معنى العيد: الفرحُ الكبيرُ بطاعةِ الله

معنى العيد: الفرحُ الكبيرُ بطاعةِ الله

كان هذا الأسبوع أسبوع عيد الفطر المبارك، الّذي نرجو من الله سبحانه أن يعيده على المسلمين وهم أكثر إيماناً وإسلاماً ووعياً وحركيّةً وانفتاحاً على كلِّ قضايا الواقع ومتغيراته، وعلى كلّ مواضع القوَّة التي يملكونها ليزدادوا منها، وعلى كلِّ نقاط الضّعف التي يعيشونها ليتخفّفوا منها. وعندما نثير مسألة العيد، فقد نتساءل: ما هي فلسفته؟ وما هي آفاقه؟ فالعيد هو معنى إنساني، ونحن لا نجد أمَّةً من الأمم إلَّا ولها أعيادها الدينية والسياسية والاجتماعية، وقد أصبح لدينا تقليد جديد، وهي الأعياد الشخصيَّة، كعيد ميلاد الإنسان، وعيد زواجه، وما إلى ذلك...

وعندما نريد أن ندرس فكرة العيد، نرى أنّها تنطلق من مناسبة حيوية مهمَّةٍ، حيث يعيش الإنسان الفرح الكبير فيه، إمّا من خلال ما تحمله الذّكرى من أجواء فرح، وإمّا من خلال المناسبة الّتي تمنحه الفرح.

ولقد جاءت كلمة "العيد" في القرآن في الحوار بين عيسى وأصحابه حول المائدة الَّتي يمنحها الله لهم، ليعيشوا الفرح في معنى الكرامة الإلهيَّة، ولتكون مناسبةً يتذكّرونها ويخلّدونها مع الأجيال التي تلتزم نهجهم، وتعيش سرّ الكرامة في حركتهم وفي قاعدتهم، ولذلك طلبوا منه أن ينـزّل الله عليهم مائدةً من السَّماء {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا}[المائدة: 114]، أن تكون عيداً يحتفل به أوّلنا الّذي عاش الكرامة، ويحتفل به آخرنا الّذي يعيش من بركة هذه الكرامة.

وفي الإسلام عيدان بالمعنى المصطلح للعيد، هما "عيد الفطر" و"عيد الأضحى"، أمَّا الأعياد الأخرى التي تذكر، فهي تمثِّل الأعياد بالمعنى العام للعيد، لا بالمعنى الشّرعيّ له. فلنقف مع عيد الفطر، ونستوح سرَّ العيد فيه.

ولعلّ أفضل كلمة قيلت في معنى العيد، هي كلمة عليّ (ع): "إنَّما هو عيدٌ لمَنْ قَبِلَ اللهُ صيامَهُ وقيامَهُ"1؛ فلقد جاء في نهاية حركة مسؤولة عاشت في موسم معيَّن محمَّل بمختلف ألوان الروح، فيما يمكن أن يرتفع بالإنسان في عملية روحية إنسانية داخلية وخارجية، فشهر رمضان هو شهر الله الَّذي يفتح الله فيه باب رحمته ومغفرته ولطفه وعفوه وغفرانه للصَّائمين وللقائمين وللمجاهدين وللعاملين في مواقع رضاه؛ فهو شهر التَّوبة والمغفرة والرَّحمة، وهو شهر القبول، كما جاء عن الإمام زين العابدين (ع) في دعائه، وهو شهر الإسلام، ولذلك فقد حشد الله في هذا الشَّهر ما وزَّعه على بقية الشهور، فهو حمّام روح يدخله الإنسان ليغسل فيه عقله، فلا يبقى فيه إلَّا الحقّ، وليغسل فيه قلبه، فلا يبقى منه إلَّا الخير والمحبة، وليغسل فيه حياته، فلا يبقى فيها إلَّا ما يرضي الله في مواضع طاعته، وليغسل فيه أحلامه لتكون أحلاماً لا تبتعد عن إنسانيَّته في مواقع العبودية لله، وليغسل فيه أهدافه، فلا تكون إلَّا الأهداف التي تنفتح على الغايات الَّتي وضعها الله للإنسان ليستهدفها في حياته، وهكذا جعل الله الصِّيام وسيلةً من وسائل تقوية الشخصيَّة الإسلامية الإنسانيَّة، وتقوية الإرداة المنفتحة على وعي المسؤوليَّة.

فالصوم ليس مجرَّد وسيلة تدريبيَّة لإرادة عمياء، ولكنَّه وسيلة تدريبيَّة لإرادة مفتوحة العينين في خطِّ الله، وهكذا كان هذا الصَّوم الصَّغير مقدِّمةً للصَّوم الكبير، فقد أرادنا الله أن نصوم عن كلِّ المحرَّمات، وأرادنا أن نصوم عن كلّ مواقع الذلِّ في حركة الحياة، وأن نصوم عن كلِّ حقدٍ وعداوةٍ وضغينةٍ وشرٍّ في مشاعرنا وعواطفنا وأحاسيسنا، وهكذا كانت مسؤوليّتنا في الصوم مسؤوليّةً تشمل كلَّ مواقعنا الإنسانيَّة الداخليَّة والخارجيَّة، وهي أن تكون لك إرادة البحث عن الحقيقة دون تعصّب، وإرادة السَّير في خطِّ الحقِّ دون خوف، وإرادة المواجهة لكلِّ الذين يقفون في وجه الرِّسالات دون ضعف، ولذلك كان شهر رمضان شهر الإسلام في مواقع القوَّة...

ونجاحك، أيّها الإنسان، في مسؤوليَّتك في شهر رمضان، يجعل هذه المسؤوليّة تتحرّك لتكون مسؤولية العام كلّه والعمر كلّه. فإذا التقيت بالله في شهر رمضان في مواقع القرب إليه، فحاول أن لا يبعدك الشيطان عنه، وإذا اقتربت من مواضع التَّعاون على البرّ والتقوى مع الآخرين، فلا تسمح للشَّيطان أن يدفعك بعيداً لتتعاون على الإثم والعدوان. وهكذا نجد أنَّه شهر المسؤولية وشهر القرب إلى الله، وشهر الرجوع إلى الله.

ولذلك، إذا كنت الإنسان الجادَّ في صيامك وقيامك، فإنَّها السّعادة، كلّ السعادة، عندما يقبلك الله، وإذا قبلك الله وأحسست بقبوله لك من خلال عقلك المنفتح عليه، وقلبك الخاشع بين يديه، وحياتك المتحركة في دربه، فهو العيد كلّ العيد: "إنَّما هو عيدٌ لِمَنْ قَبِلَ الله صيامَهُ وقيامَهُ".

وإذا أردت أن لا تجعل العيد يوماً في الزَّمن، فبإمكانك أن تعطي الزَّمن في كلّ أيامه وفي كلِّ لحظاته معنى العيد، فإذا كنت تحتفل في يومِ الفطر بأنَّك أطعت الله، فاليوم الثَّاني الذي تعيش فيه الطَّاعة وتبتعد فيه عن المعصية، هو يوم يمكن أن تحتفل به كعيد.

وبذلك يرتفع معنى العيدين في وجداننا وحياتنا، ليكون العيد طاعة الله، ولتكون مناسبة العيد مناسبة طاعة، وعند ذلك، تكون كلّ أيامنا أعياداً، عندما نطيع الله في صلاتنا، وعندما نطيعه في علاقاتنا، وعندما نطيعه في كلِّ معاملاتنا، وفي سياستنا واقتصادنا وأمننا وجهادنا في سبيل الله، عند ذلك، يمكن أن نعيش العيد في امتداد الزمن، وهكذا، لا يبقى العيد يوماً في السنة، ولكنَّه يمتدُّ ليكون سنةً في العمر، وعمراً في الوجود كلّه.

وهذا ما ينبغي لنا، أيّها الأحبة، أن نعيشه، وأن نفهم أنَّ العيد ليس لعباً ولا لهواً. وقد ورد في حديث مرويّ عن الإمام الحسين (ع)، وقد يروى عن غيره، والنَّبع واحد، والجوهر واحد، والوحي واحد، والأفق واحد: نظر إلى ناس في يوم فطر يلعبون ويضحكون، فقال لأصحابه: "إنَّ الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى رضوانه، فسبق فيه قومٌ ففازوا، وتخلّف قومٌ فخابوا، فالعجب، كلُّ العجب، من الضَّاحك اللَّاعب في اليوم الذي يُثاب فيه المحسنون، ويخيب فيه المقصِّرون"2.

فليكن فرحنا بثواب الله، وليكن حزننا من خلال ما حرّكناه لله، كما قال عليّ (ع) لابن عباس: "فلا يكن أفضل ما نلت نفسك من دنياك بلوغ لذَّةٍ أو شفاء وغيظ، ولكن إطفاء باطلٍ أو إحياء حقّ، وليكن سرورك بما قدَّمت، وأسفك على ما خلَّفت، وهمّك فيما بعد الموت"3...

*من كتاب "النَّدوة"، ج1.

[1]بحار الأنوار، العلَّامة المجلسي، ج 88، ص 136.

[2]بحار الأنوار، ج75، ص 110.

[3]نهج البلاغة، ج3، ص 127.

كان هذا الأسبوع أسبوع عيد الفطر المبارك، الّذي نرجو من الله سبحانه أن يعيده على المسلمين وهم أكثر إيماناً وإسلاماً ووعياً وحركيّةً وانفتاحاً على كلِّ قضايا الواقع ومتغيراته، وعلى كلّ مواضع القوَّة التي يملكونها ليزدادوا منها، وعلى كلِّ نقاط الضّعف التي يعيشونها ليتخفّفوا منها. وعندما نثير مسألة العيد، فقد نتساءل: ما هي فلسفته؟ وما هي آفاقه؟ فالعيد هو معنى إنساني، ونحن لا نجد أمَّةً من الأمم إلَّا ولها أعيادها الدينية والسياسية والاجتماعية، وقد أصبح لدينا تقليد جديد، وهي الأعياد الشخصيَّة، كعيد ميلاد الإنسان، وعيد زواجه، وما إلى ذلك...

وعندما نريد أن ندرس فكرة العيد، نرى أنّها تنطلق من مناسبة حيوية مهمَّةٍ، حيث يعيش الإنسان الفرح الكبير فيه، إمّا من خلال ما تحمله الذّكرى من أجواء فرح، وإمّا من خلال المناسبة الّتي تمنحه الفرح.

ولقد جاءت كلمة "العيد" في القرآن في الحوار بين عيسى وأصحابه حول المائدة الَّتي يمنحها الله لهم، ليعيشوا الفرح في معنى الكرامة الإلهيَّة، ولتكون مناسبةً يتذكّرونها ويخلّدونها مع الأجيال التي تلتزم نهجهم، وتعيش سرّ الكرامة في حركتهم وفي قاعدتهم، ولذلك طلبوا منه أن ينـزّل الله عليهم مائدةً من السَّماء {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا}[المائدة: 114]، أن تكون عيداً يحتفل به أوّلنا الّذي عاش الكرامة، ويحتفل به آخرنا الّذي يعيش من بركة هذه الكرامة.

وفي الإسلام عيدان بالمعنى المصطلح للعيد، هما "عيد الفطر" و"عيد الأضحى"، أمَّا الأعياد الأخرى التي تذكر، فهي تمثِّل الأعياد بالمعنى العام للعيد، لا بالمعنى الشّرعيّ له. فلنقف مع عيد الفطر، ونستوح سرَّ العيد فيه.

ولعلّ أفضل كلمة قيلت في معنى العيد، هي كلمة عليّ (ع): "إنَّما هو عيدٌ لمَنْ قَبِلَ اللهُ صيامَهُ وقيامَهُ"1؛ فلقد جاء في نهاية حركة مسؤولة عاشت في موسم معيَّن محمَّل بمختلف ألوان الروح، فيما يمكن أن يرتفع بالإنسان في عملية روحية إنسانية داخلية وخارجية، فشهر رمضان هو شهر الله الَّذي يفتح الله فيه باب رحمته ومغفرته ولطفه وعفوه وغفرانه للصَّائمين وللقائمين وللمجاهدين وللعاملين في مواقع رضاه؛ فهو شهر التَّوبة والمغفرة والرَّحمة، وهو شهر القبول، كما جاء عن الإمام زين العابدين (ع) في دعائه، وهو شهر الإسلام، ولذلك فقد حشد الله في هذا الشَّهر ما وزَّعه على بقية الشهور، فهو حمّام روح يدخله الإنسان ليغسل فيه عقله، فلا يبقى فيه إلَّا الحقّ، وليغسل فيه قلبه، فلا يبقى منه إلَّا الخير والمحبة، وليغسل فيه حياته، فلا يبقى فيها إلَّا ما يرضي الله في مواضع طاعته، وليغسل فيه أحلامه لتكون أحلاماً لا تبتعد عن إنسانيَّته في مواقع العبودية لله، وليغسل فيه أهدافه، فلا تكون إلَّا الأهداف التي تنفتح على الغايات الَّتي وضعها الله للإنسان ليستهدفها في حياته، وهكذا جعل الله الصِّيام وسيلةً من وسائل تقوية الشخصيَّة الإسلامية الإنسانيَّة، وتقوية الإرداة المنفتحة على وعي المسؤوليَّة.

فالصوم ليس مجرَّد وسيلة تدريبيَّة لإرادة عمياء، ولكنَّه وسيلة تدريبيَّة لإرادة مفتوحة العينين في خطِّ الله، وهكذا كان هذا الصَّوم الصَّغير مقدِّمةً للصَّوم الكبير، فقد أرادنا الله أن نصوم عن كلِّ المحرَّمات، وأرادنا أن نصوم عن كلّ مواقع الذلِّ في حركة الحياة، وأن نصوم عن كلِّ حقدٍ وعداوةٍ وضغينةٍ وشرٍّ في مشاعرنا وعواطفنا وأحاسيسنا، وهكذا كانت مسؤوليّتنا في الصوم مسؤوليّةً تشمل كلَّ مواقعنا الإنسانيَّة الداخليَّة والخارجيَّة، وهي أن تكون لك إرادة البحث عن الحقيقة دون تعصّب، وإرادة السَّير في خطِّ الحقِّ دون خوف، وإرادة المواجهة لكلِّ الذين يقفون في وجه الرِّسالات دون ضعف، ولذلك كان شهر رمضان شهر الإسلام في مواقع القوَّة...

ونجاحك، أيّها الإنسان، في مسؤوليَّتك في شهر رمضان، يجعل هذه المسؤوليّة تتحرّك لتكون مسؤولية العام كلّه والعمر كلّه. فإذا التقيت بالله في شهر رمضان في مواقع القرب إليه، فحاول أن لا يبعدك الشيطان عنه، وإذا اقتربت من مواضع التَّعاون على البرّ والتقوى مع الآخرين، فلا تسمح للشَّيطان أن يدفعك بعيداً لتتعاون على الإثم والعدوان. وهكذا نجد أنَّه شهر المسؤولية وشهر القرب إلى الله، وشهر الرجوع إلى الله.

ولذلك، إذا كنت الإنسان الجادَّ في صيامك وقيامك، فإنَّها السّعادة، كلّ السعادة، عندما يقبلك الله، وإذا قبلك الله وأحسست بقبوله لك من خلال عقلك المنفتح عليه، وقلبك الخاشع بين يديه، وحياتك المتحركة في دربه، فهو العيد كلّ العيد: "إنَّما هو عيدٌ لِمَنْ قَبِلَ الله صيامَهُ وقيامَهُ".

وإذا أردت أن لا تجعل العيد يوماً في الزَّمن، فبإمكانك أن تعطي الزَّمن في كلّ أيامه وفي كلِّ لحظاته معنى العيد، فإذا كنت تحتفل في يومِ الفطر بأنَّك أطعت الله، فاليوم الثَّاني الذي تعيش فيه الطَّاعة وتبتعد فيه عن المعصية، هو يوم يمكن أن تحتفل به كعيد.

وبذلك يرتفع معنى العيدين في وجداننا وحياتنا، ليكون العيد طاعة الله، ولتكون مناسبة العيد مناسبة طاعة، وعند ذلك، تكون كلّ أيامنا أعياداً، عندما نطيع الله في صلاتنا، وعندما نطيعه في علاقاتنا، وعندما نطيعه في كلِّ معاملاتنا، وفي سياستنا واقتصادنا وأمننا وجهادنا في سبيل الله، عند ذلك، يمكن أن نعيش العيد في امتداد الزمن، وهكذا، لا يبقى العيد يوماً في السنة، ولكنَّه يمتدُّ ليكون سنةً في العمر، وعمراً في الوجود كلّه.

وهذا ما ينبغي لنا، أيّها الأحبة، أن نعيشه، وأن نفهم أنَّ العيد ليس لعباً ولا لهواً. وقد ورد في حديث مرويّ عن الإمام الحسين (ع)، وقد يروى عن غيره، والنَّبع واحد، والجوهر واحد، والوحي واحد، والأفق واحد: نظر إلى ناس في يوم فطر يلعبون ويضحكون، فقال لأصحابه: "إنَّ الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى رضوانه، فسبق فيه قومٌ ففازوا، وتخلّف قومٌ فخابوا، فالعجب، كلُّ العجب، من الضَّاحك اللَّاعب في اليوم الذي يُثاب فيه المحسنون، ويخيب فيه المقصِّرون"2.

فليكن فرحنا بثواب الله، وليكن حزننا من خلال ما حرّكناه لله، كما قال عليّ (ع) لابن عباس: "فلا يكن أفضل ما نلت نفسك من دنياك بلوغ لذَّةٍ أو شفاء وغيظ، ولكن إطفاء باطلٍ أو إحياء حقّ، وليكن سرورك بما قدَّمت، وأسفك على ما خلَّفت، وهمّك فيما بعد الموت"3...

*من كتاب "النَّدوة"، ج1.

[1]بحار الأنوار، العلَّامة المجلسي، ج 88، ص 136.

[2]بحار الأنوار، ج75، ص 110.

[3]نهج البلاغة، ج3، ص 127.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية