العيد: الفرح الإنسانيّ الملتقي بالرّحمة الإلهيَّة والمسؤوليَّة

العيد: الفرح الإنسانيّ الملتقي بالرّحمة الإلهيَّة والمسؤوليَّة

يمثِّل عيد الفطر في المفهوم الإسلامي، الزّمن الَّذي تتجمّع فيه كلّ خلاصات جهد المؤمن، العباديّ والتأمليّ والحركيّ، الّذي بذله في شهر رمضان، ما يعني أنّ العيد في الوقت الذي يمثل الفرح الإنساني العفوي الملتقي بالرّحمة المضاعفة من الله عزّ وجلّ، يمثّل أعلى درجات المسؤوليّة، حيث ينطلق الإنسان منه ليحرّك نتائج التقوى في كلّ مجالات الحياة، ليكون الله تعالى حاضراً في كلّ فكر يختاره، وفي كلّ موقف تأييد أو رفض، وفي كلّ حركة فاعلة أو منفعلة، في الاجتماع، أو الاقتصاد، أو الثقافة، أو السياسة، أو الأمن، أو ما إلى ذلك، مما يقف فيه الإنسان ليختار بين الحقّ والباطل، بين العدل والظّلم، بين الصّلاح والفساد، بين خطّ الله وخطّ الشّيطان.

وبذلك، يبتعد العيد عن حالة الاستقالة من المسؤوليّة، بما تعنيه الاستقالة من الاستغراق في أجواء العبث اللاهي الّذي ينحرف بتوازن الشخصيّة، ليعيش الإنسان فرصة الفرح الروحي، الذي قد يتحرك في أجواء العبث البريء والمتوازن، الذي يلتقي فيه بالله في سموّ الرّوح، وبالقيم في حركة الحياة، وبالعدل في ميزان الموقف.

إننّا في هذا الموسم المبارك، ندعو المسلمين جميعاً إلى الاستفادة من المخزون الروحي الذي عاشوه في شهر رمضان، ليحرّكوه في كل قضاياهم، من خلال إرادتهم الصلبة التي أكّدها الصوم والصبر، لأنّ كل العبادات في الإسلام، يُراد لها أن تكون حركة غنى فاعل في صوغ الحياة على الصّورة التي يحبّها الله ويرضاها، فلا يمكن أن يكون المسلم صائماً بحقّ إذا سار مع الباطل، أو تحرك مع الظلم، أو صادم القيم والأخلاق.

ونحن في هذا المجال، نرى أنّ كثيراً من المواقف باتت تتحرّك في وجهة متنافرة مع خطّ العبادة في الإسلام، فليس هناك ما يمنع المسلم المصلّي من أن يتحرّك في خطّ الفحشاء والمنكر، مع أنّ الصّلاة شُرّعت لتنهى عنهما، وليس هناك ما يمنع أن يصوم الإنسان ولا يكون للتقوى في حياته أثر ولا عين، مع أنّ هدف الصّوم تقوى الله، وليس هناك ما يمنع من أن ينطلق الإنسان في حجّه في رحلة الوحدة الإنسانيّة إلى الله، وينطلق في الوقت نفسه لينشر الفتنة والفرقة بين المسلمين، وليس هناك ما يمنع من أن ينخرط المسلم في خطط المستكبرين ضدّ المستضعفين، والكافرين ضدّ من يتحرّكون في خطّ الاستقامة في الحياة.

إنّ رسالة الصّوم تمثِّل الحركة الذاتيّة لصنع الإرادة في الذّات، ولتجتمع الإرادات على مستوى الأمّة، لتصنع للأمّة عزّتها وكرامتها. ولذلك، لا يمكننا أن نفصل الصوم بمعناه العبادي عن الصوم بمعناه السياسي، الذي يمثِّل حركة في المسؤوليّة السياسيّة التي تحمي الأمّة ووحدتها وكيانها العام، كما أنّ العيد يمثِّل مناسبة للاحتفال بالقيام بهذه المسؤوليّة وحمل أعبائها على جميع المستويات.

ومن هنا، فإنّنا نريد للمسلمين أينما كانوا، أن يتحسّسوا مسؤوليّاتهم في العمل المستمرّ لصون وحدتهم الداخليّة، وعدم الانخراط في أيّ مشروع من شأنه أن يُحدث خللاً في العلاقات الداخليّة بين السُنّة والشيعة، أو بين الفئات المتعدّدة في العالم الإسلامي.

إنّني في الوقت الّذي أتطلّع إلى شبابنا المؤمن الواعي، أن يعيش قضاياه في الأمّة كلّها، وأن يتطلّع بروح الوعي والانفتاح إلى الآخر، سواء كان هذا الآخر يمثل اتجاهاً سياسياً، أو مذهبياً، أو عرقياً يختلف عنه.. إنّني ـ في الوقت عينه ـ أشدّد على الجميع أن يحترموا كياناتهم وأقطارهم، بما يعزّز حرياتها، ويصيغ علاقات وطنيّة إنسانيّة تعزّز تلاحم المذاهب والطوائف والأطياف الدينيّة والسياسيّة المتعدّدة.

إنّنا أمام هذه الهجمة الشّرسة التي تقودها دوائر إعلاميّة وسياسيّة وأمنيّة لتشويه صورة الإسلام في العالم، نؤكّد على المسلمين أن يتحرّكوا بشخصيّتهم الإسلاميّة قبل شخصيّتهم المذهبيّة، وأن ينطلقوا في خطّ حماية الإسلام كلّه، لا في خطّ حماية كياناتهم الذاتيّة فحسب، وخصوصاً أنّ دوائر الاستكبار تعمل لتدمير الإسلام وتشويه صورته؛ هذا التّشويه الّذي ساهمت فيه جهات إسلاميّة انخرطت في حركة العنف والتّكفير، فأصبحت تخدم الآخرين من حيث تدري أو لا تدري.

إنّنا مع إطلالة العيد، نريد للمسلمين، وخصوصاً في الكويت، أن يكونوا كالبنيان المرصوص، وأن يستمعوا إلى وصايا نبيّهم(ص) في أن يمثّلوا الجسد الواحد الّذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسّهر والحمى، وأن ينخرطوا في ورشة إعمار البلد، وإنعاش اقتصادهم، وتحمّل مسؤوليّاتهم حيال إخوتهم من العرب والمسلمين، لنشكّل موقعاً أساسيّاً للوحدة، وموضعاً بارزاً للتّضامن والوئام، فنحفظ أمّتنا، ونعمل بوصايا نبيّنا(ص)، ونرضي ربّنا، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[1].

*  مقال نشر في صحيفة "الأنباء" الكويتيّة، لمناسبة حلول عيد الفطر السعيد.


[1] (المطفّفين: 26)

يمثِّل عيد الفطر في المفهوم الإسلامي، الزّمن الَّذي تتجمّع فيه كلّ خلاصات جهد المؤمن، العباديّ والتأمليّ والحركيّ، الّذي بذله في شهر رمضان، ما يعني أنّ العيد في الوقت الذي يمثل الفرح الإنساني العفوي الملتقي بالرّحمة المضاعفة من الله عزّ وجلّ، يمثّل أعلى درجات المسؤوليّة، حيث ينطلق الإنسان منه ليحرّك نتائج التقوى في كلّ مجالات الحياة، ليكون الله تعالى حاضراً في كلّ فكر يختاره، وفي كلّ موقف تأييد أو رفض، وفي كلّ حركة فاعلة أو منفعلة، في الاجتماع، أو الاقتصاد، أو الثقافة، أو السياسة، أو الأمن، أو ما إلى ذلك، مما يقف فيه الإنسان ليختار بين الحقّ والباطل، بين العدل والظّلم، بين الصّلاح والفساد، بين خطّ الله وخطّ الشّيطان.

وبذلك، يبتعد العيد عن حالة الاستقالة من المسؤوليّة، بما تعنيه الاستقالة من الاستغراق في أجواء العبث اللاهي الّذي ينحرف بتوازن الشخصيّة، ليعيش الإنسان فرصة الفرح الروحي، الذي قد يتحرك في أجواء العبث البريء والمتوازن، الذي يلتقي فيه بالله في سموّ الرّوح، وبالقيم في حركة الحياة، وبالعدل في ميزان الموقف.

إننّا في هذا الموسم المبارك، ندعو المسلمين جميعاً إلى الاستفادة من المخزون الروحي الذي عاشوه في شهر رمضان، ليحرّكوه في كل قضاياهم، من خلال إرادتهم الصلبة التي أكّدها الصوم والصبر، لأنّ كل العبادات في الإسلام، يُراد لها أن تكون حركة غنى فاعل في صوغ الحياة على الصّورة التي يحبّها الله ويرضاها، فلا يمكن أن يكون المسلم صائماً بحقّ إذا سار مع الباطل، أو تحرك مع الظلم، أو صادم القيم والأخلاق.

ونحن في هذا المجال، نرى أنّ كثيراً من المواقف باتت تتحرّك في وجهة متنافرة مع خطّ العبادة في الإسلام، فليس هناك ما يمنع المسلم المصلّي من أن يتحرّك في خطّ الفحشاء والمنكر، مع أنّ الصّلاة شُرّعت لتنهى عنهما، وليس هناك ما يمنع أن يصوم الإنسان ولا يكون للتقوى في حياته أثر ولا عين، مع أنّ هدف الصّوم تقوى الله، وليس هناك ما يمنع من أن ينطلق الإنسان في حجّه في رحلة الوحدة الإنسانيّة إلى الله، وينطلق في الوقت نفسه لينشر الفتنة والفرقة بين المسلمين، وليس هناك ما يمنع من أن ينخرط المسلم في خطط المستكبرين ضدّ المستضعفين، والكافرين ضدّ من يتحرّكون في خطّ الاستقامة في الحياة.

إنّ رسالة الصّوم تمثِّل الحركة الذاتيّة لصنع الإرادة في الذّات، ولتجتمع الإرادات على مستوى الأمّة، لتصنع للأمّة عزّتها وكرامتها. ولذلك، لا يمكننا أن نفصل الصوم بمعناه العبادي عن الصوم بمعناه السياسي، الذي يمثِّل حركة في المسؤوليّة السياسيّة التي تحمي الأمّة ووحدتها وكيانها العام، كما أنّ العيد يمثِّل مناسبة للاحتفال بالقيام بهذه المسؤوليّة وحمل أعبائها على جميع المستويات.

ومن هنا، فإنّنا نريد للمسلمين أينما كانوا، أن يتحسّسوا مسؤوليّاتهم في العمل المستمرّ لصون وحدتهم الداخليّة، وعدم الانخراط في أيّ مشروع من شأنه أن يُحدث خللاً في العلاقات الداخليّة بين السُنّة والشيعة، أو بين الفئات المتعدّدة في العالم الإسلامي.

إنّني في الوقت الّذي أتطلّع إلى شبابنا المؤمن الواعي، أن يعيش قضاياه في الأمّة كلّها، وأن يتطلّع بروح الوعي والانفتاح إلى الآخر، سواء كان هذا الآخر يمثل اتجاهاً سياسياً، أو مذهبياً، أو عرقياً يختلف عنه.. إنّني ـ في الوقت عينه ـ أشدّد على الجميع أن يحترموا كياناتهم وأقطارهم، بما يعزّز حرياتها، ويصيغ علاقات وطنيّة إنسانيّة تعزّز تلاحم المذاهب والطوائف والأطياف الدينيّة والسياسيّة المتعدّدة.

إنّنا أمام هذه الهجمة الشّرسة التي تقودها دوائر إعلاميّة وسياسيّة وأمنيّة لتشويه صورة الإسلام في العالم، نؤكّد على المسلمين أن يتحرّكوا بشخصيّتهم الإسلاميّة قبل شخصيّتهم المذهبيّة، وأن ينطلقوا في خطّ حماية الإسلام كلّه، لا في خطّ حماية كياناتهم الذاتيّة فحسب، وخصوصاً أنّ دوائر الاستكبار تعمل لتدمير الإسلام وتشويه صورته؛ هذا التّشويه الّذي ساهمت فيه جهات إسلاميّة انخرطت في حركة العنف والتّكفير، فأصبحت تخدم الآخرين من حيث تدري أو لا تدري.

إنّنا مع إطلالة العيد، نريد للمسلمين، وخصوصاً في الكويت، أن يكونوا كالبنيان المرصوص، وأن يستمعوا إلى وصايا نبيّهم(ص) في أن يمثّلوا الجسد الواحد الّذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسّهر والحمى، وأن ينخرطوا في ورشة إعمار البلد، وإنعاش اقتصادهم، وتحمّل مسؤوليّاتهم حيال إخوتهم من العرب والمسلمين، لنشكّل موقعاً أساسيّاً للوحدة، وموضعاً بارزاً للتّضامن والوئام، فنحفظ أمّتنا، ونعمل بوصايا نبيّنا(ص)، ونرضي ربّنا، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[1].

*  مقال نشر في صحيفة "الأنباء" الكويتيّة، لمناسبة حلول عيد الفطر السعيد.


[1] (المطفّفين: 26)

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية