استشارة..
أنا شابّة أعيش خارج بلادي في غير أجواء الشّيعه، وعند أوّل لقاء مع أيّ طرف كان من النّاس، يتبادر إلى ذهنهم مسألة عقد المتعة، وكأنَّ صورة الشّيعة أصبحت مقرونةً بهذا العقد الّذي أعتبره مسيئاً جدّاً لسمعتنا.
سؤالي هو: لماذا لا يحرم هذا العقد الّذي بات يوماً بعد يوم يبدو وكأنّه تمثّل بالغرب؟ وإذا كان هناك شروط محدَّدة، حسب ما قرأت في فتوى العلماء، فلماذا لا تخصّصون الفئة الّتي يحقّ لها ذلك، وبموجب ذلك نتفادى كلّ ما يسيء إلينا بسببه؟
وأريد أن أشير إلى أنّني قرأت في أحد كتب السيّد، أنّه يحلّل العقد بموجب شروط، ولكنّه لا يسمح لابنته بأن تقيم العقد، لأنّه على وجه التّأكيد يدرك أنّ الفتاة تعيش في مجتمع لا أخلاقيّ!
ما هو الحلّ في رأيكم؟ كيف نمنع فتياتنا من الزّواج المؤقّت؟ وكيف أدافع كفتاة شيعيّة عن مذهبي؟
وجواب..
في كلّ مذهب فتاوى وعقائد هي مثار استغراب وانتقاد وتشنيع علماء وأتباع المذاهب الأخرى، ولا شكّ في أنّ منطق الأخوّة الإسلامي القائم على قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: 10]، يوجب علينا كأمّة أن يحترم كلّ مذهب مواقف المذهب الآخر وآراءه وعقائده، وخصوصاً في هذه الأيّام الّتي كثرت فيها الفتن، وصرنا أحوج ما نكون إلى احترام الرّأي الآخر، والتوحّد على قضايانا المصيريّة، والوقوف صفّاً واحداً في مواجهة الأعداء. والمؤسف أنّ الكثيرين ممن ينتقدون الزّواج المؤقّت لا يعرفون عنه شيئاً، ويظنّون أنّه نوع من الإباحيّة، وأنّ الشّيعة يمارسونه كما يمارسون الطّعام والشّراب، وخصوصاً حين يستمعون إلى دعاة الفتنة الّذين يستخدمون أسلوب التّضليل والتّشنيع ضدّ المذاهب الأخرى. والواقع أنّنا حين نطّلع على أحكام هذا الزّواج، نجد أنّه زواج جدّيّ ومسؤول، وتتوافر فيه جميع عناصر الزّواج الدّائم، ما عدا أموراً بسيطة، كما أنّ أموراً أخرى عديدة هي مورد تساؤل وإشكال في ديننا عموماً، حيث إنّ الكثيرين يستغربون تشريع الإسلام لتعدّد الزّوجات، وكون الطّلاق بيد الرّجل وحده، وكونه القيّم على الأسرة، وجواز قيامه بضرب المرأة إذا نشزت، وتشريع قطع يد السّارق ورجم الزّاني، وغير ذلك، وهي أمور ليست أقلّ إشكالاً من مسألة الزّواج المؤقّت، الأمر الّذي يدفعنا إلى ضرورة الاطّلاع على ديننا الحنيف، والتعرّف إلى مفاهيمه السّديدة الرائعة، كي يكون إيماننا به قائماً على الوعي والعلم.
ومن جهة أخرى، فإنّ بعض السلبيّات الّتي قد تترتّب على ممارسة النّاس لبعض أحكام الشّريعة، لا تعني أنّ التّشريع نفسه غير جيّد، بل تعني أنّ على النّاس أن يلتزموا الورع والتّقوى والأخلاق الفاضلة في علاقاتهم، كما تعني أنّ علينا أن لا نغفل أهميّة وجود سلطة إسلاميّة وحكم إسلامي عادل يحرص ويسهر على تطبيق الشّريعة بطريقة سليمة.
وفيما يلي، فكرة عامّة عن الزّواج المؤقّت ومشروعيّته، عساها تساهم في إزاحة قدر كبير من الشّبهة، فنقول: لقد أجمع المسلمون على تشريع زواج المتعة، بل وتضافرت الأحاديث على العمل به في زمن النّبيّ(ص)، وفي تمام عهد خلافة أبي بكر، وفي جزء من عهد خلافة عمر، ثم استقرّ الرّأي الفقهيّ عند غير الشّيعة الإماميّة من المذاهب الفقهيّة على تحريمه، في حين ظلّ الشّيعة على القول بحلّيته. وزواج المتعة يسمّى الزّواج المؤقّت أو المنقطع، وذلك لأنّ له وقتاً معيّناً ينتهي فيه بدون طلاق، بخلاف الزّواج العاديّ المسمّى "الدّائم"، فإنّه لم يحدّد له وقت خاصّ، فيستمرّ ولا ينتهي إلا بالطّلاق. وهذا الزّواج يشبه الزّواج الدّائم في كثير من أموره، ويختلف عنه بما يلي:
أوّلاً: يجب أن يذكر في صيغة العقد المهر والمدّة، والصّيغة هي:
أن تقول المرأة: زوّجتك نفسي بمهر قدره (...) لمدّة (...)، فيقول الرّجل: قبلت.
ثانياً:ينتهي هذا الزّواج بانتهاء مدّته المحدّدة في العقد بدون حاجة إلى طلاق.
ثالثاً: يجب على المرأة المدخول بها أن تعتدّ من علاقتها السّابقة إذا أرادت التزوّج بشخص آخر، وعدّتها هي مضيّ حيضتين عليها بعد انتهاء مدّة عقدها السّابق. وعليه، فإنّه لا يحلّ لها التزوّج من شخص آخر إلا بعد مضيّ عدّتها، أمّا مع عدم الدّخول، فلا عدّة عليها، ولها أن تعقد على غيره مباشرة.
رابعاً: لا يلزم الرّجل بالإنفاق عليها خلال فترة العقد إلا إذا اشترطت عليه ذلك.
خامساً: لا يرث أحدهما الآخر إن حدثت الوفاة خلال فترة الزّواج. ومن جهة أخرى، فإنّه لو رغب الزّوج بمفارقة زوجته قبل انتهاء المدّة، فإنّ له أن يهبها ما بقي من المدّة بقوله: (وهبتك المدّة)، فتنفصل عنه وينتهي أثر العقد. كما أنّه لو رغب الرّجل بتجديد العقد على المرأة بعد انتهاء المدّة، فلا عدّة عليها منه، ويكفيها ذكر صيغة العقد ليعودا زوجين.
هذا ولا بدّ من التّنبيه، إلى أنّه لا يصحّ للمسلمة أن تتزوّج من غير المسلم، كما أنّه لا يحلّ للمسلم التزوّج من المرأة الوثنيّة، بل لا بدّ من أن تكون مسلمة أو من أهل الكتاب من اليهود والنّصارى. أمّا التزوّج من البكر الرّشيدة دون إذن وليّها، فهو صحيح ، لكنّ الأفضل تركه، لما فيه من ضرر معنويّ على مستقبل الفتاة، وإن حدث، فالأفضل تجنّب الدّخول.
صاحبة الاستشارة: ...
نوعها: دينية.
المجيب عنها: عضو المكتب الشّرعي لسماحة المرجع السيّد فضل الله، الشّيخ محسن عطوي.
تاريخ الاستشارة: 26/06/2013.