أسلوب النّبي محمَّد(ص) في الردّ على الأعداء

أسلوب النّبي محمَّد(ص) في الردّ على الأعداء

كان حديثنا في الأسابيع الماضية فيما نشر في "فكر وثقافة" حول العداوات الّتي قوبل بها الأنبياء، والّتي حدَّثنا عنها الله سبحانه وتعالى في كتابه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً}[1]، وفيما حدّثنا عنهم في آية أخرى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}[2]. وعلى هذا الأساس، انطلقت النبوّات، وانطلقت معها العداوات الّتي كانت تواجه الرّسالة بالرفض، وكانت مشكلة الأنبياء فيما يواجههم من أساليب العداء، أنَّ الأعداء لم يكونوا ينطلقون من قاعدة فكريّة مضادّة للقاعدة الفكريّة التي ينطلق بها النبيّ، فهم لا يملكون علماً أو حجَّة، بل كانت عداوتهم تنطلق من رواسب تاريخيّة، كانت تجمّد أفكارهم في ما توارثوه من الآباء، من عقائد وعادات وتقاليد، فأخلصوا إليها، وسقطوا أمام الجوانب العاطفيّة التي تربطهم بها، لأنّه من الصّعب على الإنسان أن ينفصل عن تاريخه، باعتبار أنَّ الكثير من الشعوب المتخلّفة قد تستمرّ في تقديس رموز التّاريخ، من دون أن يكون هناك أيّ أساس لهذا التّقديس، وهذا أمرٌ نعيشه الآن في الكثير من الشعوب المتخلِّفة التي أدمنت بعض العادات، أو بعض التقاليد، أو بعض الأفكار التي ربما كانت موضع الجدل في الأجيال التي سبقتهم، ولكنهم تركوا الجدل حولها وقلّدوها، وهذا ما كانت تعانيه النبوّات.

وقد تحدّثنا في أحاديث سابقة عن معاناة النبيّ نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وشعيب، ولوط، وهود وصالح (عليهم السّلام)، وفي هذا اللّقاء، نحاول أن نطلّ على مرحلة نبوّة النبي محمد(ص).

مع النبيّ محمد(ص)

ولعلّ نبوّة النبيّ محمَّد(ص) في كلّ ما أحاط بها من تحدّيات، ومن خلال الأحداث الّتي عاشت في ساحاتها، والأفكار الّتي أثيرت حولها، والأساليب الّتي واجهتها، تمثّل نبوّةً تتميَّز عن كلّ النبوّات، فالفكرة واحدة: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[3]، لأنَّ التوحيد هو أساس النبوّات، لكنّنا نلاحظ أنّ المجتمع الذي انطلقت فيه الدّعوة الإسلاميّة، يختلف عن كلّ المجتمعات الّتي انطلقت فيها الدّعوات الرساليّة الأخرى، فنحن عندما ندرس في القرآن مجتمع نوح، ومجتمع إبراهيم، ومجتمع موسى وعيسى، فإنّنا نراها مجتمعات لا تملك حركيَّة الفكر، كما أنها لا تملك حتى حركيّة التحدّي، بل كانت التحدّيات تسير في خطّ واحد، بينما نجد المجتمع الَّذي انطلقت فيه الدَّعوة الإسلاميَّة، مجتمعاً متنوّعاً، وهذا ما كان متوافراً في مجتمع مكّة، سواء في موقعه الدّيني الَّذي يحمل فيه الناس بقايا الأفكار الدينيَّة والعبادات الدينيَّة، إذ إنَّ مكّة هي بلد بيت الله الحرام، والذين يسيطرون على مقدّرات مكّة من قريش، هم الّذين يرجع نسبهم إلى إبراهيم(ع)، وهم يعيشون بعض أجواء الكلمات الّتي دعا إليها إبراهيم، وهم يمثّلون سدنة البيت، والقائمين على شؤونه، أو فيما كانوا يملكونه من بعض مفردات الثقافة التي عاشت في مراحل الأنبياء السابقين، فهم يتحدّثون عن الآيات التي أنزلت على موسى وعيسى والأنبياء(عليهم السلام)، ويطلبون من النبيّ أن يأتي بآية كما جاء بها الأوَّلون، وكانت لهم علاقات مع اليهود، وكانوا يسمونهم أهل العلم الأوّل، كما أنّ مكّة أيضاً كانت تمثّل العاصمة الثقافيّة لشبه الجزيرة العربيّة، حيث كان سوق عكاظ السّوق الَّذي يأتي إليه الشعراء والخطباء ليقدّموا نتاجهم الشعري والنثري، ويلتقي النّاس حول ذلك، إضافةً إلى كونها عاصمة تجاريّة لا تقتصر تجارتها على البلد ذاته، بل كانت تمتدّ إلى المنطقة التي تحيط بها.

لذلك، لم يكن المجتمع يومذاك مجتمعاً ساذجاً، بل كان يعيش تعقيدات دينيّة وثقافيّة وتجاريّة وسياسيّة أيضاً، وإذا أردنا أن نطلّ على بعض الخطوط التي كانت تتحكَّم في تلك المنطقة، بما تتّسع له كلمة السياسة في تلك المرحلة، لرأينا فيها الكثير من التّعقيد. لذلك، لم يرسل النبيّ(ص) برسالته إلى مجتمعٍ ساذجٍ لا خبرة له ولا تجربة، بل أرسل إلى مجتمع معقَّد، ولم تكن مسألة الخالقيّة والربوبيّة في معناها الفكري العقيدي التجريدي بعيدة عنه، فقد كانوا يكتبون في كلّ وثائقهم "باسمك اللّهمّ"، وكان حجّهم للبيت حجّاً لله، ولكنهم كانوا مشركين عباديّاً، كانوا يعبدون ما اعتبروه آلهةً بحسب مفهومهم الضّبابي الغامض لكلمة الآلهة، وكانوا يقولون تبريراً لذلك: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[4]، أي أنهم كانوا يعبدونها لأنها كانت تمثّل الآلهة الوسطاء، بما لها من القرب من الإله الواحد، فهي واسطة بينهم وبين الإله.

ولذلك، فقد كانت مهمّة الرّسول(ص) من أصعب المهمّات. وهناك ملاحظة يجب أن نضيفها إلى ما ذكرناه، وهي أنّ مجتمع قريش لم يكن مجتمعاً مضادّاً، بحسب طبيعته، للفكر الدّيني، لذلك، لم يحدث هناك أيّ تصادم بين القرشيّين والنصارى، وقد كان هناك بعض النصارى في مجتمع الجزيرة العربيّة، حتى إن السيرة النبوية تتحدث عن ورقة بن نوفل وغيره، وكان القرشيون يلتقون النصارى عندما يذهبون في تجارتهم إلى الشّام، فيلتقون الرهبان وغيرهم، ولم ينقل أنهم اصطدموا بالنصارى أو باليهود.

فقد كان العنوان الرئيس الذي ينطلق فيه النصارى عنواناً توحيدياً، وإن كان يتحرّك في خط التوحيد المعقَّد المنحرف عن التوحيد الحقيقي، وكان اليهود إلى جانبهم في يثرب والمناطق الأخرى، وكانت هناك علاقات فيما بينهم. إذاً، لم تكن المسألة بالنّسبة إلى قريش تنطلق من إخلاصهم لفكرتهم، بل كانت تنطلق من الخوف على الامتيازات، باعتبار أنها وضعت نظاماً معيّناً ينفتح على الجانب الاقتصادي والجانب الدّيني والجانب الثقافي، وشعرت بأنها استطاعت أن تملك المنطقة من خلال الزّعامة التي ترتكز على أكثر من قاعدة. لذلك، فإنّ دعوة الرسول(ص) منذ انطلاقتها لم تكن محلّ معارضة، فقد كان النبيّ(ص) يدعو إلى الله، وكان يدخل في الإسلام الشخص والشّخصان، لأنّ النبيّ لم تكن دعوته في البداية ـ حسب ما تقول السيرة ـ علنيّة في الجماهير، ولم تكن دعوة تحمل أسلوب التحدّيات المباشرة. حتى في دعوته إلى الله الواحد، لم يقم بالهجوم المباشر على الأصنام، فقد كان يريد أن يربي العلاقة بالله ويعمّقها، ثم بعد أن تتعمّق العلاقة بالله، ويعيش الناس التوحيد الخالص، فإنهم بذلك ينفتحون على التوحيد في العبادة، والتوحيد في الطاعة، والتوحيد في الحبّ لله، إلى أن انتقل النبيّ(ص) إلى المرحلة الثانية، وهي مرحلة التحدّي الفكري والثقافي في تحدّيه لكلّ الآلهة المزيفة، عند ذلك، بدأوا يتحسَّسون من هذه الدّعوة، وربما بدأ زعماؤهم أو أذكياؤهم أو مثقّفوهم ـ إن صحّ التعبير ـ يشعرون بأنّ النبي(ص) استطاع أن يجتذب الكثير من الناس إلى دعوته، وأنّ هذه الدعوة سوف تنتشر، وأنهم سوف يخسرون الكثير من زعامتهم، لذلك، حاولوا احتواء الرّسول(ص) أول الأمر، فجاؤوا إلى عمه أبي طالب(رض)، وحاولوا أن يجتذبوا النبي(ص) بالإغراءات، لأنهم تصوّروا أنّ النبيّ(ص) يطلب زعامة، لأنه كان فقيراً، فهو يطلب المال، ولم يكن له موقع اجتماعيّ، لأنّ المواقع الاجتماعية كانت تنطلق من خلال الثروة وما إلى ذلك، وكان فوق ذلك يتيماً، فعرضوا تلك العروض التي ذكرتها السيرة، أنهم قالوا له: ماذا يريد ابن أخيك؟ إن كان يريد مالاً، فهذه أموالنا بين يديه، وإن كان يريد زواجاً، زوّجناه من أفضل نسائنا، وإن كان يريد ملكاً، سوَّدناه علينا، فهو على كلّ حال من قريش، وهو حفيد عبد المطلب، فمن الممكن أن نعطيه موقعاً... ولكنّهم شعروا بأنّ هذا الرّجل ليس طالباً لكلّ ذلك، لأنّه رفض ذلك كلّه، وقال لعمه: "يا عمّ، والله لو وضعوا الشّمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر، ما تركته أو أهلك دونه"[5]. عندها، شعروا بأنّ هناك شخصاً يحمل رسالة، ويحمل فكراً، وأنّه يملك الصّلابة التي لا يمكن أن تسقط أمام أيِّ إغراء أو أيِّ إرهاب.

المواجهة الشّرسة

لذلك، بدأ التّخطيط للمعركة، فكانت المعركة الأولى الّتي واجهها الرّسول(ص) هي معركة الحصار في الشّعب، فقاطعوه وكتبوا وثيقةً بأن يقاطعوا بني هاشم إذا وقفوا إلى جانبه ـ إلا أبا لهب ـ وكان ذلك إما بفعل الإيمان، فآمن من آمن، أو بفعل العصبيّة العائليّة. وشعرت قريش بأنّ بني هاشم متضامنون مع النبيّ(ص)، فعقدوا العزم على أن لا يبايعوهم، ولا يشاوروهم، ولا يزِّوجوهم... إلخ. ثم بعد ذلك، وقد فشلت الخطّة، عمدوا إلى المسلمين الذين دخلوا الإسلام، فبدأوا باضطهادهم، حتى استشهد ياسر وسميّة، وكاد عمار يستشهد لولا أنّه قال كلمة الكفر بعد التعذيب، ونزلت فيه الآية: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}[6].

وواجه النبيّ(ص) هذه الحرب الميدانيّة بخطّة واعية جدّاً، فقد كانوا يريدون منه أن يدخل في صدامٍ معهم، في الوقت الّذي لا يملك القوّة الكافية، أو لأجل أن يخرّبوا دعوته، لأننا نعرف أنّ أية دعوة تنطلق في بدايتها، وتدخل المعركة من دون أن تفتح قلوب الناس وعقولهم عليها، فإنها تسقط فيتفاصيل المعركة. وكذلك، لم تكن المسألة مسألة الرّسالة، بل مسألة صراع فلان مع فلان، أو صراع هذه الجهة مع تلك الجهة، ولذلك، لم يأذن الله للمسلمين في القتال، وكان فيهم الأشدّاء في القتال، وكان الأمر بالهجرة، فانطلقت الهجرة الأولى والهجرة الثّانية إلى الحبشة.

إننا عندما ندرس الأساليب التي انطلقت فيها قريش في مواجهة النبيّ(ص)، فإننا نجد أنها الأساليب التي تبحث فيها عن حجّة، أية حجّة، وعن طرح، أيّ طرح، وعن شعار، أيّ شعار، ولم تكن المسألة، كما تذكر كتب السيرة، وكما نستوحي من القرآن الكريم ـ وهو أفضل كتاب للسيرة ـ ومن المؤسف أن النّاس اعتمدوا في التعرف إلى شخصية الرسول(ص) وإلى أحداث الإسلام، على كتب السيرة التي لا نجد الكثير منها موثقاً بحسب التوثيق العلمي، وتركوا استيحاء القرآن في السيرة، وهو الكتاب الأصل في تصوير الصورة الحقيقيّة لشخصيّة الرسول(ص)، ولأحداث الإسلام، ولطبيعة المجتمع المسلم، من حيث طبيعة نقاط الضعف ونقاط القوّة لدى المسلمين، فنجد أنهم كانوا يبحثون عن شيء، أيّ شيء، ولهذا، حاولوا أن ينطلقوا ليعطوا النبيّ(ص) صفات تبعد ذاته، وتبعد شخصه عن القداسة، لأنه كان ينطلق على أساس: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}[7]، فهو شخص، {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}[8]،كان ينطلق من باب أنّه رسول الله، وأنه يملك العلاقة بالله، بحيث يتلقّى وحيه، ويتلقّى تعليماته، ويأتمر بأوامره، وينتهي بنواهيه.

كانوا يفكّرون في البداية، وقد رأوا أنّ هذه الدّعوة بدأت تجتذب بعض الناس الذين يملكون الرواسب الدينية التاريخية، كما ذكرنا، في شيء يسيء إلى الرسول(ص)، لذلك، حاولوا أن يبحثوا عن أيِّ صفة مسيئة يلصقونها به، بقطع النّظر عن واقعية هذه الصفة في شخصية الرسول(ص) أو عدم واقعيتها، فقالوا إنه شاعر، وقال لهم بعض عقلائهم الذي يملك المعرفة بالشعر، والله إني أعرف الشعر بكلّ أساليبه، ولكنّ القرآن ليس شعراً، لأن للشعر أساليبه المعينة، وهذا له أسلوب معيّن، وحاولوا أن يقولوا أيضاً إنّ القرآن كلام رسول الله، وقد قال لهم النبيّ(ص) في ما نزل من القرآن وهو يحدّث: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}[9]، وقال لهم: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ}، فقد عاش فيهم أربعين سنة، فلم يظهر على لسانه، ولو على سبيل الفلتة، ما يدلُّ على مشروعٍ من هذا القبيل، {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}[10]، وبذلك، كفّوا عن أن يتكلّموا عن أنّه هو الذي أنشأ القرآن، لأنهم يعرفون ثقافته السابقة، من خلال مفردات الثقافة الموجودة فيهم، فلم ينطلق النبي(ص) في هذه الأربعين سنة، ليقف خطيباً، كما هو قس بن ساعدة الأيادي أو غيره، ولم ينطلق النبيّ(ص) في كلّ السنين التي تحركت فيها سوق عكاظ وغير عكاظ ليلقي قصيدة في الناس، إذ لم يصدر عنه أيُّ عمل ثقافي، فكيف يمكن أن ينسب هذا القرآن، الذي جاء قمة في البلاغة، إليه، حتى إنّهم كانوا يأتون، كما تقول كتب السيرة، ليستمعوا إليه من دون أن يعرف أحدهم بالآخر، وقال بعضهم إنّ فيه لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وما إلى ذلك. لذلك، سقطت هذه الفكرة، فجاءوا بفكرة ثانية، لأنهم أرادوا أن يسقطوا القرآن كوحيٍ من الله، {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}[11]، أي أنه كان يجلس إلى شخص رومي يصنع الحديد، فقالوا إنّ فلاناً يعلّمه، فردَّ القرآن عليهم: {لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ}، فهذا لسان من يملك لساناً عربياً بليغاً، وهذا الرومي لا يحسن أن يتكلم العربيّة، فكيف يمكن أن يأتي بهذا المستوى من البلاغة؟

وسقطت المحاولة، فحاولوا أن يعبثوا بالمضمون القرآني: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}[12]، ومن الطَّبيعي أنَّ هذه التّهمة لم تثبت، لأنَّ القرآن يشتمل على الكثير من الفكر الذي ينفتح على العقيدة، وينفتح على الشريعة، وينفتح على كثير مما يمثّل الثقافة التي لم يعرفها ذلك المجتمع بأجمعه، حتى إن القرآن كان يجمع الديانات كلها في المبادئ العامة للديانات، وكان يقول: {وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ}[13]، لهذا، سقطت هذه الفكرة.

وقالوا عنه بعد ذلك إنّه كان ساحراً، وكان الناس يعرفون ألاعيب السحرة، ولكنهم حاولوا أن يسوِّقوا هذه المسألة على أساس أنّ كلّ من استمع إليه يجتذبه، ومن شأن السّحر أن يجتذب الناس، ويأخذ بألبابهم وعقولهم. ومن الطبيعيّ أنَّ السّحر كان يعتمد على الألاعيب، والنبيّ(ص) كان يعتمد على هذا القرآن الذي يجتذب النّاس من خلال أسلوبه البلاغي المعجز، ومن خلال فكره ومضمونه، فسقطت هذه الدعوة.

فقالوا إنّه كاهن، والكاهن هو الذي يتحدّث عن المستقبل، ويرجع إليه الناس في المغيّبات، وكان النبيّ لا يصدر عنه ذلك، بل كان يتحدّث عن الغيب في ما هي الملائكة وما هي الآخرة، بعيداً عما يمارسه الكهنةفي التدخل في شؤون الناس ومستقبلهم وما إلى ذلك، ثم لجأوا إلى كلمة أخرى، فقالوا إنَّه مجنون، ولم يصدّق أحد ذلك، لأنَّ النبيّ كان في مدى الأربعين سنة في مستوى العقل الّذي جعل المجتمع من حوله يثق به، فقد روي أنّه احتكم الناس إليه عندما اختلفوا في من يضع الحجر الأسود في موضعه، بعد أن بنيت الكعبة، وكان هو الّذي أعطاهم فكرة تخفّف من كلّ عصبيّاتهم، لأنّ كلّ قبيلة تريد التفرّد بهذا المجد بأنها هي التي وضعت الحجر الأسود في مكانه، فكانت المسألة أنّ النبيّ(ص) وضعه في قطعة قماش، ثم طلب من كلّ هؤلاء أن يمسكوا هذه القطعة، ويضعوه حتى يكون البيت لهم جميعاً.

فقد عرفوا منه العقل، وعرفوا منه الصّدق، وعرفوا منه الأمانة، ولكن عندما تنطلق الجماهير من خلال الّذين يسيطرون عليها في حمّى انفعاليّة، فإنّ العقل يصادَر؛ عقل كلّ فرد في هذا الّذي يسمّى العقل الجمعي، أو يسمّى بالانفعال الجمعي، وما إلى ذلك، وكانت الجماهير تفقد عقلها، وتصدّق أحياناً، وخصوصاً أنهم يرون عمّه أبا لهب، وهو يسير وراءه ويقول، والنبيّ يدعو الناس: "لا تصدّقوا ابن أخي، فإنّه مجنون"، ولم ينفعل النبيّ(ص) أمام هذه الدّعوى، ولم يتحدّث بسلبية، وإنما قال كما قال الله سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى}[14]، انفصلوا عن هذا الجوّ الاجتماعيّ المحموم الّذي يفقد كلّ واحد منكم عقله معه، وحاولوا أن تفكّروا، لأنَّ الإنسان إذا جلس مع نفسه، أو جلس مع شخص آخر، وبدأ التّفكير بشكل هادئ، فلا بدّ من أن يكتشف الحقيقة: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}، وأنتم تدرسون سلوكي وكلماتي وتاريخي ودعوتي، وتدرسون هذا القرآن الذي أحدّثكم به، {مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ} ليس مجنوناً، {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}.

منطق الرّسالة

فلذلك، واجه النبيّ(ص) الجوّ المعادي بعقل هادئ، وبشخصية واثقة بنفسها، وبروح تنفتح على المستقبل، وهي تعرف أنّ مسؤوليّتها ليست أن تردّ الشّتيمة بشتيمة والتّهمة بتهمة، لأنَّ القصّة ليست قضيّة ذاتيّة، بل قضيّة رساليّة. وعظمة الرساليّين، أو مسؤوليّة الرساليّين، أنهم يقدّمون للنّاس المنهج الذي ينتهجونه، ليتخفّفوا من الأخطاء التي يعيشون فيها، والّتي قد تثير فيهم العصبيات. لذلك، استطاع الرسول(ص) أن يسقط كلّ أساليبهم العدائيّة بكلّ بساطة، مرتكزاً على أساس دراسة المجتمع في نقاط ضعفه وفي نقاط قوّته، ومنطلقاً من روحية تعرف جيّداً أن من الصعب للمجتمعات التي تحجّرت في كثير من عاداتها وعقائدها وتقاليدها، أن تستجيب للرسالة الجديدة وللأفكار الجديدة بسرعة، ولهذا كان النبيّ(ص)، فيما يروى عنه، يقول: "اللّهمّ اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون"[15]، أو "اللّهمّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون"[16]، أي لا تعذّبهم يا ربّ، لأنَّ هذه الحواجز النفسيّة والعقليّة الّتي تحول بينهم وبين الوعي والفكر، تحتاج إلى وقت طويل، ولذلك، أُسقط في أيديهم، لأنهم لم يستطيعوا أن يسقطوا خطوط دعوته في تأثيرها في النّاس، فلجأوا إلى القوة: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[17]، وكان هناك اقتراح في أن يحبسوه، أو يربطوه على بعير، ويتركوه في البيداء، وكان هناك اقتراح بأن يقتلوه، لأنهم شعروا بأنهم لا يستطيعون أن يواجهوه مواجهة الفكر للفكر، ومواجهة الطروحات للطروحات، وسقط اقتراح الحبس واقتراح الإخراج، وثبت اقتراح القتل، فأمر الله رسوله بالهجرة، واستطاع أن يُفشِل خططهم.

ثم انطلقوا بعد ذلك ليربكوا دعوة النبي(ص)، بإغراقها في الحروب التي كانت تنتقل من موقع إلى موقع، ومن مرحلة إلى مرحلة، بحيث إنّها أوجدت حالةً من التوتر في منطقة شبه الجزيرة العربيّة، لم تكن تعرفها سابقاً، فقد كانت شبه الجزيرة تعرف قتال عشيرة مع عشيرة، ولكنّها لم تعرف هذا النّوع من الصّدام الذي ينطلق فيه إنسان يدعو الناس إلى رسالته بصفة أنّه رسول الله مع قومه.

وهناك أحاديث أخرى سوف نتابعها ـ إن شاء الله ـ عندما نتوقّف عند بعض الآيات القرآنيّة الّتي تحاول أن تضع أيدينا على بعض النّقاط الحيّة لأسلوب الآخرين في مواجهتهم للنبيّ(ص)، وأسلوب النبيّ(ص) في مواجهة العداوة. ولعلّ قيمة هذه الأبحاث الّتي أدعو إلى قراءتها بشكل متأنٍّ، أنها تشير إلى المنهج القرآنيّ في مواجهة صاحب الرّسالة للعداوات التي تتحدّاها وتحيط بها، لأننا نستطيع أن نستفيد منها في ما يواجهنا من عداوات، على المستوى المحلّيّ، وعلى المستوى القوميّ، وعلى المستوى العالميّ، كما على المستوى الرساليّ في ذلك كلّه.

أيّها الأحبّة، إنَّ الرسالات انطلقت من خلال منهج يريد للإنسان أن يحرّك عقله، وأن يفتح قلبه، وأن يخطّط لطاقاته، والمسألة كلّها عندما نتطلَّع إلى الله الواحد، ونؤمن به، ونتطلّع إلى النّظام الكوني الّذي وضعه الله، {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}[18]، وإلى النظام الّذي جعله للإنسان في ما أعطاه من طاقات، عند ذلك، يمكن لنا أن نعيش نظاماً في خطّ الرّسالات يخفّف عنا الكثير من المشاكل ومن التّعقيدات.

*ندوة الشام الأسبوعيّة، فكر وثقافة


[1] [الفرقان: 31].

[2] [الأنعام: 112].

[3] [المؤمنون: 32].

[4] [الزمر: 3]

[5] شرح نهج البلاغة، ج 14، ص54.

[6] [النحل: 106].

[7] [الأعراف: 158].

[8] [فصلت: 6].

[9] [الشورى: 52].

[10] [يونس: 16].

[11] [النحل: 103].

[12] [الفرقان: 5].

[13] [الأنعام: 92].

[14] [سبأ: 46].

[15] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 11، ص 299.

[16] ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج 3، ص 2242.

[17] [الأنفال: 30].

[18] [الطلاق: 3].


كان حديثنا في الأسابيع الماضية فيما نشر في "فكر وثقافة" حول العداوات الّتي قوبل بها الأنبياء، والّتي حدَّثنا عنها الله سبحانه وتعالى في كتابه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً}[1]، وفيما حدّثنا عنهم في آية أخرى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}[2]. وعلى هذا الأساس، انطلقت النبوّات، وانطلقت معها العداوات الّتي كانت تواجه الرّسالة بالرفض، وكانت مشكلة الأنبياء فيما يواجههم من أساليب العداء، أنَّ الأعداء لم يكونوا ينطلقون من قاعدة فكريّة مضادّة للقاعدة الفكريّة التي ينطلق بها النبيّ، فهم لا يملكون علماً أو حجَّة، بل كانت عداوتهم تنطلق من رواسب تاريخيّة، كانت تجمّد أفكارهم في ما توارثوه من الآباء، من عقائد وعادات وتقاليد، فأخلصوا إليها، وسقطوا أمام الجوانب العاطفيّة التي تربطهم بها، لأنّه من الصّعب على الإنسان أن ينفصل عن تاريخه، باعتبار أنَّ الكثير من الشعوب المتخلّفة قد تستمرّ في تقديس رموز التّاريخ، من دون أن يكون هناك أيّ أساس لهذا التّقديس، وهذا أمرٌ نعيشه الآن في الكثير من الشعوب المتخلِّفة التي أدمنت بعض العادات، أو بعض التقاليد، أو بعض الأفكار التي ربما كانت موضع الجدل في الأجيال التي سبقتهم، ولكنهم تركوا الجدل حولها وقلّدوها، وهذا ما كانت تعانيه النبوّات.

وقد تحدّثنا في أحاديث سابقة عن معاناة النبيّ نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وشعيب، ولوط، وهود وصالح (عليهم السّلام)، وفي هذا اللّقاء، نحاول أن نطلّ على مرحلة نبوّة النبي محمد(ص).

مع النبيّ محمد(ص)

ولعلّ نبوّة النبيّ محمَّد(ص) في كلّ ما أحاط بها من تحدّيات، ومن خلال الأحداث الّتي عاشت في ساحاتها، والأفكار الّتي أثيرت حولها، والأساليب الّتي واجهتها، تمثّل نبوّةً تتميَّز عن كلّ النبوّات، فالفكرة واحدة: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[3]، لأنَّ التوحيد هو أساس النبوّات، لكنّنا نلاحظ أنّ المجتمع الذي انطلقت فيه الدّعوة الإسلاميّة، يختلف عن كلّ المجتمعات الّتي انطلقت فيها الدّعوات الرساليّة الأخرى، فنحن عندما ندرس في القرآن مجتمع نوح، ومجتمع إبراهيم، ومجتمع موسى وعيسى، فإنّنا نراها مجتمعات لا تملك حركيَّة الفكر، كما أنها لا تملك حتى حركيّة التحدّي، بل كانت التحدّيات تسير في خطّ واحد، بينما نجد المجتمع الَّذي انطلقت فيه الدَّعوة الإسلاميَّة، مجتمعاً متنوّعاً، وهذا ما كان متوافراً في مجتمع مكّة، سواء في موقعه الدّيني الَّذي يحمل فيه الناس بقايا الأفكار الدينيَّة والعبادات الدينيَّة، إذ إنَّ مكّة هي بلد بيت الله الحرام، والذين يسيطرون على مقدّرات مكّة من قريش، هم الّذين يرجع نسبهم إلى إبراهيم(ع)، وهم يعيشون بعض أجواء الكلمات الّتي دعا إليها إبراهيم، وهم يمثّلون سدنة البيت، والقائمين على شؤونه، أو فيما كانوا يملكونه من بعض مفردات الثقافة التي عاشت في مراحل الأنبياء السابقين، فهم يتحدّثون عن الآيات التي أنزلت على موسى وعيسى والأنبياء(عليهم السلام)، ويطلبون من النبيّ أن يأتي بآية كما جاء بها الأوَّلون، وكانت لهم علاقات مع اليهود، وكانوا يسمونهم أهل العلم الأوّل، كما أنّ مكّة أيضاً كانت تمثّل العاصمة الثقافيّة لشبه الجزيرة العربيّة، حيث كان سوق عكاظ السّوق الَّذي يأتي إليه الشعراء والخطباء ليقدّموا نتاجهم الشعري والنثري، ويلتقي النّاس حول ذلك، إضافةً إلى كونها عاصمة تجاريّة لا تقتصر تجارتها على البلد ذاته، بل كانت تمتدّ إلى المنطقة التي تحيط بها.

لذلك، لم يكن المجتمع يومذاك مجتمعاً ساذجاً، بل كان يعيش تعقيدات دينيّة وثقافيّة وتجاريّة وسياسيّة أيضاً، وإذا أردنا أن نطلّ على بعض الخطوط التي كانت تتحكَّم في تلك المنطقة، بما تتّسع له كلمة السياسة في تلك المرحلة، لرأينا فيها الكثير من التّعقيد. لذلك، لم يرسل النبيّ(ص) برسالته إلى مجتمعٍ ساذجٍ لا خبرة له ولا تجربة، بل أرسل إلى مجتمع معقَّد، ولم تكن مسألة الخالقيّة والربوبيّة في معناها الفكري العقيدي التجريدي بعيدة عنه، فقد كانوا يكتبون في كلّ وثائقهم "باسمك اللّهمّ"، وكان حجّهم للبيت حجّاً لله، ولكنهم كانوا مشركين عباديّاً، كانوا يعبدون ما اعتبروه آلهةً بحسب مفهومهم الضّبابي الغامض لكلمة الآلهة، وكانوا يقولون تبريراً لذلك: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[4]، أي أنهم كانوا يعبدونها لأنها كانت تمثّل الآلهة الوسطاء، بما لها من القرب من الإله الواحد، فهي واسطة بينهم وبين الإله.

ولذلك، فقد كانت مهمّة الرّسول(ص) من أصعب المهمّات. وهناك ملاحظة يجب أن نضيفها إلى ما ذكرناه، وهي أنّ مجتمع قريش لم يكن مجتمعاً مضادّاً، بحسب طبيعته، للفكر الدّيني، لذلك، لم يحدث هناك أيّ تصادم بين القرشيّين والنصارى، وقد كان هناك بعض النصارى في مجتمع الجزيرة العربيّة، حتى إن السيرة النبوية تتحدث عن ورقة بن نوفل وغيره، وكان القرشيون يلتقون النصارى عندما يذهبون في تجارتهم إلى الشّام، فيلتقون الرهبان وغيرهم، ولم ينقل أنهم اصطدموا بالنصارى أو باليهود.

فقد كان العنوان الرئيس الذي ينطلق فيه النصارى عنواناً توحيدياً، وإن كان يتحرّك في خط التوحيد المعقَّد المنحرف عن التوحيد الحقيقي، وكان اليهود إلى جانبهم في يثرب والمناطق الأخرى، وكانت هناك علاقات فيما بينهم. إذاً، لم تكن المسألة بالنّسبة إلى قريش تنطلق من إخلاصهم لفكرتهم، بل كانت تنطلق من الخوف على الامتيازات، باعتبار أنها وضعت نظاماً معيّناً ينفتح على الجانب الاقتصادي والجانب الدّيني والجانب الثقافي، وشعرت بأنها استطاعت أن تملك المنطقة من خلال الزّعامة التي ترتكز على أكثر من قاعدة. لذلك، فإنّ دعوة الرسول(ص) منذ انطلاقتها لم تكن محلّ معارضة، فقد كان النبيّ(ص) يدعو إلى الله، وكان يدخل في الإسلام الشخص والشّخصان، لأنّ النبيّ لم تكن دعوته في البداية ـ حسب ما تقول السيرة ـ علنيّة في الجماهير، ولم تكن دعوة تحمل أسلوب التحدّيات المباشرة. حتى في دعوته إلى الله الواحد، لم يقم بالهجوم المباشر على الأصنام، فقد كان يريد أن يربي العلاقة بالله ويعمّقها، ثم بعد أن تتعمّق العلاقة بالله، ويعيش الناس التوحيد الخالص، فإنهم بذلك ينفتحون على التوحيد في العبادة، والتوحيد في الطاعة، والتوحيد في الحبّ لله، إلى أن انتقل النبيّ(ص) إلى المرحلة الثانية، وهي مرحلة التحدّي الفكري والثقافي في تحدّيه لكلّ الآلهة المزيفة، عند ذلك، بدأوا يتحسَّسون من هذه الدّعوة، وربما بدأ زعماؤهم أو أذكياؤهم أو مثقّفوهم ـ إن صحّ التعبير ـ يشعرون بأنّ النبي(ص) استطاع أن يجتذب الكثير من الناس إلى دعوته، وأنّ هذه الدعوة سوف تنتشر، وأنهم سوف يخسرون الكثير من زعامتهم، لذلك، حاولوا احتواء الرّسول(ص) أول الأمر، فجاؤوا إلى عمه أبي طالب(رض)، وحاولوا أن يجتذبوا النبي(ص) بالإغراءات، لأنهم تصوّروا أنّ النبيّ(ص) يطلب زعامة، لأنه كان فقيراً، فهو يطلب المال، ولم يكن له موقع اجتماعيّ، لأنّ المواقع الاجتماعية كانت تنطلق من خلال الثروة وما إلى ذلك، وكان فوق ذلك يتيماً، فعرضوا تلك العروض التي ذكرتها السيرة، أنهم قالوا له: ماذا يريد ابن أخيك؟ إن كان يريد مالاً، فهذه أموالنا بين يديه، وإن كان يريد زواجاً، زوّجناه من أفضل نسائنا، وإن كان يريد ملكاً، سوَّدناه علينا، فهو على كلّ حال من قريش، وهو حفيد عبد المطلب، فمن الممكن أن نعطيه موقعاً... ولكنّهم شعروا بأنّ هذا الرّجل ليس طالباً لكلّ ذلك، لأنّه رفض ذلك كلّه، وقال لعمه: "يا عمّ، والله لو وضعوا الشّمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر، ما تركته أو أهلك دونه"[5]. عندها، شعروا بأنّ هناك شخصاً يحمل رسالة، ويحمل فكراً، وأنّه يملك الصّلابة التي لا يمكن أن تسقط أمام أيِّ إغراء أو أيِّ إرهاب.

المواجهة الشّرسة

لذلك، بدأ التّخطيط للمعركة، فكانت المعركة الأولى الّتي واجهها الرّسول(ص) هي معركة الحصار في الشّعب، فقاطعوه وكتبوا وثيقةً بأن يقاطعوا بني هاشم إذا وقفوا إلى جانبه ـ إلا أبا لهب ـ وكان ذلك إما بفعل الإيمان، فآمن من آمن، أو بفعل العصبيّة العائليّة. وشعرت قريش بأنّ بني هاشم متضامنون مع النبيّ(ص)، فعقدوا العزم على أن لا يبايعوهم، ولا يشاوروهم، ولا يزِّوجوهم... إلخ. ثم بعد ذلك، وقد فشلت الخطّة، عمدوا إلى المسلمين الذين دخلوا الإسلام، فبدأوا باضطهادهم، حتى استشهد ياسر وسميّة، وكاد عمار يستشهد لولا أنّه قال كلمة الكفر بعد التعذيب، ونزلت فيه الآية: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}[6].

وواجه النبيّ(ص) هذه الحرب الميدانيّة بخطّة واعية جدّاً، فقد كانوا يريدون منه أن يدخل في صدامٍ معهم، في الوقت الّذي لا يملك القوّة الكافية، أو لأجل أن يخرّبوا دعوته، لأننا نعرف أنّ أية دعوة تنطلق في بدايتها، وتدخل المعركة من دون أن تفتح قلوب الناس وعقولهم عليها، فإنها تسقط فيتفاصيل المعركة. وكذلك، لم تكن المسألة مسألة الرّسالة، بل مسألة صراع فلان مع فلان، أو صراع هذه الجهة مع تلك الجهة، ولذلك، لم يأذن الله للمسلمين في القتال، وكان فيهم الأشدّاء في القتال، وكان الأمر بالهجرة، فانطلقت الهجرة الأولى والهجرة الثّانية إلى الحبشة.

إننا عندما ندرس الأساليب التي انطلقت فيها قريش في مواجهة النبيّ(ص)، فإننا نجد أنها الأساليب التي تبحث فيها عن حجّة، أية حجّة، وعن طرح، أيّ طرح، وعن شعار، أيّ شعار، ولم تكن المسألة، كما تذكر كتب السيرة، وكما نستوحي من القرآن الكريم ـ وهو أفضل كتاب للسيرة ـ ومن المؤسف أن النّاس اعتمدوا في التعرف إلى شخصية الرسول(ص) وإلى أحداث الإسلام، على كتب السيرة التي لا نجد الكثير منها موثقاً بحسب التوثيق العلمي، وتركوا استيحاء القرآن في السيرة، وهو الكتاب الأصل في تصوير الصورة الحقيقيّة لشخصيّة الرسول(ص)، ولأحداث الإسلام، ولطبيعة المجتمع المسلم، من حيث طبيعة نقاط الضعف ونقاط القوّة لدى المسلمين، فنجد أنهم كانوا يبحثون عن شيء، أيّ شيء، ولهذا، حاولوا أن ينطلقوا ليعطوا النبيّ(ص) صفات تبعد ذاته، وتبعد شخصه عن القداسة، لأنه كان ينطلق على أساس: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}[7]، فهو شخص، {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}[8]،كان ينطلق من باب أنّه رسول الله، وأنه يملك العلاقة بالله، بحيث يتلقّى وحيه، ويتلقّى تعليماته، ويأتمر بأوامره، وينتهي بنواهيه.

كانوا يفكّرون في البداية، وقد رأوا أنّ هذه الدّعوة بدأت تجتذب بعض الناس الذين يملكون الرواسب الدينية التاريخية، كما ذكرنا، في شيء يسيء إلى الرسول(ص)، لذلك، حاولوا أن يبحثوا عن أيِّ صفة مسيئة يلصقونها به، بقطع النّظر عن واقعية هذه الصفة في شخصية الرسول(ص) أو عدم واقعيتها، فقالوا إنه شاعر، وقال لهم بعض عقلائهم الذي يملك المعرفة بالشعر، والله إني أعرف الشعر بكلّ أساليبه، ولكنّ القرآن ليس شعراً، لأن للشعر أساليبه المعينة، وهذا له أسلوب معيّن، وحاولوا أن يقولوا أيضاً إنّ القرآن كلام رسول الله، وقد قال لهم النبيّ(ص) في ما نزل من القرآن وهو يحدّث: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}[9]، وقال لهم: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ}، فقد عاش فيهم أربعين سنة، فلم يظهر على لسانه، ولو على سبيل الفلتة، ما يدلُّ على مشروعٍ من هذا القبيل، {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}[10]، وبذلك، كفّوا عن أن يتكلّموا عن أنّه هو الذي أنشأ القرآن، لأنهم يعرفون ثقافته السابقة، من خلال مفردات الثقافة الموجودة فيهم، فلم ينطلق النبي(ص) في هذه الأربعين سنة، ليقف خطيباً، كما هو قس بن ساعدة الأيادي أو غيره، ولم ينطلق النبيّ(ص) في كلّ السنين التي تحركت فيها سوق عكاظ وغير عكاظ ليلقي قصيدة في الناس، إذ لم يصدر عنه أيُّ عمل ثقافي، فكيف يمكن أن ينسب هذا القرآن، الذي جاء قمة في البلاغة، إليه، حتى إنّهم كانوا يأتون، كما تقول كتب السيرة، ليستمعوا إليه من دون أن يعرف أحدهم بالآخر، وقال بعضهم إنّ فيه لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وما إلى ذلك. لذلك، سقطت هذه الفكرة، فجاءوا بفكرة ثانية، لأنهم أرادوا أن يسقطوا القرآن كوحيٍ من الله، {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}[11]، أي أنه كان يجلس إلى شخص رومي يصنع الحديد، فقالوا إنّ فلاناً يعلّمه، فردَّ القرآن عليهم: {لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ}، فهذا لسان من يملك لساناً عربياً بليغاً، وهذا الرومي لا يحسن أن يتكلم العربيّة، فكيف يمكن أن يأتي بهذا المستوى من البلاغة؟

وسقطت المحاولة، فحاولوا أن يعبثوا بالمضمون القرآني: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}[12]، ومن الطَّبيعي أنَّ هذه التّهمة لم تثبت، لأنَّ القرآن يشتمل على الكثير من الفكر الذي ينفتح على العقيدة، وينفتح على الشريعة، وينفتح على كثير مما يمثّل الثقافة التي لم يعرفها ذلك المجتمع بأجمعه، حتى إن القرآن كان يجمع الديانات كلها في المبادئ العامة للديانات، وكان يقول: {وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ}[13]، لهذا، سقطت هذه الفكرة.

وقالوا عنه بعد ذلك إنّه كان ساحراً، وكان الناس يعرفون ألاعيب السحرة، ولكنهم حاولوا أن يسوِّقوا هذه المسألة على أساس أنّ كلّ من استمع إليه يجتذبه، ومن شأن السّحر أن يجتذب الناس، ويأخذ بألبابهم وعقولهم. ومن الطبيعيّ أنَّ السّحر كان يعتمد على الألاعيب، والنبيّ(ص) كان يعتمد على هذا القرآن الذي يجتذب النّاس من خلال أسلوبه البلاغي المعجز، ومن خلال فكره ومضمونه، فسقطت هذه الدعوة.

فقالوا إنّه كاهن، والكاهن هو الذي يتحدّث عن المستقبل، ويرجع إليه الناس في المغيّبات، وكان النبيّ لا يصدر عنه ذلك، بل كان يتحدّث عن الغيب في ما هي الملائكة وما هي الآخرة، بعيداً عما يمارسه الكهنةفي التدخل في شؤون الناس ومستقبلهم وما إلى ذلك، ثم لجأوا إلى كلمة أخرى، فقالوا إنَّه مجنون، ولم يصدّق أحد ذلك، لأنَّ النبيّ كان في مدى الأربعين سنة في مستوى العقل الّذي جعل المجتمع من حوله يثق به، فقد روي أنّه احتكم الناس إليه عندما اختلفوا في من يضع الحجر الأسود في موضعه، بعد أن بنيت الكعبة، وكان هو الّذي أعطاهم فكرة تخفّف من كلّ عصبيّاتهم، لأنّ كلّ قبيلة تريد التفرّد بهذا المجد بأنها هي التي وضعت الحجر الأسود في مكانه، فكانت المسألة أنّ النبيّ(ص) وضعه في قطعة قماش، ثم طلب من كلّ هؤلاء أن يمسكوا هذه القطعة، ويضعوه حتى يكون البيت لهم جميعاً.

فقد عرفوا منه العقل، وعرفوا منه الصّدق، وعرفوا منه الأمانة، ولكن عندما تنطلق الجماهير من خلال الّذين يسيطرون عليها في حمّى انفعاليّة، فإنّ العقل يصادَر؛ عقل كلّ فرد في هذا الّذي يسمّى العقل الجمعي، أو يسمّى بالانفعال الجمعي، وما إلى ذلك، وكانت الجماهير تفقد عقلها، وتصدّق أحياناً، وخصوصاً أنهم يرون عمّه أبا لهب، وهو يسير وراءه ويقول، والنبيّ يدعو الناس: "لا تصدّقوا ابن أخي، فإنّه مجنون"، ولم ينفعل النبيّ(ص) أمام هذه الدّعوى، ولم يتحدّث بسلبية، وإنما قال كما قال الله سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى}[14]، انفصلوا عن هذا الجوّ الاجتماعيّ المحموم الّذي يفقد كلّ واحد منكم عقله معه، وحاولوا أن تفكّروا، لأنَّ الإنسان إذا جلس مع نفسه، أو جلس مع شخص آخر، وبدأ التّفكير بشكل هادئ، فلا بدّ من أن يكتشف الحقيقة: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}، وأنتم تدرسون سلوكي وكلماتي وتاريخي ودعوتي، وتدرسون هذا القرآن الذي أحدّثكم به، {مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ} ليس مجنوناً، {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}.

منطق الرّسالة

فلذلك، واجه النبيّ(ص) الجوّ المعادي بعقل هادئ، وبشخصية واثقة بنفسها، وبروح تنفتح على المستقبل، وهي تعرف أنّ مسؤوليّتها ليست أن تردّ الشّتيمة بشتيمة والتّهمة بتهمة، لأنَّ القصّة ليست قضيّة ذاتيّة، بل قضيّة رساليّة. وعظمة الرساليّين، أو مسؤوليّة الرساليّين، أنهم يقدّمون للنّاس المنهج الذي ينتهجونه، ليتخفّفوا من الأخطاء التي يعيشون فيها، والّتي قد تثير فيهم العصبيات. لذلك، استطاع الرسول(ص) أن يسقط كلّ أساليبهم العدائيّة بكلّ بساطة، مرتكزاً على أساس دراسة المجتمع في نقاط ضعفه وفي نقاط قوّته، ومنطلقاً من روحية تعرف جيّداً أن من الصعب للمجتمعات التي تحجّرت في كثير من عاداتها وعقائدها وتقاليدها، أن تستجيب للرسالة الجديدة وللأفكار الجديدة بسرعة، ولهذا كان النبيّ(ص)، فيما يروى عنه، يقول: "اللّهمّ اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون"[15]، أو "اللّهمّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون"[16]، أي لا تعذّبهم يا ربّ، لأنَّ هذه الحواجز النفسيّة والعقليّة الّتي تحول بينهم وبين الوعي والفكر، تحتاج إلى وقت طويل، ولذلك، أُسقط في أيديهم، لأنهم لم يستطيعوا أن يسقطوا خطوط دعوته في تأثيرها في النّاس، فلجأوا إلى القوة: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[17]، وكان هناك اقتراح في أن يحبسوه، أو يربطوه على بعير، ويتركوه في البيداء، وكان هناك اقتراح بأن يقتلوه، لأنهم شعروا بأنهم لا يستطيعون أن يواجهوه مواجهة الفكر للفكر، ومواجهة الطروحات للطروحات، وسقط اقتراح الحبس واقتراح الإخراج، وثبت اقتراح القتل، فأمر الله رسوله بالهجرة، واستطاع أن يُفشِل خططهم.

ثم انطلقوا بعد ذلك ليربكوا دعوة النبي(ص)، بإغراقها في الحروب التي كانت تنتقل من موقع إلى موقع، ومن مرحلة إلى مرحلة، بحيث إنّها أوجدت حالةً من التوتر في منطقة شبه الجزيرة العربيّة، لم تكن تعرفها سابقاً، فقد كانت شبه الجزيرة تعرف قتال عشيرة مع عشيرة، ولكنّها لم تعرف هذا النّوع من الصّدام الذي ينطلق فيه إنسان يدعو الناس إلى رسالته بصفة أنّه رسول الله مع قومه.

وهناك أحاديث أخرى سوف نتابعها ـ إن شاء الله ـ عندما نتوقّف عند بعض الآيات القرآنيّة الّتي تحاول أن تضع أيدينا على بعض النّقاط الحيّة لأسلوب الآخرين في مواجهتهم للنبيّ(ص)، وأسلوب النبيّ(ص) في مواجهة العداوة. ولعلّ قيمة هذه الأبحاث الّتي أدعو إلى قراءتها بشكل متأنٍّ، أنها تشير إلى المنهج القرآنيّ في مواجهة صاحب الرّسالة للعداوات التي تتحدّاها وتحيط بها، لأننا نستطيع أن نستفيد منها في ما يواجهنا من عداوات، على المستوى المحلّيّ، وعلى المستوى القوميّ، وعلى المستوى العالميّ، كما على المستوى الرساليّ في ذلك كلّه.

أيّها الأحبّة، إنَّ الرسالات انطلقت من خلال منهج يريد للإنسان أن يحرّك عقله، وأن يفتح قلبه، وأن يخطّط لطاقاته، والمسألة كلّها عندما نتطلَّع إلى الله الواحد، ونؤمن به، ونتطلّع إلى النّظام الكوني الّذي وضعه الله، {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}[18]، وإلى النظام الّذي جعله للإنسان في ما أعطاه من طاقات، عند ذلك، يمكن لنا أن نعيش نظاماً في خطّ الرّسالات يخفّف عنا الكثير من المشاكل ومن التّعقيدات.

*ندوة الشام الأسبوعيّة، فكر وثقافة


[1] [الفرقان: 31].

[2] [الأنعام: 112].

[3] [المؤمنون: 32].

[4] [الزمر: 3]

[5] شرح نهج البلاغة، ج 14، ص54.

[6] [النحل: 106].

[7] [الأعراف: 158].

[8] [فصلت: 6].

[9] [الشورى: 52].

[10] [يونس: 16].

[11] [النحل: 103].

[12] [الفرقان: 5].

[13] [الأنعام: 92].

[14] [سبأ: 46].

[15] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 11، ص 299.

[16] ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج 3، ص 2242.

[17] [الأنفال: 30].

[18] [الطلاق: 3].

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية