادِ
يسرِقُ الأمنَ والهُدوءَ مِنَ الأعينِ في هدأةِ الشُّعاعِ الهادي
ويُثيرُ الضَّبابَ، في كُلِّ أُفْقٍ يحملُ الوحيُ فيه سرَّ الرَّشادِ
* * *
إنَّنا أوفياءُ، نُخلِصُ للإنسانِ، مهما جنَتْ يداهُ علينا
إنَّه إرثُنا، فقدْ كانَ مِنْ قومٍ، توالى نَداهُمُ في يَدَيْنا
جَدُّه، كانَ صاحبَ السُّلطَةِ الكُبرى، فأمجادُهُ تعُودُ إلينا
وعلينا أن نحْمِلَ الوارثَ الأكبرَ، فوقَ الرِّقابِ مهما مَشَيْنا
* * *
إنَّنا طيِّبونَ، لكنَّما يا فجْرُ، قد تُوقِظُ الجراحُ العُيُونا
فتثورُ الأعماقُ في ثورةِ الآلامِ، تجتاحُ بالكفاحِ السُّجُونا
ويعودُ السُّرى، يُثيرُ نشيدَ الفتْحِ، حُرّاً، كما نشاءُ مصونا
ويمُدُّ الصَّباحُ كفَّيْهِ، للفاتِح، روحاً خفَّاقَةً وحنينا
* * *
ذنبُنا: أنّنا ابتعدْنا عنِ اللهِ، وعشْنا ـ معَ الطَّريقِ ـ حَيارى
وفَقَدْنا إيمانَنَا ومَشَيْنا نقطَعُ الدَّربَ خِلْسَةً وفِرارا
لا رقيباً هُنا: فمَنْ يعرفُ الخائِنَ؟ مَنْ ذا يخافُهُ، إنْ تَوارى؟
وإذا عاشَتِ الحياةُ معَ الأطماعِ، فارقُبْ مصِيرَها المُنْهارا
* * *
يا ظلالَ الإسلامِ: نحنُ معَ النَّكبةِ رُوحاً وخاطِراً وكَيانا
لن نُسيلَ الدُّموعَ، لن نُطلِقَ الصَّرخَةَ، لن تسمعَ الحياةُ بُكانا
لن يشِلَّ الأسى خُطانا، فقدْ نحيا لِنمحُو آلامَنا بدِمانا
حُلُمُ النَّصرِ لنْ يمُوتَ، ومهما طالَ، فاللهُ خالدٌ في رؤانا
* * *
قد يطُولُ انتظارُنا لشروقِ الشَّمسِ في القُدْسِ في رحابِ الجليلِ
قد يموتُ الجيلُ الَّذي عاشَ في النَّكبةِ، قبلَ انتصارِنا المأمولِ
غيرَ أنَّا سنأكُلُ الصَّخْرَ، نحسُو العلْقمَ المُرَّ في مدَانا الطَّويلِ
وبأيمانِنا قِوانا، وفي أرواحِنا البِيضِ روعةُ التَّهليلِ