زواج الأمير(ع) من السيّدة الزهراء(ع)

زواج الأمير(ع) من السيّدة الزهراء(ع)

إنّ عليّاً لم يذكر فاطمة طيلة حياته لأيّ أحد، ولم يذكر رغبته حياءً من رسول اللّه(صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله)، ثم ظروفه الاقتصادية يومذاك كانت قاسية جدّاً، فما كان يملك من حطام الدنيا أموالاً، ولا يملك في المدينة داراً ولا عقاراً، فكيف يتزوَّج؟ وأين يتزوّج؟ وأين يسكن؟

وليست السيدة الزهراء بالمرأة التي يُستهان بها في زواجها!

ولكن، لما كان المقصود من الزواج تشكيل البيت الزوجي، وتأْسيس الصرح العائلي، ولم تكن قضية الجنس في طليعة الهدف، بل كانت في ضمن الزواج، فقد جاء الإسلام ليفتح الأغلال والتقاليد التي حبست على الناس سنّة الزواج، وشدّدت عليهم هذا الأمر الّذي يعتبر من ضروريات الفطرة، ومن لوازم نظام البقاء والحياة الزوجية والعائلية.

فقد أصبح الزواج - بفضل الإسلام - أمراً سهلاً مستسهلاً، فالتعصّب القبَلي والعنصري قد أشرف على الزوال، وكان الرسول في دَور التّكوين، وهو القدوة والأُسوة للمسلمين، وحركاته وسكناته، وأعماله وأفعاله ستكون حجّة ودليلاً عند المسلمين، فكان الرسول يحارب تقاليد الجاهلية وعادات الكفر باللّسان واليد، قولاً وفعلاً.

فقد أتاه عليّ يخطب منه ابنته فاطمة، والنبيّ (صلى‌الله عليه ‌وآله) له الولاية العامة على جميع المسلمين والمسلمات، وعلى ابنته ومَن عداها، ولكنّه (صلى‌الله ‌عليه ‌وآله) حفظ لفاطمة كرامتها، ولم يعلن موافقته للزواج قبل الاستئذان من فاطمة، وبعمله هذا، أعلن أنّه لا بدّ من موافقة البنت؛ لأنّها هي التي تريد أن تعيش مع زوجها، وتكون شريكة حياته، ويكون شريك حياتها.

إنّ تزويج البنت بغير إذنها أو موافقتها إهدار لكرامتها، وتحقير لنفسيّتها، وتحطيم لشخصيّتها، وتصريح عمليّ لها أنّها لا يحقّ لها إبداء رأيها حول انتخاب الزوج، فكأنّها بهيمة أو داجنة تباع وتوهب بلا إذن منها أو موافقة.

فقال الرسول: يا عليّ، قد ذكرها قبلك رجال، فذكرت ذلك لها، فرأيت الكراهة في وجهها، ولكن على رسلك حتى أخرج إليك.

قام الرسول وترك عليّاً جالساً ينتظر النتيجة. ودخل على ابنته فاطمة، وأخبرها بأنَّ عليّاً جاء يطلب يدها؛ ربّما يحتاج الأب إلى أن يخبر ابنته عمّن جاء يخطبها، ويذكر لها أوصافه من حيث العمر والمهنة وبقيّة الخصوصيات إذا لم يكن معروفاً، لتكون البنت على علم وبصيرة

ولكن هنا لا حاجة إلى ذلك، فعليّ (عليه‌ السلام) أعرف من أن يعرّف، وفاطمة تعرف عليّاً وتعرف سوابقه ومواهبه وفضائله، ولا تجهل شيئاً. فاكتفى الرّسول بأن قال: يا فاطمة، إنّ عليّ بن أبي طالب مَن قد عرفتِ قرابته وفضله وإسلامه، وإنّي قد سألت ربّي أن يزوِّجك خير خلقه، وأحبَّهم إليه، وقد ذكر عن أمرك شيئاً، فما ترين؟

فسكتت، ولم تولّ وجهها، ولم ير فيها رسول الله (صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله) كراهة، فقام وهو يقول: الله أكبر! سكوتها إقرارها.

اعتبر الرسول سكوتها موافقة ورضىً منها على الزواج؛ إذ لا ينتظر من الفتاة البكر الحييّة (ذات الحياء) أن تصرّح بموافقتها، بل ينتظر منها التصريح بالمخالفة والرفض عند عدم الموافقة؛ لأنَّ الحياء يمنع التصريح بالموافقة، ولا يمنع التصريح بالرفض.

ورجع النبي إلى عليّ وهو ينتظر، فأخبره بالموافقة، وسأله عن مدى استعداده لاتخاذ التدابير اللازمة لهذا الشأن، إذ لا بدّ من الصداق شرعاً وعرفاً، وسيكون هذا الزواج مثالياً نموذجياً، ويكون له صدىً ودويّ على مَرّ الأجيال، فلا بدّ من رعاية جميع جوانبه، ولا يصحّ إهمال أي ناحية منه مع رعاية البساطة:

فقال النبيّ لعليّ: هل معك شيء أزوّجك به؟

فقال عليّ: فداك أبي وأمي! والله لا يخفى عليك من أمري شيء، أملك سيفي ودرعي وناضحي!!.

هذه ثروة علي، وجميع ما يملكه من حطام الدنيا وهو مقبل على الزواج.

تلقّى كلامه برحابة صدر، وقال: يا عليّ! أمّا سيفك فلا غنى بك عنه، تجاهد به في سبيل الله، وتقاتل به أعداء الله، وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك، وتحمل عليه رحلك في سفرك، ولكنّي قد زوَّجتك بالدّرع ورضيت بها منك، بِع الدّرع وائتني بثمنها!!

كان عليّ (عليه ‌السلام) قد أصاب هذه الدرع من مغانم غزوة بدر، كما ذكره العسقلاني في (الإصابة ج٤، ص٣٦٥) وقد كان النبيّ أعطاه إيّاها، وكانت تسمَّى (الحطمية)، لأنّها كانت تحطِّم السيوف، أي تكسِّرها، كما في (لسان العرب).

فباع عليّ (عليه‌ السلام) الدرع بأربعمائة وثمانين أو بخمسمائة درهم، وجاء بالدراهم إلى النبيّ (صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله) وطرحها بين يديه، وتمَّ الوفاق على أن يكون ثمن الدّرع صداقاً لأشرف فتاة في العالم، وأفضل أُنثى في الكون، وهي سيّدة نساء العالمين، وبنت سيّد الأنبياء والمرسلين وأشرف المخلوقين!!

زوَّج رسول الله (صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله) ابنته الطاهرة من عليّ بن أبي طالب بهذه البساطة والسهولة، ليفكِّك أغلال التقاليد التي قيَّد الناس بها أنفسهم. لقد صنع رسول الله (صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله) ما صنع، ليقتدي به الناس الذين هم دونه في الشّرف والمنزلة بملايين الدرجات.

وزوَّج ابنته، وهي سيّدة نساء العالمين، بمهر قليل، كي لا تستنكف الفتاة المسلمة أن تتزوّج بمهر قليل. وغير ذلك من الحِكَم والفوائد الّتي لا مجال لذكرها هنا، فقد جرى كلّ هذا في الأرض.

*من كتاب "فاطمة الزهراء (ع) من المهد إلى اللّحد".

إنّ عليّاً لم يذكر فاطمة طيلة حياته لأيّ أحد، ولم يذكر رغبته حياءً من رسول اللّه(صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله)، ثم ظروفه الاقتصادية يومذاك كانت قاسية جدّاً، فما كان يملك من حطام الدنيا أموالاً، ولا يملك في المدينة داراً ولا عقاراً، فكيف يتزوَّج؟ وأين يتزوّج؟ وأين يسكن؟

وليست السيدة الزهراء بالمرأة التي يُستهان بها في زواجها!

ولكن، لما كان المقصود من الزواج تشكيل البيت الزوجي، وتأْسيس الصرح العائلي، ولم تكن قضية الجنس في طليعة الهدف، بل كانت في ضمن الزواج، فقد جاء الإسلام ليفتح الأغلال والتقاليد التي حبست على الناس سنّة الزواج، وشدّدت عليهم هذا الأمر الّذي يعتبر من ضروريات الفطرة، ومن لوازم نظام البقاء والحياة الزوجية والعائلية.

فقد أصبح الزواج - بفضل الإسلام - أمراً سهلاً مستسهلاً، فالتعصّب القبَلي والعنصري قد أشرف على الزوال، وكان الرسول في دَور التّكوين، وهو القدوة والأُسوة للمسلمين، وحركاته وسكناته، وأعماله وأفعاله ستكون حجّة ودليلاً عند المسلمين، فكان الرسول يحارب تقاليد الجاهلية وعادات الكفر باللّسان واليد، قولاً وفعلاً.

فقد أتاه عليّ يخطب منه ابنته فاطمة، والنبيّ (صلى‌الله عليه ‌وآله) له الولاية العامة على جميع المسلمين والمسلمات، وعلى ابنته ومَن عداها، ولكنّه (صلى‌الله ‌عليه ‌وآله) حفظ لفاطمة كرامتها، ولم يعلن موافقته للزواج قبل الاستئذان من فاطمة، وبعمله هذا، أعلن أنّه لا بدّ من موافقة البنت؛ لأنّها هي التي تريد أن تعيش مع زوجها، وتكون شريكة حياته، ويكون شريك حياتها.

إنّ تزويج البنت بغير إذنها أو موافقتها إهدار لكرامتها، وتحقير لنفسيّتها، وتحطيم لشخصيّتها، وتصريح عمليّ لها أنّها لا يحقّ لها إبداء رأيها حول انتخاب الزوج، فكأنّها بهيمة أو داجنة تباع وتوهب بلا إذن منها أو موافقة.

فقال الرسول: يا عليّ، قد ذكرها قبلك رجال، فذكرت ذلك لها، فرأيت الكراهة في وجهها، ولكن على رسلك حتى أخرج إليك.

قام الرسول وترك عليّاً جالساً ينتظر النتيجة. ودخل على ابنته فاطمة، وأخبرها بأنَّ عليّاً جاء يطلب يدها؛ ربّما يحتاج الأب إلى أن يخبر ابنته عمّن جاء يخطبها، ويذكر لها أوصافه من حيث العمر والمهنة وبقيّة الخصوصيات إذا لم يكن معروفاً، لتكون البنت على علم وبصيرة

ولكن هنا لا حاجة إلى ذلك، فعليّ (عليه‌ السلام) أعرف من أن يعرّف، وفاطمة تعرف عليّاً وتعرف سوابقه ومواهبه وفضائله، ولا تجهل شيئاً. فاكتفى الرّسول بأن قال: يا فاطمة، إنّ عليّ بن أبي طالب مَن قد عرفتِ قرابته وفضله وإسلامه، وإنّي قد سألت ربّي أن يزوِّجك خير خلقه، وأحبَّهم إليه، وقد ذكر عن أمرك شيئاً، فما ترين؟

فسكتت، ولم تولّ وجهها، ولم ير فيها رسول الله (صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله) كراهة، فقام وهو يقول: الله أكبر! سكوتها إقرارها.

اعتبر الرسول سكوتها موافقة ورضىً منها على الزواج؛ إذ لا ينتظر من الفتاة البكر الحييّة (ذات الحياء) أن تصرّح بموافقتها، بل ينتظر منها التصريح بالمخالفة والرفض عند عدم الموافقة؛ لأنَّ الحياء يمنع التصريح بالموافقة، ولا يمنع التصريح بالرفض.

ورجع النبي إلى عليّ وهو ينتظر، فأخبره بالموافقة، وسأله عن مدى استعداده لاتخاذ التدابير اللازمة لهذا الشأن، إذ لا بدّ من الصداق شرعاً وعرفاً، وسيكون هذا الزواج مثالياً نموذجياً، ويكون له صدىً ودويّ على مَرّ الأجيال، فلا بدّ من رعاية جميع جوانبه، ولا يصحّ إهمال أي ناحية منه مع رعاية البساطة:

فقال النبيّ لعليّ: هل معك شيء أزوّجك به؟

فقال عليّ: فداك أبي وأمي! والله لا يخفى عليك من أمري شيء، أملك سيفي ودرعي وناضحي!!.

هذه ثروة علي، وجميع ما يملكه من حطام الدنيا وهو مقبل على الزواج.

تلقّى كلامه برحابة صدر، وقال: يا عليّ! أمّا سيفك فلا غنى بك عنه، تجاهد به في سبيل الله، وتقاتل به أعداء الله، وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك، وتحمل عليه رحلك في سفرك، ولكنّي قد زوَّجتك بالدّرع ورضيت بها منك، بِع الدّرع وائتني بثمنها!!

كان عليّ (عليه ‌السلام) قد أصاب هذه الدرع من مغانم غزوة بدر، كما ذكره العسقلاني في (الإصابة ج٤، ص٣٦٥) وقد كان النبيّ أعطاه إيّاها، وكانت تسمَّى (الحطمية)، لأنّها كانت تحطِّم السيوف، أي تكسِّرها، كما في (لسان العرب).

فباع عليّ (عليه‌ السلام) الدرع بأربعمائة وثمانين أو بخمسمائة درهم، وجاء بالدراهم إلى النبيّ (صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله) وطرحها بين يديه، وتمَّ الوفاق على أن يكون ثمن الدّرع صداقاً لأشرف فتاة في العالم، وأفضل أُنثى في الكون، وهي سيّدة نساء العالمين، وبنت سيّد الأنبياء والمرسلين وأشرف المخلوقين!!

زوَّج رسول الله (صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله) ابنته الطاهرة من عليّ بن أبي طالب بهذه البساطة والسهولة، ليفكِّك أغلال التقاليد التي قيَّد الناس بها أنفسهم. لقد صنع رسول الله (صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله) ما صنع، ليقتدي به الناس الذين هم دونه في الشّرف والمنزلة بملايين الدرجات.

وزوَّج ابنته، وهي سيّدة نساء العالمين، بمهر قليل، كي لا تستنكف الفتاة المسلمة أن تتزوّج بمهر قليل. وغير ذلك من الحِكَم والفوائد الّتي لا مجال لذكرها هنا، فقد جرى كلّ هذا في الأرض.

*من كتاب "فاطمة الزهراء (ع) من المهد إلى اللّحد".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية