دراسات
05/01/2014

لا قوّة للمسلمين إلا بالوحدة.. والفتنة خيانة لله ورسوله

لا قوّة للمسلمين إلا بالوحدة.. والفتنة خيانة لله ورسوله

المرجع فضل الله(رض) في ذكرى ولادة الرَّسول(ص):

لا قوّة للمسلمين إلا بالوحدة.. والفتنة خيانة لله ورسوله


من أكثر المواضيع الّتي تردّدت على لسان العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، موضوع الوحدة الإسلاميّة، بل لعلّه الموضوع الأهمّ في سنوات حياته الأخيرة، حتّى إنَّه قبل ساعات من ارتحاله إلى بارئه سبحانه وتعالى، دعا للوحدة، وكأنَّه كان يستشرف المخطّطات الاستكباريّة في العمل لتفرقة المسلمين وإثارة الفتنة بينهم، وهذا ما نشهده هذه الأيّام، وهو ـ للأسف ـ في تصاعد مستمرّ، في ظلّ غياب العقلاء في الأمّة.

ونستعرض في هذا المقال مواقف قالها سماحته على مدى سنين عديدة ، وكلها في ذكرى ولادة الرسول (ص)  لعدّة سنوات، ففي خطبة الجمعة في 11 ربيع الأوَّل 1420هـ / 25-6-1999م، قال:

مسؤوليّتنا الإسلاميّة
"إنّنا نعيش في هذه الأيّام ذكرى مولد الرّسول الأعظم محمد(ص)، فالمولد هو في الثّاني عشر من شهر ربيع الأوّل، حسب المشهور عند إخواننا من أهل السنّة، كما ذهب إليه من علماء الشيعة الشّيخ الكليني في كتابه "الكافي"، أو هو في السّابع عشر من شهر ربيع الأوّل، وهو المشهور عند علماء الشّيعة. ومهما يكن، فإنّ رسول الله(ص) بكلّه هو تاريخنا، ليس رسول الله محصوراً في زمن، بل له التّاريخ كلّه، لأنّه هو الّذي صنع لنا التّاريخ من خلال رسالته وجهاده وكلّ المعاناة الّتي عاناها في سبيل أن يبلّغ الرّسالة، وأن يبعث الأمّة ويعلّمها الكتاب والحكمة ويزكّيها ويهديها إلى الصّراط المستقيم".
وتابع: "ونحن في ذكرى رسول الله (ص)، لا بدّ لنا من أن نقف وقفة تأمّل، لنفكّر ما هي مسؤوليّتنا أمام رسول الله(ص)، وكيف يمكن لنا أن نؤكّد في حياتنا التزامنا به، باعتبار أنّ الله تعالى أرسله إلى النّاس كافّة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}[سبأ: 28]، إلى النّاس الّذين كانوا معه في مرحلته، وإلى النّاس الّذين جاؤوا من بعده، فالرّسول مات، ولكنّه باق في رسالته، وعلى الّذين يلتزمون رسالته أن يتابعوها فكراً يلتزمون به، ودعوة يدعون إليها، وعملاً يعملون به".

قوّة المسلمين بوحدتهم
وفي خطبة صلاة الجمعة 11 ربيع الأوّل 1428 هـ/ 30 -03- 2007م]، قال سماحته:
"في مولد رسول الله(ص)، علينا أن نحفظ رسول الله بالإسلام، وعلينا أن نشعر بمسؤوليّتنا عن الإسلام كلّه، وقد قال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ}[آل عمران: 144]، فلا تنطلقوا يميناً ولا شمالاً ليأخذ أحدكم غير الإسلام ديناً، لأنّه لن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.. وعلينا أن نحافظ على وحدة المسلمين حتّى لو اختلفنا في مذاهبنا واجتهاداتنا وفي كثير من خصوصيّاتنا، لأنّ علينا أن نلتقي على ما اتّفقنا عليه، ونُرجع إلى الله والرّسول ما اختلفنا فيه، فلا تتسابّوا وتتلاعنوا، ولا تحقدوا على بعضكم البعض، ولا تجعلوا للكافرين والمستكبرين الفرصة للنّفاذ إلى داخلكم، لأنّ الله جعلنا إخوة، فإذا اختلف الأخوة فأصلحوا بينهم. هذا هو نداء رسول الله لنا في هذا المولد، وعلينا أن نستجيب لندائه...".
وشدَّد سماحته على أنّ الوحدة هي من أهمّ شروط إعداد القوّة، قائلاً: "ومن أوّل شروط القوّة ـ أيّها الشّباب.. أيّها المؤمنون ـ أن لا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، أن لا تسمحوا لأيّ شخص أن يوجد الفتنة بينكم، ليكن لكلّ إنسان وجهة نظر، لا أن يلغي بعضنا بعضاً عندما نختلف بالفكرة، لأنّ هذا ليس شأن المؤمنين المسلمين، والله تعالى يأمرنا عندما نختلف في شيء، أن نردّه إليه وإلى الرّسول، لا أن نردّه إلى عصبيّاتنا وأنانيّاتنا وذاتيّاتنا، وإلى كلّ الشّياطين المتجمّعة في نفوسنا من خلال عصبيّاتنا العائليّة والحزبيّة والطائفيّة".

واعتبر أنّه  "حتَّى لو اختلفنا في المذاهب، فإنّ علينا أن نتّحد بالله وبرسوله، ثم نتحاور، والله تعالى أمرنا أن لا نجادل أهل الكتاب ـ وهم اليهود والنّصارى ـ إلا بالّتي هي أحسن، إلا الّذين ظلموا منهم، وأمرنا أن نقف معهم على الكلمة السّواء، فكيف بالعلاقة بين المسلمين؟ ومشكلتنا هي هذه العقليّة الّتي ورثناها من عصور التخلّف، وهي أنّنا نبحث عن الفواصل الّتي تفصل بيننا، ولا نبحث عن الجوامع الّتي تجمع بيننا، وكأنّنا معنيّون بالتّقسيم، حتّى وصلنا إلى أن يقسّم الإنسان نفسه، فيعيش الازدواجيّة داخل نفسه.[ 16ربيع الأوّل 1422 هـ /8-6-2001م].

حفظ الواقع الإسلاميّ
وأكّد سماحته أنّ "علينا أن نحفظ الواقع الإسلاميّ، وفي مقدّمه الوحدة الإسلاميّة، بحيث نعمل جميعاً على أساس توحيد كلمة المسلمين، لأنّ الأعداء من الكافرين والمستكبرين يستغلّون الاختلافات العدوانيّة الّتي يعادي فيها المسلمون بعضهم بعضاً، فيكفّرون بعضهم بعضاً، وهذا هو ما نعيشه الآن، والّذي يتدخّل فيه الجهل من جهة، والتخلّف من جهة أخرى، وخطط أعداء الله من المستكبرين بواسطة الأجهزة المخابراتيّة. فنحن نلاحظ أنّ هناك أصواتاً تصدر عن بعض مشايخ السنّة بتكفير الشّيعة واعتبارهم من المشركين، كما تصدر أصواتٌ عن بعض الشّيعة بتكفير السنّة، وتصل المسألة إلى داخل المذاهب ليكفّروا ويضلّلوا بعضهم البعض، إلى أن وصلت المسألة إلى أنّ بعض المسلمين يعتبرون أنّ غير المسلم أفضل من المسلم من غير مذهبه. وهذا هو الواقع الّذي أضعف المسلمين.

وأضاف:  "لقد قلت لكم مراراً: إنّ معنى الوحدة الإسلاميّة لا تعني أن يتنازل الشيعي عن شيعيّته، أو يتنازل السنّي عن سنيّته، بل أن نلتقي على ما اتّفقنا عليه ونتحاور فيما اختلفنا فيه، وهذه الاختلافات نجدها في داخل المذهب الواحد. وإذا كان الأساس في الاختلاف هو مسألة الولاية، فتعالوا نلاحظ كيف تعاطى عليّ(ع) مع هذه المسألة ـ وهو صاحب الحقّ ـ وإنّني أقول إنّ رائد الوحدة الإسلاميّة هو عليّ(ع)، الّذي قال: "لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جور إلا عليّ خاصة"، لأنّ الإمام عليّ(ع) كان يعتبر نفسه المسؤول عن وحدة الإسلام وحمايته، وإذا كنّا نوالي عليّاً(ع)، فإنّ الموالاة لعليّ هي بالالتزام بخطّ أهل البيت(ع) وحفظ الإسلام، ولا سيّما في هذه الظّروف الصّعبة التي برز فيها الكفر كلّه إلى الإسلام كلّه". [خطبة صلاة الجمعة: 12 ربيع الأوّل 1423 هـ / 24-05-2002م.]

خيار لا بدّ منه
كما قال في موضع آخر: "لقد وصلنا إلى العصر الّذي قال فيه رسول الله(ص) مخاطباً المسلمين: «ستتداعى عليكم الأمم تداعي الأكلة على قصعتها»، لذلك علينا أن نتمسَّك بالوحدة، لأنّ الوحدة الإسلاميّة هي خيار الإسلام كلّه وخيار المسلمين كلّهم، فلا نعطي أيّ اهتمام أو مبالاة لكلّ الّذين يصنعون الفتنة، هؤلاء الّذين يكفّرون المسلمين ويستحلّون دماءهم، ويضلّلونهم ويعلّمونهم أن يسبّ بعضهم بعضاً، وأن يلعن بعضهم مقدّسات بعض، لتثور الفتنة هنا والحرب هناك وتسفك الدماء. إنّ الكافرين والمستكبرين في العالم يعملون على أساس تمزيق الواقع الإسلاميّ، ليستولوا على مقدّرات المسلمين السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة والثقافيّة. فلنكن صفّاً واحداً كما أحبّنا تعالى أن نكون: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}(الصفّ: 4)." [13 ربيع الأوّل 1426 هـ / 22-04-2005م].

وأضاف: "وقد ذكرت كتب السّيرة، أنّ اليهود الّذين كانوا يعيشون مع المسلمين في المدينة، تعقّدوا من وحدة المسلمين، بعد أن كان أهلها من الأنصار من عشيرتي الأوس والخزرج يتقاتلون لعشرات السّنين، وأراد اليهود أن يثيروا العصبيّات فيما بين العشيرتين، بعد أن أسقط الإسلام كلّ حميّة تنطلق من الجاهليّة، وجمعهم على الإسلام، فبدأ اليهود بإثارة كلّ الأوضاع التاريخيّة المعقّدة بينهما، وانطلقت هذه العصبيّة من خلال بعض نقاط الضّعف فيهما، حتّى تعاظمت العصبيّة وتنادوا: "السلاح، السلاح"، وجاء الخبر إلى رسول الله(ص): "أدرك المسلمين"، لأنّ هناك خطر الانقسام والفتنة بينهم، فجاء النبيّ(ص) وخاطبهم بكلّ وداعة ورحمة ومحبّة، وقال لهم وهو يؤنّبهم بكلّ محبّة: "أكفراً بعد إيمان؟!"، لقد آمنتم بالله ورسوله، وانطلقتم بوحدة إيمانيّة رساليّة، وتحرّكتم مع النبيّ لتتبعوا النّور الّذي أُنزل معه، لتشرق عقولكم وقلوبكم وعلاقاتكم في إشراقة المحبّة والرّحمة والوحدة. وعندما رأوا هذا الموقف من النبيّ(ص) في كلّ خطابه النبويّ الأبويّ الرّساليّ، اعتذروا إليه، وأنزل الله تعالى هذه الآية: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(آل عمران: 103)".

وتابع: "ووقف النبيّ(ص) في حجّة الوداع في منى، وقال لهم: "أيّ بلد هذا؟"، قالوا: البلد الحرام، قال: "فأيّ يوم هو هذا؟"، قالوا: اليوم الحرام، فقال: "فأيّ شهر هو هذا؟"، قالوا: الشَّهر الحرام، فقال: "إنّ الله حرّم أموالكم ودماءكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا"، "ألا لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض". لقد أراد النبيّ(ص)أن يصنع أمّة مسلمة يحترم فيها المسلم مال المسلم الآخر ودمه وعرضه وأمنه، ليكونوا قوّة في وجه الّذين يكيدون للإسلام وأهله، وهذا ما أراد الله للأمّة كلّها في جميع مراحلها التاريخيّة أن تلتزم به، حتّى ورد أنّ المسلم هو من سلم النّاس من يده ولسانه، وأنّ المؤمن من ائتمنه النّاس على أموالهم وأعراضهم".

أمانة في أعناق المسلمين
وخلص إلى أنّ "علينا في هذه الذّكرى أن نتوحّد بالله الواحد، والرّسول الواحد، والشريعة الواحدة، والقرآن الواحد، وأن نتوحّد بالمستقبل الواحد. إنّ رسول الله يقول لكم وهو في عليائه: إنّ الإسلام هو أمانة الله في أعناقكم، وعليكم أن لا تخونوا الله والرّسول. إنّ كلّ من يثير الفتنة بين الشيعة أنفسهم، وبين السنّة أنفسهم، وبين السنّة والشّيعة، هو خائن لله وخائن لرسول الله. إنّ علينا أن ننطلق في احتفالنا بمولد النبيّ(ص) من خلال الوحدة، لنقول له: يا رسول الله، لقد وحّدتنا بالإسلام، ونريد منك أن تدعو الله وأنت في عليائك، أن يوفّقنا للسّير في خطّ هذه الوحدة".

هذا بعضٌ مما ورد من كلمات سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، الّذي عاش حياته كلّها من أجل الإسلام، وفي سبيل انطلاقة الأمّة الواعية والعقلانيَّة، بعيداً عن التخلّف والجهل والعصبيّة، وكان يدعو دائماً الى التبصّر بالأمور، وقراءة ما بين السّطور. فهل سنسير في خطّ الوحدة الّذي دعانا إليه، خطّ الإسلام الأصيل، أم سنسير في طريق الفتنة الّتي لا تبقي ولا تذر، ونكون مصداقاً لما روي عن رسول الله(ص): "لا ترجعنّ بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"؟!

المرجع فضل الله(رض) في ذكرى ولادة الرَّسول(ص):

لا قوّة للمسلمين إلا بالوحدة.. والفتنة خيانة لله ورسوله


من أكثر المواضيع الّتي تردّدت على لسان العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، موضوع الوحدة الإسلاميّة، بل لعلّه الموضوع الأهمّ في سنوات حياته الأخيرة، حتّى إنَّه قبل ساعات من ارتحاله إلى بارئه سبحانه وتعالى، دعا للوحدة، وكأنَّه كان يستشرف المخطّطات الاستكباريّة في العمل لتفرقة المسلمين وإثارة الفتنة بينهم، وهذا ما نشهده هذه الأيّام، وهو ـ للأسف ـ في تصاعد مستمرّ، في ظلّ غياب العقلاء في الأمّة.

ونستعرض في هذا المقال مواقف قالها سماحته على مدى سنين عديدة ، وكلها في ذكرى ولادة الرسول (ص)  لعدّة سنوات، ففي خطبة الجمعة في 11 ربيع الأوَّل 1420هـ / 25-6-1999م، قال:

مسؤوليّتنا الإسلاميّة
"إنّنا نعيش في هذه الأيّام ذكرى مولد الرّسول الأعظم محمد(ص)، فالمولد هو في الثّاني عشر من شهر ربيع الأوّل، حسب المشهور عند إخواننا من أهل السنّة، كما ذهب إليه من علماء الشيعة الشّيخ الكليني في كتابه "الكافي"، أو هو في السّابع عشر من شهر ربيع الأوّل، وهو المشهور عند علماء الشّيعة. ومهما يكن، فإنّ رسول الله(ص) بكلّه هو تاريخنا، ليس رسول الله محصوراً في زمن، بل له التّاريخ كلّه، لأنّه هو الّذي صنع لنا التّاريخ من خلال رسالته وجهاده وكلّ المعاناة الّتي عاناها في سبيل أن يبلّغ الرّسالة، وأن يبعث الأمّة ويعلّمها الكتاب والحكمة ويزكّيها ويهديها إلى الصّراط المستقيم".
وتابع: "ونحن في ذكرى رسول الله (ص)، لا بدّ لنا من أن نقف وقفة تأمّل، لنفكّر ما هي مسؤوليّتنا أمام رسول الله(ص)، وكيف يمكن لنا أن نؤكّد في حياتنا التزامنا به، باعتبار أنّ الله تعالى أرسله إلى النّاس كافّة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}[سبأ: 28]، إلى النّاس الّذين كانوا معه في مرحلته، وإلى النّاس الّذين جاؤوا من بعده، فالرّسول مات، ولكنّه باق في رسالته، وعلى الّذين يلتزمون رسالته أن يتابعوها فكراً يلتزمون به، ودعوة يدعون إليها، وعملاً يعملون به".

قوّة المسلمين بوحدتهم
وفي خطبة صلاة الجمعة 11 ربيع الأوّل 1428 هـ/ 30 -03- 2007م]، قال سماحته:
"في مولد رسول الله(ص)، علينا أن نحفظ رسول الله بالإسلام، وعلينا أن نشعر بمسؤوليّتنا عن الإسلام كلّه، وقد قال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ}[آل عمران: 144]، فلا تنطلقوا يميناً ولا شمالاً ليأخذ أحدكم غير الإسلام ديناً، لأنّه لن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.. وعلينا أن نحافظ على وحدة المسلمين حتّى لو اختلفنا في مذاهبنا واجتهاداتنا وفي كثير من خصوصيّاتنا، لأنّ علينا أن نلتقي على ما اتّفقنا عليه، ونُرجع إلى الله والرّسول ما اختلفنا فيه، فلا تتسابّوا وتتلاعنوا، ولا تحقدوا على بعضكم البعض، ولا تجعلوا للكافرين والمستكبرين الفرصة للنّفاذ إلى داخلكم، لأنّ الله جعلنا إخوة، فإذا اختلف الأخوة فأصلحوا بينهم. هذا هو نداء رسول الله لنا في هذا المولد، وعلينا أن نستجيب لندائه...".
وشدَّد سماحته على أنّ الوحدة هي من أهمّ شروط إعداد القوّة، قائلاً: "ومن أوّل شروط القوّة ـ أيّها الشّباب.. أيّها المؤمنون ـ أن لا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، أن لا تسمحوا لأيّ شخص أن يوجد الفتنة بينكم، ليكن لكلّ إنسان وجهة نظر، لا أن يلغي بعضنا بعضاً عندما نختلف بالفكرة، لأنّ هذا ليس شأن المؤمنين المسلمين، والله تعالى يأمرنا عندما نختلف في شيء، أن نردّه إليه وإلى الرّسول، لا أن نردّه إلى عصبيّاتنا وأنانيّاتنا وذاتيّاتنا، وإلى كلّ الشّياطين المتجمّعة في نفوسنا من خلال عصبيّاتنا العائليّة والحزبيّة والطائفيّة".

واعتبر أنّه  "حتَّى لو اختلفنا في المذاهب، فإنّ علينا أن نتّحد بالله وبرسوله، ثم نتحاور، والله تعالى أمرنا أن لا نجادل أهل الكتاب ـ وهم اليهود والنّصارى ـ إلا بالّتي هي أحسن، إلا الّذين ظلموا منهم، وأمرنا أن نقف معهم على الكلمة السّواء، فكيف بالعلاقة بين المسلمين؟ ومشكلتنا هي هذه العقليّة الّتي ورثناها من عصور التخلّف، وهي أنّنا نبحث عن الفواصل الّتي تفصل بيننا، ولا نبحث عن الجوامع الّتي تجمع بيننا، وكأنّنا معنيّون بالتّقسيم، حتّى وصلنا إلى أن يقسّم الإنسان نفسه، فيعيش الازدواجيّة داخل نفسه.[ 16ربيع الأوّل 1422 هـ /8-6-2001م].

حفظ الواقع الإسلاميّ
وأكّد سماحته أنّ "علينا أن نحفظ الواقع الإسلاميّ، وفي مقدّمه الوحدة الإسلاميّة، بحيث نعمل جميعاً على أساس توحيد كلمة المسلمين، لأنّ الأعداء من الكافرين والمستكبرين يستغلّون الاختلافات العدوانيّة الّتي يعادي فيها المسلمون بعضهم بعضاً، فيكفّرون بعضهم بعضاً، وهذا هو ما نعيشه الآن، والّذي يتدخّل فيه الجهل من جهة، والتخلّف من جهة أخرى، وخطط أعداء الله من المستكبرين بواسطة الأجهزة المخابراتيّة. فنحن نلاحظ أنّ هناك أصواتاً تصدر عن بعض مشايخ السنّة بتكفير الشّيعة واعتبارهم من المشركين، كما تصدر أصواتٌ عن بعض الشّيعة بتكفير السنّة، وتصل المسألة إلى داخل المذاهب ليكفّروا ويضلّلوا بعضهم البعض، إلى أن وصلت المسألة إلى أنّ بعض المسلمين يعتبرون أنّ غير المسلم أفضل من المسلم من غير مذهبه. وهذا هو الواقع الّذي أضعف المسلمين.

وأضاف:  "لقد قلت لكم مراراً: إنّ معنى الوحدة الإسلاميّة لا تعني أن يتنازل الشيعي عن شيعيّته، أو يتنازل السنّي عن سنيّته، بل أن نلتقي على ما اتّفقنا عليه ونتحاور فيما اختلفنا فيه، وهذه الاختلافات نجدها في داخل المذهب الواحد. وإذا كان الأساس في الاختلاف هو مسألة الولاية، فتعالوا نلاحظ كيف تعاطى عليّ(ع) مع هذه المسألة ـ وهو صاحب الحقّ ـ وإنّني أقول إنّ رائد الوحدة الإسلاميّة هو عليّ(ع)، الّذي قال: "لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جور إلا عليّ خاصة"، لأنّ الإمام عليّ(ع) كان يعتبر نفسه المسؤول عن وحدة الإسلام وحمايته، وإذا كنّا نوالي عليّاً(ع)، فإنّ الموالاة لعليّ هي بالالتزام بخطّ أهل البيت(ع) وحفظ الإسلام، ولا سيّما في هذه الظّروف الصّعبة التي برز فيها الكفر كلّه إلى الإسلام كلّه". [خطبة صلاة الجمعة: 12 ربيع الأوّل 1423 هـ / 24-05-2002م.]

خيار لا بدّ منه
كما قال في موضع آخر: "لقد وصلنا إلى العصر الّذي قال فيه رسول الله(ص) مخاطباً المسلمين: «ستتداعى عليكم الأمم تداعي الأكلة على قصعتها»، لذلك علينا أن نتمسَّك بالوحدة، لأنّ الوحدة الإسلاميّة هي خيار الإسلام كلّه وخيار المسلمين كلّهم، فلا نعطي أيّ اهتمام أو مبالاة لكلّ الّذين يصنعون الفتنة، هؤلاء الّذين يكفّرون المسلمين ويستحلّون دماءهم، ويضلّلونهم ويعلّمونهم أن يسبّ بعضهم بعضاً، وأن يلعن بعضهم مقدّسات بعض، لتثور الفتنة هنا والحرب هناك وتسفك الدماء. إنّ الكافرين والمستكبرين في العالم يعملون على أساس تمزيق الواقع الإسلاميّ، ليستولوا على مقدّرات المسلمين السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة والثقافيّة. فلنكن صفّاً واحداً كما أحبّنا تعالى أن نكون: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}(الصفّ: 4)." [13 ربيع الأوّل 1426 هـ / 22-04-2005م].

وأضاف: "وقد ذكرت كتب السّيرة، أنّ اليهود الّذين كانوا يعيشون مع المسلمين في المدينة، تعقّدوا من وحدة المسلمين، بعد أن كان أهلها من الأنصار من عشيرتي الأوس والخزرج يتقاتلون لعشرات السّنين، وأراد اليهود أن يثيروا العصبيّات فيما بين العشيرتين، بعد أن أسقط الإسلام كلّ حميّة تنطلق من الجاهليّة، وجمعهم على الإسلام، فبدأ اليهود بإثارة كلّ الأوضاع التاريخيّة المعقّدة بينهما، وانطلقت هذه العصبيّة من خلال بعض نقاط الضّعف فيهما، حتّى تعاظمت العصبيّة وتنادوا: "السلاح، السلاح"، وجاء الخبر إلى رسول الله(ص): "أدرك المسلمين"، لأنّ هناك خطر الانقسام والفتنة بينهم، فجاء النبيّ(ص) وخاطبهم بكلّ وداعة ورحمة ومحبّة، وقال لهم وهو يؤنّبهم بكلّ محبّة: "أكفراً بعد إيمان؟!"، لقد آمنتم بالله ورسوله، وانطلقتم بوحدة إيمانيّة رساليّة، وتحرّكتم مع النبيّ لتتبعوا النّور الّذي أُنزل معه، لتشرق عقولكم وقلوبكم وعلاقاتكم في إشراقة المحبّة والرّحمة والوحدة. وعندما رأوا هذا الموقف من النبيّ(ص) في كلّ خطابه النبويّ الأبويّ الرّساليّ، اعتذروا إليه، وأنزل الله تعالى هذه الآية: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(آل عمران: 103)".

وتابع: "ووقف النبيّ(ص) في حجّة الوداع في منى، وقال لهم: "أيّ بلد هذا؟"، قالوا: البلد الحرام، قال: "فأيّ يوم هو هذا؟"، قالوا: اليوم الحرام، فقال: "فأيّ شهر هو هذا؟"، قالوا: الشَّهر الحرام، فقال: "إنّ الله حرّم أموالكم ودماءكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا"، "ألا لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض". لقد أراد النبيّ(ص)أن يصنع أمّة مسلمة يحترم فيها المسلم مال المسلم الآخر ودمه وعرضه وأمنه، ليكونوا قوّة في وجه الّذين يكيدون للإسلام وأهله، وهذا ما أراد الله للأمّة كلّها في جميع مراحلها التاريخيّة أن تلتزم به، حتّى ورد أنّ المسلم هو من سلم النّاس من يده ولسانه، وأنّ المؤمن من ائتمنه النّاس على أموالهم وأعراضهم".

أمانة في أعناق المسلمين
وخلص إلى أنّ "علينا في هذه الذّكرى أن نتوحّد بالله الواحد، والرّسول الواحد، والشريعة الواحدة، والقرآن الواحد، وأن نتوحّد بالمستقبل الواحد. إنّ رسول الله يقول لكم وهو في عليائه: إنّ الإسلام هو أمانة الله في أعناقكم، وعليكم أن لا تخونوا الله والرّسول. إنّ كلّ من يثير الفتنة بين الشيعة أنفسهم، وبين السنّة أنفسهم، وبين السنّة والشّيعة، هو خائن لله وخائن لرسول الله. إنّ علينا أن ننطلق في احتفالنا بمولد النبيّ(ص) من خلال الوحدة، لنقول له: يا رسول الله، لقد وحّدتنا بالإسلام، ونريد منك أن تدعو الله وأنت في عليائك، أن يوفّقنا للسّير في خطّ هذه الوحدة".

هذا بعضٌ مما ورد من كلمات سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، الّذي عاش حياته كلّها من أجل الإسلام، وفي سبيل انطلاقة الأمّة الواعية والعقلانيَّة، بعيداً عن التخلّف والجهل والعصبيّة، وكان يدعو دائماً الى التبصّر بالأمور، وقراءة ما بين السّطور. فهل سنسير في خطّ الوحدة الّذي دعانا إليه، خطّ الإسلام الأصيل، أم سنسير في طريق الفتنة الّتي لا تبقي ولا تذر، ونكون مصداقاً لما روي عن رسول الله(ص): "لا ترجعنّ بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"؟!
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية