تقوى يوسف(ع) أمام إغراء امرأة العزيز

تقوى يوسف(ع) أمام إغراء امرأة العزيز

  كانت امرأة العزيز في حالةٍ شبقيّةٍ غير طبيعيَّة، وفي اندفاعٍ غريزيٍّ ضاغطٍ للوصول إلى إرواء ظمئها الجنسيّ من يوسف، ولذلك، لم تعقل الكلام الّذي خاطبها به يوسف في الاستعاذة بالله، وفي تذكيره إيّاها بأنَّ ما تطلبه منه مرفوض رفضاً قاطعاً، لأنّه يمثّل خيانةً لزوجها الَّذي أحسن مثواه، وظلماً لحقِّه في الالتزام بالأمانة التي تحمَّلها في البيت الّذي رعاه.


  إغراء امرأة العزيز ليوسف

  وهكذا، اندفعت إليه بشكلٍ جنونيّ، وأحاطت به، وألصقت جسدها بجسده من أجل إثارة غريزته الجنسيّة، ليندفع إليها بشهوته الشبابيّة، ولا سيَّما أنّه لم يكن قد سبق له أن عاشر امرأةً في حياته، وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم في عمليَّة التّفاعل الشّعوري من جانبها، واللاشعوريّ من جانبه: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا}، في اندفاعها المشبوب نحوه، من أجل أن تحتويه بكلِّ ما في داخلها الغريزيّ من عاطفةٍ وشهوةٍ وإغراءٍ، في حركةٍ ضاغطةٍ مشبوبة النَّوازع الذاتيَّة، من موقع الضَّعف الأنثويّ الّذي انساب في مشاعرها وأحاسيسها الجسديَّة، في حالةٍ لا ترتكز على الجانب المتوازن في الشَّخصيَّة العاقلة الّتي تخضع لحسابات الخير والشّرّ، ممّا يدركه العقل ويوحي به الإيمان، اللَّذان يمكن لهما أن يحقِّقا حالةً من التَّوازن والهدوء والانضباط في خطِّ القيمة الإنسانيَّة والأخلاقيَّة.

  وهكذا، رأت أنَّ الظّروف الصَّعبة الّتي يعيشها هذا الغلام الجميل الفائق الجمال، الّذي وضعته الأقدار تحت سلطتها، يمكن أن تحقِّق لها الخلوة به، والتطلّع إليه، واستجلاء ملامحه الجسديَّة المثيرة للمرأة في عمليَّة الاشتهاء الغراميّ، الأمر الَّذي يساعدها على تحقيق أغراضها الغريزيّة منه، ليستسلم لها في ضغط سلطتها، وفي حاجتها الملحَّة إلى الجنس، وفي الخضوع للمشاعر الإغرائيَّة.


  معنى "همَّ بها"

   {وَهَمَّ بِهَا}، في حالةٍ طبيعيَّة لا شعوريَّة يتحرَّك فيها الجسد غريزيّاً في اندفاعه الذَّاتيّ إلى مكامن الرَّغبة، من دون قصدٍ أو تفكير، لأنَّ من الطَّبيعيّ في حال الالتصاق الضَّاغط من قبل المرأة بالرَّجل، ولا سيَّما في حال الشَّباب الّذي يعيش حال الإثارة الجسديّة في جوعه الغريزيّ الطّبيعيّ، أن ينجذب إليها انجذاباً لا شعوريّاً تختلف فيه حال الفكر الرَّافض عن حال الجسد المنفعل، تماماً كما تتحرَّك غريزة الجوع في الرَّغبة في الطّعام، أو العطش في الحاجة إلى الماء في حال الصِّيام، بكلِّ إفرازاتها الجسديّة عندما يشمّ رائحة الطّعام أو يرى الماء أمامه، فيمتنع عنه إيمانيّاً، بفعل قوّة التّقوى في الالتزام بصيامه. وهذا أمرٌ يلتقي فيه المؤمن بغير المؤمن، لأنَّه من شؤون الانفعالات والإحساسات الغريزيَّة الطّبيعيَّة لتفاعل الجسد مع حاجاته الخاصَّة.


  إنَّ القضيَّة تتناول الموقف الَّذي يحدِّد للإنسان شخصيَّته في العلاقة بين حركة القيمة في إرادة الفعل، والانفتاح على العمل بالقصد والاختيار، وحركة الجسد في تأثّره بالعوامل الضَّاغطة الَّتي تلامس مكامن الغريزة فيه بطريقةٍ لا شعوريّة، ولكن بحالة غريزيّة ذاتيّة لا تخضع لأيِّ إرادةٍ فاعلةٍ أو تفكيرٍ منفتح. فقد أحسَّ يوسف بالانجذاب نحوها لا شعوريّاً بفعل تفاعله الجسديّ، وهمَّ بها في إحساسها، بحيث يكون الهمّ همَّ الشّهوة الطبيعيّة الكامنة في جسده، لا همّ الشَّخص الَّذي خضع للضَّغط العنيف، فاختار الاندفاع إليه كما لو كانت المسألة ترحيباً بالفرصة اللّذيذة الّتي لم يعهدها قبل ذلك.


  دلالة الآية

  وربّما تصوِّر الآية التقاء الهمَّين في مضمونٍ واحد، ولكنَّ طبيعة السِّياق توحي بأنَّ همّها كان همّاً هجوميّاً عليه للحصول على الرّغبة الجنسيّة بكلّ عنف الغريزة الّتي تتفجّر بالإرادة القويّة الضّاغطة على كلّ كيانها الفكريّ والشّعوري. أمّا همّه، فقد كان حالةً جسديّةً ضغطت على مشاعره في حركة الغريزة العمياء، ولم تكن حالةً قصديّة يجذبه فيها الفكر ويدفعه إليها الشّعور، الأمر الّذي يؤكِّده الرّفض الحاسم الّذي واجهها به عندما راودته عن نفسه، بالاستعاذة بالله، وبتأكيد الوفاء لزوجها الّذي رعاه بكلِّ ألوان الرّعاية، ممّا يمثّل استجابته لها خيانةً له.

  ولذلك، لم يخطر في باله أن يقوم بمثل هذه التَّجربة المنحرفة، مهما كانت الضّغوط، بل إنّه عندما أطبقت عليه بكلِّ قوّتها السّلطويّة، كان رفضه لذلك حازماً بإرادةٍ قويّةٍ وتصميمٍ حاسمٍ، لأنَّ حالة دعوة الجسد الغريزيّة للانجذاب إليها، لم تكن عن انفتاح ينطلق من عقلانيّة الذات، كما هو موقفها اللاهب الذي خطَّطت له. ولذلك، كان موقفه موقف التّراجع الإيمانيّ الذي لم يسمح لعناصر الجسد أن تقوده نحو النّهاية المشؤومة، لأنّ حالته كانت تشبه التقلّص الطّبيعيّ والإحساس اللاشعوريّ، مما لم يكن للفكر فيه نصيب.


  إنَّها لحظةٌ من لحظات الإحساس التي عبَّرت عن نفسها بسرعة، ثم ضاعت وتلاشت أمام العقيدة الرَّاسخة، والقرار الحازم المنطلق من حسابٍ دقيقٍ لموقفه من الله، وخوفه منه، ومحبَّته له، بما يمنعه من إطاعة إحساسه بفعل حضور الله في وجدانه ومراقبته الدَّائمة له، وهذا ما يمكن أن نفهمه من فقرة، {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}، الّتي توحي بأنَّه كاد أن ينجذب إليها بفعل ضغط جسده على حالته الّتي كانت شديدة التَّأثير فيه بحسب طبيعة الأمور.


  ولكنَّ برهان ربّه الّذي يمثِّل القوَّة في الميزان العقليّ الذي يحدِّد للإنسان مسؤوليَّته فيما يفعل أو يترك، انفتح على الحجَّة في الفكرة الّتي منحته وضوح الرّؤية. وقد نستوحي ذلك من مقابلة كلمة "وهمَّ بها" لكلمة "فلمَّا بلغ أشدّه"، فقد كانت تنتظر أن يبلغ مبلغ العمر الّذي تتفجّر في داخله الشَّهوة، ليستجيب لها من خلال الحاجة الجنسيَّة الكامنة في جسده الّذي يتطلَّع إلى هذه الرّغبة، ولذلك اندفعت إليه بكلِّ قوَّة وضراوة واشتهاء، لتحرّك في جسده قابليَّة الاندفاع في احتضانها له، وكاد أن يندفع إليها في حالته البشريَّة الطّبيعيَّة بشكلٍ لا شعوريّ، لولا يقظة الحقيقة في روحه، وانطلاق الإيمان في قلبه، بحيث أسكت صراخ جسده ونداء شهوته، وانتقل من إغراء المادَّة إلى وعي الرّوح، فاستعاذ بالله في سرّه الرّوحيّ، فأعاذه بلطفه وهدايته. وبذلك كان الموقف اليوسفيّ انجذاباً وتماسكاً وتراجعاً، مستوحى من الكلمة ومن الجوِّ الّذي يوحي به السّياق معاً.


  وهذا هو الّذي ذهبنا إليه من تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}1. وليس من متفرّداتنا التي حاول البعض أن يؤاخذنا بها، ظنّاً منه ـ لعدم معرفته القرآنيّة ـ بأنّنا نساوي بين همّها وهمّه في القصد إلى ممارسة الفاحشة مع الآخر، فقد ذهب إليه الشّيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطّوسي في تفسير التِّبيان، فقد ذكر(ره) أنَّ من معاني الهمّ الشَّهوة وميل الطّباع؛ يقول القائل فيما يشتهيه ويميل طبعه ونفسه إليه: هذا من همّي، وهذا أهمّ الأشياء إليَّ... وروى هذا التَّأويل في الآية عن الحسن وقال: "أمَّا همّها، وكان أخبث الهمّ، وأمَّا همّه فما طُبع عليه الرّجال من شهوة النِّساء. وإذا احتمل الهمّ هذه الوجوه، نفينا عنه(ع) العزم على القبيح، وأجزنا باقي الوجوه، لأنَّ كلَّ واحدٍ منها يليق بحال"2.


  وقد ذكر ذلك السيِّد المرتضى(ره) في كتابه (تنزيه الأنبياء)، وذلك في معرض تعليقه على المعاني المتعدّدة لكلمة "الهمّ"، قائلاً: "فإذا كانت وجوه هذه اللّفظة مختلفة متَّسعة على ما ذكرنا، نفينا عن نبيّ الله ما لا يليق به، وهو العزم على القبيح، وأجزنا باقي الوجوه، لأنَّ كلَّ واحدٍ منها يليق بحاله"3.


  تفسير الطّوسي للآية

  وكان الشَّيخ الطّوسي(ره) قد ذكر في تفسيره: "ومعنى الهمّ في اللّغة على وجوهٍ منها:

  العزم على الفعل، كقوله: {إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ}4، أي أرادوا ذلك وعزموا عليه...

  ومنها: خطور الشَّيء بالبال، وإن لم يعزم عليه، كقوله: {إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللهُ وَلِيُّهُمَا}5. والمعنى أنَّ الفشل خطر ببالهم. ولو كان الهمّ ههنا عزماً، لما كان الله وليّهما، لأنّه قال: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}6، وإرادةُ المعصيةِ والعزمُ عليها معصيةٌ بلا خلاف.

  وقال قومٌ: العزم على الكبير كبير، وعلى الكفر كفر، ولا يجوز أن يكون الله وليَّ من عزم على الفرار عن نصرة نبيِّه(ص)...

   ومنها: المقاربة، يقولون: همّ بكذا وكذا، أي كاد يفعله...


   ومنها: الشَّهوة وميل الطّباع، يقول القائل فيما يشتهيه ويميل طبعه ونفسه إليه: هذا من همّي، وهذا أهمّ الأشياء إليّ... ويمكن أن يحمل الهمّ في الآية على العزم، ويكون المعنى: وهمّ بضربها ودفعها عن نفسه، كما يقول القائل: كنت هممت بفلان، أي بأن أوقع به ضرباً أو مكروهاً.


  وتكون الفائدة على هذا الوجه في قوله: {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}7، مع أنَّ الدّفع عن نفسه طاعة لا يصرف البرهان عنها، أنّه لما همَّ بدفعها، أراه الله برهاناً على أنّه إن أقدم على ما يهمّ به أهلكه أهلها وقتلوه، وأنّها تدَّعي عليه المراودة لها على القبيح، وتقذفه بأنّه دعاها إليه وضربها لامتناعها منه، فأخبر تعالى أنّه صرف بالبرهان عنه السّوء والفحشاء اللّذَيْن هما القتل والمكروه أو ظنّ القبيح واعتقاده فيه. فإن قيل: هذا يقتضي أنَّ جواب (لولا) تقدّمها في ترتيب الكلام، ويكون التَّقدير: لولا أن رأى برهان ربّه لهمّ بضربها، وتقدّم جواب (لولا) قبيح، أو يقتضي أن تكون (لولا) بغير جواب.

  قلنا: أمَّا تقدّم جواب لولا فجائز مستعمل... ولا نحتاج إليه في هذا الجواب، لأنَّ العزم على الضّرب والهمّ به وقعا، إلا أنَّه انصرف عنها بالبرهان الّذي رآه، ويكون التَّقدير: ولقد همَّت به وهمَّ بدفعها لولا أن رأى برهان ربِّه لفعل ذلك". فالجواب المتعلِّق بـ"لولا" محذوفٌ في الكلام كما حذف في قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}8، معناه: ولولا فضل الله عليكم لهلكتم، ومثله: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ}9، لم تنافسوا في الدّنيا وتحرصوا على حطامها"10.


  وأثار الشّيخ الطّوسي في المسألة وجهاً آخر، إذ حمل الهمّ على أنَّ المراد به العزم، وهو أن يحمل الكلام على التَّقديم والتّأخير، ويكون التَّقدير: ولقد همّت به ولولا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها، ويجري ذلك مجرى قوله: قد كنت هلكت لولا أن تداركتك، وقتلت لولا أنّي خلّصتك. والمعنى: لولا تداركي لك لهلكت، ولولا تخليصي لك لقتلت، وإن لم يكن قد وقع هلاك ولا قتل. وقال قوم: لو جاز هذا لجاز أن يقول: قام زيد لولا عمرو، وقصد زيد لولا بكر، وقد بيّنّا أنّ ذلك غير مستبعد.


  ملاحظات حول تفسير الطّوسي

  ونلاحظ على ذلك؛ أوَّلاً: أنَّ احتمال عزم يوسف على ضربها مستبعد، باعتبار طبيعة الوضع الخاصّ له من كونه خاضعاً لها ولزوجها الّذي اشتراه، ما يفرض عليه الاحترام في تصرّفه معها، حتّى في هذه الحالة، فيلجأ إلى أساليب أخرى، كالهرب منها نحو الباب ولحوقها به ونحو ذلك.


  وثانياً: أنَّ الظّاهر في احتمال التَّقدير أن يُراد فيه: وهمَّ بها، وكاد أن ينجذب إليها بمقتضى طبيعته البشريَّة في نقاط ضعفه الغريزيّ، لولا أن رأى برهان ربّه في وعي عصمته الأخلاقيّة والتزامه الإيمانيّ، وهذا ما يفسِّر قوله تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء}، باعتبار أنَّ الله تدخَّل في تذكيره بروحيَّته المانعة له من كلِّ أعمال السّوء الّتي تسيء إلى تقوى الأتقياء، أو أعمال الفحشاء الّتي تُسقط قيمة العفَّة في ذاته، لأنَّ الله يفيض اللّطف على عبده الّذي أعدَّه لإعطاء المثل الأعلى في القيمة الرّوحيَّة والالتزام الأخلاقيّ والمنـزلة الاجتماعيَّة الّتي توحي إلى النّاس بأنّه القدوة في أعماله وأقواله، ليجد لديهم كلَّ الاحترام في اتّباعهم له.

  وقد أكَّدت الآية هذه المنزلة الرّفيعة في إخلاصه لله في عبوديّته له، في قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}11، إذ رعاه الله برعايته وصنعه على عينه، فليست المسألة ما ذكره من احتمال الهلاك ونحوه، وفي هذا دلالة واضحة على أنَّ يوسف تمرّد على نوازع جسده، ولم يسمح لها بأن تفقده طهارته الأخلاقيَّة، وارتفع بروحه إلى ربّه، وابتهل إليه في أن يمنحه القوَّة في جهاده النفسيّ، ليبقى عبداً صالحاً مخلصاً لله في طاعته له.

  وهكذا، خرج يوسف ـ بعناية الله الّذي منحه عصمته ـ من هذه التَّجربة القاسية في أعلى درجات النَّجاح، فارتفع ببشريّته إلى عالم الرّوح، ولم يهبط بها إلى عالم المادَّة العمياء.


  وثالثاً: أنَّ ما ذكره الشَّيخ الطّوسي وجماعة، من صحَّة القول بأنّي قتلتك لولا فلان، لا ينسجم مع الأسلوب القرآنيّ البلاغيّ، ولا سيَّما أنَّ قوله: قتلتك، يدلّ على وقوع القتل، لدلالة الماضي على الوقوع، أمَّا قوله: لولا فلان، فيدلّ على عدم وقوعه، بينما كان قوله: لولا فلان لقتلتك، يدلّ على امتناع القتل لوجود المانع من خلال فلان، مما قد يُتأمَّل في صحَّته وفي تعارض التَّعبير به عند العرف العام. والحمد لله ربِّ العالمين.

   *ندوة الشّام الأسبوعيّة، فكر وثقافة

  
1  [يوسف: 24].
2  التّبيان، الشّيخ الطوسي، ج 6، ص 121.
3  تنزيه الأنبياء، الشّريف المرتضى، ص 75.
4  [المائدة: 11].
5  [آل عمران: 122].
6  [الأنفال: 16].
7  [يوسف: 24].
8  [النّور: 20].
9  [التّكاثر: 5].
10  التّبيان، ج 6، ص 120 ـ 122.
11  [يوسف: 24].

  كانت امرأة العزيز في حالةٍ شبقيّةٍ غير طبيعيَّة، وفي اندفاعٍ غريزيٍّ ضاغطٍ للوصول إلى إرواء ظمئها الجنسيّ من يوسف، ولذلك، لم تعقل الكلام الّذي خاطبها به يوسف في الاستعاذة بالله، وفي تذكيره إيّاها بأنَّ ما تطلبه منه مرفوض رفضاً قاطعاً، لأنّه يمثّل خيانةً لزوجها الَّذي أحسن مثواه، وظلماً لحقِّه في الالتزام بالأمانة التي تحمَّلها في البيت الّذي رعاه.


  إغراء امرأة العزيز ليوسف

  وهكذا، اندفعت إليه بشكلٍ جنونيّ، وأحاطت به، وألصقت جسدها بجسده من أجل إثارة غريزته الجنسيّة، ليندفع إليها بشهوته الشبابيّة، ولا سيَّما أنّه لم يكن قد سبق له أن عاشر امرأةً في حياته، وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم في عمليَّة التّفاعل الشّعوري من جانبها، واللاشعوريّ من جانبه: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا}، في اندفاعها المشبوب نحوه، من أجل أن تحتويه بكلِّ ما في داخلها الغريزيّ من عاطفةٍ وشهوةٍ وإغراءٍ، في حركةٍ ضاغطةٍ مشبوبة النَّوازع الذاتيَّة، من موقع الضَّعف الأنثويّ الّذي انساب في مشاعرها وأحاسيسها الجسديَّة، في حالةٍ لا ترتكز على الجانب المتوازن في الشَّخصيَّة العاقلة الّتي تخضع لحسابات الخير والشّرّ، ممّا يدركه العقل ويوحي به الإيمان، اللَّذان يمكن لهما أن يحقِّقا حالةً من التَّوازن والهدوء والانضباط في خطِّ القيمة الإنسانيَّة والأخلاقيَّة.

  وهكذا، رأت أنَّ الظّروف الصَّعبة الّتي يعيشها هذا الغلام الجميل الفائق الجمال، الّذي وضعته الأقدار تحت سلطتها، يمكن أن تحقِّق لها الخلوة به، والتطلّع إليه، واستجلاء ملامحه الجسديَّة المثيرة للمرأة في عمليَّة الاشتهاء الغراميّ، الأمر الَّذي يساعدها على تحقيق أغراضها الغريزيّة منه، ليستسلم لها في ضغط سلطتها، وفي حاجتها الملحَّة إلى الجنس، وفي الخضوع للمشاعر الإغرائيَّة.


  معنى "همَّ بها"

   {وَهَمَّ بِهَا}، في حالةٍ طبيعيَّة لا شعوريَّة يتحرَّك فيها الجسد غريزيّاً في اندفاعه الذَّاتيّ إلى مكامن الرَّغبة، من دون قصدٍ أو تفكير، لأنَّ من الطَّبيعيّ في حال الالتصاق الضَّاغط من قبل المرأة بالرَّجل، ولا سيَّما في حال الشَّباب الّذي يعيش حال الإثارة الجسديّة في جوعه الغريزيّ الطّبيعيّ، أن ينجذب إليها انجذاباً لا شعوريّاً تختلف فيه حال الفكر الرَّافض عن حال الجسد المنفعل، تماماً كما تتحرَّك غريزة الجوع في الرَّغبة في الطّعام، أو العطش في الحاجة إلى الماء في حال الصِّيام، بكلِّ إفرازاتها الجسديّة عندما يشمّ رائحة الطّعام أو يرى الماء أمامه، فيمتنع عنه إيمانيّاً، بفعل قوّة التّقوى في الالتزام بصيامه. وهذا أمرٌ يلتقي فيه المؤمن بغير المؤمن، لأنَّه من شؤون الانفعالات والإحساسات الغريزيَّة الطّبيعيَّة لتفاعل الجسد مع حاجاته الخاصَّة.


  إنَّ القضيَّة تتناول الموقف الَّذي يحدِّد للإنسان شخصيَّته في العلاقة بين حركة القيمة في إرادة الفعل، والانفتاح على العمل بالقصد والاختيار، وحركة الجسد في تأثّره بالعوامل الضَّاغطة الَّتي تلامس مكامن الغريزة فيه بطريقةٍ لا شعوريّة، ولكن بحالة غريزيّة ذاتيّة لا تخضع لأيِّ إرادةٍ فاعلةٍ أو تفكيرٍ منفتح. فقد أحسَّ يوسف بالانجذاب نحوها لا شعوريّاً بفعل تفاعله الجسديّ، وهمَّ بها في إحساسها، بحيث يكون الهمّ همَّ الشّهوة الطبيعيّة الكامنة في جسده، لا همّ الشَّخص الَّذي خضع للضَّغط العنيف، فاختار الاندفاع إليه كما لو كانت المسألة ترحيباً بالفرصة اللّذيذة الّتي لم يعهدها قبل ذلك.


  دلالة الآية

  وربّما تصوِّر الآية التقاء الهمَّين في مضمونٍ واحد، ولكنَّ طبيعة السِّياق توحي بأنَّ همّها كان همّاً هجوميّاً عليه للحصول على الرّغبة الجنسيّة بكلّ عنف الغريزة الّتي تتفجّر بالإرادة القويّة الضّاغطة على كلّ كيانها الفكريّ والشّعوري. أمّا همّه، فقد كان حالةً جسديّةً ضغطت على مشاعره في حركة الغريزة العمياء، ولم تكن حالةً قصديّة يجذبه فيها الفكر ويدفعه إليها الشّعور، الأمر الّذي يؤكِّده الرّفض الحاسم الّذي واجهها به عندما راودته عن نفسه، بالاستعاذة بالله، وبتأكيد الوفاء لزوجها الّذي رعاه بكلِّ ألوان الرّعاية، ممّا يمثّل استجابته لها خيانةً له.

  ولذلك، لم يخطر في باله أن يقوم بمثل هذه التَّجربة المنحرفة، مهما كانت الضّغوط، بل إنّه عندما أطبقت عليه بكلِّ قوّتها السّلطويّة، كان رفضه لذلك حازماً بإرادةٍ قويّةٍ وتصميمٍ حاسمٍ، لأنَّ حالة دعوة الجسد الغريزيّة للانجذاب إليها، لم تكن عن انفتاح ينطلق من عقلانيّة الذات، كما هو موقفها اللاهب الذي خطَّطت له. ولذلك، كان موقفه موقف التّراجع الإيمانيّ الذي لم يسمح لعناصر الجسد أن تقوده نحو النّهاية المشؤومة، لأنّ حالته كانت تشبه التقلّص الطّبيعيّ والإحساس اللاشعوريّ، مما لم يكن للفكر فيه نصيب.


  إنَّها لحظةٌ من لحظات الإحساس التي عبَّرت عن نفسها بسرعة، ثم ضاعت وتلاشت أمام العقيدة الرَّاسخة، والقرار الحازم المنطلق من حسابٍ دقيقٍ لموقفه من الله، وخوفه منه، ومحبَّته له، بما يمنعه من إطاعة إحساسه بفعل حضور الله في وجدانه ومراقبته الدَّائمة له، وهذا ما يمكن أن نفهمه من فقرة، {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}، الّتي توحي بأنَّه كاد أن ينجذب إليها بفعل ضغط جسده على حالته الّتي كانت شديدة التَّأثير فيه بحسب طبيعة الأمور.


  ولكنَّ برهان ربّه الّذي يمثِّل القوَّة في الميزان العقليّ الذي يحدِّد للإنسان مسؤوليَّته فيما يفعل أو يترك، انفتح على الحجَّة في الفكرة الّتي منحته وضوح الرّؤية. وقد نستوحي ذلك من مقابلة كلمة "وهمَّ بها" لكلمة "فلمَّا بلغ أشدّه"، فقد كانت تنتظر أن يبلغ مبلغ العمر الّذي تتفجّر في داخله الشَّهوة، ليستجيب لها من خلال الحاجة الجنسيَّة الكامنة في جسده الّذي يتطلَّع إلى هذه الرّغبة، ولذلك اندفعت إليه بكلِّ قوَّة وضراوة واشتهاء، لتحرّك في جسده قابليَّة الاندفاع في احتضانها له، وكاد أن يندفع إليها في حالته البشريَّة الطّبيعيَّة بشكلٍ لا شعوريّ، لولا يقظة الحقيقة في روحه، وانطلاق الإيمان في قلبه، بحيث أسكت صراخ جسده ونداء شهوته، وانتقل من إغراء المادَّة إلى وعي الرّوح، فاستعاذ بالله في سرّه الرّوحيّ، فأعاذه بلطفه وهدايته. وبذلك كان الموقف اليوسفيّ انجذاباً وتماسكاً وتراجعاً، مستوحى من الكلمة ومن الجوِّ الّذي يوحي به السّياق معاً.


  وهذا هو الّذي ذهبنا إليه من تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}1. وليس من متفرّداتنا التي حاول البعض أن يؤاخذنا بها، ظنّاً منه ـ لعدم معرفته القرآنيّة ـ بأنّنا نساوي بين همّها وهمّه في القصد إلى ممارسة الفاحشة مع الآخر، فقد ذهب إليه الشّيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطّوسي في تفسير التِّبيان، فقد ذكر(ره) أنَّ من معاني الهمّ الشَّهوة وميل الطّباع؛ يقول القائل فيما يشتهيه ويميل طبعه ونفسه إليه: هذا من همّي، وهذا أهمّ الأشياء إليَّ... وروى هذا التَّأويل في الآية عن الحسن وقال: "أمَّا همّها، وكان أخبث الهمّ، وأمَّا همّه فما طُبع عليه الرّجال من شهوة النِّساء. وإذا احتمل الهمّ هذه الوجوه، نفينا عنه(ع) العزم على القبيح، وأجزنا باقي الوجوه، لأنَّ كلَّ واحدٍ منها يليق بحال"2.


  وقد ذكر ذلك السيِّد المرتضى(ره) في كتابه (تنزيه الأنبياء)، وذلك في معرض تعليقه على المعاني المتعدّدة لكلمة "الهمّ"، قائلاً: "فإذا كانت وجوه هذه اللّفظة مختلفة متَّسعة على ما ذكرنا، نفينا عن نبيّ الله ما لا يليق به، وهو العزم على القبيح، وأجزنا باقي الوجوه، لأنَّ كلَّ واحدٍ منها يليق بحاله"3.


  تفسير الطّوسي للآية

  وكان الشَّيخ الطّوسي(ره) قد ذكر في تفسيره: "ومعنى الهمّ في اللّغة على وجوهٍ منها:

  العزم على الفعل، كقوله: {إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ}4، أي أرادوا ذلك وعزموا عليه...

  ومنها: خطور الشَّيء بالبال، وإن لم يعزم عليه، كقوله: {إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللهُ وَلِيُّهُمَا}5. والمعنى أنَّ الفشل خطر ببالهم. ولو كان الهمّ ههنا عزماً، لما كان الله وليّهما، لأنّه قال: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}6، وإرادةُ المعصيةِ والعزمُ عليها معصيةٌ بلا خلاف.

  وقال قومٌ: العزم على الكبير كبير، وعلى الكفر كفر، ولا يجوز أن يكون الله وليَّ من عزم على الفرار عن نصرة نبيِّه(ص)...

   ومنها: المقاربة، يقولون: همّ بكذا وكذا، أي كاد يفعله...


   ومنها: الشَّهوة وميل الطّباع، يقول القائل فيما يشتهيه ويميل طبعه ونفسه إليه: هذا من همّي، وهذا أهمّ الأشياء إليّ... ويمكن أن يحمل الهمّ في الآية على العزم، ويكون المعنى: وهمّ بضربها ودفعها عن نفسه، كما يقول القائل: كنت هممت بفلان، أي بأن أوقع به ضرباً أو مكروهاً.


  وتكون الفائدة على هذا الوجه في قوله: {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}7، مع أنَّ الدّفع عن نفسه طاعة لا يصرف البرهان عنها، أنّه لما همَّ بدفعها، أراه الله برهاناً على أنّه إن أقدم على ما يهمّ به أهلكه أهلها وقتلوه، وأنّها تدَّعي عليه المراودة لها على القبيح، وتقذفه بأنّه دعاها إليه وضربها لامتناعها منه، فأخبر تعالى أنّه صرف بالبرهان عنه السّوء والفحشاء اللّذَيْن هما القتل والمكروه أو ظنّ القبيح واعتقاده فيه. فإن قيل: هذا يقتضي أنَّ جواب (لولا) تقدّمها في ترتيب الكلام، ويكون التَّقدير: لولا أن رأى برهان ربّه لهمّ بضربها، وتقدّم جواب (لولا) قبيح، أو يقتضي أن تكون (لولا) بغير جواب.

  قلنا: أمَّا تقدّم جواب لولا فجائز مستعمل... ولا نحتاج إليه في هذا الجواب، لأنَّ العزم على الضّرب والهمّ به وقعا، إلا أنَّه انصرف عنها بالبرهان الّذي رآه، ويكون التَّقدير: ولقد همَّت به وهمَّ بدفعها لولا أن رأى برهان ربِّه لفعل ذلك". فالجواب المتعلِّق بـ"لولا" محذوفٌ في الكلام كما حذف في قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}8، معناه: ولولا فضل الله عليكم لهلكتم، ومثله: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ}9، لم تنافسوا في الدّنيا وتحرصوا على حطامها"10.


  وأثار الشّيخ الطّوسي في المسألة وجهاً آخر، إذ حمل الهمّ على أنَّ المراد به العزم، وهو أن يحمل الكلام على التَّقديم والتّأخير، ويكون التَّقدير: ولقد همّت به ولولا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها، ويجري ذلك مجرى قوله: قد كنت هلكت لولا أن تداركتك، وقتلت لولا أنّي خلّصتك. والمعنى: لولا تداركي لك لهلكت، ولولا تخليصي لك لقتلت، وإن لم يكن قد وقع هلاك ولا قتل. وقال قوم: لو جاز هذا لجاز أن يقول: قام زيد لولا عمرو، وقصد زيد لولا بكر، وقد بيّنّا أنّ ذلك غير مستبعد.


  ملاحظات حول تفسير الطّوسي

  ونلاحظ على ذلك؛ أوَّلاً: أنَّ احتمال عزم يوسف على ضربها مستبعد، باعتبار طبيعة الوضع الخاصّ له من كونه خاضعاً لها ولزوجها الّذي اشتراه، ما يفرض عليه الاحترام في تصرّفه معها، حتّى في هذه الحالة، فيلجأ إلى أساليب أخرى، كالهرب منها نحو الباب ولحوقها به ونحو ذلك.


  وثانياً: أنَّ الظّاهر في احتمال التَّقدير أن يُراد فيه: وهمَّ بها، وكاد أن ينجذب إليها بمقتضى طبيعته البشريَّة في نقاط ضعفه الغريزيّ، لولا أن رأى برهان ربّه في وعي عصمته الأخلاقيّة والتزامه الإيمانيّ، وهذا ما يفسِّر قوله تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء}، باعتبار أنَّ الله تدخَّل في تذكيره بروحيَّته المانعة له من كلِّ أعمال السّوء الّتي تسيء إلى تقوى الأتقياء، أو أعمال الفحشاء الّتي تُسقط قيمة العفَّة في ذاته، لأنَّ الله يفيض اللّطف على عبده الّذي أعدَّه لإعطاء المثل الأعلى في القيمة الرّوحيَّة والالتزام الأخلاقيّ والمنـزلة الاجتماعيَّة الّتي توحي إلى النّاس بأنّه القدوة في أعماله وأقواله، ليجد لديهم كلَّ الاحترام في اتّباعهم له.

  وقد أكَّدت الآية هذه المنزلة الرّفيعة في إخلاصه لله في عبوديّته له، في قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}11، إذ رعاه الله برعايته وصنعه على عينه، فليست المسألة ما ذكره من احتمال الهلاك ونحوه، وفي هذا دلالة واضحة على أنَّ يوسف تمرّد على نوازع جسده، ولم يسمح لها بأن تفقده طهارته الأخلاقيَّة، وارتفع بروحه إلى ربّه، وابتهل إليه في أن يمنحه القوَّة في جهاده النفسيّ، ليبقى عبداً صالحاً مخلصاً لله في طاعته له.

  وهكذا، خرج يوسف ـ بعناية الله الّذي منحه عصمته ـ من هذه التَّجربة القاسية في أعلى درجات النَّجاح، فارتفع ببشريّته إلى عالم الرّوح، ولم يهبط بها إلى عالم المادَّة العمياء.


  وثالثاً: أنَّ ما ذكره الشَّيخ الطّوسي وجماعة، من صحَّة القول بأنّي قتلتك لولا فلان، لا ينسجم مع الأسلوب القرآنيّ البلاغيّ، ولا سيَّما أنَّ قوله: قتلتك، يدلّ على وقوع القتل، لدلالة الماضي على الوقوع، أمَّا قوله: لولا فلان، فيدلّ على عدم وقوعه، بينما كان قوله: لولا فلان لقتلتك، يدلّ على امتناع القتل لوجود المانع من خلال فلان، مما قد يُتأمَّل في صحَّته وفي تعارض التَّعبير به عند العرف العام. والحمد لله ربِّ العالمين.

   *ندوة الشّام الأسبوعيّة، فكر وثقافة

  
1  [يوسف: 24].
2  التّبيان، الشّيخ الطوسي، ج 6، ص 121.
3  تنزيه الأنبياء، الشّريف المرتضى، ص 75.
4  [المائدة: 11].
5  [آل عمران: 122].
6  [الأنفال: 16].
7  [يوسف: 24].
8  [النّور: 20].
9  [التّكاثر: 5].
10  التّبيان، ج 6، ص 120 ـ 122.
11  [يوسف: 24].
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية