لأنَّ بعينَيْكَ سِرَّ ائتِلاقِ النُّجوم
وفي رُوْحِكَ اليقْظَة الثَّائِرَة
وفي قَلْبِكَ الحُبّ للمُتْعَبينَ
لِكُلِّ عيونِ الأَسى الحَائِرَة
لأنَّكَ قُوَّةُ فِكْرٍ كبيرٍ
كبيرٍ كَمَا القِمَّةُ القَادِرَة
لأنَّ الهُدَى ثَوْرَةٌ في يَدَيْكَ
وإِيقَاظُهُ اللَّحْظَة الخَائِرَةْ
لأنَّ العيُونَ الّتي حَدَّقتْ
بعَيْنَيْكَ في الثَّوْرَةِ الهَادِرَهْ
رَأَتْ فيْكَ رُوحاً كمِثْلِ الرّبيعِ
يَرُشُّ الضُّحَى في الخُطَى السَّائِرَة
*****
لأنَّكَ قُوَّة
تَعيشُ وتَزْرَعُ في الأَرْضِ قُوَّة
وَتَخْطو
وَتَحْمِلُ لِلْغَدِ قُوَّه
وَتَهْفو وَيَحْيا الشُّعورُ الطَّهورُ
كَمَا الفَجْرُ يَحْمِلُ زَهْوَ النُّسورْ
كَمَا الخِصْبُ يَحْضُنُ سِرَّ البُذُورْ
ففي كُلِّ إِيقَاظَةٍ دَعْوَةٌ
تُعَانِقُ ـ بالحَقِّ ـ وَحْيَ الشُّعورْ
وَفي كُلِّ دَرْبٍ هُدَى فِكْرَةٍ
تَشُقُّ المدى في انطلاقِ العُبُورْ
لأنَّكَ ثَوْرَة
تُحَرِّكُ في الفِكْرِ دَرْباً جَديداً
وتَزْرَعُ في الرُّوْحِ عُشْبَاً جديداً
وَتَصْنَعُ في السَّيرِ خَطواً عنيداً
وَتَمْتَدُّ في الخَطِّ خَطَّاً مَديداً
تُلاقي البدايةُ فيهِ النِّهَايَهْ
وَتَحْمِل للملتقى خَيْرَ آيهْ
وَتُوحيْ لنا أَنَّ في كُلِّ غَايَهْ
مَعَاني توحي.. تُثيرُ الحِكَايَهْ
عَن اللَّهِ.. عَنْ وَحْيِهِ.. عَنْ جِهَادٍ يُحَطِّمُ
فينا طَرِيقَ الغِوَايَهْ
لأنَّكَ ثَوْرهْ
كَمَا أَنْتَ في فِكْرِكَ الحُرِّ ثَوْرَهْ
تُفَلْسِفُ لِلْغَدِ بالحُبِّ ثَوْرَهْ
وَتَرْصُدُ في مُلْتَقى الرُّوْحِ ثَوْرهْ
وَتَنْسَابُ في الموجِ في كُلِّ بَحْرٍ
يُهَدْهِدُ في شاطِئ الغَدِ ثَوْرَهْ
وَتَحْكيْ لأطْفَالِنا في الرَّبيعِ المُنَدَّى
حَكايا العيونِ البَرِيئهْ
وَتُوْحِيْ لِجِيْلِ الشَّبَابِ الفَتِيِّ
إِرادَتَه في القُلُوبِ الجَرِيئَهْ
وَتُطْلِقُ لِلْغَدِ كُلَّ جَنَاحٍ
يُحَلِّقُ يَصْعَدُ نَحْوَ النُّبُوءَهْ
لِتَعْرِفَ أَنَّ طَرِيقَ الذُّرَى
تَشُفُّ(1) مداهُ الأَكُفُّ المليئَهْ
*****
لأنَّكَ كُنْتَ الهُدَى والأَملْ
وكنتَ تُنَادي وَتَصْرُخُ فينا
وفي كُلِّ إِشراقةٍ لِلأَمَلْ
تَعَالَوْا إِليَّ
فإِنِّي هُنَا
أُلَمْلِمُ أُنْشودةَ الثَّائِرِينْ
تَعَالَوْا إِليَّ
فَإِنِّي هُنَا
أَمُدُّ يَدِي في يَدِ الكَادِحينَ
وَأَدْعوْ وَأَصْرخُ في كُلِّ لَيْلٍ
لأوقِظَ إِخْوَتيَ النَّائمين
فَأَزْرعُ في كُلِّ جَفْنٍ طُيُوفَ الضِّياءْ
وَأُهْرِقُ في كُلِّ رُوْحٍ كُؤُوسَ الصَّفَاءْ
وَأدْعوْ الكُسَالى، على كُلِّ دَرْبٍ
نِداءً نِدَاءً نَدَاءْ
تَعَالَوْا إِليَّ
فإنَّ الشَّهَادةْ
عَبيرٌ وَحُبٌّ وَرُوحُ إرَادَهْ
وَتَاريخُ مُسْتَقْبَلٍ مُشْرِقٍ
يَشُقُّ الحَيَاةَ.. بِسِرِّ القيادةْ
وَتَحْيا الدِّمَاءْ
تُهَلِّلُ تَفْرَحُ للسَّائِرينْ
وَتَجْري الدِّمَاءْ
كَمَا الموجُ في ملتقى السَّابِحِينْ
كَمَا النَّهْرُ يَهْتِفُ بالسَّائِرِينْ
هُنَا الجِسْرُ
يَا زُمْرَةَ العَابرينْ
وَتَهْفو الدِّمَاءُ
وتهفو.. وتوحي وَتَهْمِسُ شِعْرا
وَتَكْتُبُ في صفحةِ الغَدِ فكرا
وَتُوْقِدُ في حفلةِ النَّارِ جَمْرا
وَتُطْلِقُ في صَرْخَةِ الرُّوْحِ ثَأْرا
وتَبْكيْ الدِّماءُ
على البَاخِلينَ الَّذينَ اسْتَرَاحُوا
وَعَادوا يَمصُّونَ رُوْحَ الدِّمَاءْ
وَنَسْمعُ صَوْتَكَ رُوْحَاً خَفيفاً
خَفيفاً كَمَا النَّسْمةُ الغَافيةْ
تَعَالَوْا إِليَّ
إِلى الفِكْرِ يا عُصْبَةَ الجَاهِلينْ
إِلى الرُّوْحِ يا زُمْرَةَ الجَامِدينْ
إِلى اللَّهِ يا مَجْمَع الجَاحِدِينْ
إِلى الفَجْرِ يا فِرْقَةَ الضَّائِعينْ
تَعَالَوْا إِليَّ
ففي الدِّين فِكْرُ الحَيَاةِ الطَّموحْ
وَيَقْظَةُ وَعْيٍ وعودةُ رُوْحْ
وَقِصَّةُ دُنياً تُثيرُ السّفوحْ
لتحيا مَعَ اللَّهِ في خيرِ نِعْمَهْ
فتسمعَ في الخُلْدِ أَعْذَبَ نَغْمَهْ
وَتَصْنَعَ لِلْغَدِ أَعْظَمَ أُمَّهْ
وَتوحيْ لنا أَنَّ سِرَّ الشَّهيدِ
يُحَطِّمُ للظُّلْمِ أَرْفَعَ قِمَّهْ
لأنَّكَ قُوَّة
تُخيفُ.. تُهدِّدُ.. وَحْشَ الظَّلامْ
وَتَحْيَا لِتَبْعَثَ روحَ السَّلامْ
على اسْمِ الهُدَى في رَبيعِ الوِئامْ
.. وَكَانوا على الدَّرْبِ..
كَانت لَدَيْهِمْ
حَكَاياكَ وَهْيَ تُثيرُ الضِّرَامْ
لِتُشْعِلَ بالحَقِّ ثَوْرَةْ
وَتَبْعَثَ بالفِكْرِ لِلحَقِّ قُوَّةْ
وَتُوحيْ بِأَنَّكَ تَحْمِلُ شُعْلَةْ
وَأَنَّ يَدَ الشَّعْبِ تَزْرَعُ نَخْلَةْ
لِيَنْشُرَ، في وَهَجِ الوَعْيِ ظِلَّهْ
وكانوا يَخَافونَ أَنْ تلتقي
الحِكَاياتُ.. في مَوْعِدِ الأَنبياءْ
وَيَزْحَفُ إِسلامُنَا للذُّرَى
الكبيرةِ في يَقَظاتِ الضِّيَاءْ
وَيَهْوي الظَّلامُ
وَيَحْيَا السَّلامُ
سَلامُ القلوبِ النَّقِيَّةْ
سَلامُ الزُّنُودِ الفَتِيَّةْ
عَلى كُلِّ سَاحٍ يعيشُ الجِهَادْ
بِآفَاقِهَا.. في امتدادِ العِنَادْ
وَتَبْقَى بِفْكرِكَ في وَعْيِنا
سَلاماً يُنَضِّرُ وَجْهَ البِلادْ
*****
لأنَّك قُوَّةْ
لأنَّكَ ثَوْرَةْ
أَرَادُوكَ أَنْ تَنْحَني لِلرِّيَاحْ
وأَنْ تُسْلِمَ الحَقَّ في كُلِّ سَاحْ
وأَنْ تُسْكِتَ الصَّيْحَةَ الهَادِرَةْ
وَتَسْتَسْلمَ القوّة الصَّابِرَةْ
وأَنْ تَتَمَنَّى عليهمْ سَلاماً
ذَليلاً لدى الطُّغْمَةِ الفَاجِرَةْ
لِيَبْقى لَهُمْ مَجْدُهُمْ شَامِخَاً
على رَغْمِ أُمَّتِنَا القَادِرَةْ
وَلَكِنَّ رُوحاً تُثيرُ الذُّرَى
وَتَدْفَعُ للشَّمسِ آفاقَهَا
أَثَارَتْ على خُطُوَاتِ الطَّريقِ
على اسْمِ الشَّهادةِ أشْوَاقَهَا
لِتُوحيْ لنا في انطلاقِ الجِهَادِ
هُنَا.. أَنْ نَثُورْ
ليبقى لنا أَنْ نَمُدَّ الجسورْ
إِلى اللَّهِ في صَيْحَةٍ حُرَّةٍ
تثيرُ الحياةَ بوحيِ العبورْ
وأَنْتَ تُشيرُ إِلينا
وأَنْتَ تَمُدُّ إِلينا
يَدَاً خَضَّبَتْها الدِّمَاءْ
يَدَاً كَتَبَتْ فِكْرَهَا بالدِّمَاءْ
لِتُشْرِقَ فينا حُروفُ الضِّيَاءْ
حُروفُكَ هذي الّتي يَشْهَقُ العبيرُ
بِهَا وَيَمُوجُ الرَّوَاءْ
وَأَنْتَ تُشيرُ إِلينا ـ وَقَدْ ضَاعَ مِنَّا الطَّريقْ ـ
وَأَنْتَ تَمُدُّ إِلينا ـ لِتُبْعِدَ عَنَّا الحريقْ..
لِنَحْيا مَعَ اللَّهِ.. تَحيا الحياةُ
بِأَعْماقِنَا
قِصَّةً لِلشَّهَادةْ
وَقُلْتَ لنا إِنَّها كبرياءٌ وَفَيْضُ عِبَادَةْ
وَوَحْيُ سَعَادةْ
وَقُلْتَ لنا.. هذه كَرْبَلاءْ
تَعَالَوْا إِلى كَرْبَلاءْ
هُنَا سَاحَةُ الجَنَّةِ الوَارِفَةْ
هُنَا الحَقُّ في ثَوْرَةِ العَاصِفَةْ
هُنَا عَوْدَةُ الرُّوحِ.. هَذا الرَّبيعُ
هُنَا الخُضْرَةُ الرَّاعِفَةْ
هُنَا الشِّمْرُ.. يَصْنَعُ مَأْسَاةَ جيلٍ.. وَيَضْرَى
الإباءْ
نَعَمْ لِلحُسَينِ.. نَعَمْ لِلدِّمَاءْ
سَيُشْرِقُ نَيْسَانُ نُوراً
وَيَنْبُتُ نَيْسَانُ وَرْدَاً
وَيَهمي العبيرُ
وَأَنْتَ وَنَيْسَانُ مَعْنَى الرَّبيعْ
وتبقى لنا
جِهَادُكَ رُوْحٌ وفِكْرٌ رفيعْ
لِيَصْنَعَ في كُلِّ جيلٍ شَهَادَهْ
وَيَبْعَثَ في كُلِّ فَجْرٍ مَعَادَهْ
وَتَحْيَا بنا في طَريقِ الحُسينِ
وَتَرْوي لنا كَرْبَلاءَ الجَديدةْ
حَكايا الحُسينِ الجديدةْ
وقِصَّةَ زينبَ عَبْرَ الشَّهيدةْ(2)
*****
لأَنَّكَ قُوَّهْ
لأَنَّكَ ثَوْرَهْ
لأَنَّك سِرُّ انْطِلاقةِ أُمَّهْ
سَتَبْقَى لنا
سَتَحْيَا لنا
وَتَبْقَى حَيَاتُكَ في الدَّرْبِ قُوَّهْ
وَتُحْيِي نَجَاواكَ في الرُّوْحِ جُذْوَهْ(3)
وَتَمْتَدُّ ثَوْرَهْ
وَفِي الفَجْرِ يُشْرِقُ رُوْحٌ جَديدْ
وفي الشَّمْسِ سَوفَ يَذُوبُ الجَليدْ
وَيَهْوي الظَّلامْ
وَتَنْهَارُ كلُّ جبالِ الظَّلامْ
لأَنَّك في لَفَتَاتِ الشُّرُوقِ(4)
تُمَزِّق كُلَّ حَكَايا الظَّلامْ
لأَنَّك قُوَّهْ
لأنَّكَ ـ في قِصَّةِ الحَقِّ ـ جُذْوهْ
*****
أَخي
وَيَعودُ الحَنينُ لِقَلْبي
عَمِيقاً كَمِثْلِ الجِرَاحْ
رَقيقاً كَنُورِ الصَّبَاحْ
حَبيباً كَمَعْنَى السَّمَاحْ
وَتَنْسَاب كَالحُلْمِ ذكرى حَيَاةِ الجِهَادْ
وَيَبْقَى الجِهَادْ
لَنَا في الطَّريقِ حياةً وَزَادْ
**********
(*) مجتهد جليل وكاتب ومفكر وعبقري فاضل ولد عام 1350 ه -. أخذ المقدمات والسطوح في بلدة الكاظمية. وهاجر إلى النجف الأشرف وتتلمذ على كبار العلماء والمراجع، برع في الفقه والأصول والكلام والفلسفة، وتدرع بالجرأة فراح يقاوم الظلم والطغيان وانصرف إلى التأليف وإلقاء المحاضرات. اعتقل وشقيقته الفاضلة آمنة الصدر (بنت الهدى) من قبل السلطة الجائرة في العراق، ونفذ فيهما حكم الإعدام في 9 نيسان/ 1980 م. وغمرت الوطن الإسلام الكبير موجة من الألم والاضطراب لنبأ إعدامه. من مؤلفاته: اقتصادنا، البنك اللاربوي في الإسلام، فلسفتنا، (معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام) المجلد الثاني، ص: 809.
(1) تَشُفُّ: شَفَّ شفّاً وشفوفاً الماء: شَرِبه كُلَّه.
(2) آمنة (بنت الهدى) (1356-1400). الأديبة الفاضلة الكاتبة الجليلة الشهيدة، كانت تقيم في النجف الأشرف، درست على أخيها الشهيد السيد محمد باقر الصدر. وكتبت مقالات توجيهية إسلامية في الصحف النجفية، بتوقيع (بنت الهدى) (1 - ح). استشهدت عام 1400 ه - ولم تتزوج. لها: أمنية ودعوة للمرأة المسلمة، بطولة المرأة المسلمة، الفضيلة تنتصر، كلمة ودعوة، المرأة مع النبي (ص)، المرأة وحديث المفاهيم الإسلامية. (معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام/المجلد الثاني، ص: 808).
(3) الجُذوة والجَذوة والجِذوة ج جُذىً وجِذىً وجِذاء: الجمرة الملتهبة.
(4) لَفَتات: جمع لفتة، إيماءَة.
لأنَّ بعينَيْكَ سِرَّ ائتِلاقِ النُّجوم
وفي رُوْحِكَ اليقْظَة الثَّائِرَة
وفي قَلْبِكَ الحُبّ للمُتْعَبينَ
لِكُلِّ عيونِ الأَسى الحَائِرَة
لأنَّكَ قُوَّةُ فِكْرٍ كبيرٍ
كبيرٍ كَمَا القِمَّةُ القَادِرَة
لأنَّ الهُدَى ثَوْرَةٌ في يَدَيْكَ
وإِيقَاظُهُ اللَّحْظَة الخَائِرَةْ
لأنَّ العيُونَ الّتي حَدَّقتْ
بعَيْنَيْكَ في الثَّوْرَةِ الهَادِرَهْ
رَأَتْ فيْكَ رُوحاً كمِثْلِ الرّبيعِ
يَرُشُّ الضُّحَى في الخُطَى السَّائِرَة
*****
لأنَّكَ قُوَّة
تَعيشُ وتَزْرَعُ في الأَرْضِ قُوَّة
وَتَخْطو
وَتَحْمِلُ لِلْغَدِ قُوَّه
وَتَهْفو وَيَحْيا الشُّعورُ الطَّهورُ
كَمَا الفَجْرُ يَحْمِلُ زَهْوَ النُّسورْ
كَمَا الخِصْبُ يَحْضُنُ سِرَّ البُذُورْ
ففي كُلِّ إِيقَاظَةٍ دَعْوَةٌ
تُعَانِقُ ـ بالحَقِّ ـ وَحْيَ الشُّعورْ
وَفي كُلِّ دَرْبٍ هُدَى فِكْرَةٍ
تَشُقُّ المدى في انطلاقِ العُبُورْ
لأنَّكَ ثَوْرَة
تُحَرِّكُ في الفِكْرِ دَرْباً جَديداً
وتَزْرَعُ في الرُّوْحِ عُشْبَاً جديداً
وَتَصْنَعُ في السَّيرِ خَطواً عنيداً
وَتَمْتَدُّ في الخَطِّ خَطَّاً مَديداً
تُلاقي البدايةُ فيهِ النِّهَايَهْ
وَتَحْمِل للملتقى خَيْرَ آيهْ
وَتُوحيْ لنا أَنَّ في كُلِّ غَايَهْ
مَعَاني توحي.. تُثيرُ الحِكَايَهْ
عَن اللَّهِ.. عَنْ وَحْيِهِ.. عَنْ جِهَادٍ يُحَطِّمُ
فينا طَرِيقَ الغِوَايَهْ
لأنَّكَ ثَوْرهْ
كَمَا أَنْتَ في فِكْرِكَ الحُرِّ ثَوْرَهْ
تُفَلْسِفُ لِلْغَدِ بالحُبِّ ثَوْرَهْ
وَتَرْصُدُ في مُلْتَقى الرُّوْحِ ثَوْرهْ
وَتَنْسَابُ في الموجِ في كُلِّ بَحْرٍ
يُهَدْهِدُ في شاطِئ الغَدِ ثَوْرَهْ
وَتَحْكيْ لأطْفَالِنا في الرَّبيعِ المُنَدَّى
حَكايا العيونِ البَرِيئهْ
وَتُوْحِيْ لِجِيْلِ الشَّبَابِ الفَتِيِّ
إِرادَتَه في القُلُوبِ الجَرِيئَهْ
وَتُطْلِقُ لِلْغَدِ كُلَّ جَنَاحٍ
يُحَلِّقُ يَصْعَدُ نَحْوَ النُّبُوءَهْ
لِتَعْرِفَ أَنَّ طَرِيقَ الذُّرَى
تَشُفُّ(1) مداهُ الأَكُفُّ المليئَهْ
*****
لأنَّكَ كُنْتَ الهُدَى والأَملْ
وكنتَ تُنَادي وَتَصْرُخُ فينا
وفي كُلِّ إِشراقةٍ لِلأَمَلْ
تَعَالَوْا إِليَّ
فإِنِّي هُنَا
أُلَمْلِمُ أُنْشودةَ الثَّائِرِينْ
تَعَالَوْا إِليَّ
فَإِنِّي هُنَا
أَمُدُّ يَدِي في يَدِ الكَادِحينَ
وَأَدْعوْ وَأَصْرخُ في كُلِّ لَيْلٍ
لأوقِظَ إِخْوَتيَ النَّائمين
فَأَزْرعُ في كُلِّ جَفْنٍ طُيُوفَ الضِّياءْ
وَأُهْرِقُ في كُلِّ رُوْحٍ كُؤُوسَ الصَّفَاءْ
وَأدْعوْ الكُسَالى، على كُلِّ دَرْبٍ
نِداءً نِدَاءً نَدَاءْ
تَعَالَوْا إِليَّ
فإنَّ الشَّهَادةْ
عَبيرٌ وَحُبٌّ وَرُوحُ إرَادَهْ
وَتَاريخُ مُسْتَقْبَلٍ مُشْرِقٍ
يَشُقُّ الحَيَاةَ.. بِسِرِّ القيادةْ
وَتَحْيا الدِّمَاءْ
تُهَلِّلُ تَفْرَحُ للسَّائِرينْ
وَتَجْري الدِّمَاءْ
كَمَا الموجُ في ملتقى السَّابِحِينْ
كَمَا النَّهْرُ يَهْتِفُ بالسَّائِرِينْ
هُنَا الجِسْرُ
يَا زُمْرَةَ العَابرينْ
وَتَهْفو الدِّمَاءُ
وتهفو.. وتوحي وَتَهْمِسُ شِعْرا
وَتَكْتُبُ في صفحةِ الغَدِ فكرا
وَتُوْقِدُ في حفلةِ النَّارِ جَمْرا
وَتُطْلِقُ في صَرْخَةِ الرُّوْحِ ثَأْرا
وتَبْكيْ الدِّماءُ
على البَاخِلينَ الَّذينَ اسْتَرَاحُوا
وَعَادوا يَمصُّونَ رُوْحَ الدِّمَاءْ
وَنَسْمعُ صَوْتَكَ رُوْحَاً خَفيفاً
خَفيفاً كَمَا النَّسْمةُ الغَافيةْ
تَعَالَوْا إِليَّ
إِلى الفِكْرِ يا عُصْبَةَ الجَاهِلينْ
إِلى الرُّوْحِ يا زُمْرَةَ الجَامِدينْ
إِلى اللَّهِ يا مَجْمَع الجَاحِدِينْ
إِلى الفَجْرِ يا فِرْقَةَ الضَّائِعينْ
تَعَالَوْا إِليَّ
ففي الدِّين فِكْرُ الحَيَاةِ الطَّموحْ
وَيَقْظَةُ وَعْيٍ وعودةُ رُوْحْ
وَقِصَّةُ دُنياً تُثيرُ السّفوحْ
لتحيا مَعَ اللَّهِ في خيرِ نِعْمَهْ
فتسمعَ في الخُلْدِ أَعْذَبَ نَغْمَهْ
وَتَصْنَعَ لِلْغَدِ أَعْظَمَ أُمَّهْ
وَتوحيْ لنا أَنَّ سِرَّ الشَّهيدِ
يُحَطِّمُ للظُّلْمِ أَرْفَعَ قِمَّهْ
لأنَّكَ قُوَّة
تُخيفُ.. تُهدِّدُ.. وَحْشَ الظَّلامْ
وَتَحْيَا لِتَبْعَثَ روحَ السَّلامْ
على اسْمِ الهُدَى في رَبيعِ الوِئامْ
.. وَكَانوا على الدَّرْبِ..
كَانت لَدَيْهِمْ
حَكَاياكَ وَهْيَ تُثيرُ الضِّرَامْ
لِتُشْعِلَ بالحَقِّ ثَوْرَةْ
وَتَبْعَثَ بالفِكْرِ لِلحَقِّ قُوَّةْ
وَتُوحيْ بِأَنَّكَ تَحْمِلُ شُعْلَةْ
وَأَنَّ يَدَ الشَّعْبِ تَزْرَعُ نَخْلَةْ
لِيَنْشُرَ، في وَهَجِ الوَعْيِ ظِلَّهْ
وكانوا يَخَافونَ أَنْ تلتقي
الحِكَاياتُ.. في مَوْعِدِ الأَنبياءْ
وَيَزْحَفُ إِسلامُنَا للذُّرَى
الكبيرةِ في يَقَظاتِ الضِّيَاءْ
وَيَهْوي الظَّلامُ
وَيَحْيَا السَّلامُ
سَلامُ القلوبِ النَّقِيَّةْ
سَلامُ الزُّنُودِ الفَتِيَّةْ
عَلى كُلِّ سَاحٍ يعيشُ الجِهَادْ
بِآفَاقِهَا.. في امتدادِ العِنَادْ
وَتَبْقَى بِفْكرِكَ في وَعْيِنا
سَلاماً يُنَضِّرُ وَجْهَ البِلادْ
*****
لأنَّك قُوَّةْ
لأنَّكَ ثَوْرَةْ
أَرَادُوكَ أَنْ تَنْحَني لِلرِّيَاحْ
وأَنْ تُسْلِمَ الحَقَّ في كُلِّ سَاحْ
وأَنْ تُسْكِتَ الصَّيْحَةَ الهَادِرَةْ
وَتَسْتَسْلمَ القوّة الصَّابِرَةْ
وأَنْ تَتَمَنَّى عليهمْ سَلاماً
ذَليلاً لدى الطُّغْمَةِ الفَاجِرَةْ
لِيَبْقى لَهُمْ مَجْدُهُمْ شَامِخَاً
على رَغْمِ أُمَّتِنَا القَادِرَةْ
وَلَكِنَّ رُوحاً تُثيرُ الذُّرَى
وَتَدْفَعُ للشَّمسِ آفاقَهَا
أَثَارَتْ على خُطُوَاتِ الطَّريقِ
على اسْمِ الشَّهادةِ أشْوَاقَهَا
لِتُوحيْ لنا في انطلاقِ الجِهَادِ
هُنَا.. أَنْ نَثُورْ
ليبقى لنا أَنْ نَمُدَّ الجسورْ
إِلى اللَّهِ في صَيْحَةٍ حُرَّةٍ
تثيرُ الحياةَ بوحيِ العبورْ
وأَنْتَ تُشيرُ إِلينا
وأَنْتَ تَمُدُّ إِلينا
يَدَاً خَضَّبَتْها الدِّمَاءْ
يَدَاً كَتَبَتْ فِكْرَهَا بالدِّمَاءْ
لِتُشْرِقَ فينا حُروفُ الضِّيَاءْ
حُروفُكَ هذي الّتي يَشْهَقُ العبيرُ
بِهَا وَيَمُوجُ الرَّوَاءْ
وَأَنْتَ تُشيرُ إِلينا ـ وَقَدْ ضَاعَ مِنَّا الطَّريقْ ـ
وَأَنْتَ تَمُدُّ إِلينا ـ لِتُبْعِدَ عَنَّا الحريقْ..
لِنَحْيا مَعَ اللَّهِ.. تَحيا الحياةُ
بِأَعْماقِنَا
قِصَّةً لِلشَّهَادةْ
وَقُلْتَ لنا إِنَّها كبرياءٌ وَفَيْضُ عِبَادَةْ
وَوَحْيُ سَعَادةْ
وَقُلْتَ لنا.. هذه كَرْبَلاءْ
تَعَالَوْا إِلى كَرْبَلاءْ
هُنَا سَاحَةُ الجَنَّةِ الوَارِفَةْ
هُنَا الحَقُّ في ثَوْرَةِ العَاصِفَةْ
هُنَا عَوْدَةُ الرُّوحِ.. هَذا الرَّبيعُ
هُنَا الخُضْرَةُ الرَّاعِفَةْ
هُنَا الشِّمْرُ.. يَصْنَعُ مَأْسَاةَ جيلٍ.. وَيَضْرَى
الإباءْ
نَعَمْ لِلحُسَينِ.. نَعَمْ لِلدِّمَاءْ
سَيُشْرِقُ نَيْسَانُ نُوراً
وَيَنْبُتُ نَيْسَانُ وَرْدَاً
وَيَهمي العبيرُ
وَأَنْتَ وَنَيْسَانُ مَعْنَى الرَّبيعْ
وتبقى لنا
جِهَادُكَ رُوْحٌ وفِكْرٌ رفيعْ
لِيَصْنَعَ في كُلِّ جيلٍ شَهَادَهْ
وَيَبْعَثَ في كُلِّ فَجْرٍ مَعَادَهْ
وَتَحْيَا بنا في طَريقِ الحُسينِ
وَتَرْوي لنا كَرْبَلاءَ الجَديدةْ
حَكايا الحُسينِ الجديدةْ
وقِصَّةَ زينبَ عَبْرَ الشَّهيدةْ(2)
*****
لأَنَّكَ قُوَّهْ
لأَنَّكَ ثَوْرَهْ
لأَنَّك سِرُّ انْطِلاقةِ أُمَّهْ
سَتَبْقَى لنا
سَتَحْيَا لنا
وَتَبْقَى حَيَاتُكَ في الدَّرْبِ قُوَّهْ
وَتُحْيِي نَجَاواكَ في الرُّوْحِ جُذْوَهْ(3)
وَتَمْتَدُّ ثَوْرَهْ
وَفِي الفَجْرِ يُشْرِقُ رُوْحٌ جَديدْ
وفي الشَّمْسِ سَوفَ يَذُوبُ الجَليدْ
وَيَهْوي الظَّلامْ
وَتَنْهَارُ كلُّ جبالِ الظَّلامْ
لأَنَّك في لَفَتَاتِ الشُّرُوقِ(4)
تُمَزِّق كُلَّ حَكَايا الظَّلامْ
لأَنَّك قُوَّهْ
لأنَّكَ ـ في قِصَّةِ الحَقِّ ـ جُذْوهْ
*****
أَخي
وَيَعودُ الحَنينُ لِقَلْبي
عَمِيقاً كَمِثْلِ الجِرَاحْ
رَقيقاً كَنُورِ الصَّبَاحْ
حَبيباً كَمَعْنَى السَّمَاحْ
وَتَنْسَاب كَالحُلْمِ ذكرى حَيَاةِ الجِهَادْ
وَيَبْقَى الجِهَادْ
لَنَا في الطَّريقِ حياةً وَزَادْ
**********
(*) مجتهد جليل وكاتب ومفكر وعبقري فاضل ولد عام 1350 ه -. أخذ المقدمات والسطوح في بلدة الكاظمية. وهاجر إلى النجف الأشرف وتتلمذ على كبار العلماء والمراجع، برع في الفقه والأصول والكلام والفلسفة، وتدرع بالجرأة فراح يقاوم الظلم والطغيان وانصرف إلى التأليف وإلقاء المحاضرات. اعتقل وشقيقته الفاضلة آمنة الصدر (بنت الهدى) من قبل السلطة الجائرة في العراق، ونفذ فيهما حكم الإعدام في 9 نيسان/ 1980 م. وغمرت الوطن الإسلام الكبير موجة من الألم والاضطراب لنبأ إعدامه. من مؤلفاته: اقتصادنا، البنك اللاربوي في الإسلام، فلسفتنا، (معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام) المجلد الثاني، ص: 809.
(1) تَشُفُّ: شَفَّ شفّاً وشفوفاً الماء: شَرِبه كُلَّه.
(2) آمنة (بنت الهدى) (1356-1400). الأديبة الفاضلة الكاتبة الجليلة الشهيدة، كانت تقيم في النجف الأشرف، درست على أخيها الشهيد السيد محمد باقر الصدر. وكتبت مقالات توجيهية إسلامية في الصحف النجفية، بتوقيع (بنت الهدى) (1 - ح). استشهدت عام 1400 ه - ولم تتزوج. لها: أمنية ودعوة للمرأة المسلمة، بطولة المرأة المسلمة، الفضيلة تنتصر، كلمة ودعوة، المرأة مع النبي (ص)، المرأة وحديث المفاهيم الإسلامية. (معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام/المجلد الثاني، ص: 808).
(3) الجُذوة والجَذوة والجِذوة ج جُذىً وجِذىً وجِذاء: الجمرة الملتهبة.
(4) لَفَتات: جمع لفتة، إيماءَة.