نهاية قصَّة يعقوب ويوسف(ع)

نهاية قصَّة يعقوب ويوسف(ع)

نتابع في هذا العدد قصَّة النّبيّ يعقوب(ع)، في تجربة فقد ولده الآخر (بنيامين)، ثم ارتداد البصر إليه بعد أن كان فقده بسبب حزنه وبكائه الشَّديد على يوسف، ثم لقائه بيوسف واستقراره وأهله في مصر.

خوف يعقوب على بنيامين

طلب أولاد يعقوب من أبيهم أن يرسل معهم أخاهم بنيامين، الأخ الشَّقيق ليوسف، بناءً على طلب يوسف ذلك منهم، ولكنَّ هذا الطّلب أثار القلق في نفس يعقوب، ما جعله يعيش الصِّراع بين الإذن لهم باصطحابه معهم، والامتناع عن ذلك، لأنَّ تجربته السَّابقة معهم كانت لا تزال حاضرةً في ذهنه وقلبه، وكانت توحي إليه بعدم الثَّقة بهم. ولكنَّ إلحاحهم الشَّديد عليه كان بسبب ارتباط معيشتهم بتحقيق هذا المطلب، بفعل تهديد يوسف لهم بأنّهم إذا لم يحقِّقوا له ما يطلبه منهم، فلن يجدوا عنده كيلاً ولا وزناً للطَّعام الَّذي جاؤوا للحصول عليه، تلبيةً لحاجات أهلهم الَّذين كانوا لا يحصلون في بلادهم على الطَّعام، فيطلبونه في بلادٍ أخرى كمصر.

ولذلك، كان يعقوب يبحث عن أساسٍ للثِّقة بهم، ولم يكن هناك مجالٌ لتحصيله إلا بالكشف عن المستقبل من خلال الغيب، ليحصل على الاطمئنان بشكلٍ حاسم، لأنَّ ذلك لم يكن متيسَّراً له بالطّرق العاديّة، فانتقل إلى وسيلةٍ أخرى للاستيثاق، فطلب منهم أن يعطوه موثقاً من الله بالالتزام بحفظه وحمايته وإعادته إليه، بكلِّ ما يملكونه من الإمكانات والوسائل، بحيث يستنفدون كلَّ طاقاتهم في هذا السَّبيل، ولا يبقى لهم مجالٌ لاستخدام أيّ وسيلة ممكنة، إلا إذا كان هناك جمعٌ كبيرٌ يحيط بهم ويمنعهم من إعادته إلى أبيه وإنقاذه من أيِّ ضررٍ محتمل، بحيث لا يستطيعون الثّبات أمامه، وهذا مما يعذر به النَّاس في مثل هذه الأمور.

العهد بحفظ بنيامين

وهكذا، طلب منهم أن يعطوه العهد أمام الله، وأن يقسموا بالله، ويؤكِّدوا الالتزام بالميثاق الَّذي يتحمّلون مسؤوليَّة الوفاء به، وهذا ما تحدَّث به الله في قوله تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}[1]. وبذلك استطاع الإيحاء إلى نفسه بالثّقة، لأنّه عرف أنهم لن يخونوا الأمانة وينقضوا العهد ويهربوا من التزامهم أمامه، وربما رأى منهم الصَّلاح والإيمان بعد ما فعلوه في التّآمر على أخيهم يوسف، ويدلّ على ذلك أيضاً قول كبيرهم بعد أن احتفظ يوسف بأخيه، بناءً على شريعة يعقوب في استرقاق السّارق، بعد أن دبّر يوسف أمر اتّهام أخيه بالسّرقة: {قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقاً مِّنَ اللهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}[2]. وربما وافقه أخوته الآخرون على هذا المنطق الإيمانيّ في الإعذار إلى أبيهم وإلى الله في المأزق الّذي وقعوا فيه، ليحدّثوا أباهم بأنهم لم يقصِّروا في حفظه، ولكنَّ تصرّف ولده هو الذي عطَّل قدرتهم على إنقاذه والعودة به إليه.

نصيحة يعقوب لبنيه

ووقف أولاده أمامه في لحظة الوداع ليزوّدهم بنصائحه في طريقة تصرّفهم عند دخولهم على العزيز، وقد ارتاحت مشاعره من الشكّ والقلق، وانسابت عاطفته تجاههم، ولم تكن الحادثة الَّتي حصلت في تاريخهم في مسألة تغييب يوسف قد تركت أيّ عقدةٍ في نفسه تجاههم، بل إنَّه ترك للزمن أمر تسليط الضَّوء على القضيَّة المأساويّة، بما يجعلهم ينفتحون على التَّوبة عن الخطأ الّذي وقعوا فيه، وعلى إصلاح أمرهم، كأيِّ خاطئٍ يتوب إلى ربّه.

وهكذا نظر إليهم عندما أراد أن يودِّعهم نظرة الأبوَّة الحانية إلى البنوَّة المحبوبة، فقد خاف عليهم من حسد الحاسدين، لما يمكن أن يثيره دخولهم دفعةً واحدةً إلى المجلس الَّذي يجتمع إليه النّاس، من الدَّهشة والإعجاب بمثل هذه المجموعة من الأخوة الرّجال المالكين للقوّة الجسديَّة والتّوافق في الرّأي والوحدة في الموقف، وربما كانوا صِباح الوجوه، فأراد أن ينصحهم نصيحةً أبويّة تبعدهم عن الحسد الَّذي قد يبعث على الكيد والتّآمر من قِبَل الحاسدين الَّذين يحملون في أنفسهم العقدة الخبيثة الاستئصاليَّة ضدَّ المحسودين.

أمّا نصيحته لهم، فكانت من خلال قوله: {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ ـ فإنَّ ذلك قد يثير العقدة في نفوس الحاضرين الَّذين قد يصدمهم هذا المظهر الحيّ القويّ لكم، فيدفعهم ذلك إلى التحرّك تجاهكم من موقع العقدة الذاتيَّة، فيؤدّي ذلك إلى ما لا تُحمد عقباه ـ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ}، ليظنَّ الآخرون أنكم لا تمثّلون فريقاً من أسرة واحدة، وبذلك تضيع الصّورة الحقيقيَّة القويَّة لكم، ولا تلفتون الأنظار إليكم.

وليس في هذا الموقف ما يمنع قضاء الله إذا أراد الله له أن يحدث، ولكنّه قلق الوالد على أولاده في البحث عن أيّ وسيلةٍ لحمايتهم، عبر رعايته المباشرة لهم، أو عبر تزويدهم بوصايا ونصائح أمنيَّة تكفل لهم ذلك.

{وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ ـ إن أراد بكم سوءاً، فهو المالك لكلِّ شيء ـ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لله ـ في كلِّ أمور عباده فيما يقضيه لهم أو عليهم ـ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ـ في جميع أموري ـ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}[3]، في إرجاع كلِّ القضايا إليه، فهو المعوَّل عليه في الشدَّة والرّخاء.

ويبقى السّؤال: لماذا هذه النَّصيحة من يعقوب لأولاده، ما دام مصيرهم بيد الله من خلال الأسباب الطبيعيّة المحيطة بأوضاع الأشخاص في سفرهم وحضرهم؟

وقد يكون الجواب فيما تحدَّث به القرآن عن خلفيَّة هذا الموضوع: {وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ ـ أي أنَّ ما أمرهم به أبوهم لم يكن يمنع عنهم شيئاً أراد الله إيقاعه بهم، لأنَّ مثل هذه الوسائل لا تمنع الخطَّة المرسومة في قضاء الله وقدره، من خلال علاقة المسبَّبات بالأسباب، فإذا أراد الله شيئاً هيّأ أسبابه. وقد كان يعقوب يعرف أنّه لا يستطيع أن يغيّر القضاء أو يعطِّل الأسباب، ولكنَّ المسألة كانت كما قال تعالى: ـ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}[4]، مما كان يريده لهم من تحفّظٍ يبعدهم عن المشاكل من بعض النَّواحي، أو تدريبهم على مواجهة الأمور بطريقةٍ متوازنة، أو الإيحاء إليهم بالاستماع إلى نصائحه الَّتي كانت تنطلق من موقع النبوَّة المنفتحة على حقائق الحاضر والمستقبل في واقع الأمور.

ولم نعرف ـ من خلال القرآن ـ نوعيّة هذه الحاجة بالتّفصيل، لكن ربما كانت حالةً من الطَّمأنينة الداخليَّة التي أراد أن يعيشها في نفسه في مواجهة الحدث المنتظر في المستقبل، وربما كانت الحاجة الملحَّة في داخله تحقيق أمله في رجوع يوسف إليه، مما هيّأه الله له من أسبابٍ قد تتحقَّق في هذا السَّفر الّذي لا يعرف نتائجه، ولربما كانت نتائج إيجابيَّة، بحيث تنتهي بلقاء يوسف بأخيه الشَّقيق.

وبذلك يكون الضَّمير في {قَضَاهَا} راجعاً إلى الله لا إلى يعقوب، كما يذهب إلى ذلك بعض المفسِّرين. وربما كانت تلك الحاجة من خفايا العلم الَّذي علَّمه الله لنبيِّه يعقوب من أسرار الغيب، كرامةً له، وتقديراً لإخلاصه وإسلامه له، وهو ما يمكن أن نستوحيه من قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ}. ولعلَّ المراد به العلم الخاصّ الّذي يلهم الله به الأنبياء، أو ما يوحي به إليهم من علمه الَّذي يختصّهم به، مما لا يكلّفهم ببيانه وتبليغه للنّاس، بل يريد لهم أن يعيشوه ويكتفوا بالإيحاء به على طريقة الإشعار أو الإيحاء لمصلحة خاصّة، ليديروا به أوضاعهم الأسريَّة أو الاجتماعيَّة، أو لينفتحوا من خلاله على حاجاتهم النفسيَّة، {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}[5]، لأنهم يتعاملون في أمورهم من خلال الرّؤية المحدودة للأشياء، ما يحجب عنهم الكثير من الأسرار الَّتي يختزنها غيب المستقبل، أو الَّتي تختفي في أعماق خلفيّات الحاضر.

خطّة يوسف(ع) مع أخوته

وانفتحت القصَّة على نهايات الموقف، حيث جرى التّعارف بين يوسف وأخوته الَّذين فوجئوا بموقعه المميَّز العظيم، فيما يملكه من السّلطة على مواقع الاقتصاد في مصر. ثم بدأت خطَّته في استقدام أبيه وأمّه وجمع الأسرة كلِّها عنده، وقد منحه الله المعجزة الَّتي ترجع البصر إلى أبيه، انطلاقاً من موقعه الرّوحيّ، بعد أن عاش الإخلاص لله في معاناته الطَّويلة الصَّعبة الشّاقّة. وهكذا طلب يوسف إليهم أن يذهبوا بقميصه ليلقوه على وجه أبيه ليعود بصره إليه، كما جاء في قوله تعالى: {اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً ـ بعد أن يشمّه، فيجد فيه ريح يوسف بقدرة الله الّتي يحيي بها العظام وهي رميم، فلا يعجزها أن تعيد البصر إلى النبيّ الّذي أطاع الله في نفسه وفي النّاس. إنها الكرامة الخارقة التي قد تكون كبيرةً بالنّسبة إلى الناس، ولكنّها لا تمثّل شيئاً أمام قدرة الله المطلقة التي لا تقف عند أيِّ حدّ من الحدود الطبيعيّة العاديّة ـ  وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}[6]، ليجتمع الشّمل، وتنتهي كلّ الآلام، ويعود الفرح إلى القلوب التي عاشت الحزن والأسى زمناً طويلاً.

وكان يعقوب ما يزال يعيش ذكرى ولده يوسف، وهكذا حدَّثنا الله عن ظاهرةٍ روحيَّةٍ في عقل يعقوب وإحساسه، قال تعالى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ ـ وتحرّكت القافلة من المكان الَّذي كانت فيه، وسارت باتجاه أرض كنعان حيث يسكن يعقوب ـ قَالَ أَبُوهُمْ ـ لمن حوله من أولاده الباقين معه، أو للنَّاس الَّذين كانوا يحيطون به ـ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ـ وأحسّ بها كما لو كان حاضراً أمامي بنفسه ـ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ}[7]، أي تسفّهوا رأيي، وتنسبوني إلى الخرف وضعف الرّأي.

وربّما كان المراد من إحساسه بريح يوسف هو الرَّائحة العجائبيَّة الّتي يحملها الثَّوب، فتكون القضيَّة قريبةً من الإعجاز الَّذي يتجاوز الأسباب العاديَّة، لأنَّ المسافة بين المكانين كانت مسيرة ثمانية أيّام أو عشرة، وربما يكون الأمر على سبيل الكناية عمَّا كان يفكِّر فيه من قرب لقائه به في حالةٍ من حالات الصَّفاء الروحيّ والفكريّ، بحيث أهَّلته لأن يحسّ بالشَّيء كما لو كان معه ينظر إليه ويشمّ رائحته، وقد يكون هذا الاحتمال أقرب إلى جوِّ الآية الثّانية، لأنَّ الأمر لو كان على حسب الظَّاهر، لكان مثار استغرابٍ بطبيعته أكثر مما يكون مستغرباً بمدلوله، والله العالم.

{قَالُواْ تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ}[8]، الَّذي لا زلت مصرّاً عليه في اعتقادك بحياة يوسف وقرب لقائك به، دون أن تلتفت إلى خطأ هذا التصوّر، لأنّه لو كان حيّاً، لجاءك منه خلال هذه المدّة الطّويلة خبر، فمن غير الطّبيعيّ أن تنقطع أخباره كلّ هذا الوقت وهو على قيد الحياة... وسكت على مضض، وسكتوا على انفعال. وجاءت القافلة بالمفاجأة الصَّارخة، ووصل البشير يحمل قميص يوسف، {فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً ـ وعادت إليه نعمة البصر وفرح الحياة، فيما أراد الله أن ينعم به عليه من فرحة الشّعور بحياة يوسف من جهة، ورؤيته لولده بردِّ بصره إليه، على وجه الكرامة له ولولده يوسف من جهة أخرى ـ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[9]، فلم يكن هذا الإحساس مجرّد حالةٍ نفسيّةٍ ساذجة، بل كان علماً من غيب الله، جعلني أنفتح على الأمل الكبير به وأبتعد عن اليأس، على الرّغم مما أحاط بي من المشاكل من كلِّ جهةٍ وفي أكثر من صعيد.

تحقّق الرّؤيا

والتقى يعقوب وزوجته يوسف الّذي رحَّب بهم جميعاً في مصر، ورفع أبويه إلى المركز الّذي يجلس فيه على قمّة السّلطة، وكانت التحيّة في ذلك الوقت أن يسجد النّاس للرّجل العظيم، {وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً}[10]، وكانت نهاية القصّة تتمثّل بتأويل الرؤيا التي جلبت له الكثير من المشاكل والأتعاب وجعلها ربّه حقّاً. وهكذا ذهبت كلّ أحزان يعقوب الّذي أرسله الله نبيّاً على شريعة إبراهيم(ع)، {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[11].

وهكذا كان الإسلام لله في الأمور كلِّها، هو القيمة الرّوحيَّة العقليَّة الكبرى الّتي جسَّدتها رسالات الأنبياء، الَّتي تعبّر عن مضمونها هذه الآية الكريمة: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[12].

والحمد لله ربِّ العالمين.

*ندوة الشّام الأسبوعيّة، فكر وثقافة


[1]  [يوسف: 66].

[2]   [يوسف: 80].

[3]  [يوسف: 67].

[4]  [يوسف: 68].

[5]  [يوسف: 68].

[6]  [يوسف: 93].

[7]  [يوسف: 94].

[8]  [يوسف: 95].

[9]  [يوسف: 96].

[10]  [يوسف: 100].

[11]  [البقرة: 131 ـ 133].

[12]  [الأنعام: 162، 163].


نتابع في هذا العدد قصَّة النّبيّ يعقوب(ع)، في تجربة فقد ولده الآخر (بنيامين)، ثم ارتداد البصر إليه بعد أن كان فقده بسبب حزنه وبكائه الشَّديد على يوسف، ثم لقائه بيوسف واستقراره وأهله في مصر.

خوف يعقوب على بنيامين

طلب أولاد يعقوب من أبيهم أن يرسل معهم أخاهم بنيامين، الأخ الشَّقيق ليوسف، بناءً على طلب يوسف ذلك منهم، ولكنَّ هذا الطّلب أثار القلق في نفس يعقوب، ما جعله يعيش الصِّراع بين الإذن لهم باصطحابه معهم، والامتناع عن ذلك، لأنَّ تجربته السَّابقة معهم كانت لا تزال حاضرةً في ذهنه وقلبه، وكانت توحي إليه بعدم الثَّقة بهم. ولكنَّ إلحاحهم الشَّديد عليه كان بسبب ارتباط معيشتهم بتحقيق هذا المطلب، بفعل تهديد يوسف لهم بأنّهم إذا لم يحقِّقوا له ما يطلبه منهم، فلن يجدوا عنده كيلاً ولا وزناً للطَّعام الَّذي جاؤوا للحصول عليه، تلبيةً لحاجات أهلهم الَّذين كانوا لا يحصلون في بلادهم على الطَّعام، فيطلبونه في بلادٍ أخرى كمصر.

ولذلك، كان يعقوب يبحث عن أساسٍ للثِّقة بهم، ولم يكن هناك مجالٌ لتحصيله إلا بالكشف عن المستقبل من خلال الغيب، ليحصل على الاطمئنان بشكلٍ حاسم، لأنَّ ذلك لم يكن متيسَّراً له بالطّرق العاديّة، فانتقل إلى وسيلةٍ أخرى للاستيثاق، فطلب منهم أن يعطوه موثقاً من الله بالالتزام بحفظه وحمايته وإعادته إليه، بكلِّ ما يملكونه من الإمكانات والوسائل، بحيث يستنفدون كلَّ طاقاتهم في هذا السَّبيل، ولا يبقى لهم مجالٌ لاستخدام أيّ وسيلة ممكنة، إلا إذا كان هناك جمعٌ كبيرٌ يحيط بهم ويمنعهم من إعادته إلى أبيه وإنقاذه من أيِّ ضررٍ محتمل، بحيث لا يستطيعون الثّبات أمامه، وهذا مما يعذر به النَّاس في مثل هذه الأمور.

العهد بحفظ بنيامين

وهكذا، طلب منهم أن يعطوه العهد أمام الله، وأن يقسموا بالله، ويؤكِّدوا الالتزام بالميثاق الَّذي يتحمّلون مسؤوليَّة الوفاء به، وهذا ما تحدَّث به الله في قوله تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}[1]. وبذلك استطاع الإيحاء إلى نفسه بالثّقة، لأنّه عرف أنهم لن يخونوا الأمانة وينقضوا العهد ويهربوا من التزامهم أمامه، وربما رأى منهم الصَّلاح والإيمان بعد ما فعلوه في التّآمر على أخيهم يوسف، ويدلّ على ذلك أيضاً قول كبيرهم بعد أن احتفظ يوسف بأخيه، بناءً على شريعة يعقوب في استرقاق السّارق، بعد أن دبّر يوسف أمر اتّهام أخيه بالسّرقة: {قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقاً مِّنَ اللهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}[2]. وربما وافقه أخوته الآخرون على هذا المنطق الإيمانيّ في الإعذار إلى أبيهم وإلى الله في المأزق الّذي وقعوا فيه، ليحدّثوا أباهم بأنهم لم يقصِّروا في حفظه، ولكنَّ تصرّف ولده هو الذي عطَّل قدرتهم على إنقاذه والعودة به إليه.

نصيحة يعقوب لبنيه

ووقف أولاده أمامه في لحظة الوداع ليزوّدهم بنصائحه في طريقة تصرّفهم عند دخولهم على العزيز، وقد ارتاحت مشاعره من الشكّ والقلق، وانسابت عاطفته تجاههم، ولم تكن الحادثة الَّتي حصلت في تاريخهم في مسألة تغييب يوسف قد تركت أيّ عقدةٍ في نفسه تجاههم، بل إنَّه ترك للزمن أمر تسليط الضَّوء على القضيَّة المأساويّة، بما يجعلهم ينفتحون على التَّوبة عن الخطأ الّذي وقعوا فيه، وعلى إصلاح أمرهم، كأيِّ خاطئٍ يتوب إلى ربّه.

وهكذا نظر إليهم عندما أراد أن يودِّعهم نظرة الأبوَّة الحانية إلى البنوَّة المحبوبة، فقد خاف عليهم من حسد الحاسدين، لما يمكن أن يثيره دخولهم دفعةً واحدةً إلى المجلس الَّذي يجتمع إليه النّاس، من الدَّهشة والإعجاب بمثل هذه المجموعة من الأخوة الرّجال المالكين للقوّة الجسديَّة والتّوافق في الرّأي والوحدة في الموقف، وربما كانوا صِباح الوجوه، فأراد أن ينصحهم نصيحةً أبويّة تبعدهم عن الحسد الَّذي قد يبعث على الكيد والتّآمر من قِبَل الحاسدين الَّذين يحملون في أنفسهم العقدة الخبيثة الاستئصاليَّة ضدَّ المحسودين.

أمّا نصيحته لهم، فكانت من خلال قوله: {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ ـ فإنَّ ذلك قد يثير العقدة في نفوس الحاضرين الَّذين قد يصدمهم هذا المظهر الحيّ القويّ لكم، فيدفعهم ذلك إلى التحرّك تجاهكم من موقع العقدة الذاتيَّة، فيؤدّي ذلك إلى ما لا تُحمد عقباه ـ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ}، ليظنَّ الآخرون أنكم لا تمثّلون فريقاً من أسرة واحدة، وبذلك تضيع الصّورة الحقيقيَّة القويَّة لكم، ولا تلفتون الأنظار إليكم.

وليس في هذا الموقف ما يمنع قضاء الله إذا أراد الله له أن يحدث، ولكنّه قلق الوالد على أولاده في البحث عن أيّ وسيلةٍ لحمايتهم، عبر رعايته المباشرة لهم، أو عبر تزويدهم بوصايا ونصائح أمنيَّة تكفل لهم ذلك.

{وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ ـ إن أراد بكم سوءاً، فهو المالك لكلِّ شيء ـ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لله ـ في كلِّ أمور عباده فيما يقضيه لهم أو عليهم ـ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ـ في جميع أموري ـ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}[3]، في إرجاع كلِّ القضايا إليه، فهو المعوَّل عليه في الشدَّة والرّخاء.

ويبقى السّؤال: لماذا هذه النَّصيحة من يعقوب لأولاده، ما دام مصيرهم بيد الله من خلال الأسباب الطبيعيّة المحيطة بأوضاع الأشخاص في سفرهم وحضرهم؟

وقد يكون الجواب فيما تحدَّث به القرآن عن خلفيَّة هذا الموضوع: {وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ ـ أي أنَّ ما أمرهم به أبوهم لم يكن يمنع عنهم شيئاً أراد الله إيقاعه بهم، لأنَّ مثل هذه الوسائل لا تمنع الخطَّة المرسومة في قضاء الله وقدره، من خلال علاقة المسبَّبات بالأسباب، فإذا أراد الله شيئاً هيّأ أسبابه. وقد كان يعقوب يعرف أنّه لا يستطيع أن يغيّر القضاء أو يعطِّل الأسباب، ولكنَّ المسألة كانت كما قال تعالى: ـ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}[4]، مما كان يريده لهم من تحفّظٍ يبعدهم عن المشاكل من بعض النَّواحي، أو تدريبهم على مواجهة الأمور بطريقةٍ متوازنة، أو الإيحاء إليهم بالاستماع إلى نصائحه الَّتي كانت تنطلق من موقع النبوَّة المنفتحة على حقائق الحاضر والمستقبل في واقع الأمور.

ولم نعرف ـ من خلال القرآن ـ نوعيّة هذه الحاجة بالتّفصيل، لكن ربما كانت حالةً من الطَّمأنينة الداخليَّة التي أراد أن يعيشها في نفسه في مواجهة الحدث المنتظر في المستقبل، وربما كانت الحاجة الملحَّة في داخله تحقيق أمله في رجوع يوسف إليه، مما هيّأه الله له من أسبابٍ قد تتحقَّق في هذا السَّفر الّذي لا يعرف نتائجه، ولربما كانت نتائج إيجابيَّة، بحيث تنتهي بلقاء يوسف بأخيه الشَّقيق.

وبذلك يكون الضَّمير في {قَضَاهَا} راجعاً إلى الله لا إلى يعقوب، كما يذهب إلى ذلك بعض المفسِّرين. وربما كانت تلك الحاجة من خفايا العلم الَّذي علَّمه الله لنبيِّه يعقوب من أسرار الغيب، كرامةً له، وتقديراً لإخلاصه وإسلامه له، وهو ما يمكن أن نستوحيه من قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ}. ولعلَّ المراد به العلم الخاصّ الّذي يلهم الله به الأنبياء، أو ما يوحي به إليهم من علمه الَّذي يختصّهم به، مما لا يكلّفهم ببيانه وتبليغه للنّاس، بل يريد لهم أن يعيشوه ويكتفوا بالإيحاء به على طريقة الإشعار أو الإيحاء لمصلحة خاصّة، ليديروا به أوضاعهم الأسريَّة أو الاجتماعيَّة، أو لينفتحوا من خلاله على حاجاتهم النفسيَّة، {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}[5]، لأنهم يتعاملون في أمورهم من خلال الرّؤية المحدودة للأشياء، ما يحجب عنهم الكثير من الأسرار الَّتي يختزنها غيب المستقبل، أو الَّتي تختفي في أعماق خلفيّات الحاضر.

خطّة يوسف(ع) مع أخوته

وانفتحت القصَّة على نهايات الموقف، حيث جرى التّعارف بين يوسف وأخوته الَّذين فوجئوا بموقعه المميَّز العظيم، فيما يملكه من السّلطة على مواقع الاقتصاد في مصر. ثم بدأت خطَّته في استقدام أبيه وأمّه وجمع الأسرة كلِّها عنده، وقد منحه الله المعجزة الَّتي ترجع البصر إلى أبيه، انطلاقاً من موقعه الرّوحيّ، بعد أن عاش الإخلاص لله في معاناته الطَّويلة الصَّعبة الشّاقّة. وهكذا طلب يوسف إليهم أن يذهبوا بقميصه ليلقوه على وجه أبيه ليعود بصره إليه، كما جاء في قوله تعالى: {اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً ـ بعد أن يشمّه، فيجد فيه ريح يوسف بقدرة الله الّتي يحيي بها العظام وهي رميم، فلا يعجزها أن تعيد البصر إلى النبيّ الّذي أطاع الله في نفسه وفي النّاس. إنها الكرامة الخارقة التي قد تكون كبيرةً بالنّسبة إلى الناس، ولكنّها لا تمثّل شيئاً أمام قدرة الله المطلقة التي لا تقف عند أيِّ حدّ من الحدود الطبيعيّة العاديّة ـ  وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}[6]، ليجتمع الشّمل، وتنتهي كلّ الآلام، ويعود الفرح إلى القلوب التي عاشت الحزن والأسى زمناً طويلاً.

وكان يعقوب ما يزال يعيش ذكرى ولده يوسف، وهكذا حدَّثنا الله عن ظاهرةٍ روحيَّةٍ في عقل يعقوب وإحساسه، قال تعالى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ ـ وتحرّكت القافلة من المكان الَّذي كانت فيه، وسارت باتجاه أرض كنعان حيث يسكن يعقوب ـ قَالَ أَبُوهُمْ ـ لمن حوله من أولاده الباقين معه، أو للنَّاس الَّذين كانوا يحيطون به ـ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ـ وأحسّ بها كما لو كان حاضراً أمامي بنفسه ـ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ}[7]، أي تسفّهوا رأيي، وتنسبوني إلى الخرف وضعف الرّأي.

وربّما كان المراد من إحساسه بريح يوسف هو الرَّائحة العجائبيَّة الّتي يحملها الثَّوب، فتكون القضيَّة قريبةً من الإعجاز الَّذي يتجاوز الأسباب العاديَّة، لأنَّ المسافة بين المكانين كانت مسيرة ثمانية أيّام أو عشرة، وربما يكون الأمر على سبيل الكناية عمَّا كان يفكِّر فيه من قرب لقائه به في حالةٍ من حالات الصَّفاء الروحيّ والفكريّ، بحيث أهَّلته لأن يحسّ بالشَّيء كما لو كان معه ينظر إليه ويشمّ رائحته، وقد يكون هذا الاحتمال أقرب إلى جوِّ الآية الثّانية، لأنَّ الأمر لو كان على حسب الظَّاهر، لكان مثار استغرابٍ بطبيعته أكثر مما يكون مستغرباً بمدلوله، والله العالم.

{قَالُواْ تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ}[8]، الَّذي لا زلت مصرّاً عليه في اعتقادك بحياة يوسف وقرب لقائك به، دون أن تلتفت إلى خطأ هذا التصوّر، لأنّه لو كان حيّاً، لجاءك منه خلال هذه المدّة الطّويلة خبر، فمن غير الطّبيعيّ أن تنقطع أخباره كلّ هذا الوقت وهو على قيد الحياة... وسكت على مضض، وسكتوا على انفعال. وجاءت القافلة بالمفاجأة الصَّارخة، ووصل البشير يحمل قميص يوسف، {فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً ـ وعادت إليه نعمة البصر وفرح الحياة، فيما أراد الله أن ينعم به عليه من فرحة الشّعور بحياة يوسف من جهة، ورؤيته لولده بردِّ بصره إليه، على وجه الكرامة له ولولده يوسف من جهة أخرى ـ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[9]، فلم يكن هذا الإحساس مجرّد حالةٍ نفسيّةٍ ساذجة، بل كان علماً من غيب الله، جعلني أنفتح على الأمل الكبير به وأبتعد عن اليأس، على الرّغم مما أحاط بي من المشاكل من كلِّ جهةٍ وفي أكثر من صعيد.

تحقّق الرّؤيا

والتقى يعقوب وزوجته يوسف الّذي رحَّب بهم جميعاً في مصر، ورفع أبويه إلى المركز الّذي يجلس فيه على قمّة السّلطة، وكانت التحيّة في ذلك الوقت أن يسجد النّاس للرّجل العظيم، {وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً}[10]، وكانت نهاية القصّة تتمثّل بتأويل الرؤيا التي جلبت له الكثير من المشاكل والأتعاب وجعلها ربّه حقّاً. وهكذا ذهبت كلّ أحزان يعقوب الّذي أرسله الله نبيّاً على شريعة إبراهيم(ع)، {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[11].

وهكذا كان الإسلام لله في الأمور كلِّها، هو القيمة الرّوحيَّة العقليَّة الكبرى الّتي جسَّدتها رسالات الأنبياء، الَّتي تعبّر عن مضمونها هذه الآية الكريمة: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[12].

والحمد لله ربِّ العالمين.

*ندوة الشّام الأسبوعيّة، فكر وثقافة


[1]  [يوسف: 66].

[2]   [يوسف: 80].

[3]  [يوسف: 67].

[4]  [يوسف: 68].

[5]  [يوسف: 68].

[6]  [يوسف: 93].

[7]  [يوسف: 94].

[8]  [يوسف: 95].

[9]  [يوسف: 96].

[10]  [يوسف: 100].

[11]  [البقرة: 131 ـ 133].

[12]  [الأنعام: 162، 163].

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية