دينية
03/09/2013

لماذا الاختلاف بين المذاهب الإسلاميَّة حول الوضوء؟

لماذا الاختلاف بين المذاهب الإسلاميَّة حول الوضوء؟

استشارة..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تقول الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}[المائدة: 6].

يقوم المسلمون الشّيعة بالوضوء من المرافق إلى الأصابع، بعكس ما تخبر الآية الكريمة عن الاتجاه الواجب اتّباعه بقولها {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}، ثمَّ عن القدمين {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}. فما تفسير هذه الآية؟ وعلام استندنا في طريقة الوضوء؟

وجواب..

نورد فيما يلي مقاطع من "تفسير من وحي القرآن" للعلامة المرجع السيد محمد حسين السيد فضل الله(رض)، بخصوص تفسير الآية المذكورة:

"{فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ}، وحدّ الوجه يبدأ ـ في منطقة الطول ـ من قصاص الشّعر إلى طرف الذقن. أمَّا في منطقة العرض، فيتحدَّد بالمساحة الّتي يستوعبها إصبع الإبهام والوسطى في ما دارت عليه في الغسل، وهذا هو المفهوم العرفي لهذه الكلمة.

{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} والمقصود ـ حسب الظاهر ـ هو تحديد المساحة لليد من الأصابع إلى المرفق، في مقابل إطلاق كلمة اليد على ما يختص بالكفّ، وعلى ما يشمل الذراع والعضد حتَّى الكتف، وهذا ما ينبغي التنبيه إليه. أمَّا بداية الغسل ونهايته، فهو من الأمور الّتي تفرضها طبيعة الغسل في انتهائه بالمنطقة الّتي يجري فيها الماء إلى خارج الجسد، بدلاً من المنطقة الّتي يفيض فيها على الجسد مما هو غير متعارف في ممارسة النّاس للغسل العادي للجسد. وبناءً على ذلك، قال فقهاء الشيعة الإماميّة بوجوب الابتداء من المرفق والانتهاء بالأصابع، بينما ذهب غيرهم إلى جواز النكس بالابتداء من الأصابع والانتهاء بالمرافق.

{وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} اختلف في معنى الباء بين قائل بأنَّها للتبعيض، ما يدل على أنَّ المطلوب هو مسح بعض الرأس كما صرّحت به بعض النصوص المأثورة وأيّده بعض اللغويين، ويتَّفق هذا مع رأي الشيعة الإماميّة في وجوب مسح جزء من مقدّم الرأس، وكفاية مسح أقل ما يصدق عليه اسم المسح، وبين قائل بأنَّها للإلصاق ـ أي إلصاق المسح بالرأس ـ

وفي ضوء هذا، قال المالكيّة باستيعاب الرأس أو أكثره ـ على اختلاف الرِّواية عن مالك ـ وقال الحنفيّة: يجب مسح ربع الرأس، ولكن هذا التفسير للباء لا يتنافى مع رأي الإماميّة والشافعيّة في كفاية مسح جزءٍ من الرأس وإن قلّ، لصدق المسح للرأس في ذلك المقدار حسب الإطلاق العرفي.

{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} وهما العظمان الناتئان في ظهر القدم، وقيل إنِّهما عظمتا الساقين. وقد اختلف المفسرون في حقّ الرِّجلين في الوضوء؛ أهو المسح أم الغسل؟

فقال جمهور الفقهاء من أهل السنَّة بالغسل، وقالت الإماميّة بالمسح دون غيره، وبه قال عكرمة. وقد روي القول بالمسح عن جماعة من الصحابة والتابعين، كابن عباس وأنس وأبي العالية والشعبي، وقال الحسن البصري بالتخيير بين المسح والغسل، وإليه ذهب الطبري والجبائي، إلا أنَّهما قالا: يجب مسح جميع القدمين، ولا يجوز الاقتصار على مسح ظاهر القدم. وقال ناصر الحق من أئمة الزيديّة: يجب الجمع بين المسح والغسل.

وقد اعتمد فقهاء السنَّة على قراءة {وَأَرْجُلَكُمْ} بالنصب، لأنَّها بذلك تكون معطوفة على {وَأَيْدِيَكُمْ} دون {بِرُؤُوسِكُمْ} المجرورة بالباء. وقول القائلين بالمسح أساسه أنَّ العطف قد يكون على المحل كما يكون على اللفظ، والمفروض أنَّ {بِرُؤُوسِكُمْ} في محلّ نصب على المفعوليّة، فيكون العطف بالنصب عليها مبرّراً بحسب القواعد العربيّة، كما أنَّ هناك أكثر من قارئ قرأها بالنصب، مع ملاحظة أنَّ العطف على الأيدي لا مبرر له من ناحية بلاغة التعبير القرآني وفصاحته، وذلك لوجود الفاصل بين الأيدي والأرجل وهو قوله تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} ولو كانت معطوفة على الأيدي لقال: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وأرجلكم إلى الكعبين، ولم يفصل بينهما بمسح الرأس. وإذا كان ما ذكر جائزاً، فإنَّه خلاف الفصاحة القرآنيّة الّتي تجسد أعلى مستويات الفصاحة والبلاغة المعجزة.

إنَّ قراءة {وَأَرْجُلَكُمْ} بالنصب معطوفة على {وَأَيْدِيَكُمْ} يوجب القول بالغسل، وأمّا عطفها على {بِرُؤُوسِكُمْ} فيوجب المسح، سواء قرئت بالجر أو بالنصب.

وقد سئل أئمة أهل البيت(ع) عن وضوء رسول الله، كما جاء عن محمَّد بن يعقوب الكليني بإسناده عن زرارة وبكير، أنهما سألا أبا جعفر ـ محمَّداً الباقر(ع) ـ عن وضوء رسول الله(ص)، فدعا بطست أو تور فيه ماء، فغمس كفّه اليمنى، فغرف بها غرفة فصبَّها على جبهته، فغسل وجهه بها، ثُمَّ غمس كفَّه اليسرى فأفرغ على يده اليمنى، فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردُّها إلى المرفق، ثم غمس كفّه اليمنى، فأفرغ بها على ذراعه الأيسر من المرفق، وصنع بها كما صنع باليمنى، ومسح رأسه بفضل كفيه وقدميه ببلل كفّه لم يحدث ماءً جديداً، ثُمَّ قال: ولا يدخل(ص) أصابعه تحت الشراك، قالا: ثُمَّ قال: إنَّ الله يقول: {يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} فليس له أن يدع شيئاً من وجهه إلا غسله، وأمر أن يغسل اليدين إلى المرفقين، فليس له أن يدع من يديه إلى المرفقين شيئاً إلا غسله، لأنَّ الله يقول: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}، ثُم قال: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}".

***

مرسل الاستشارة: أيمن قاسم.

المجيب عن الاستشارة: تفسير من وحي القرآن، الجزء ، ص .

التاريخ: 27 تموز 2013م.

نوع الاستشارة: دينية.

استشارة..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تقول الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}[المائدة: 6].

يقوم المسلمون الشّيعة بالوضوء من المرافق إلى الأصابع، بعكس ما تخبر الآية الكريمة عن الاتجاه الواجب اتّباعه بقولها {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}، ثمَّ عن القدمين {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}. فما تفسير هذه الآية؟ وعلام استندنا في طريقة الوضوء؟

وجواب..

نورد فيما يلي مقاطع من "تفسير من وحي القرآن" للعلامة المرجع السيد محمد حسين السيد فضل الله(رض)، بخصوص تفسير الآية المذكورة:

"{فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ}، وحدّ الوجه يبدأ ـ في منطقة الطول ـ من قصاص الشّعر إلى طرف الذقن. أمَّا في منطقة العرض، فيتحدَّد بالمساحة الّتي يستوعبها إصبع الإبهام والوسطى في ما دارت عليه في الغسل، وهذا هو المفهوم العرفي لهذه الكلمة.

{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} والمقصود ـ حسب الظاهر ـ هو تحديد المساحة لليد من الأصابع إلى المرفق، في مقابل إطلاق كلمة اليد على ما يختص بالكفّ، وعلى ما يشمل الذراع والعضد حتَّى الكتف، وهذا ما ينبغي التنبيه إليه. أمَّا بداية الغسل ونهايته، فهو من الأمور الّتي تفرضها طبيعة الغسل في انتهائه بالمنطقة الّتي يجري فيها الماء إلى خارج الجسد، بدلاً من المنطقة الّتي يفيض فيها على الجسد مما هو غير متعارف في ممارسة النّاس للغسل العادي للجسد. وبناءً على ذلك، قال فقهاء الشيعة الإماميّة بوجوب الابتداء من المرفق والانتهاء بالأصابع، بينما ذهب غيرهم إلى جواز النكس بالابتداء من الأصابع والانتهاء بالمرافق.

{وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} اختلف في معنى الباء بين قائل بأنَّها للتبعيض، ما يدل على أنَّ المطلوب هو مسح بعض الرأس كما صرّحت به بعض النصوص المأثورة وأيّده بعض اللغويين، ويتَّفق هذا مع رأي الشيعة الإماميّة في وجوب مسح جزء من مقدّم الرأس، وكفاية مسح أقل ما يصدق عليه اسم المسح، وبين قائل بأنَّها للإلصاق ـ أي إلصاق المسح بالرأس ـ

وفي ضوء هذا، قال المالكيّة باستيعاب الرأس أو أكثره ـ على اختلاف الرِّواية عن مالك ـ وقال الحنفيّة: يجب مسح ربع الرأس، ولكن هذا التفسير للباء لا يتنافى مع رأي الإماميّة والشافعيّة في كفاية مسح جزءٍ من الرأس وإن قلّ، لصدق المسح للرأس في ذلك المقدار حسب الإطلاق العرفي.

{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} وهما العظمان الناتئان في ظهر القدم، وقيل إنِّهما عظمتا الساقين. وقد اختلف المفسرون في حقّ الرِّجلين في الوضوء؛ أهو المسح أم الغسل؟

فقال جمهور الفقهاء من أهل السنَّة بالغسل، وقالت الإماميّة بالمسح دون غيره، وبه قال عكرمة. وقد روي القول بالمسح عن جماعة من الصحابة والتابعين، كابن عباس وأنس وأبي العالية والشعبي، وقال الحسن البصري بالتخيير بين المسح والغسل، وإليه ذهب الطبري والجبائي، إلا أنَّهما قالا: يجب مسح جميع القدمين، ولا يجوز الاقتصار على مسح ظاهر القدم. وقال ناصر الحق من أئمة الزيديّة: يجب الجمع بين المسح والغسل.

وقد اعتمد فقهاء السنَّة على قراءة {وَأَرْجُلَكُمْ} بالنصب، لأنَّها بذلك تكون معطوفة على {وَأَيْدِيَكُمْ} دون {بِرُؤُوسِكُمْ} المجرورة بالباء. وقول القائلين بالمسح أساسه أنَّ العطف قد يكون على المحل كما يكون على اللفظ، والمفروض أنَّ {بِرُؤُوسِكُمْ} في محلّ نصب على المفعوليّة، فيكون العطف بالنصب عليها مبرّراً بحسب القواعد العربيّة، كما أنَّ هناك أكثر من قارئ قرأها بالنصب، مع ملاحظة أنَّ العطف على الأيدي لا مبرر له من ناحية بلاغة التعبير القرآني وفصاحته، وذلك لوجود الفاصل بين الأيدي والأرجل وهو قوله تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} ولو كانت معطوفة على الأيدي لقال: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وأرجلكم إلى الكعبين، ولم يفصل بينهما بمسح الرأس. وإذا كان ما ذكر جائزاً، فإنَّه خلاف الفصاحة القرآنيّة الّتي تجسد أعلى مستويات الفصاحة والبلاغة المعجزة.

إنَّ قراءة {وَأَرْجُلَكُمْ} بالنصب معطوفة على {وَأَيْدِيَكُمْ} يوجب القول بالغسل، وأمّا عطفها على {بِرُؤُوسِكُمْ} فيوجب المسح، سواء قرئت بالجر أو بالنصب.

وقد سئل أئمة أهل البيت(ع) عن وضوء رسول الله، كما جاء عن محمَّد بن يعقوب الكليني بإسناده عن زرارة وبكير، أنهما سألا أبا جعفر ـ محمَّداً الباقر(ع) ـ عن وضوء رسول الله(ص)، فدعا بطست أو تور فيه ماء، فغمس كفّه اليمنى، فغرف بها غرفة فصبَّها على جبهته، فغسل وجهه بها، ثُمَّ غمس كفَّه اليسرى فأفرغ على يده اليمنى، فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردُّها إلى المرفق، ثم غمس كفّه اليمنى، فأفرغ بها على ذراعه الأيسر من المرفق، وصنع بها كما صنع باليمنى، ومسح رأسه بفضل كفيه وقدميه ببلل كفّه لم يحدث ماءً جديداً، ثُمَّ قال: ولا يدخل(ص) أصابعه تحت الشراك، قالا: ثُمَّ قال: إنَّ الله يقول: {يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} فليس له أن يدع شيئاً من وجهه إلا غسله، وأمر أن يغسل اليدين إلى المرفقين، فليس له أن يدع من يديه إلى المرفقين شيئاً إلا غسله، لأنَّ الله يقول: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}، ثُم قال: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}".

***

مرسل الاستشارة: أيمن قاسم.

المجيب عن الاستشارة: تفسير من وحي القرآن، الجزء ، ص .

التاريخ: 27 تموز 2013م.

نوع الاستشارة: دينية.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية