أسلوب الخطاب القرآنيّ الموجَّه إلى الرَّسول(ص)

أسلوب الخطاب القرآنيّ الموجَّه إلى الرَّسول(ص)

ونقف ـ أيّها الأحبَّة ـ بين يدي رسول الله(ص) في ذكرى وفاته(ص)، وهو في وجداننا الإسلاميّ لا تحدّده ذكرى ولا مناسبة، بل نحن معه في كلِّ صلاة، وفي كلّ حكم شرعيّ نلتزمه، وفي كلّ موقفٍ إسلاميّ نواجه فيه كلَّ التّحدّيات باسمه وباسم رسالته وباسم الأفق الأعلى الَّذي ارتفع إليه ويريدنا أن نرتفع إليه؛ باسمه عندما انطلق في الرّسالة بشيراً ونذيراً وسراجاً منيراً، لنعيش رسالته على امتداد الزمان والمكان، لأنَّ رسالته هي خاتمة الرّسالات، {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}[1].

أسلوب المخاطبة

لذلك، فإنّنا نحتاج دائماً إلى أن نعيش معه، أن نستوحيه، وأن نتعرَّف كيف أراد الله له أن يدعو، وكيف دعا، وقد خاطبه الله في القرآن بأسلوبين:

الأسلوب الأوّل: وهو الأسلوب الَّذي تحدَّث الله إليه فيه بشكلٍ مباشر في خصوصيّته النبويّة الشخصيَّة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً}[2]، إلى غير ذلك مما كان عنوان الخطاب فيه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}، أو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[3]، وهكذا في كلّ الخطابات التي خاطبه بها ليحدِّد له مسؤوليَّة معيَّنة، أو ليحدِّثه عن صفته وعن موقعه وعن حركة الرّسالة.

كما تحدَّث عنه بصفة الغائب عندما تحدَّث مع النّاس كيف يطيعون الرّسول، وكيف ينفِّذون أوامره، وكيف يحكِّمونه فيما شجر بينهم، كعلامةٍ لإيمانهم: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}[4]، وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}[5].

وهناك أسلوب ثانٍ أراد الله فيه من الرّسول(ص) أن يقول للنّاس ما يوحي به إليه، وذلك في الخطابات الّتي وردت بكلمة {قُلْ}، وهي كثيرة في القرآن الكريم، وكلّها تشتمل على مضامين فكريَّة وحركيَّة ومنهجيَّة في قضايا الرّسالة الحيويّة، إن على المستوى العقيدي، أو على مستوى المنهجيَّة الاجتماعيَّة، أو على مستوى الأمور المتَّصلة بحياة النَّاس.

عالميَّة الرَّسول والرّسالة

وبطريقة خطاب النبيّ(ص) ما يوحي بأنَّ الله قد جمع في ما تتضمَّنه الآيات الّتي تبدأ بكلمة {قُلْ}، أصول الرّسالة في حركيَّتها في واقع النّاس. وعلينا أن نتابع هذه الآيات، ونحاول أن نتفهَّمها، لنتعرَّف ما هي القضايا الّتي أراد الله لرسوله أن يثيرها من خلال ذلك كلَّه، وهذه المضامين على نموذجين، ففي النَّموذج الأوّل، يعتمد فيه أسلوب الإيضاح والبيان لماهية الرّسالة، فقد قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}[6]، وهنا أراد الله للرسول(ص) أن يبيّن للناس أنه ليس رسولاً محلياً، وليس رسولاً إقليمياً، وليس رسولاً قومياً، بل هو رسول إنسانيّ، أي للإنسان كلّه، وهذه الآية تردُّ على ما ذكره بعض المستشرقين من أنَّ النبي(ص) عندما بدأ دعوته بدأها محليَّة: {لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}[7]، ثم عندما توسَّعت دعوته انفتح على العالم، فلم تكن العالميّة في دعوته ـ حسب هذا الرّأي ـ دعوة في بداية الرّسالة، بل كانت دعوة فرضتها التطوّرات، فعندما رأى الرّسول(ص) أنّ دعوته تجاوزت (أمّ القرى) وما حولها، فكَّر في أن يمدِّد دعوته إلى أبعد من ذلك.

ولكنّنا نقرأ هذه المسألة في أكثر من آية، كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}[8]، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}[9].. ثم إنَّ طبيعة المسألة تفرض ذلك، فإذا كانت نبوَّته خاتمة الرّسالات، فلا بدَّ من أن تكون رسالة ربِّ العالمين للعالمين، كرسولٍ عالميّ، وإلا كيف يختصّ الله {أُمَّ الْقُرَى} ومن حولها، أو كيف يختصّ الله العرب بالرسالة، في الوقت الذي كان الناس كلّهم بحاجة إلى الهداية وإلى الأخذ بالرّسالة التي تهديهم. لذلك أعلن: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}[10]، فعليكم أن تستمعوا إليَّ، وعليكم أن تنفتحوا عليَّ، وعليكم أن تلتزموا هذه الرِّسالة، وأريد ـ والحديث لرسول الله(ص) ـ في بداية هذا الإعلان للرّسالة العالميَّة، أن أحدِّثكم عن ربّ العالمين، لتلتقي عندكم عالميَّة الرسالة بعالميّة الربّ الذي أرسل هذه الرسالة وحملها رسوله إليكم جميعاً: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}، فهو يملك الكون كلَّه، {لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ}، لأنّه {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا}[11]، وأنتم ترونها خاضعةً لنظامٍ متوازنٍ لا أثر فيه للفساد والاختلال، {قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}[12]، ويقول تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[13]، ويقول تعالى: {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ}[14]، وقوله: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ}، وهو ربّ الحياة والموت، وهذا هو الّذي تعيشونه في كلّ وجودكم في هذه الحياة، لقد كنتم عدماً فوجدتم، وستنتقلون إلى العدم لتنفتحوا على وجود آخر، {فَآمِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ}، فإذا التقيتم برسالة الرَّسول العالميَّة، والتقيتم بالله الَّذي له ملك السّموات والأرض، الله الواحد الّذي يملك الحياة والموت ويملك الوجود كلَّه، فإنَّ ذلك يفرض عليكم أن تؤمنوا بذلك: {فَآمِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ}، وكلمة {الأُمِّيِّ} قد لا يراد بها ـ هنا ـ الذي لا يعرف القراءة والكتابة، وإن كان القرآن أكَّد ذلك بقوله تعالى: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}[15]، ولكن كلمة {الأُمِّيِّ} ـ هنا ـ قد تكون بلحاظ نسبته إلى أمّ القرى، وقد تكون بلحاظ نسبته إلى العرب، وقد كان اليهود يطلقون عليهم كلمة {الْأُمِّيِّينَ} كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ}[16]، الَّذي يؤمن بالله وكلمته، فالنّبيّ يدعوكم إلى أن تؤمنوا بالله وتؤمنوا برسالته، ليكون إيمانكم بالرّسول إيماناً بالرّسالة، وهو أوَّل المؤمنين بالله، وأوَّل المؤمنين بكلمات الله، لأنَّه لا يدعوكم إلى شيءٍ إلا ويكون قد آمن به قبلكم، {الَّذِي يُؤْمِنُ بِالله وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[17]، لأنَّ في ذلك الهدى كلّ الهدى.

الثّقة الذاتيَّة بالرِّسالة

النّموذج الثّاني في نداء: {قُلْ} في قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ}. وهنا الأسلوب مختلف، ويظهر فيه التصدّي من الله تعالى لتعليم النبيّ(ص) بشكلٍ مباشر، فللنبيّ(ص) شخصيَّته وعقله وثقافته الّتي يمارس فيها أساليبه في الدَّعوة. ولكنّ قيمة هذه الأساليب أنَّ الله سبحانه وتعالى علَّم رسوله بشكلٍ مباشر أن يمارسها، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي}[18]، إن لم يحصل لكم ـ كما تزعمون ـ اليقين بما بلّغتكم به، فإني لست في شكٍّ من ديني، وإذا كنتم ترفضون عبادة الله الواحد وتعبدون الأصنام لتقرّبكم إلى الله زلفى، فتشركون بعبادته غيره، فإنّي على يقينٍ من ديني، ولذلك، فإني أرفض عبادة الَّذين تدعون إليهم من دون الله، وأعبد الله وحده.

وقيمة هذا الأسلوب أنَّه يمثِّل الموقف القويَّ الحاسم الحازم الَّذي يوحي إليهم بأنّه لن يتنازل عن رسالته مهما كانت الضّغوط الاجتماعيَّة، ومهما بقي وحيداً من خلال جحودهم وأفكارهم، لأنَّه لا يستعير قوّة موقفه وصلابة موقعه من النّاس، وإنما ينطلق به من خلال إيمانه الذّاتي. وهكذا نستوحي أنَّ الرّساليّين لا يهتزّون ولا يتزلزلون ولا يسقطون ولا يصابون بالإحباط عندما يتركهم النّاس، بل إنهم ينطلقون من خلال هذا العمق الدّاخليّ الّذي ينفتح على الإيمان بكلِّ قواه، ليشعروا بالقوّة في مواقفهم.

ولذلك، فإنّ على الإنسان أن لا يحدِّق بالناس كيف يصفّقون له، وكيف يهتفون له، وكيف تتراكض الأقدام وراءه. عليه أن يقول كما قال الإمام عليّ(ع): "لا تزيدني كثرة النّاس حولي عزّة، ولا تفرّقهم عنّي وحشة"[19]، وقد قال الإمام لولده الإمام الحسن(ع): "ولا يؤنسنَّك إلاّ الحقّ، ولا يوحشنَّك إلاّ الباطل"[20]، وقال في كلمته التي أراد أن يعظ النّاس بها ليثبّتوا مواقفهم بالرّغم من قلة الناس الذين معهم: "لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله، فإنّ الناس قد اجتمعوا على مائدةٍ شبعها قصير، وجوعها طويل"[21]. انظروا إلى عمق المسألة ولا تنظروا إلى السطح، لأنَّ الذين ينظرون إلى السطح يهتزون، وأما الذين ينظرون إلى العمق، فإنهم يرتبطون بالجذور، وعندما تكون الجذور عميقةً وقويّة، فلا يمكن أن تهتزّ الشّجرة التي ترتبط بهذا العمق: {كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء}[22].

اليقين النبويّ

وبالعودة إلى النّموذج الثاني والأسلوب الذي تحدَّثنا عنه، فإنَّ قول الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، أي قل لهم بكلِّ قوّة وحسم وصلابة، {إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي}، فلست على شكٍّ في ديني: {فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله وَلَـكِنْ أَعْبُدُ الله}[23]، أتعرفون من هو الله؟ {الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ}، فستموتون وستفقدون كلّ ما أنتم فيه مما يبعث فيكم الغرور، ويضخِّم لكم شخصيّاتكم، ويدفعكم إلى أن تنكروا الحقائق، انطلاقاً من المحافظة على امتيازاتكم التي ربما تهدمها كلّ الحقيقة، {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، أُمرت من خلال ربّي الّذي عرفته، ومن خلال عقلي الّذي أضاءت الحقيقة كلّ فكره لكي أؤمن فآمنت؛ آمنت من كل كياني الذي كان يعيش الإحساس بالله كما لو كان يرى الله. {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً}، حنيفاً يعني مائلاً عن الباطل إلى الحقّ، بمعنى مستقيماً، {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ}[24]. وهنا يبدو تصعيد الموقف في الخطاب، وهو يشير إلى الأصنام الّتي لا تضرّ ولا تنفع، وهذا الخطاب، وإن كان موجَّهاً إلى النبيّ(ص)، ولكنّ الله أراد أن يؤكِّد للنّاس ذلك ليخاطبهم من خلال خطاب النبيّ(ص)، {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} الَّذين يشركون بعبادة الله غيره ممن لا يضرّ ولا ينفع.

وفي آيةٍ أخرى تخاطب النبيّ(ص): قل يا محمد في خطابك للنّاس، وقل يا أيّها الدّاعية إلى الله في خطِّ الإسلام، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ}، فهذا هو الحقّ بكلِّ مضمونه، وبكلِّ دلائله، وبكلِّ براهينه وملامحه، {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ}[25]، فأنتم عندما تهتدون، فلا تمنُّوا على رسول الله أنْ اهتديتم من خلال دعوته، وقد قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[26]، لأنَّ القضيّة تتّصل بما يصلح أمركم في الدّنيا، وما يبعدكم عن الفساد فيها، وما يهيِّئ لكم طريق الآخرة، فالقضيَّة أنَّ الله لا تنفعه طاعة من أطاعه، ولا تضرّه معصية من عصاه، لأنّه الغنيّ {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ}[27]، و{وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ}[28]، فإنَّ دوري هو دور المذكِّر، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}[29]، فلم يجعلني الله وكيلاً مسيطراً عليكم، وإنما جعلني مبشِّراً ونذيراً وداعياً إلى الله وسراجاً منيراً، لأُضيء عقولكم بفكر الحقّ، ولأضيء قلوبكم بالإحساس، ولأضيء حياتكم بكلِّ مواقع الحقّ، {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ}، ولا تسقط أمام كلِّ حالات الجحود، {وَاصْبِرْ}، فالدَّعوة تحتاج إلى أن يصبر الدّعاة إلى الله، لأنَّ القلوب تحجَّرت بالكفر في واقع الفكر، وبالضَّلال في مواقع الضَّلال والانحراف، ولذلك، فإنَّ على الدَّاعية إلى الله سبحانه وتعالى أن يصبر حتى تتفتَّت هذه الحجارة؛ حجارة الكفر والضّلال والانحراف، من خلال ينابيع الحقّ. وأنتم تعرفون أنَّ الصّخور لن تتفتَّت بالوسائل الطبيعيّة إلا بعد حين، {وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ الله وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}[30]، يحكم الله بينك وبين هؤلاء، فيدخل النّاس في دين الله أفواجاً.

وفي الآية الرّابعة: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، وهنا يخاطبه ليحدِّد له كيف يتكلَّم: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}[31]، نذير ينذركم عذاب الله، مبين يبيّن لكم الحقائق من وحي الله. أمّا النتائج، فيقول سبحانه: قل لهم يا رسول الله، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}[32]، فالله يغفر لهم خطاياهم إن انطلقوا من قاعدة الإيمان في خطّ العمل الصّالح، فإذا أذنبوا ذنباً هنا وذنباً هناك، فإنَّ لهم مغفرةً ورزقاً كريماً في الدّنيا ورزقاً كريماً في الآخرة، وهو الجنّة، {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ}، يحاولون أن يضعوا الحواجز أمام الدّاعية لله، {أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[33].

بشريّة النبيّ

ثم أراد الله لرسوله أن يتقدَّم إليهم بشخصيَّةٍ بشريَّةٍ بعيدةٍ عن كلّ التَّهاويل الّتي تجعل الناس يؤمنون بالشَّخص من خلالها، وإنَّما أن يقدِّم نفسه إليهم كنبيّ يوحى إليه من قبل الله، وأنه لا يتمتَّع بأية مواقع قوّة تجعله فوق البشرية خارج نطاق الوحي. {قُلْ} لمن يأمل أنَّك سوف تأتيه بالمال من خزائن الله، أو أن تحدِّثه عن الغيبيّات في المستقبل، كالَّذين يقصدون بعض النّاس ليتعرَّفوا ما هو المستقبل، أو لتتمثّل لهم ملكاً من الملائكة، كما كانوا يزعمون أنَّ الرّسول لا بدّ من أن يكون ملكاً، {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ الله}، فأنا إنسان فقير ولدت فقيراً وعشت فقيراً، حتى ربطت حجر المجاعة في بطني في وقعة الأحزاب، وسأموت فقيراً، وقد مات النبيّ(ص) فقيراً، ولم يكن لديه ما يملكه النّاس من عقارات وأموال، {وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ}، فأنا بشر، {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ}، وهذا هو ما أتميَّز به عنكم.

ومن الطّبيعيّ أنَّ الله سبحانه وتعالى عندما يوحي إلى النّاس، فإنّه يختصّ بشراً يوحي إليه، فيعطيه كلَّ الملكات الروحيَّة التي تجعله تجسيداً للوحي في عقله وقلبه وحياته، فالنّبيّ ليس مجرَّد ساعي بريد، ولكنَّه يختزن الوحي، حتى يكون عقله تجسيداً للوحي، وقلبه مما ينبض فيه القلب تجسيداً للوحي، وحركته فيما هي حركة الإنسان تجسيداً للوحي، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}[34]، فالأعمى هو الذي يعمى قلبه عن النّور الّذي يأتي من الله، وهو نور القرآن، {وَاتَّبَعُواْ النُّورَ}[35]، فإنَّ الله أنزل ما فيه النّور، {قَدْ جَاءكُم مِّنَ الله نُورٌ}[36]، والأعمى هو الَّذي لا يبصر النّور، {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[37]، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ}[38]، فلماذا جمَّدتم عقولكم؟! والعقل هو الّذي يفتح للإنسان النَّافذة على الفكر الَّذي يهديه إلى الحقّ.

ومشكلة النّاس ـ أيّها الأحبَّة ـ فيما يحدِّثنا به القرآن، أنهم يجمِّدون عقولهم، {قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا}[39]. ويؤكِّد الله على النبيّ(ص) أن يكرِّر رفضه للشِّرك، لأنَّ الإسلام قام على التّوحيد، {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله}، فقد نهاني الله عن ذلك عندما فتح أمامي كلَّ آفاق الحقيقة من خلال معرفته، ومن خلال هذا النّور الّذي أضاء به قلبي وعقلي وكلّ حياتي، {قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ}[40]، فكلّ ما تأخذون به، لا ينطلق من قاعدة ومفردات فكريَّة، ولكنَّه ينطلق من هوى النّفس التي تقود الإنسان إلى أن يعتبر الخرافة حقيقة، وأن يعتبر الجهل علماً، وأن يتحرَّك من أجل أن يربط حياته بالحجر بعدما كان الحجر مجرّد شيء يلعب به، ومجرّد شيء يملك أن يحركه كيف شاء، فكيف يمكن أن يكون ربّاً؟!

دليل العصمة

{قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ}. وفي هذه الفقرة، يريد الله أن يقول: إنَّ كلّ ما يطرحه الإنسان مما يبتعد عن الله وعن رسالته، فهو من الهوى، لأنّه فكرٌ لا يرتكز على حقيقة ولا على أساس، {قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً}، لو أنّي اتّبعت أهواءكم، فمعنى ذلك أنّني أحرّك خطواتي في الضَّلال وفي الضّياع وفي المتاهات التي لا تؤدِّي بي إلى نتيجة، {وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}[41]، عندما أتّبع أهواءكم، {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي}، فليس عندي شكّ في ذلك، فأنا في وضوحٍ من أمري، لأنَّ النّور أمامي، وليست هناك أيّة ظلمات تحيط بهذا النّور، فالنّور ليس نقطة إشراق في إطارٍ من الظّلام كما هي النّجوم في اللّيل، ولكنَّه الشَّمس التي لا ضباب ولا غيوم تحجب الرّؤية عنها، بل هي الإشراق كلّه، وأنا أعيش ذلك على بيّنةٍ من ربي، ولذلك فالنّور في عقلي، ولا ظلمة في عقلي ليتحرّك الخطأ فيه، فالعصمة من خلال نورانيّة العقل، ولا ظلمة في كلّ حياتي، لذلك أنزل الله عليّ النّور وقال لي أخرج {النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، ومن يخرج النّاس من الظلمات إلى النور، لا يمكن أن يكون في داخل كيانه ظلمة.

وهذا هو دليلنا على العصمة، إنّ من يخرج النّاس من الظلمات إلى النور، لا بدَّ من أن يكون فكره نوراً كلّه، ولا بدّ من أن يكون قلبه في إحساسه ومشاعره ونبضاته نوراً كلّه، ولا بدّ من أن تكون حياته نوراً كلّها، حتى يعطي الناس نوراً من نوره، ليخرجهم من ظلمات الفكر وظلمات العاطفة وظلمات الحياة، {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ}، ولم تتبعوا هذه البيِّنة، {مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ}[42]، تقولون أنزل علينا عذاباً، والعذاب ليس في يدي، إنّه بيد الله، وأنا لا أدّعي أنني أستطيع أن أنزل العذاب عليكم. {إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}[43] و{إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ يَقُصُّ الْحَقَّ}، يقصّه بكلماته وبقضائه وقدره، {وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}[44].

{قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ}[45]، لو أملك أمر العذاب، {لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}، وعندئذٍ تنتهي المسألة، ولكنّ دوري أن أجرِّب وأعمل، حتى أستطيع أن أفتح عقولكم على الحقّ، وأن أفتح قلوبكم على الهدى، وأن أفتح حياتكم على الإسلام، {وَالله أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ}[46]، الّذين ظلموا أنفسهم بالكفر والضّلال.

صفات الله تعالى

{وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ}، وأحبّ أن أقول لكم من هو الله وما هي صفاته، {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ}، وفي هذا دليل على أنّه لا يعلم الغيب إلا الله، والمفاتيح كلّها بيده، ولن يسلّم الله مفتاح الغيب لأحد، ولكنّه قد يختصّ بعض أنبيائه وبعض أوليائه ببعض المغيّبات على أساس المعلومات، لا على أساس أن يخلق في داخلهم ملكة علم الغيب، وهذا ما ورد في (نهج البلاغة) عن الإمام عليّ(ع) عندما أخبر ببعض المغيّبات، قالوا: يا أبا الحسن، هل هذا علمُ غيب، قال: "ليس بعلم غيب، وإنَّما هو تعلّم من ذي علم"[47].

ويقول(ع) عن تعليم رسول الله(ص) له: "علّمني ألف باب من العلم فتح لي كلّ باب ألف باب"[48]، ورسول الله علّمه الله بعض المغيّبات: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ}[49]، و{وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ}، إنَّ الله يحكي على لسان النبيّ(ص) ذلك، {لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}[50]، وأنا أصاب بالمرض وغير ذلك، {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}[51]، وفي قوله تعالى: {كِتَابٍ مُّبِينٍ}، يعني علم الله سبحانه وتعالى.

{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}، تستغربون كيف أنَّ الله يعلم هذه الأشياء وهو الَّذي خلقها، {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[52]. ثم يفيض أيضاً حتى يدخل عظمة الله في قلوبهم، ويشعرنا ويشعرهم بأنَّ علاقتنا بالله هي علاقة تتَّصل بكلِّ وجودنا وبكلِّ حياتنا، بحيث لا يغيب عنه شيء، فهو المهيمن على الأمر كلِّه، و{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ}، فنحن في اللّيل نموت، ولكنَّنا نموت موتاً مؤجَّلاً. وبعبارةٍ أخرى، فإنَّ الإنسان يموت في اللّيل، إلا أنّه ميّت يتنفَّس، ولذلك قال النبيّ(ص) فيما روي عنه في تصوير الموت والبعث في ردِّه على سؤال بعضهم: يا رسول الله، كيف هو الموت، وكيف هو البعث؟ قال: "لتموتنّ كما تنامون، ولتبعثنَّ كما تستيقظون"[53]، ولذلك نرى الإمام زين العابدين(ع) فيما ينسب إليه من دعاء (يوم الأربعاء) يقول: "لك الحمد أن بعثتني من مرقدي، ولو شئت جعلته سرمداً"[54]، فإنَّ الإنسان حين يستيقظ من النَّوم كأنّه بعث من الموت، ولكنَّه موت مع وقف التَّنفيذ. {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ}، وجرحتم يعني كسبتم، {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} في النّهار، {لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى}، حتى ينتهي الأجل الّذي تنتهي فيه حياتكم، {ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[55]، لتواجهوا نتائج المسؤوليَّة أمامه، {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[56].

{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}، القاهر المسلّط على عباده، {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً}[57]، والحفظة هنا قد تعني الملكين اللّذين يكتبان على الإنسان، {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}[58]، ولكنَّ الظاهر أنّ المراد بالحفظة ـ هنا ـ الَّذين يحفظون للإنسان حياته.

وقد ورد في كلمات الإمام عليّ(ع) ما مضمونه أنَّ لكلِّ إنسانٍ ملكين يحفظانه، فإذا جاء الأجل تخلَّيا عنه، أي عندما تنتهي مهمّتهم في حفظه، ولذا يقول الله سبحانه وتعالى: {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ}[59]، أي لا يقصِّرون، لأنّهم يؤدّون الوظيفة، {ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى الله مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}[60].

هذه ـ أيّها الأحبّة ـ الآيات الّتي أراد الله لرسوله بكلمة: {قُلْ}، أن يعطي للنّاس ثقافة الرّسول والرّسالة، وثقافة العقيدة في صفات الله، حتى يملأ نفوسهم بالله، ويفرغها من كلِّ الأوثان والأصنام التي لا تضرّ ولا تنفع..

ويبقى لنا في هذا الفصل من كلّ كلمةٍ جاءت في القرآن، ما نتحدَّث به في الأسبوع القادم، إن شاء الله.

*ندوة الشّام الأسبوعيّة، فكر وثقافة


[1]  [الأحزاب: 40].

[2]  [الأحزاب: 45، 46].

[3]  [المائدة: 67].

[4]  [النساء: 65].

[5]  [الأحزاب: 36].

[6]  [الأعراف: 158].

[7]  [الشورى: 7].

[8]  [سبأ: 28].

[9]  [الأنبياء: 107].

[10]  [الأعراف: 158].

[11]  [الأنبياء: 22].

[12]  [الطلاق: 3].

[13]  [القمر: 49].

[14]  [المُلك: 3].

[15]  [العنكبوت: 48].

[16]  [الجمعة: 2].

[17]  [الأعراف: 58].

[18]  [يونس: 104].

[19]  نهج البلاغة، خطب الإمام علي(ع)، ج 3، ص 62.

[20]  المصدر نفسه، ج 2، ص 13.

[21]  المصدر نفسه، ج 2، ص 181.

[22]  [إبراهيم: 24].

[23]  [يونس: 104].

[24]  [يونس: 105، 106].

[25]  [يونس: 108].

[26]  [الحجرات: 17].

[27]  [إبراهيم: 19].

[28]  [يونس: 108].

[29]  [الغاشية: 21، 22].

[30]  [يونس: 109].

[31]  [الحج: 49].

[32]  [فاطر: 7].

[33]  [الحج: 51].

[34]  [الأنعام: 50].

[35]  [الأعراف: 157].

[36]  [المائدة: 15].

[37]  [الحج: 46].

[38]  [الأنعام: 50].

[39]  [الأعراف: 179].

[40]  [الأنعام: 56].

[41]  [الأنعام: 56].

[42]  [الأنعام: 57].

[43] [الغاشية: 21، 22].

[44]  [الأنعام: 57].

[45]  [الأنعام: 58].

[46]  [الأنعام: 58].

[47]  نهج البلاغة، ج 2، ص 11.

[48]  بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 22، ص 522.

[49]  [الأحقاف: 9].

[50]  [الأعراف: 158].

[51]  [الأنعام: 59].

[52]  [الملك: 14].

[53]  ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج 3، ص 2151.

[54]  الصحيفة السجادية، الإمام زين العابدين، دعاؤه في يوم الأربعاء.

[55]  [الأنعام: 60].

[56]  [الشعراء: 88، 89].

[57]  [الأنعام: 61].

[58]  [ق: 17].

[59]  [الأنعام: 61].

[60]  [الأنعام: 62].

ونقف ـ أيّها الأحبَّة ـ بين يدي رسول الله(ص) في ذكرى وفاته(ص)، وهو في وجداننا الإسلاميّ لا تحدّده ذكرى ولا مناسبة، بل نحن معه في كلِّ صلاة، وفي كلّ حكم شرعيّ نلتزمه، وفي كلّ موقفٍ إسلاميّ نواجه فيه كلَّ التّحدّيات باسمه وباسم رسالته وباسم الأفق الأعلى الَّذي ارتفع إليه ويريدنا أن نرتفع إليه؛ باسمه عندما انطلق في الرّسالة بشيراً ونذيراً وسراجاً منيراً، لنعيش رسالته على امتداد الزمان والمكان، لأنَّ رسالته هي خاتمة الرّسالات، {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}[1].

أسلوب المخاطبة

لذلك، فإنّنا نحتاج دائماً إلى أن نعيش معه، أن نستوحيه، وأن نتعرَّف كيف أراد الله له أن يدعو، وكيف دعا، وقد خاطبه الله في القرآن بأسلوبين:

الأسلوب الأوّل: وهو الأسلوب الَّذي تحدَّث الله إليه فيه بشكلٍ مباشر في خصوصيّته النبويّة الشخصيَّة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً}[2]، إلى غير ذلك مما كان عنوان الخطاب فيه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}، أو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[3]، وهكذا في كلّ الخطابات التي خاطبه بها ليحدِّد له مسؤوليَّة معيَّنة، أو ليحدِّثه عن صفته وعن موقعه وعن حركة الرّسالة.

كما تحدَّث عنه بصفة الغائب عندما تحدَّث مع النّاس كيف يطيعون الرّسول، وكيف ينفِّذون أوامره، وكيف يحكِّمونه فيما شجر بينهم، كعلامةٍ لإيمانهم: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}[4]، وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}[5].

وهناك أسلوب ثانٍ أراد الله فيه من الرّسول(ص) أن يقول للنّاس ما يوحي به إليه، وذلك في الخطابات الّتي وردت بكلمة {قُلْ}، وهي كثيرة في القرآن الكريم، وكلّها تشتمل على مضامين فكريَّة وحركيَّة ومنهجيَّة في قضايا الرّسالة الحيويّة، إن على المستوى العقيدي، أو على مستوى المنهجيَّة الاجتماعيَّة، أو على مستوى الأمور المتَّصلة بحياة النَّاس.

عالميَّة الرَّسول والرّسالة

وبطريقة خطاب النبيّ(ص) ما يوحي بأنَّ الله قد جمع في ما تتضمَّنه الآيات الّتي تبدأ بكلمة {قُلْ}، أصول الرّسالة في حركيَّتها في واقع النّاس. وعلينا أن نتابع هذه الآيات، ونحاول أن نتفهَّمها، لنتعرَّف ما هي القضايا الّتي أراد الله لرسوله أن يثيرها من خلال ذلك كلَّه، وهذه المضامين على نموذجين، ففي النَّموذج الأوّل، يعتمد فيه أسلوب الإيضاح والبيان لماهية الرّسالة، فقد قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}[6]، وهنا أراد الله للرسول(ص) أن يبيّن للناس أنه ليس رسولاً محلياً، وليس رسولاً إقليمياً، وليس رسولاً قومياً، بل هو رسول إنسانيّ، أي للإنسان كلّه، وهذه الآية تردُّ على ما ذكره بعض المستشرقين من أنَّ النبي(ص) عندما بدأ دعوته بدأها محليَّة: {لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}[7]، ثم عندما توسَّعت دعوته انفتح على العالم، فلم تكن العالميّة في دعوته ـ حسب هذا الرّأي ـ دعوة في بداية الرّسالة، بل كانت دعوة فرضتها التطوّرات، فعندما رأى الرّسول(ص) أنّ دعوته تجاوزت (أمّ القرى) وما حولها، فكَّر في أن يمدِّد دعوته إلى أبعد من ذلك.

ولكنّنا نقرأ هذه المسألة في أكثر من آية، كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}[8]، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}[9].. ثم إنَّ طبيعة المسألة تفرض ذلك، فإذا كانت نبوَّته خاتمة الرّسالات، فلا بدَّ من أن تكون رسالة ربِّ العالمين للعالمين، كرسولٍ عالميّ، وإلا كيف يختصّ الله {أُمَّ الْقُرَى} ومن حولها، أو كيف يختصّ الله العرب بالرسالة، في الوقت الذي كان الناس كلّهم بحاجة إلى الهداية وإلى الأخذ بالرّسالة التي تهديهم. لذلك أعلن: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}[10]، فعليكم أن تستمعوا إليَّ، وعليكم أن تنفتحوا عليَّ، وعليكم أن تلتزموا هذه الرِّسالة، وأريد ـ والحديث لرسول الله(ص) ـ في بداية هذا الإعلان للرّسالة العالميَّة، أن أحدِّثكم عن ربّ العالمين، لتلتقي عندكم عالميَّة الرسالة بعالميّة الربّ الذي أرسل هذه الرسالة وحملها رسوله إليكم جميعاً: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}، فهو يملك الكون كلَّه، {لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ}، لأنّه {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا}[11]، وأنتم ترونها خاضعةً لنظامٍ متوازنٍ لا أثر فيه للفساد والاختلال، {قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}[12]، ويقول تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[13]، ويقول تعالى: {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ}[14]، وقوله: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ}، وهو ربّ الحياة والموت، وهذا هو الّذي تعيشونه في كلّ وجودكم في هذه الحياة، لقد كنتم عدماً فوجدتم، وستنتقلون إلى العدم لتنفتحوا على وجود آخر، {فَآمِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ}، فإذا التقيتم برسالة الرَّسول العالميَّة، والتقيتم بالله الَّذي له ملك السّموات والأرض، الله الواحد الّذي يملك الحياة والموت ويملك الوجود كلَّه، فإنَّ ذلك يفرض عليكم أن تؤمنوا بذلك: {فَآمِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ}، وكلمة {الأُمِّيِّ} قد لا يراد بها ـ هنا ـ الذي لا يعرف القراءة والكتابة، وإن كان القرآن أكَّد ذلك بقوله تعالى: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}[15]، ولكن كلمة {الأُمِّيِّ} ـ هنا ـ قد تكون بلحاظ نسبته إلى أمّ القرى، وقد تكون بلحاظ نسبته إلى العرب، وقد كان اليهود يطلقون عليهم كلمة {الْأُمِّيِّينَ} كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ}[16]، الَّذي يؤمن بالله وكلمته، فالنّبيّ يدعوكم إلى أن تؤمنوا بالله وتؤمنوا برسالته، ليكون إيمانكم بالرّسول إيماناً بالرّسالة، وهو أوَّل المؤمنين بالله، وأوَّل المؤمنين بكلمات الله، لأنَّه لا يدعوكم إلى شيءٍ إلا ويكون قد آمن به قبلكم، {الَّذِي يُؤْمِنُ بِالله وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[17]، لأنَّ في ذلك الهدى كلّ الهدى.

الثّقة الذاتيَّة بالرِّسالة

النّموذج الثّاني في نداء: {قُلْ} في قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ}. وهنا الأسلوب مختلف، ويظهر فيه التصدّي من الله تعالى لتعليم النبيّ(ص) بشكلٍ مباشر، فللنبيّ(ص) شخصيَّته وعقله وثقافته الّتي يمارس فيها أساليبه في الدَّعوة. ولكنّ قيمة هذه الأساليب أنَّ الله سبحانه وتعالى علَّم رسوله بشكلٍ مباشر أن يمارسها، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي}[18]، إن لم يحصل لكم ـ كما تزعمون ـ اليقين بما بلّغتكم به، فإني لست في شكٍّ من ديني، وإذا كنتم ترفضون عبادة الله الواحد وتعبدون الأصنام لتقرّبكم إلى الله زلفى، فتشركون بعبادته غيره، فإنّي على يقينٍ من ديني، ولذلك، فإني أرفض عبادة الَّذين تدعون إليهم من دون الله، وأعبد الله وحده.

وقيمة هذا الأسلوب أنَّه يمثِّل الموقف القويَّ الحاسم الحازم الَّذي يوحي إليهم بأنّه لن يتنازل عن رسالته مهما كانت الضّغوط الاجتماعيَّة، ومهما بقي وحيداً من خلال جحودهم وأفكارهم، لأنَّه لا يستعير قوّة موقفه وصلابة موقعه من النّاس، وإنما ينطلق به من خلال إيمانه الذّاتي. وهكذا نستوحي أنَّ الرّساليّين لا يهتزّون ولا يتزلزلون ولا يسقطون ولا يصابون بالإحباط عندما يتركهم النّاس، بل إنهم ينطلقون من خلال هذا العمق الدّاخليّ الّذي ينفتح على الإيمان بكلِّ قواه، ليشعروا بالقوّة في مواقفهم.

ولذلك، فإنّ على الإنسان أن لا يحدِّق بالناس كيف يصفّقون له، وكيف يهتفون له، وكيف تتراكض الأقدام وراءه. عليه أن يقول كما قال الإمام عليّ(ع): "لا تزيدني كثرة النّاس حولي عزّة، ولا تفرّقهم عنّي وحشة"[19]، وقد قال الإمام لولده الإمام الحسن(ع): "ولا يؤنسنَّك إلاّ الحقّ، ولا يوحشنَّك إلاّ الباطل"[20]، وقال في كلمته التي أراد أن يعظ النّاس بها ليثبّتوا مواقفهم بالرّغم من قلة الناس الذين معهم: "لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله، فإنّ الناس قد اجتمعوا على مائدةٍ شبعها قصير، وجوعها طويل"[21]. انظروا إلى عمق المسألة ولا تنظروا إلى السطح، لأنَّ الذين ينظرون إلى السطح يهتزون، وأما الذين ينظرون إلى العمق، فإنهم يرتبطون بالجذور، وعندما تكون الجذور عميقةً وقويّة، فلا يمكن أن تهتزّ الشّجرة التي ترتبط بهذا العمق: {كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء}[22].

اليقين النبويّ

وبالعودة إلى النّموذج الثاني والأسلوب الذي تحدَّثنا عنه، فإنَّ قول الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، أي قل لهم بكلِّ قوّة وحسم وصلابة، {إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي}، فلست على شكٍّ في ديني: {فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله وَلَـكِنْ أَعْبُدُ الله}[23]، أتعرفون من هو الله؟ {الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ}، فستموتون وستفقدون كلّ ما أنتم فيه مما يبعث فيكم الغرور، ويضخِّم لكم شخصيّاتكم، ويدفعكم إلى أن تنكروا الحقائق، انطلاقاً من المحافظة على امتيازاتكم التي ربما تهدمها كلّ الحقيقة، {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، أُمرت من خلال ربّي الّذي عرفته، ومن خلال عقلي الّذي أضاءت الحقيقة كلّ فكره لكي أؤمن فآمنت؛ آمنت من كل كياني الذي كان يعيش الإحساس بالله كما لو كان يرى الله. {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً}، حنيفاً يعني مائلاً عن الباطل إلى الحقّ، بمعنى مستقيماً، {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ}[24]. وهنا يبدو تصعيد الموقف في الخطاب، وهو يشير إلى الأصنام الّتي لا تضرّ ولا تنفع، وهذا الخطاب، وإن كان موجَّهاً إلى النبيّ(ص)، ولكنّ الله أراد أن يؤكِّد للنّاس ذلك ليخاطبهم من خلال خطاب النبيّ(ص)، {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} الَّذين يشركون بعبادة الله غيره ممن لا يضرّ ولا ينفع.

وفي آيةٍ أخرى تخاطب النبيّ(ص): قل يا محمد في خطابك للنّاس، وقل يا أيّها الدّاعية إلى الله في خطِّ الإسلام، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ}، فهذا هو الحقّ بكلِّ مضمونه، وبكلِّ دلائله، وبكلِّ براهينه وملامحه، {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ}[25]، فأنتم عندما تهتدون، فلا تمنُّوا على رسول الله أنْ اهتديتم من خلال دعوته، وقد قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[26]، لأنَّ القضيّة تتّصل بما يصلح أمركم في الدّنيا، وما يبعدكم عن الفساد فيها، وما يهيِّئ لكم طريق الآخرة، فالقضيَّة أنَّ الله لا تنفعه طاعة من أطاعه، ولا تضرّه معصية من عصاه، لأنّه الغنيّ {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ}[27]، و{وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ}[28]، فإنَّ دوري هو دور المذكِّر، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}[29]، فلم يجعلني الله وكيلاً مسيطراً عليكم، وإنما جعلني مبشِّراً ونذيراً وداعياً إلى الله وسراجاً منيراً، لأُضيء عقولكم بفكر الحقّ، ولأضيء قلوبكم بالإحساس، ولأضيء حياتكم بكلِّ مواقع الحقّ، {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ}، ولا تسقط أمام كلِّ حالات الجحود، {وَاصْبِرْ}، فالدَّعوة تحتاج إلى أن يصبر الدّعاة إلى الله، لأنَّ القلوب تحجَّرت بالكفر في واقع الفكر، وبالضَّلال في مواقع الضَّلال والانحراف، ولذلك، فإنَّ على الدَّاعية إلى الله سبحانه وتعالى أن يصبر حتى تتفتَّت هذه الحجارة؛ حجارة الكفر والضّلال والانحراف، من خلال ينابيع الحقّ. وأنتم تعرفون أنَّ الصّخور لن تتفتَّت بالوسائل الطبيعيّة إلا بعد حين، {وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ الله وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}[30]، يحكم الله بينك وبين هؤلاء، فيدخل النّاس في دين الله أفواجاً.

وفي الآية الرّابعة: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، وهنا يخاطبه ليحدِّد له كيف يتكلَّم: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}[31]، نذير ينذركم عذاب الله، مبين يبيّن لكم الحقائق من وحي الله. أمّا النتائج، فيقول سبحانه: قل لهم يا رسول الله، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}[32]، فالله يغفر لهم خطاياهم إن انطلقوا من قاعدة الإيمان في خطّ العمل الصّالح، فإذا أذنبوا ذنباً هنا وذنباً هناك، فإنَّ لهم مغفرةً ورزقاً كريماً في الدّنيا ورزقاً كريماً في الآخرة، وهو الجنّة، {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ}، يحاولون أن يضعوا الحواجز أمام الدّاعية لله، {أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[33].

بشريّة النبيّ

ثم أراد الله لرسوله أن يتقدَّم إليهم بشخصيَّةٍ بشريَّةٍ بعيدةٍ عن كلّ التَّهاويل الّتي تجعل الناس يؤمنون بالشَّخص من خلالها، وإنَّما أن يقدِّم نفسه إليهم كنبيّ يوحى إليه من قبل الله، وأنه لا يتمتَّع بأية مواقع قوّة تجعله فوق البشرية خارج نطاق الوحي. {قُلْ} لمن يأمل أنَّك سوف تأتيه بالمال من خزائن الله، أو أن تحدِّثه عن الغيبيّات في المستقبل، كالَّذين يقصدون بعض النّاس ليتعرَّفوا ما هو المستقبل، أو لتتمثّل لهم ملكاً من الملائكة، كما كانوا يزعمون أنَّ الرّسول لا بدّ من أن يكون ملكاً، {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ الله}، فأنا إنسان فقير ولدت فقيراً وعشت فقيراً، حتى ربطت حجر المجاعة في بطني في وقعة الأحزاب، وسأموت فقيراً، وقد مات النبيّ(ص) فقيراً، ولم يكن لديه ما يملكه النّاس من عقارات وأموال، {وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ}، فأنا بشر، {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ}، وهذا هو ما أتميَّز به عنكم.

ومن الطّبيعيّ أنَّ الله سبحانه وتعالى عندما يوحي إلى النّاس، فإنّه يختصّ بشراً يوحي إليه، فيعطيه كلَّ الملكات الروحيَّة التي تجعله تجسيداً للوحي في عقله وقلبه وحياته، فالنّبيّ ليس مجرَّد ساعي بريد، ولكنَّه يختزن الوحي، حتى يكون عقله تجسيداً للوحي، وقلبه مما ينبض فيه القلب تجسيداً للوحي، وحركته فيما هي حركة الإنسان تجسيداً للوحي، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}[34]، فالأعمى هو الذي يعمى قلبه عن النّور الّذي يأتي من الله، وهو نور القرآن، {وَاتَّبَعُواْ النُّورَ}[35]، فإنَّ الله أنزل ما فيه النّور، {قَدْ جَاءكُم مِّنَ الله نُورٌ}[36]، والأعمى هو الَّذي لا يبصر النّور، {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[37]، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ}[38]، فلماذا جمَّدتم عقولكم؟! والعقل هو الّذي يفتح للإنسان النَّافذة على الفكر الَّذي يهديه إلى الحقّ.

ومشكلة النّاس ـ أيّها الأحبَّة ـ فيما يحدِّثنا به القرآن، أنهم يجمِّدون عقولهم، {قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا}[39]. ويؤكِّد الله على النبيّ(ص) أن يكرِّر رفضه للشِّرك، لأنَّ الإسلام قام على التّوحيد، {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله}، فقد نهاني الله عن ذلك عندما فتح أمامي كلَّ آفاق الحقيقة من خلال معرفته، ومن خلال هذا النّور الّذي أضاء به قلبي وعقلي وكلّ حياتي، {قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ}[40]، فكلّ ما تأخذون به، لا ينطلق من قاعدة ومفردات فكريَّة، ولكنَّه ينطلق من هوى النّفس التي تقود الإنسان إلى أن يعتبر الخرافة حقيقة، وأن يعتبر الجهل علماً، وأن يتحرَّك من أجل أن يربط حياته بالحجر بعدما كان الحجر مجرّد شيء يلعب به، ومجرّد شيء يملك أن يحركه كيف شاء، فكيف يمكن أن يكون ربّاً؟!

دليل العصمة

{قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ}. وفي هذه الفقرة، يريد الله أن يقول: إنَّ كلّ ما يطرحه الإنسان مما يبتعد عن الله وعن رسالته، فهو من الهوى، لأنّه فكرٌ لا يرتكز على حقيقة ولا على أساس، {قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً}، لو أنّي اتّبعت أهواءكم، فمعنى ذلك أنّني أحرّك خطواتي في الضَّلال وفي الضّياع وفي المتاهات التي لا تؤدِّي بي إلى نتيجة، {وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}[41]، عندما أتّبع أهواءكم، {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي}، فليس عندي شكّ في ذلك، فأنا في وضوحٍ من أمري، لأنَّ النّور أمامي، وليست هناك أيّة ظلمات تحيط بهذا النّور، فالنّور ليس نقطة إشراق في إطارٍ من الظّلام كما هي النّجوم في اللّيل، ولكنَّه الشَّمس التي لا ضباب ولا غيوم تحجب الرّؤية عنها، بل هي الإشراق كلّه، وأنا أعيش ذلك على بيّنةٍ من ربي، ولذلك فالنّور في عقلي، ولا ظلمة في عقلي ليتحرّك الخطأ فيه، فالعصمة من خلال نورانيّة العقل، ولا ظلمة في كلّ حياتي، لذلك أنزل الله عليّ النّور وقال لي أخرج {النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، ومن يخرج النّاس من الظلمات إلى النور، لا يمكن أن يكون في داخل كيانه ظلمة.

وهذا هو دليلنا على العصمة، إنّ من يخرج النّاس من الظلمات إلى النور، لا بدَّ من أن يكون فكره نوراً كلّه، ولا بدّ من أن يكون قلبه في إحساسه ومشاعره ونبضاته نوراً كلّه، ولا بدّ من أن تكون حياته نوراً كلّها، حتى يعطي الناس نوراً من نوره، ليخرجهم من ظلمات الفكر وظلمات العاطفة وظلمات الحياة، {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ}، ولم تتبعوا هذه البيِّنة، {مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ}[42]، تقولون أنزل علينا عذاباً، والعذاب ليس في يدي، إنّه بيد الله، وأنا لا أدّعي أنني أستطيع أن أنزل العذاب عليكم. {إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}[43] و{إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ يَقُصُّ الْحَقَّ}، يقصّه بكلماته وبقضائه وقدره، {وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}[44].

{قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ}[45]، لو أملك أمر العذاب، {لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}، وعندئذٍ تنتهي المسألة، ولكنّ دوري أن أجرِّب وأعمل، حتى أستطيع أن أفتح عقولكم على الحقّ، وأن أفتح قلوبكم على الهدى، وأن أفتح حياتكم على الإسلام، {وَالله أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ}[46]، الّذين ظلموا أنفسهم بالكفر والضّلال.

صفات الله تعالى

{وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ}، وأحبّ أن أقول لكم من هو الله وما هي صفاته، {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ}، وفي هذا دليل على أنّه لا يعلم الغيب إلا الله، والمفاتيح كلّها بيده، ولن يسلّم الله مفتاح الغيب لأحد، ولكنّه قد يختصّ بعض أنبيائه وبعض أوليائه ببعض المغيّبات على أساس المعلومات، لا على أساس أن يخلق في داخلهم ملكة علم الغيب، وهذا ما ورد في (نهج البلاغة) عن الإمام عليّ(ع) عندما أخبر ببعض المغيّبات، قالوا: يا أبا الحسن، هل هذا علمُ غيب، قال: "ليس بعلم غيب، وإنَّما هو تعلّم من ذي علم"[47].

ويقول(ع) عن تعليم رسول الله(ص) له: "علّمني ألف باب من العلم فتح لي كلّ باب ألف باب"[48]، ورسول الله علّمه الله بعض المغيّبات: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ}[49]، و{وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ}، إنَّ الله يحكي على لسان النبيّ(ص) ذلك، {لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}[50]، وأنا أصاب بالمرض وغير ذلك، {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}[51]، وفي قوله تعالى: {كِتَابٍ مُّبِينٍ}، يعني علم الله سبحانه وتعالى.

{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}، تستغربون كيف أنَّ الله يعلم هذه الأشياء وهو الَّذي خلقها، {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[52]. ثم يفيض أيضاً حتى يدخل عظمة الله في قلوبهم، ويشعرنا ويشعرهم بأنَّ علاقتنا بالله هي علاقة تتَّصل بكلِّ وجودنا وبكلِّ حياتنا، بحيث لا يغيب عنه شيء، فهو المهيمن على الأمر كلِّه، و{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ}، فنحن في اللّيل نموت، ولكنَّنا نموت موتاً مؤجَّلاً. وبعبارةٍ أخرى، فإنَّ الإنسان يموت في اللّيل، إلا أنّه ميّت يتنفَّس، ولذلك قال النبيّ(ص) فيما روي عنه في تصوير الموت والبعث في ردِّه على سؤال بعضهم: يا رسول الله، كيف هو الموت، وكيف هو البعث؟ قال: "لتموتنّ كما تنامون، ولتبعثنَّ كما تستيقظون"[53]، ولذلك نرى الإمام زين العابدين(ع) فيما ينسب إليه من دعاء (يوم الأربعاء) يقول: "لك الحمد أن بعثتني من مرقدي، ولو شئت جعلته سرمداً"[54]، فإنَّ الإنسان حين يستيقظ من النَّوم كأنّه بعث من الموت، ولكنَّه موت مع وقف التَّنفيذ. {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ}، وجرحتم يعني كسبتم، {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} في النّهار، {لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى}، حتى ينتهي الأجل الّذي تنتهي فيه حياتكم، {ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[55]، لتواجهوا نتائج المسؤوليَّة أمامه، {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[56].

{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}، القاهر المسلّط على عباده، {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً}[57]، والحفظة هنا قد تعني الملكين اللّذين يكتبان على الإنسان، {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}[58]، ولكنَّ الظاهر أنّ المراد بالحفظة ـ هنا ـ الَّذين يحفظون للإنسان حياته.

وقد ورد في كلمات الإمام عليّ(ع) ما مضمونه أنَّ لكلِّ إنسانٍ ملكين يحفظانه، فإذا جاء الأجل تخلَّيا عنه، أي عندما تنتهي مهمّتهم في حفظه، ولذا يقول الله سبحانه وتعالى: {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ}[59]، أي لا يقصِّرون، لأنّهم يؤدّون الوظيفة، {ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى الله مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}[60].

هذه ـ أيّها الأحبّة ـ الآيات الّتي أراد الله لرسوله بكلمة: {قُلْ}، أن يعطي للنّاس ثقافة الرّسول والرّسالة، وثقافة العقيدة في صفات الله، حتى يملأ نفوسهم بالله، ويفرغها من كلِّ الأوثان والأصنام التي لا تضرّ ولا تنفع..

ويبقى لنا في هذا الفصل من كلّ كلمةٍ جاءت في القرآن، ما نتحدَّث به في الأسبوع القادم، إن شاء الله.

*ندوة الشّام الأسبوعيّة، فكر وثقافة


[1]  [الأحزاب: 40].

[2]  [الأحزاب: 45، 46].

[3]  [المائدة: 67].

[4]  [النساء: 65].

[5]  [الأحزاب: 36].

[6]  [الأعراف: 158].

[7]  [الشورى: 7].

[8]  [سبأ: 28].

[9]  [الأنبياء: 107].

[10]  [الأعراف: 158].

[11]  [الأنبياء: 22].

[12]  [الطلاق: 3].

[13]  [القمر: 49].

[14]  [المُلك: 3].

[15]  [العنكبوت: 48].

[16]  [الجمعة: 2].

[17]  [الأعراف: 58].

[18]  [يونس: 104].

[19]  نهج البلاغة، خطب الإمام علي(ع)، ج 3، ص 62.

[20]  المصدر نفسه، ج 2، ص 13.

[21]  المصدر نفسه، ج 2، ص 181.

[22]  [إبراهيم: 24].

[23]  [يونس: 104].

[24]  [يونس: 105، 106].

[25]  [يونس: 108].

[26]  [الحجرات: 17].

[27]  [إبراهيم: 19].

[28]  [يونس: 108].

[29]  [الغاشية: 21، 22].

[30]  [يونس: 109].

[31]  [الحج: 49].

[32]  [فاطر: 7].

[33]  [الحج: 51].

[34]  [الأنعام: 50].

[35]  [الأعراف: 157].

[36]  [المائدة: 15].

[37]  [الحج: 46].

[38]  [الأنعام: 50].

[39]  [الأعراف: 179].

[40]  [الأنعام: 56].

[41]  [الأنعام: 56].

[42]  [الأنعام: 57].

[43] [الغاشية: 21، 22].

[44]  [الأنعام: 57].

[45]  [الأنعام: 58].

[46]  [الأنعام: 58].

[47]  نهج البلاغة، ج 2، ص 11.

[48]  بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 22، ص 522.

[49]  [الأحقاف: 9].

[50]  [الأعراف: 158].

[51]  [الأنعام: 59].

[52]  [الملك: 14].

[53]  ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج 3، ص 2151.

[54]  الصحيفة السجادية، الإمام زين العابدين، دعاؤه في يوم الأربعاء.

[55]  [الأنعام: 60].

[56]  [الشعراء: 88، 89].

[57]  [الأنعام: 61].

[58]  [ق: 17].

[59]  [الأنعام: 61].

[60]  [الأنعام: 62].

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية