بروحيَّةٍ إيمانية، وبقلبٍ كبير، كان السيِّد يقطع العمر مجتازاً دُجى الحقدِ والتخلُّف والانغلاق، وكان يأمل دوماً بأن يفتحَ عيون الآخرين من حوله على النُّور والحبِّ، محاولاً زرْع الوردِ، لأنَّه في أدعيته وابتهالاته كان يشعرُ بالفيض الإلهي المقدّس، حيث يقول في قصيدةٍ بعنوان في "رحاب الفضاء"، وهي المطوّلة الشعرية التي نظمها وهو في الطائرة بين لندن وبيروت، بتاريخ 20/3/1978م:
"كلُّ هذا الشعور فيضُ أحاسيسٍ أثارَتْ مع الرَّبـيعِ غِنَائـِي
أنا روح تصفو كما يلتقي الينبوعُ بالصَّحو في ابتسامِ السّماءِ
وحيُها في جنائِنِ الله، في أحلامِهَا الخُضْرِ في خشوعِ الدُّعَـاءِ "
وتبقى نداءاتُ القلبِ!
وتمتمـاتُ اللِّسانِ!
وهمساتُ الوجدانِ!
"ضُمَّني في بحيرة الحبّ إنّي أقطعُ العُمرَ في دُجى البغَضاءِ
المغنُّـون في الظِّلالِ كثـيرون بوحي النّوازِعِ السّوداءِ
يُرهقونَ الحياة، بالـحقدِ إمَّا فتَّحَ الحبُّ أعينَ الأحياء"
ويأتي الحبُّ! ليبدعَ السيِّد حبّاً، وليكون الدين هوى وحبّاً، "وهل الدِّين إلاَّ الحبّ!؟"، وأيُّ حـبٍّ أعـظمُ من الحبِّ الإلـهي!؟
{قلْ إن كنتم تحبُّون الله فاتّبعوني يُحـببْكم اللهْ}[آل عمران: 31]، ولقـد أحـبَّ السيِّد الله بكل جـوارحه، فكان دعاؤه حباً، وصلاته حبّاً، وطهره حبّاً، ويقينه حبّاً، وإيمانه حبّاً، والتزامه بصراط الله حبّاً، فأحبَّ الله حبّ الحياةِ، وحبَّ السّماح الضّحوك، وحبَّ التقوى والمغفرة. وقد ترجم سماحته هذا الحبّ في مطوَّلته الخالدة "أحبُّك يا ربِّ"، وهي القصيدة الَّتي جادت بها قريحته وهو في الطّائرة بين طهران ومشهد العام 1398هـ، فالسَّفر يجدِّد الإنسان ويمنحه الحيويّة والروعة والهناء. ألم يقل أبو تمّام:
"وطولُ مقام المرءِ في الحيِّ مُخـلقٌ لديبـاجـتيهِ فاغتـربْ تتـجدَّدِ
فإنّي رأيتُ الشمس زيدت محبَّـةً على النّاس أنْ ليسَتْ عليهم بسرمدِ"
يأتي الحبُّ ليوقد في قلب السيِّد انسياب الوحي، وغراس الربيع، والدعوة إلى النُّور، وهبات الربّ العظيم وآلائه، والنُّعميات، والسّماح، والمحبّة، والضّياء؛ يقولُ السيِّد في رائعته "أحبُّك يا ربّ":
أحـبُّك، يا ربّ، حُبَّ الحيـاة ِ يفيـضُ على جانبيها السَّناءُ
وينسابُ ـ في وحيهاـ وحيُك الذي سبـحت حوله الأَّنبياءُ
يُحـرِّكُ في جانـحيَّ الطموح فتدفع خطـوي إليك السّماءُ
ويلهبني الشوقُ أن أقطع الطريق إلى حيـث يزهـو الرّجـاءُ
إلى حيثُ ألقـاك في كلِّ روحٍ تفايـضَ في مقلتيها الصّـفاءُ
تعيـشُ لتـزهو غراسُ الربيـعِ فيضحَكُ في الحقـلِ وردٌ وماءُ
ويهمي الجمالُ، كما انهلَّ فـجرٌ يرفـرفُ في شفـتيه الـرّواءُ
فأنت ـ إلهي ـ مع السَّـائرين إلى الشَّمسِ حيث يطـوفُ الضّياءُ…"
ولا شكَّ في أنّ للحبِّ ما يُبَرِّرُهُ،
{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا}[النحل: 18]، {فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن: 13]، فالسيِّدُ الداعية المسلم يجتاحُه الحبّ، وأيّ حُبٍّ هو هذا الحبّ!
"أحبُّك يا ربّ حـُبَّ الـحياةِ تفـجَّرَ في راحـتيها العـطـاءُ
فمنـك الوجـودُ بـكُلِّ رؤاهُ بكـُلِّ ذراهُ ومــنك الرَّخـاءُ
وأنت نثرْت اخضـرارَ الربيـع على الأراضِ فاهتـزَّ فيه الـنّماءُ
ومِنْكَ الشُّعاعُ الـذي يستـحِمُّ على ضفّـتيهِ الهُـدَى والـهناءُ
يُرفرِفُ في الفـجرِ نـوراً تُثـيرُ لنا الدفءَ منه المعـاني الوضـَاءُ
وينـسابُ في لفـتاتِ المسـاء فيعـذبُ كالـحلمِ فيـه الهواءُ
ونعـماك كُلُّ انطلاقِ الـحياةِ يطـوفُ بأقداسـهَا الأصفـياءُ
وأنتَ الذي تـمنَحُ المتــعبين نـَداكَ فيـذهبُ فـيه العـنَاءُ
وماذا أقـولُ: أَأُحصي نــدَاكَ... ويلهـثُ في مقـلتيَّ الـحياءُ
ومن يستطيعُ أن يُحصي ندى الله؟
وأيَّةُ نعمةٍ لم تسْرِ ترعةً من نبعِ العطاء الإلهي؟!
وأيُّ وجودٍ هو خارج ذات الله؟!
فلئن بيَّن سماحةُ السيِّد بعضَ أسبابِ حُبِّهِ لله، وعشقِهِ له، فالله تعالى جلّ عما يفيض الكلام به، فهو المعبود في كلِّ مكان، والمسَّبح في كلِّ زمان، والمحبوب من موجوداته وبني الإنسان.
المصدر: كتاب "مطارحات في الشعر والفن والأدب"
بروحيَّةٍ إيمانية، وبقلبٍ كبير، كان السيِّد يقطع العمر مجتازاً دُجى الحقدِ والتخلُّف والانغلاق، وكان يأمل دوماً بأن يفتحَ عيون الآخرين من حوله على النُّور والحبِّ، محاولاً زرْع الوردِ، لأنَّه في أدعيته وابتهالاته كان يشعرُ بالفيض الإلهي المقدّس، حيث يقول في قصيدةٍ بعنوان في "رحاب الفضاء"، وهي المطوّلة الشعرية التي نظمها وهو في الطائرة بين لندن وبيروت، بتاريخ 20/3/1978م:
"كلُّ هذا الشعور فيضُ أحاسيسٍ أثارَتْ مع الرَّبـيعِ غِنَائـِي
أنا روح تصفو كما يلتقي الينبوعُ بالصَّحو في ابتسامِ السّماءِ
وحيُها في جنائِنِ الله، في أحلامِهَا الخُضْرِ في خشوعِ الدُّعَـاءِ "
وتبقى نداءاتُ القلبِ!
وتمتمـاتُ اللِّسانِ!
وهمساتُ الوجدانِ!
"ضُمَّني في بحيرة الحبّ إنّي أقطعُ العُمرَ في دُجى البغَضاءِ
المغنُّـون في الظِّلالِ كثـيرون بوحي النّوازِعِ السّوداءِ
يُرهقونَ الحياة، بالـحقدِ إمَّا فتَّحَ الحبُّ أعينَ الأحياء"
ويأتي الحبُّ! ليبدعَ السيِّد حبّاً، وليكون الدين هوى وحبّاً، "وهل الدِّين إلاَّ الحبّ!؟"، وأيُّ حـبٍّ أعـظمُ من الحبِّ الإلـهي!؟
{قلْ إن كنتم تحبُّون الله فاتّبعوني يُحـببْكم اللهْ}[آل عمران: 31]، ولقـد أحـبَّ السيِّد الله بكل جـوارحه، فكان دعاؤه حباً، وصلاته حبّاً، وطهره حبّاً، ويقينه حبّاً، وإيمانه حبّاً، والتزامه بصراط الله حبّاً، فأحبَّ الله حبّ الحياةِ، وحبَّ السّماح الضّحوك، وحبَّ التقوى والمغفرة. وقد ترجم سماحته هذا الحبّ في مطوَّلته الخالدة "أحبُّك يا ربِّ"، وهي القصيدة الَّتي جادت بها قريحته وهو في الطّائرة بين طهران ومشهد العام 1398هـ، فالسَّفر يجدِّد الإنسان ويمنحه الحيويّة والروعة والهناء. ألم يقل أبو تمّام:
"وطولُ مقام المرءِ في الحيِّ مُخـلقٌ لديبـاجـتيهِ فاغتـربْ تتـجدَّدِ
فإنّي رأيتُ الشمس زيدت محبَّـةً على النّاس أنْ ليسَتْ عليهم بسرمدِ"
يأتي الحبُّ ليوقد في قلب السيِّد انسياب الوحي، وغراس الربيع، والدعوة إلى النُّور، وهبات الربّ العظيم وآلائه، والنُّعميات، والسّماح، والمحبّة، والضّياء؛ يقولُ السيِّد في رائعته "أحبُّك يا ربّ":
أحـبُّك، يا ربّ، حُبَّ الحيـاة ِ يفيـضُ على جانبيها السَّناءُ
وينسابُ ـ في وحيهاـ وحيُك الذي سبـحت حوله الأَّنبياءُ
يُحـرِّكُ في جانـحيَّ الطموح فتدفع خطـوي إليك السّماءُ
ويلهبني الشوقُ أن أقطع الطريق إلى حيـث يزهـو الرّجـاءُ
إلى حيثُ ألقـاك في كلِّ روحٍ تفايـضَ في مقلتيها الصّـفاءُ
تعيـشُ لتـزهو غراسُ الربيـعِ فيضحَكُ في الحقـلِ وردٌ وماءُ
ويهمي الجمالُ، كما انهلَّ فـجرٌ يرفـرفُ في شفـتيه الـرّواءُ
فأنت ـ إلهي ـ مع السَّـائرين إلى الشَّمسِ حيث يطـوفُ الضّياءُ…"
ولا شكَّ في أنّ للحبِّ ما يُبَرِّرُهُ،
{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا}[النحل: 18]، {فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن: 13]، فالسيِّدُ الداعية المسلم يجتاحُه الحبّ، وأيّ حُبٍّ هو هذا الحبّ!
"أحبُّك يا ربّ حـُبَّ الـحياةِ تفـجَّرَ في راحـتيها العـطـاءُ
فمنـك الوجـودُ بـكُلِّ رؤاهُ بكـُلِّ ذراهُ ومــنك الرَّخـاءُ
وأنت نثرْت اخضـرارَ الربيـع على الأراضِ فاهتـزَّ فيه الـنّماءُ
ومِنْكَ الشُّعاعُ الـذي يستـحِمُّ على ضفّـتيهِ الهُـدَى والـهناءُ
يُرفرِفُ في الفـجرِ نـوراً تُثـيرُ لنا الدفءَ منه المعـاني الوضـَاءُ
وينـسابُ في لفـتاتِ المسـاء فيعـذبُ كالـحلمِ فيـه الهواءُ
ونعـماك كُلُّ انطلاقِ الـحياةِ يطـوفُ بأقداسـهَا الأصفـياءُ
وأنتَ الذي تـمنَحُ المتــعبين نـَداكَ فيـذهبُ فـيه العـنَاءُ
وماذا أقـولُ: أَأُحصي نــدَاكَ... ويلهـثُ في مقـلتيَّ الـحياءُ
ومن يستطيعُ أن يُحصي ندى الله؟
وأيَّةُ نعمةٍ لم تسْرِ ترعةً من نبعِ العطاء الإلهي؟!
وأيُّ وجودٍ هو خارج ذات الله؟!
فلئن بيَّن سماحةُ السيِّد بعضَ أسبابِ حُبِّهِ لله، وعشقِهِ له، فالله تعالى جلّ عما يفيض الكلام به، فهو المعبود في كلِّ مكان، والمسَّبح في كلِّ زمان، والمحبوب من موجوداته وبني الإنسان.
المصدر: كتاب "مطارحات في الشعر والفن والأدب"