التّجارة مع الله

التّجارة مع الله
شرح سماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض) لما جاء في دعاء الإمام زين العابدين(ع) في وداعه شهر رمضان المبارك:

"وأنْتَ الّذي زِدْتَ في السّومِ على نفسكَ لعبادك، تريد ربحهم في متاجرتهم لك، وفوزهم بالوفادة عليك والزّيادة منك، فقُلتَ، تبارك اسمُك وتعاليْتَ: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا}[الأنعام:160] وقلتَ: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ}[البقرة:261] وقلتَ: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً}[البقرة: 245]، وما أنزَلتَ من نظائرهنّ في القرآن من تضاعيف الحسنات".

التّجارة مع الله
لقد كان وجودنا بعض عطائك وكرمك، كما كانت نعمُك الوافرة في حركة هذا الوجود شاهداً على لطفك ورحمتك، وهذا ما يعيشه عبادك المؤمنون بك، المبتهلون إليك في وجدانهم الإيمانيّ، عندما يرون الفيض الإلهيّ ينهمر عليهم من كلّ جانب، من دون أن يكون لديهم أيّ عمل يقدّمونه بين أيديهم ليستحقّوا به ذلك.

ولقد دعوتنا للعمل في كلّ مواقع طاعتك، فيما يتّصل بحياتنا الخاصّة، في ما يتحرّك به وجودنا الذاتيّ من رغبات وحاجات، وفيما يتّصل بحياتنا مع النّاس، فيما تفيضه علينا من مسؤوليّات وأوضاع، فأردتنا أن نعيش العطاء في طاقاتنا، فيما نقدّمه من خير لأنفسنا وللنّاس وللحياة، في نطاق أوامرك ونواهيك، ليكون وجودنا فاعلاً منتجاً على مستوى الوجود كلّه.

ولم تجعل عملنا هذا مجرّد مسؤوليّة عباديّة نتعبّد فيها إليك، على أساس ما يجب علينا لك من أنواع الطّاعة، من دون أن نحصل من ذلك على شيء في ربح الذّات لنفسها في ما تريده من خير، بل جعلته نوعاً من التّجارة معك فيما تجتذبه من الرّبح المخزون عندك، واعتبرته قرضاً يحمل لنا فرص الزّيادة المضاعفة.

وهكذا دعوت عبادك إلى التّجارة معك، وأنت الّذي رزقتهم ما يتاجرون به، وزدتهم في الرّبح لتزيدهم رغبةً في التّسامي إلى درجات القرب إليك، وحركةً في خطّ المسؤوليّة في تحريك الحياة نحو الانطلاق إلى مواقع الخير للإنسان كلّه في جميع مجالاته، ليكون الإنسان إنسان العمل الصّالح الخيّر فيما تحتاجه الحياة من طاقاته، وليكون إنسان الله فيما يفرضه عليه من كلّ مواقع الطّاعة وملامح العبوديّة له في وجوده.

وهكذا كانت الحسنة ـ أيّة حسنة ـ عشر أمثالها، وكان الإنفاق {فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ}[البقرة: 261]، وكأنّ الّذي يقرض الله قرضاً حسناً فيما يقدّمه للآخرين من طاقته وماله، يستحقّ الأضعاف الكثيرة من الرّبح والأجر الكريم، وذلك في عمليّة تربويّة إيحائيّة بأنَّ قضيَّة العمل الصَّالح ليست مجرّد قضيَّة ترتبط بالمبدأ فيما يخطّط له من مواقع ومواقف، ولكنّها قضيّة الذّات فيما تتطلّع إليه من أرباح ومنافع، وأنّ الذاتيّة في حساب العمل، تمثّل قيمةً كبيرةً في ميزان الله، عندما يكون العمل لله فيما يتقرّب به الإنسان إليه، في خدمة الإنسان والحياة، لأنّ الله أراد للإنسان أن يطيعه ويتعبّد إليه طمعاً في جنّته، وخوفاً من ناره، ورغبةً في الأجر العظيم، ولم يفرض عليه أن يفعل ذلك من دون ثمن على أساس استحقاق الله للعبادة في ذاته، وذلك على أساس أنّ الله لا يريد للإنسان أن يبتعد عن خصائص إنسانيّته في نطاق بشريّته، فيكون ملَكاً يفكّر في العمل من ناحية التّجريد، بل أراد له أن يكون بشراً في نطاق حاجاته الحاضرة والمستقبلة على مستوى الدّنيا والآخرة.

ولهذا أعطى السّعي نحو المسؤوليّات العامّة والخاصّة، معنى التّجارة والبيع فيما يجتذبانه من قضايا الرّبح والتّعويض في الطموحات الذاتيّة، ليعيش الإنسان هاجس ذلك في دنياه وآخرته على أساس الخطّ المستقيم.[المصدر: كتاب تقوى الصّوم].
شرح سماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض) لما جاء في دعاء الإمام زين العابدين(ع) في وداعه شهر رمضان المبارك:

"وأنْتَ الّذي زِدْتَ في السّومِ على نفسكَ لعبادك، تريد ربحهم في متاجرتهم لك، وفوزهم بالوفادة عليك والزّيادة منك، فقُلتَ، تبارك اسمُك وتعاليْتَ: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا}[الأنعام:160] وقلتَ: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ}[البقرة:261] وقلتَ: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً}[البقرة: 245]، وما أنزَلتَ من نظائرهنّ في القرآن من تضاعيف الحسنات".

التّجارة مع الله
لقد كان وجودنا بعض عطائك وكرمك، كما كانت نعمُك الوافرة في حركة هذا الوجود شاهداً على لطفك ورحمتك، وهذا ما يعيشه عبادك المؤمنون بك، المبتهلون إليك في وجدانهم الإيمانيّ، عندما يرون الفيض الإلهيّ ينهمر عليهم من كلّ جانب، من دون أن يكون لديهم أيّ عمل يقدّمونه بين أيديهم ليستحقّوا به ذلك.

ولقد دعوتنا للعمل في كلّ مواقع طاعتك، فيما يتّصل بحياتنا الخاصّة، في ما يتحرّك به وجودنا الذاتيّ من رغبات وحاجات، وفيما يتّصل بحياتنا مع النّاس، فيما تفيضه علينا من مسؤوليّات وأوضاع، فأردتنا أن نعيش العطاء في طاقاتنا، فيما نقدّمه من خير لأنفسنا وللنّاس وللحياة، في نطاق أوامرك ونواهيك، ليكون وجودنا فاعلاً منتجاً على مستوى الوجود كلّه.

ولم تجعل عملنا هذا مجرّد مسؤوليّة عباديّة نتعبّد فيها إليك، على أساس ما يجب علينا لك من أنواع الطّاعة، من دون أن نحصل من ذلك على شيء في ربح الذّات لنفسها في ما تريده من خير، بل جعلته نوعاً من التّجارة معك فيما تجتذبه من الرّبح المخزون عندك، واعتبرته قرضاً يحمل لنا فرص الزّيادة المضاعفة.

وهكذا دعوت عبادك إلى التّجارة معك، وأنت الّذي رزقتهم ما يتاجرون به، وزدتهم في الرّبح لتزيدهم رغبةً في التّسامي إلى درجات القرب إليك، وحركةً في خطّ المسؤوليّة في تحريك الحياة نحو الانطلاق إلى مواقع الخير للإنسان كلّه في جميع مجالاته، ليكون الإنسان إنسان العمل الصّالح الخيّر فيما تحتاجه الحياة من طاقاته، وليكون إنسان الله فيما يفرضه عليه من كلّ مواقع الطّاعة وملامح العبوديّة له في وجوده.

وهكذا كانت الحسنة ـ أيّة حسنة ـ عشر أمثالها، وكان الإنفاق {فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ}[البقرة: 261]، وكأنّ الّذي يقرض الله قرضاً حسناً فيما يقدّمه للآخرين من طاقته وماله، يستحقّ الأضعاف الكثيرة من الرّبح والأجر الكريم، وذلك في عمليّة تربويّة إيحائيّة بأنَّ قضيَّة العمل الصَّالح ليست مجرّد قضيَّة ترتبط بالمبدأ فيما يخطّط له من مواقع ومواقف، ولكنّها قضيّة الذّات فيما تتطلّع إليه من أرباح ومنافع، وأنّ الذاتيّة في حساب العمل، تمثّل قيمةً كبيرةً في ميزان الله، عندما يكون العمل لله فيما يتقرّب به الإنسان إليه، في خدمة الإنسان والحياة، لأنّ الله أراد للإنسان أن يطيعه ويتعبّد إليه طمعاً في جنّته، وخوفاً من ناره، ورغبةً في الأجر العظيم، ولم يفرض عليه أن يفعل ذلك من دون ثمن على أساس استحقاق الله للعبادة في ذاته، وذلك على أساس أنّ الله لا يريد للإنسان أن يبتعد عن خصائص إنسانيّته في نطاق بشريّته، فيكون ملَكاً يفكّر في العمل من ناحية التّجريد، بل أراد له أن يكون بشراً في نطاق حاجاته الحاضرة والمستقبلة على مستوى الدّنيا والآخرة.

ولهذا أعطى السّعي نحو المسؤوليّات العامّة والخاصّة، معنى التّجارة والبيع فيما يجتذبانه من قضايا الرّبح والتّعويض في الطموحات الذاتيّة، ليعيش الإنسان هاجس ذلك في دنياه وآخرته على أساس الخطّ المستقيم.[المصدر: كتاب تقوى الصّوم].
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية